أهمية زيارة وزير الخارجية الإيراني لجنيف

https://rasanah-iiis.org/?p=30821

أجرى وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان زيارة مؤخَّرًا إلى جنيف؛ لحضور الدورة 52 لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في 27 فبراير. انسحب العديد من المشاركين والممثِّلين، أثناء خطاب وزير الخارجية الإيراني في الجلسة؛ احتجاجًا على حملة القمع العنيفة، التي يمارسها النظام الإيراني ضد المتظاهرين. وتحوَّل قرار دعوة عبد اللهيان للتحدُّث في مجلس حقوق الإنسان، إلى نقطة خلاف، وأثار انتقادات من مختلف منظَّمات حقوق الإنسان. الجدير بالذكر هُنا، أنَّ زيارة عبد اللهيان إلى جنيف تعكس المحاولات التي تبذلها طهران من أجل تغيير طبيعة الخطاب المتعلِّق بوضع حقوق الإنسان في إيران.

كما يعكس توقيت وسياق زيارة عبد اللهيان المحاولات، التي تبذلها إيران من أجل تحسين صورتها أمام المجتمع الدولي في خِضَم الانتقادات المتزايدة من الدول الغربية. وقد علَّق عضو البرلمان السويدي علي رضا أخوندي على وجود عبد اللهيان في جنيف، بقوله «إنَّه يوم مخجل للأمم المتحدة بسماحها لممثِّلي النظام الإجرامي بالتحدُّث هُنا عن حقوق الإنسان». وردًّا على سؤال من الصحافة، قال المتحدِّث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس: إنَّ سجلّ إيران في مجال حقوق الإنسان «مُشين»، وتعتقد إدارة بايدن أنَّ ظهور عبد اللهيان في جنيف، بمثابة «تذكير مزعج للعالم بنفاق النظام الإيراني، الذي يواصل قمع الاحتجاجات السلمية بعنف، وتحدي دعوة المجتمع الدولي لمراعاة حقوق الإنسان». ووصف المقرِّر الخاص للأمم المتحدة المعني بحالة حقوق الإنسان في إيران، جاويد رحمن، في وقت سابق، بأنَّها نتاج الحصانة المستعصية، و«عدم توفر الحلول لمعالجة الانتهاكات السابقة».

وقال عبد اللهيان خلال خطابه، إنَّه لا يُوَجد لأيّ بلد سجلّ مثالي في مجال حقوق الإنسان، مضيفًا أنَّ فكرة حقوق الإنسان غير موضوعية. ويتطرَّق عبد اللهيان مرارًا وتكرارًا إلى أوجه التشابه مع الوضع في فلسطين، وجاء ذلك ردًّا على أسئلة حول القمع العنيف للاحتجاجات في إيران. وتطرَّق في مقابلة أُجريت معه مؤخَّرًا، إلى مقتل شيرين أبو عاقلة، وأثار التساؤلات حول «ازدواجية المعايير» في وسائل الإعلام الغربية. ومن خلال هذه التصريحات، حاول عبد اللهيان اللعب على أوتار عواطف شعوب الشرق الأوسط وغيرهم، من خلال إثارة قضايا عاطفية لا علاقة لها بسجلّ إيران في مجال حقوق الإنسان. ويعكس خطاب عبد اللهيان في مجلس حقوق الإنسان مناورات إيران الدبلوماسية الأخيرة؛ لتقليل الضرر الناجم عن العُزلة الدولية. وفي هذا السياق، يمكن ملاحظة بعض النقاط المهمة. أولًا: أثار قرار دعوة عبد اللهيان انتقادات عدّة منظَّمات لحقوق الإنسان. ودعا مفوَّض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك، في وقت سابق، إلى احترام الأرواح، والاستماع إلى مظالم الشعب الإيراني، ووجَّه مكتب المفوَّض تحذيرًا إلى المجتمع الدولي حول كيفية قيام النظام الإيراني بعسكرة الإجراءات الجنائية وعقوبة الإعدام. وعلاوةً على ذلك، ومنذ اتّساع رقعة الاحتجاجات في إيران، أعربت الأمم المتحدة في عدّة مناسبات عن مخاوفها من الاستخدام المفرط للقوة ضد المتظاهرين على يد النظام الإيراني. ثانيًا: تعكس ردود أفعال الدول الأوروبية مدى تبايُن التوجهات في خِضَم الضغوطات من أجل اتّخاذ إجراءات صارمة ضد النظام الإيراني؛ إذ أثار النداء العلني، الذي وجَّهه مرصد الأمم المتحدة لجميع الدول الأعضاء في مجلس حقوق الإنسان بالانسحاب خلال خطاب عبد اللهيان، ردودَ فعل متباينة. في الوقت الذي انسحب فيه بعض الممثِّلين والمشاركين احتجاجًا على دعوة الوزير الإيراني، أعرب آخرون عن استيائهم من وجود عبد اللهيان، إلّا أنَّهم بقوا جالسين طوال خطابه. ثالثًا: التقى عبد اللهيان خلال رحلته إلى جنيف بالعديد من نظرائه الأوروبيين، بالإضافة إلى مسؤولي الأمم المتحدة وممثِلي دول المنطقة الأخرى. وتجدُر الإشارة هُنا إلى أنَّه في أثناء زيارة عبد اللهيان الخارجية، وجهت منظمة الطاقة الذرية الإيرانية الدعوة إلى مسؤولي الوكالة الدولية للطاقة الذرية لزيارة إيران، في خِضَم الخلافات المستمرة. وصرَّح المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل جروسي، لدى عودته من طهران، أنَّ إيران وافقت على إعادة تشغيل كاميرات المراقبة، التي أزالتها في وقت سابق من مواقع نووية مختلفة. ومن خلال التواصل مع القادة الأوروبيين، وكذلك مع الأمم المتحدة والوكالة الدولية للطاقة الذرية، تعتزم إيران فتح قنوات للحوار، وتخفيف حدّة التوتُّرات؛ لأنَّها تواجه أزمة اقتصادية شديدة؛ وبالتالي تتعرَّض إلى ضغوط شديدة للحفاظ على اقتصادها من الانهيار.

في الختام، من الواضح تمامًا أنَّ النظام الإيراني يتعرَّض لضغوط شديدة؛ بسبب سجلّه السيء في مجال حقوق الإنسان، الذي يُسَلَّط عليه الضوء منذ اندلاع الاحتجاجات الإيرانية، إثر مقتل مهسا أميني في سبتمبر 2022م. وفاقمت قضايا تسمُّم تلميذات المدارس حجمَ الضغوطات على النظام الإيراني، إذ وُجِّهت إليه تهمٌ بتجاهل حالات التسمُّم، أو حتى بالتورُّط المباشر فيها. ويحتاج النظام إلى تحرُّكات في العلاقات العامة لتحسين صورته أمام الشعب الإيراني والمجتمع الدولي. ومن الواضح أنَّ زيارة عبد اللهيان لجنيف لم تحقِّق الهدف المرجو منها، بل على العكس، تعرَّض الوزير إلى انتقادات لحضوره، وسلَّطت منظَّمات حقوق الإنسان الضوءَ على الانتهاكات، التي يمارسها النظام الإيراني. وكان انسحاب الممثلين والمشاركين بمثابة ضربة كبيرة لمساعي النظام لتحسين صورته؛ لأن سجلّه انفضحَ على الساحة الدولية. باتت انتهاكات النظام واضحة أمام مرأى الجميع، بأدلّة موثَّقة، ولذلك سوف تذهب محاولات تحسين صورته أدراج الرياح. كما أنَّ الانتهاكات التي يرتكبها النظام في اليمن والعراق وسوريا بواسطة ميليشياته معروفة وموثَّقة جيِّدًا، ولن يغيِّر التجمُّل الإيراني الحقائق على الأرض، أو يحجب الرأي العام العالمي عن رؤية الحقيقة.

المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
إدارة التحرير