قام وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان بزيارة الأردن، مؤخَّرًا؛ لحضور «مؤتمر بغداد الثاني للتعاون والشراكة»، الذي عُقد في 20 ديسمبر 2022م، حيث جمع قادةً وممثلين من جميع أنحاء المنطقة وأوروبا وتركيا. ويهدُف هذا المؤتمر إلى البناء على ما تحقَّق في «مؤتمر بغداد الأول»؛ لدعم أهداف العراق المتمثلة في تحقيق الأمن والاستقرار والسيادة. جاءت مشاركة عبد اللهيان في المؤتمر في خِضَم الاحتجاجات الإيرانية، التي لا تزال مستعرة، وأيضًا هجمات الحرس الثوري الإيراني الأخيرة عبر الحدود ضد الجماعات الكردية في شمال العراق. وأظهرت مشاركة إيران واللقاءات، التي عُقِدت على هامش المؤتمر، رغبةَ طهران في إبراز قدرتها الدبلوماسية وحماية مصالحها الإستراتيجية طويلة الأمد في العراق.
لقد سلَّط الوفدُ العراقي خلال المؤتمر الضوءَ على التحديات، التي يواجهها العراق في ظل النقص الكبير في المياه والكهرباء، فيما عقَّدت التقلُّبات السياسية والأزمات الاقتصادية والصراعات بالوكالة الوضعَ الداخلي في العراق. وركَّز جدول أعمال المؤتمر على تعزيز المصالح العراقية، من خلال التعاون والحوار والحد من الآثار المترتِّبة على التنافس الإقليمي؛ من أجل الحفاظ على سيادة واستقرار وأمن العراق. وتُعَدُّ مثل هذه المؤتمرات ضروريةً للمساعدة في إنعاش الاقتصاد العراقي، إذ بات من الضروري تقديم الدعم الإقليمي والدولي؛ لتحسين الظروف المحلية وكذلك لرأب الصدع بين الجهات الفاعلة المحلية.
أثار المؤتمر الكثيرَ من التكهُّنات، إزاءَ إمكانية استئناف المحادثات بين إيران والسعودية. وقال عبد اللهيان في تغريدة له، إنَّه أجرى «محادثات ودية» مع نظيره السعودي، على هامش المؤتمر. لقد توسَّط العراق في إجراء محادثات لإعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في الأشهر الستة عشر الماضية، لكن وعلى الرغم من عقد اجتماعات متعدِّدة، إلّا أنَّ المحادثات كان مصيرها الفشل. ووجَّهت الحكومة الإيرانية مؤخَّرًا اتّهامات إلى المملكة العربية السعودية بشنّ حربٍ دعائية ضدها، وانتقد قائد فيلق القدس إسماعيل قاآني مؤخَّرًا المملكة العربية السعودية، وحذَّرها من رد انتقامي. وعلاوةً على ذلك، تزيد مشاركة إيران في حرب اليمن من تعقيد الوضع الأمني الإقليمي؛ ما يعرقل إمكانية إجراء حوارٍ بنّاء بين طهران والرياض. بالإضافة إلى ذلك، فإنَّ الخلافات الحادة، وتضارب المصالح، وانعدام الثقة، والتهديدات والتحذيرات الخطابية التي تستهدف المملكة العربية السعودية، كل ذلك يُلقي بظلالٍ قاتم على إمكانية تحقيق تقدمٍ دبلوماسي في المستقبل القريب. هذا وتعكس مشاركة إيران في المؤتمر اعتبارات إيرانية عديدة؛ ففي السياق الراهن، جاءت زيارة عبد اللهيان إلى الأردن في خِضم التطوُّرات المحلية والإقليمية الرئيسية. أولًا: من المرجَّح أن تُحسِّن الحكومة العراقية الجديدة برئاسة محمد شياع السوداني علاقاتها مع طهران، بصورةٍ أفضل مما كان الحال عليه في الحكومات السابقة. وسارع المسؤولون الإيرانيون بالإشادة بالحكومة العراقية الجديدة، وسارع سفير طهران لدى بغداد محمد كاظم الصادق للقاء السوداني، وعبَّر له عن دعم بلاده الكامل لحكومته. وبالنظر إلى توجُّه الحكومة الجديدة الموالي لإيران، فإنَّه من المتوقَّع أن يستمر تدخُّل طهران في الشؤون العراقية، ومن المرجَّح أن تشهد الساحة العراقية انتشارًا لمزيد من الوكلاء الإيرانيين، وهذا يعني أنَّ البلاد سوف تبقى في حالة توتُّرٍ سياسي وأمني مستمر لبعض الوقت، وسوف يتوقَّف تمامًا مسار الحكومة السابقة من أجل تحقيق الاستقلال والسيادة العراقية. ثانيًا: تحرص إيران على حماية مصالحها ودعم نفوذها في العراق، ومن أجل تحقيق هذه الغاية تُدرك إيران أنَّه يجب عليها الانخراط دبلوماسيًا مع جميع أصحاب المصلحة الإقليميين والدوليين. ويمنح مؤتمر عمّان إيران وسيلةً للتواصل مع جميع الأطراف المعنية. كما أبرمت إيران في الأشهر الأخيرة عدَّة اتفاقيات تعاون مع العراق، إلّا أنَّ العلاقات التجارية بين البلدين تأثَّرت سلبًا؛ نظرًا للمعوقات التي تعترض آليات تطوير العلاقات التجارية الناجمة عن العقوبات والقيود الاقتصادية، التي تواجهها بغداد. وعلى الرغم من تراجُع حجم التجارة بين البلدين، لا تزال إيران شريكَ التصدير الرئيسي للعراق، وتسعى إيران أيضًا إلى ضمان سيطرتها على الاقتصاد العراقي، خاصةً أنَّ بغداد تتوقَّع الآن تعاونًا اقتصاديًا مع مجموعة كبيرة من الدول. ثالثًا: لا تزال إيران تتوخَّى الحذر من نفوذ القوى العربية في العراق، وتحرص على استعراض ثقلها الدبلوماسي في مثل هذه المؤتمرات. وكان هدف إيران الأكبر في المؤتمر، هو التأكد من أنَّ النتائج لن تضرّ بمصالحها ونفوذها في العراق. من المهم أن نلاحظ هُنا، أنَّ إيران كثيرًا ما استغلَّت تبعية العراق؛ من أجل خدمة مصالحها. على سبيل المثال، مارست إيران ضغوطات على بغداد في مناسبات عدَّة، من خلال التهديد بقطع إمدادات الطاقة في أوقات الأزمات. رابعًا: سلَّطت الاحتجاجات في إيران الضوءَ على الحكومة الإيرانية؛ بسبب ما مارستها من قمع وحشي على المتظاهرين. كما كانت هجمات إيران عبر الحدود، التي تستهدف الجماعات الكردية في شمال العراق، أحد بواعث القلق للقوى الإقليمية والدولية، على حدٍّ سواء. وعكست اجتماعات عبد اللهيان على هامش المؤتمر محاولات طهران من أجل التواصل مع الغرب، في ظل الانتقادات المتزايدة للحكومة الإيرانية؛ بسبب حملة القمع الوحشية، التي تمارسها ضد الاحتجاجات الشعبية والهجمات الإيرانية عبر الحدود في شمال العراق.
لا تتوافق وعودُ عبد اللهيان وتطميناته في المؤتمر، مع سلوك إيران الإقليمي، وتدخُّلاتها في الشؤون الداخلية للعراق. بالتأكيد لا يمكن لأيّ جهدٍ حقيقي لدعم العراق أن يكون فعّالًا، إذا استمرت إيران ووكلاؤها في إملاءاتهم على مسار وتوجُّهات الحكومة العراقية الجديدة، واستخدام الأراضي العراقية لتحقيق الأهداف الخاصة لإيران ووكلائها.