إيرانيون في الفريق الانتقالي لإدارة بايدن

https://rasanah-iiis.org/?p=23068

بواسطةسليمان حسين الوادعي

ضمَّت قائمةُ الفريق الانتقالي لإدارة جو بايدن خمسةَ أشخاصٍ مِن الخُبراء والأكاديميين ذوي الأصولِ الإيرانية؛ وقد تلقَّفت منصاتٌ إعلاميةٌ إيرانية هذه الأخبار بنظرةٍ تفاؤليةٍ مقرونةٍ بالإشادة بما قد ينعكسُ إيجابًا على العلاقة الإيرانية مع الولايات المتحدة بفعلِ الأدوارِ الحسَّاسة التي يضطلعُ بها هؤلاء الأفراد في الجهات التنفيذية، وهُم من ولِدوا في كنفِ أُسرٍ إيرانيةٍ مهاجرة، ولديهم وعيٌ هوياتي بمرجعياتهم الثقافية، وإن حمَلوا الجنسيةَ الأمريكية.  تتوافرُ تاريخياً حالاتٌ سابقة لأفرادٍ من أصولٍ إيرانية شغلوا مناصبَ حكومية مؤثّرة، ومن خلالِ استقصاء أدوارهم حينئذٍ وانعكاساتها على العلاقة مع إيران، وعبر تفنيد الأدوار الراهنة والخلفيات الأكاديمية للعناصر الخمسة المنضمّين لفريق بايدن الانتقالي، يكون بالإمكان تحديدُ ملامحِ التأثير واتجاهاته مستقبلاً. الفريق الانتقالي للرئيس الأمريكي المنتخب يُعنى بمراجعة جميعِ الكيانات المنضويةِ تحتَ لواء الإدارة الرئاسية الآيلة إلى الرحيل -في هذه الحالة إدارة الرئيس ترامب- بحصرِ وتدقيقِ إجراءاتها وبرامجها وأجنّدتها وسيرورة أعمالها، لكي يتسنّى للإدارة الجديدة وضعَ أساساتِ نهجها الإداري، ولضمانِ انتقالِ السُلطة دونَ أيِّ عراقيل.  

في الحقيقةِ ذوو الأصول الإيرانية، لا سيما المرتبطين بالمنظّمات الثقافية الإيرانية، سبقَ لهم التأثيرُ والمشاركةُ في صُنع القرار الأمريكي بما يتماشى مع تطلُّعات الحكومة الإيرانية.

لذلك السياسةُ الإيرانيةُ الخارجية تعقدُ الآمالَ على المغتربين في أمريكا وتضمنُ توافُر الحيثيات، سواءً الثقافية أو الأيديولوجية، الباعِثة على تقديس الانتماء القومي؛ فإن لم يكُن ولاؤهم للحكومة الإيرانية فهو لاريب مكتسبٌ عبرَ بوابة الثقافة والعِرق والهوية والقومية الإيرانية.

على مدارِ العقدين الماضيين باتَ من المعلوم الأدوارُ التي تمارسُها منظَّمات اللوبي الإيراني في خلقِ مصالح مؤثِّرة لإيران، بالجمعِ بين جهودِ المؤسَّسات غير الحكومية المدنية والشركاتِ التجارية المشتَرِكة مع الدولة الإيرانية في مصالح اقتصادية. ومن أبرزِ المؤسَّسات الإيرانية القائمة بأدوارٍ ذاتِ تأثيرٍ على المجتمع والسياسة الأمريكية، مؤسّستا المجلس القومي للإيرانيين في أمريكا (NIAC) و«بنياد علوي».

خلال إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما اتَّضح حجمُ الأثر الذي يخلُقه المنتمون لهذه اللوبيات في السياسات الخارجية الأمريكية تجاهَ إيران. فالأمثلةُ عديدة منها استدلالًا لا حصرًا، سحر نوروزيان التي عملت كمستشارةٍ للأمن القومي الأمريكي والمسؤولة عن الملفّ الإيراني، وفريال جواشيري المساعدةُ الخاصَّة للرئيس أوباما، وفاليري جارت أمريكيةُ الأصل والمولودة بشيراز في إيران، أقربُ المستشارين للرئيس، وهي بحسب مصادر متعدِّدة مَن لعبَ دورَ الوسيط السرّي بين طهران وواشنطن للتّمهيد لإجراء المباحثات النووية. فضلاً عن رامين طلوعي أحدُ الأسماء الخمسة المنضمَّة إلى الفريق الانتقالي لإدارة بايدن، فقد كان له أدوارٌ فعّالة في فترةِ مباحثاتِ توقيع الاتفاق النووي مع إيران، عندما كان مساعدًا لوزير الخزانة الأمريكية.

أولُ الأسماء وأكثرُها خبرة، سوزان بي نياز، ينصبُّ تركيزها على مجال البيئة وتغير المناخ، وأوكل إليها ضمن مجموعةٍ مِن الخُبراء العملُ على تحقيق العودةِ إلى اتفاق باريس. خلفيتها الوظيفية ذاتُ أهميةٍ بالغة، حيثُ شغَلت سابقاً منصبَ نائبة المستشار القانوني في وزارة الخارجية الأمريكية، كما شغَلت منصبَ المحامي والمفاوض الرئيس في ملفّ المناخ منذ عام 1989م، وحتى بداية عام 2017م، أيّ أنها عمِلت تحتَ إداراتٍ رئاسيةٍ متعددة، بدأت مع الرئيس جورج بوش الأب وانتهت بنهايةِ الفترةِ الثانية للرئيس أوباما.

تحذو حذوها شهرزاد مهتدي العاملة ضِمن فريق منظّمة بلومبيرج للأعمالِ الإنسانية، وسبقَ لها أنْ عمِلت خلالَ الولاية الثانية للرئيس أوباما في مكتب الإدارة والميزانية التابعِ للبيت الأبيض كمستشارٍ فيما يخصُّ شؤون الطاقة والبيئة. بذلك غدَت مهتدي ضِمن فريق إدارة بايدن الانتقالي كأحدِ أعضاءِ مجلسِ جودة البيئة، الوكالة الفيدرالية المُندرجة تحت مظلّة المكتب الرئاسي.  بينما يكمُن دورُ أرس جيزان في نطاق الإعمار، وقد أُضيف إلى قائمةِ الفريقِ الانتقالي لإدارة بايدن كأحدِ الأعضاء في الفريق المُراجع لوزارة الإسكان والتنمية الحضرية؛ وهو حاصلٌ على شهادة الماجستير مِن جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس قسم الإحصاء التطبيقي، وشهادة ماجستير أُخرى من جامعة ترونتو في تخصص الاقتصاد والعلاقات الدولية. 

في سياقٍ أكثرَ فاعلية، تبرُز مهرسا برادران كصوتٍ راديكالي يحظى بتأييدٍ شعبي من أوساطٍ ثقافيةٍ أمريكيةٍ ديمقراطية، حيثُ تُعدُّ من أكثرِ المدافعين عَن حقوق المواطنين مِن أصولٍ أفريقية وخلفياتٍ غيرِ أوروبية، ومن أشدِّ المطالبين بـ«تعويضات» لهذه الفئة كوسيلةٍ لسدِّ الفجوة التي يفرضُها عدم المساواة العِرقية ويُعمّقُها التحيزُ المؤسَّسي المُمنّهج لصالح العِرق الأبيض؛ ولذلك كان لكتابها «لون المال: البنوك السوداء وفجوة الثروة العِرقية» صدىً واسعًا في الأوساط الثقافية، لا سيما مع تنامي الاستقطابِ العِرقي بالمجتمعِ الأمريكي.

مهرسا برادران، ولِدت في إيران خلال سنواتِ الثورة، وعلى حدِّ قولها فإن عائلتها وقَعت ضحيةَ المشاكل المباشرة ضدَّ النظامِ الجديد، لكنَّهم تمكَّنوا من الهجرة إلى الولايات المتحدة حينما كان عُمرها 9 سنوات؛ وإذ هي مُتخصّصة في مجال قانون البنوك، فليسَ مِن المُستغرب إذًا أنْ تُشارك ضِمن الفريقِ الانتقالي لإدارة جو بايدن المُراجع لوزارة الخزانة الأمريكية.

وأخيرًا الاسم الأكثرُ أهميةً من بين الخمسة الإيرانيين، رامين طلوعي، انّضم للقائمة كأحدِ المراجعين لوزارة الخارجية الأمريكية، وبخلافِ الأسماءِ الأربعةِ السابقة تتّصلُ خبرتُه بالعقوبات الأمريكية المفروضةِ على إيران كما أُشير سالفًا؛ وهو أستاذٌ جامعيٌ مُتخصّصٌ بالتمويل المالي في معهد ستانفور لأبحاثِ السياساتِ الاقتصادية. شغلَ منصبَ مساعدِ وزير الخزانة الأمريكية في مجال الإدارة المالية الدولية مِن عام 2014م حتى عام 2017م.

خلال المناصب التي تسنَّمها كان له دورٌ في تشكيلِ النهجِ الحكومي الأمريكي إزاءَ التعامُل مع الأزمة الأوكرانية، وفرضِ العقوباتِ على روسيا، والتعاطي مع مسألة الخروجِ البريطاني من الاتحاد الأوروبي، وبالتَّأكيد دورُه في مباحثاتِ التوصُّل إلى الاتفاقِ النووي مع إيران؛ ومن المُرجَّح بشدّة أن يحظى رامين بمنصبٍ محوري ضِمن إدارة بايدن بعدَ تنصيبِ الأخير في يناير المقبل، لا سيما ورامين ممّن يعولُ عليهم في تحقيقِ ما تصبو إليه الإدارةُ الجديدة من العودةِ إلى الاتفاق النووي وإعادة فتحِ قنواتِ المباحثاتِ الدبلوماسية، بموجبِ خبراتِه السابقة في إدارةِ الرئيس أوباما.

الفريق الانتقالي ليس الإدارةَ الرسمية بعد، كما أنَّ توجهات أربعة من الخمسة مناط البحث في هذا المقال، تتّصلُ بالبيئة وتغيّر المناخ أو بمتغيرات الداخل الأمريكي، فضلاً عن تبنّي أغلبهم لمُثُلٍ ليبراليةٍ غربية، لكنَّ السؤال المتبادر للذهن، هل يبقى تأثيرُهم على المستوى البعيد في حدود توجُّهاتهم الراهنة؟ وهل يُشكِّل اختلافُهم مع النظام الإيراني فارقًا جوهريًا في هذه المعادلة؟ 

ما يسترعي الانتباه أنَّ المجموعاتِ البارزة من الأكاديميين ذوي الأصولِ الإيرانية هُم فعليًا من أسهَمَ في إحداثِ حالةٍ من الانفتاحِ الأمريكي حيالَ إيران وأفضى إلى تغييرٍ في مجرى العلاقة الأمريكية – الإيرانية؛ ولا يجبُ أن نغفلَ أنّنا عندما نتطرّقُ لنفوذِ اللوبي الإيراني في الولايات المتحدة فإننا في الغالبِ نتحدَّثُ عن تأثيرِ هؤلاء الأفراد سواءٌ عبرَ المِنصات الأكاديمية أو عبرَ المنظّمات غيرِ الربحية، أو متى ما سنَحت لهم الفُرصة عبرَ الجهاتِ الحكوميةِ التنفيذية.

بتمحيصٍ للمُعطيات، الأفرادُ الخمسة وإن كانت لهم ميولُهم الليبرالية وربما العِدائية ضدَّ النظامِ الثيوقراطي السائدِ في إيران، آخذين بالاعتبار الصِّدام الصوري بين منظَّمات اللوبي الإيراني في الولايات المتحدة مَع النظامِ السياسي بطهران في فتراتٍ مختلفة، وما يُناقِضُها من حقائق تكشَّفت في لقاءاتٍ جمَعت المسؤولين الإيرانيين -حتى في فترِة حكومةِ الرئيس محمود أحمدي نجاد المُتشدّدة- بأعضاءٍ متنفّذين على رأسِ هرمِ هذه المنظّمات، نخلُص إلى أنَّ الولاءَ العِرقي لدى هؤلاء الأفراد وانتماءهم الثقافي والقومي يَفترضُ تقاطُعَ مصلحةِ النظام مع أولوياتهم في الحيلولةِ دونَ تكبُّدِ الشعبِ الإيراني أيَّ خسائر بشرية أو دونَ تَضعضُعٍ لقوميّتهم أمامَ أيِّ قوةٍ قوميةٍ أُخرى في المنطقة.

إجمالًا، فأين ما كانت اهتماماتُ الشخصياتِ الخمس، وكيفما تم الاستفادةُ من خِبراتهم وخلفيّاتهم الأكاديمية، فإن فعاليةَ تأثيرهِم لن تنحسرَ في إطار ما يضطلعون به في الوقت الراهن، بل ستنعكسُ إيجابًا على مكانةِ الشعب والثقافة والحكومة الإيرانية لدى المجتمعِ الأمريكي؛ وبالتَّالي تمازُج الصورةِ الذهنية واتحادُها حيالَ الأطراف الثلاثة؛ الشعب والأفراد والنظام السياسي في إيران. علاوةً على أنَّ خبراتهم العملية في الجهات الحكومية تخوِّلهم مستقبلًا للتَّصدي لمهامٍ دبلوماسية أو للمشاركةِ في صُنع السياسات الخارجية، لا سيما وعددٌ منهم لديهِ خلفيةٌ أكاديمية في العلاقات الدولية.  

كما أنَّ الشبابَ الأمريكي في الغالب، لا سيما في الولاياتِ الزرقاء، يولي اهتمامًا جمًّا بمسائلِ البيئةِ والمناخ، وفي أعلى أولوياتِه نجدُ المساواةَ العِرقية ووسائل تضييقِ فجواتِ الثروةِ الرأسمالية؛ وكلما ذاعَ صيتُ هؤلاء الخمسة في نطاقاتِ تأثيرهِم ضِمن فريق إدارة بايدن الانتقالي، كلما زادت حظوظُهم بتسنُّم مناصبَ إدارية مؤثِّرة بعدَ مراسمِ التنصيبِ الرسمي في العشرين من يناير المقبل. وبسياقٍ أخير، تجدُر الإشارة إلى أنَّ بايدن كشخصيةٍ سياسية يواجهُ الكثيرَ مِن النَّقدِ إزاءَ تقفّيهِ المطابقِ لأثرِ سابقِه الديمقراطي باراك أوباما؛ سيُحاول بشتَّى الطُرق أنْ يفرِضَ استقلاليتهُ الإدارية بمنأىً عن التبعيةِ لسياساتٍ معهودة. فالعاملُ النفسي لشخصِ الرئيس سيلعبُ دورًا مهمًّا في تحديدِ الأفرادِ المُعينين وماهيةِ السياساتِ الخارجيةِ المتَّبعة، ومِن المُرجَّح أنْ يختطَّ بايدن لنفسِه خطًا متمايزًا عمَّا اعتادَ النُّقادُ أنْ يشهدُوه فترةَ رئاسةِ أوباما، على أقلِّ تقدير خلالَ العامين الأولين من فترتهِ الرئاسيةِ الأولى. 


الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر كاتبها، ولاتعكس بالضرورة رأي المعهد 

سليمان حسين الوادعي
سليمان حسين الوادعي
باحث في العلاقات الدولية