اجتماع مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي.. ما بين تقارب وجهات النظر والسعي إلى خفض التصعيد العسكري

https://rasanah-iiis.org/?p=34953

انعقد المنتدى رفيع المستوى بين الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي حول الأمن والتعاون الإقليمي في 22 أبريل 2024م، بالمركز الأوروبي للمؤتمرات في لوكسمبورغ. وجَمَع المنتدى وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي ونظراءهم من دول مجلس التعاون الخليجي، والممثِّل الخاص للاتحاد الأوروبي لمنطقة الخليج. 

وشارك في المنتدى ثلاثة وثلاثون دولةً عضوًا من الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي، ومثَّل معظم الدول وزراء خارجيتها. 

الجدير بالذكر أنَّ المنتدى عُقِد بعد عامين من إعلان الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي عن شراكتهما الإستراتيجية؛ وجاء الإعلان في أعقاب الاجتماع الذي عُقِد في بروكسل في فبراير 2022م، حينما أعلن وزراء دول مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي عن رفْع المستوى الإستراتيجي لعلاقاتهما، وقرَّروا تنفيذ برنامج مدَّته خمس سنوات يغطي الفترة من 2023 إلى 2027م، مع توجيه التركيز على الحوار السياسي والأمني.

ترأسَّ المنتدى الممثِّل الأعلى للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، إلى جانب رئيس الوزراء ووزير الخارجية في قطر كرئيس دوري لمجلس التعاون الخليجي، والأمين العام لمجلس التعاون الخليجي. واستنادًا إلى التوصيات المشتركة للاتحاد الأوروبي إزاء شراكة إستراتيجية مع الخليج والمجلس ذي الصِلة الخاص باستنتاجات الاتحاد الأوروبي، في 20 يونيو 2022م، كان المنتدى الرفيع المستوى حول الأمن والتعاون الإقليمي فُرصةً لتعزيز الحوار السياسي بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي، وفُرصةً لزيادة تعزيز التنسيق في القضايا المتعلِّقة بالاستقرار والأمن الإقليمي والعالمي.

وفي كلمته الافتتاحية، شدَّد بوريل على خطر التصعيد العسكري بين إيران وإسرائيل، وقال إنَّ الأولوية يجب أن تكون لدعوة جميع الأطراف إلى التحلِّي بضبط النفس. كما أوضح أنَّ الاجتماع جاء في الوقت المناسب للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي؛ للعمل بشكل جماعي لتهدئة الأوضاع. وأخيرًا، أكَّد أنَّ الاستقرار والسلام والتعدُّدية تواجه تحدِّيات في نفس الوقت، في كلٍ من القارة الأوروبية ومنطقة الخليج. وسعى هذا الاجتماع إلى تعزيز التعاون بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي في عدَّة مجالات، مثل الأمن البحري، والأمن السيبراني، ومكافحة الانتشار والتأهُّب للكوارث. وكان للممثِّل الخاص للاتحاد الأوروبي لمنطقة الخليج لويجي دي مايو دورٌ بالغ الأهمِّية، في ضمان حضور الجانب الأوروبي اجتماع لوكسمبورغ.

وفي أثناء انعقاد الاجتماع، لم يُظهِر الوضع في غزة والضفة الغربية والبحر الأحمر وسوريا والسودان وأوكرانيا أيّ إشارة إلى خفْض التصعيد أو الهدوء؛ لذا كانت مواجهة خطر اتّساع نطاق النزاعات الإقليمية في أوروبا والشرق الأوسط أولويةً لجميع المشاركين في هذا الحوار رفيع المستوى. وسيشمل هذا المنتدى أيضًا برنامجًا لتبادل جديد، يركِّز على الدبلوماسيين من فئة الشباب من دول مجلس التعاون الخليجي وأوروبا. وفي العام المقبل، سوف تحتضن الأكاديمية الدبلوماسية الأوروبية عددًا من دبلوماسيي دول مجلس التعاون الخليجي. ويهدُف هذا البرنامج الجديد إلى تحسين التفاهم المتبادل بين دول الاتحاد الأوروبي ونظيراتها في دول مجلس التعاون الخليجي، وستنطلق أعمال البرنامج الجديد بعنوان: «القيادات الشابة في الدبلوماسية الإقليمية»، في مايو 2024م. وصرَّح بوريل قائلًا: «لأول مرَّة سيُشارك دبلوماسيون شباب من دول مجلس التعاون الخليجي والدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي في تدريب مشترك، مع دبلوماسيين من الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، الذين هُم أعضاء الآن في الأكاديمية الدبلوماسية الأوروبية، التي أُنشِئت مؤخَّرًا، بالقُرب من بروكسل، في مدينة بروج التاريخية».

وسلَّط معظم المتحدِّثين الضوء على الحاجة إلى دعْم الحل السلمي للنزاعات الإقليمية، وإنهاء الكارثة الإنسانية في غزة، وخطر التصعيد العسكري في المنطقة. وأعرب كلٌّ من ممثِّلي الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي، عن الحاجة إلى التركيز على بدء عملية خفْض التصعيد بين إيران وإسرائيل وتحقيق حل الدولتين لإنهاء الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني. 

نُظِّم هذا الاجتماع في لوكسمبورغ بعد الاجتماع السابق الذي عُقِد في مسقط، عقِب هجوم «حماس» على إسرائيل في 7 أكتوبر 2023م. وقد قرَّر الطرفان في مسقط عقْد اجتماعات أمنية منتظِمة، وإنشاء مجموعات عمل بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي حول القضايا الإقليمية والعالمية لتعزيز الاستقرار في أوروبا والشرق الأوسط، وكذلك لتبادل التصورات لتحسين التفاهم المتبادل بين دول مجلس التعاون الخليجي، والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.

وكما كان الحال في مسقط، اتّفق الجانبان على أنَّ المشاركة الدبلوماسية من جانب المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي الأخرى مع إيران، عاملٌ رئيسي من أجل خفْض التصعيد الإقليمي. وفي مسقط، «أكَّد وزراء الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون مجدَّدًا دعمهم للحل الدبلوماسي للقضية النووية الإيرانية، والتزامهم الدائم بضمان بقاء منطقة الخليج خاليةً بشكل دائم من الأسلحة النووية. وأكَّدوا على أهمِّية قرار مجلس الأمن رقم 2231، ودعوا إيران إلى وقْف انتشار الصواريخ البالستية والطائرات بدون طيّار وغيرها من الأسلحة، التي تشكِّل تهديدًا أمنيًا خطيرًا للمنطقة وخارجها. وجدَّد الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون التزامهما بالعمل معًا لمعالجة التهديدات، التي تهدِّد السيادة والسلامة الإقليمية، وغيرها من الأنشطة المزعزعة للاستقرار». وقد تعزَّز هذا التفاهم المُتبادَل، الذي أُحرِز في مسقط، بالاجتماع الذي عُقِد في لوكسمبورغ. وستكون النتيجة الإيجابية الرئيسية لهذا الاجتماع الرفيع المستوى، هي برنامج التبادل الجديد بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي، الذي سيسمح لهذا المنتدى السياسي بضمِّ الجيل الجديد من القادة في المنطقتين.

وعمومًا، نجحَ هذا المنتدى رفيع المستوى، في فتْح باب للحوار والتعاون، في وقتٍ يتعاظم فيه الاستقطاب على الساحة الدولية. وسيكون توافُق الآراء الذي أُحرِز في لوكسمبورغ، عاملًا إيجابيًا لحل الأزمات الإقليمية، في كلٍّ من منطقة الشرق الأوسط والقارة الأوروبية.

المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
إدارة التحرير