اليمنيون في التيه الإيراني

https://rasanah-iiis.org/?p=24673

عندما تشاهد السفير الإيراني المزعوم، يتجول في أحد مستشفيات صنعاء لتفقُّد المرضى، ودفاع بعض اليمنيين عنه، تشعر بأن الإنسانية الإيرانية صاحبة الفضل في مساعدة اليمن حاضرًا وماضيًا، وأنها الملاذ الآمن لليمنيين في قادم الأيام، فحسن إيرلو هو أحد أعضاء الحرس الثوري، وهو مَن يدير للحوثيين عملياتهم القتالية، لإجهاض أي محاولة لإعادة الحكومة الشرعية، وإبقاء اليمن تحت سيطرة إيران، وما هذه الخطوة إلا لصنع صورة زائفة لإظهار عاطفة إيرانية تجاه اليمن، وللإيحاء بأن طهران هي الداعم الأساسي لليمن.

لطالما كانت السعودية بمثابة الوطن الثاني لليمنيين، ولطالما ساهمت مساعداتها والترحيب باليمنيين، في تخفيف معاناة اليمنيين، وكانت السعودية خير العون والسند، والجار المفيد لليمن.

السعودية التي يعمل بها ما يزيد على أربعة ملايين يمني، ومع قربهم من بلادهم لا يشعرون بالغربة ولا بمشقة المسافة، ولا باختلاف اللغة والعادات، بل بين كثيرين من شعبَي البلدين وشائج قربى. وعندما نشبت الأزمة اليمنية، ونظرًا إلى ظروف الحرب، سمحت المملكة لمخالفي شروط الإقامة بالبقاء، بل ومنحتهم إقامات مؤقتة، فالهمّ واحد، والمصير واحد، على أقلّ تقدير من وجهة نظر المملكة.

المساعدات السعودية لم تتوقف يومًا، رغم وقوف قيادة اليمن مع نظام صدام حسين إبان احتلال العراق للكويت، والخروج عن الإجماع العربي والمصلحة الخليجية، فقد استمرت جهود اللجنة الخاصة التي كان يرأسها سموّ وليّ العهد وزير الدفاع والطيران آنذاك الأمير سلطان بن عبد العزيز (رحمه الله)، والتي قدّمت كثيرًا من المساعدات، وساهمت في كثير من التفاهمات التي أفضت إلى تسوية الخلافات الحدودية، والتوصل إلى ترسيم الحدود في جهد تنسيقي فريد.

ومنذ بداية الأزمة اليمنية الحالية، قادت السعودية جهودًا خليجية لإخراج اليمن من أزمته، في ما عُرف بـ «المصالحة الخليجية»، التي ساهمت في حقن دماء اليمنيين آنذاك قبل أن ينقلب عليها الخوارج (الحوثيون) المدعومون من إيران. وسارعت المملكة إلى نجدة الحكومة اليمنية للحفاظ على الشرعية اليمنية، واستضافت الحكومة اليمينية بأكملها والممثليات الدبلوماسية الدولية لدى اليمن في المملكة، ووفرت للحكومة الشرعية الغطاء السياسي والدعم المادي لتستطيع ممارسة مهامها بفاعلية، وتحملت في سبيل ذلك كثيرًا من الصعاب والتكاليف، بل وقادت حملة تحالف عسكرية، مدعومة بشرعية دولية، لصدّ الخطر عن اليمن، والحفاظ على التراب اليمني من التدنيس الفارسي.

المساعدات السعودية لليمن بلغت 17 مليار دولار، منذ عام 2012م، فقد قدّمت المملكة دعمًا اقتصاديًّا مباشرًا بمبلغ 7.8 مليار دولار، إذ دعمت البنك المركزي اليمني بوديعة بمبلغ 3.2 مليار دولار، ومشتقات نفطية لتشغيل محطات توليد الكهرباء بمبلغ 4.15 مليار دولار على عدة أعوام، بالإضافة إلى 435 مليون دولار لصندوق الرعاية الاجتماعية. وتنمويًّا تعمل المملكة عبر البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن على تنفيذ 175 مشروعًا ومبادرة حتى الآن، منها: 45 مشروعًا في قطاع التعليم، و18 مشروعًا في قطاع الصحة، و20 مشروعًا في قطاع الطاقة، و30 مشروعًا في قطاع المياه، و13 مشروعًا في قطاع الزراعة والثروة السمكية، و23 مشروعًا في قطاع النقل، و26 مشروعًا في قطاع المباني الحكومية. وكان آخر ما قُدّم من المملكة شحنة مشتقات بترولية في شهر رمضان الحالي، بلغت قيمتها 422 مليون دولار، لإنهاء أزمة الكهرباء وإنعاش الحياة الاقتصادية والصحية والتعليمية وتحسين الخدمات، ولم تفرّق المساعدات السعودية يومًا بين المكونات اليمينة.

إيران في المقابل لم تقدم أي مساعدات تُذكر لليمنيين، واقتصر دورها على تقديم الأسلحة ووسائل القتل. خلال مؤتمر المانحين لليمن لم تقدّم إيران دولارًا واحدًا للشعب اليمني، في حين تصدرت المملكة العربية السعودية قائمة الدول المانحة، والسؤال الذي ينبغي أن نتوقف عنده، وينبغي لليمنيين الإجابة عنه: ماذا لو قررت السعودية أمام هذا النكوص والجحود والتخاذل من بعض اليمنيين، أن تقول «ليهنأ أولئك بالحضن الإيراني، وليعيشوا السعادة التي تنوي إيران تقديمها لليمن»؟ هل سيستغني اليمن عن جواره السعودي ومصادر رزق كثير من أبنائه؟

السعودية دولة بحجم قارة، وليست بحاجة إلى أراضي الغير، ولا ينقصها المال، وغنية بأبنائها القادرين والمتعلمين، الذين يحملون همّ المواطنة التي يغذِّيها التزامها العربي والإسلامي. لذا فالتدخل في اليمن لا يمكن فهمه من باب الحصول على منفعة، بل من أجل النواحي الإنسانية والعروبية والتصدي لمشاريع الهدم.

السعودية لن تصغي إلى أصوات النشاز من الجاهلين بالأمور، ولن تترك المسافة تتسع بينها وبين جارتها اليمن، ولن تفرض على الآخرين أي مقاربات قد يتخذونها في علاقاتهم المستقبلية، ولكنها تأمل أن يكون من يؤدِّي دور التشخيص الدقيق لمعرفة أي مستقبل ينشده اليمنيين، وأي علاقة على اليمنيين توثيقها، فخيار الدولة الواحدة لن يرضى به الحوثيون؛ يريدون أن يكونوا هم كل الدولة، وفي المقابل فإن ممارسات الحكومة الشرعية المتراخية لن تستعيد الدولة من أيدي الحوثيين الذين تحرِّكهم أطماعهم ودعم إيران لهم.

اللوم يطال جميع اليمنيين، بدءًا بالحكومة، فالإعلام اليمني مقصر جدًّا في أداء دوره في تقرير مصير اليمن، والخطاب الإعلامي بحاجة إلى تأطير بما يصحِّح المفاهيم التي غلب عليها الفكر الضيق والمصالح لدى عامة الشعب، وتوضيح مَن الصديق ومَن العدو. فعندما تتأمل في معظم مفردات الخطاب اليمني، تجد لغة المصلحة ولغة الإقصاء هي المهيمنة على هذا الخطاب، وتتلاشى فيها مصلحة الوطن ومستقبله، وإذا لم تكن من الحكومة إدارة لهذه الانقسامات، فإن الانقسامات كفيلة باستمرار الفوضى واللا دولة في اليمن.

الأرقام لا تكذب، وعلى الحكومة اليمنية العمل بجد والإفاقة من الغفلة التي تسيطر على المسؤولين اليمنيين، وتوضيح من أين تصل المساعدات المفيدة لليمن، ومصدر التبادلات التجارية الهامة، وأين تكمن مصالح اليمنيين، وأين العدوّ من الصديق.

لكل وضع نهاية، ولكل شعب الحق في أن يقرر مصيره الذي يتمناه، وكما قال الشاعر الشابِّي «إذا الشعب يوما أراد الحياة.. فلا بد أن يستجيب القدر»، فهل يتمنى اليمن صداقة دولة تعيش في المستقبل، وترى أن لكل دولة أن تتولى إدارة شؤونها وتنمي مواردها، أم صداقة دولة لا تزال تعيش وتقتات على أحقاد الماضي وتسخير الشعوب لخدمة أهدافها؟

وهذا السؤال أيضًا ينبغي أن يجاب عنه في لبنان وفي سوريا وفي العراق، فالأمور تبدو أكثر وضوحًا لكل ذي لُبّ، ولكن اليمن هو الأقرب، والأقربون أولى بالنصح.

السعودية قَدَرها أن تتعامل مع مَن يأخذ باليمين ويطعن باليسار، وما أكثرهم! وقد أثبتت الأيام أن المملكة تقف في جانب الحقّ ونصرة المظلوم، رغم ما تتعرض له من لوم وتجريح وأذى، لتحقيق مصالح ضيقة بشعارات مضللة.

ختامًا، كما يقول البعض، كل من يعادي بلاد الحرمين، لا ثقة في عاطفته الإسلامية، ولو تَغنَّى بتحرير القدس.


الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر كاتبها، ولاتعكس بالضرورة رأي المعهد 

اللواء/ م.أحمد بن علي الميموني
اللواء/ م.أحمد بن علي الميموني
مدير مركز الدراسات و البحوث