بعد سيل من التهديدات انسحب ترامب من الاتِّفاق النووي الإيراني يوم 8 مايو 2018، مسبِّبًا بهذا القرار خيبة أمل ويأسًا لأغلب الإيرانيين الذين ما زالوا يتذكرون يوم أن خرجوا للاحتفال بإبرام الاتِّفاق النووي عام 2015، آملين أن يصبح هذا الاتِّفاق طوق نجاة لهم ولاقتصاد بلادهم.
♦ الحُلم الذي انهار فجأة:
بعد أن أعلن ترامب انسحاب الولايات المتحدة من الاتِّفاق النووي، خرج روحاني في خطابٍ متلفز محاولًا تهدئة الإيرانيين، فصرح قائلًا: «إن إيران باقية في الاتِّفاق، وستكمله مع باقي الدول الأوروبية الموقِّعة عليه»، واصفًا ترامب بـ«العنصر المزعج في الاتِّفاق كله».
لكن يبدو أن خطاب روحاني لم ينجح في تهدئة مخاوف بعض الإيرانيين، إذ يرى الصحفي علي فشخامي أن «روحاني والتيَّار الإصلاحي أثبتوا فشلهم في كل شيء»، مؤكدًا أن «الاتِّفاق النووي كان الإنجاز الوحيد لروحاني، وعلّق عليه الشعب كل آماله، وإذا به ينهار فجأة!».
كذلك يذكر فشخامي أن الأمور لن تصبح على ما يرام، ولا تستطيع إيران البقاء في الاتِّفاق النووي في ظلّ فرض ترامب العقوبات الاقتصادية مرة أخرى، ويضيف: «لن توافق أي شركة أوروبية على البقاء في إيران وتغريمها ملايين الدولارات، ولن تستطيع الدول الأوروبية الحفاظ على الاتِّفاق. كلام روحاني عن استمرار الاتِّفاق محض هراء». ومن جانب آخر يقول نافيد حسيني: «لقد أصبح مصيرنا ومستقبلنا كله بيد ترامب الآن، ولا أحد من القادة في إيران يهتم بنا»، وتغلب النظرة التشاؤمية على حديث نافيد مؤمنًا بأن الإيرانيين سيشهدون أيامًا أسوأ من التي مروا بها قبل الاتِّفاق النووي.
♦ القلق من ازدياد قوة المحافظين:
منذ إبرام الاتِّفاق النووي يحرص المرشد الأعلى لإيران علي خامنئي على إظهار عدم ارتياحه ورضاه عن هذا الاتِّفاق، وبعد أن انسحبت الولايات المتحدة من الاتِّفاق قال: «صرحت لكم مرارًا وتكرارًا أنه لا يمكن الوثوق بالولايات المتحدة، وأقول لترامب نيابة عن الشعب الإيراني: ستفشل ولن تنجح».
تصريح خامنئي يعكس وجهة نظر التيَّار المحافظ الذي يأتي هو على رأسه، ويعكس النبرة المعادية التي يتبناها هذا التيَّار دومًا تجاه الاتِّفاق النووي، ففي صباح يوم الأربعاء 9 مايو عقد البرلمان الإيراني جلسة طارئة لبحث أمر الاتِّفاق، وأقدم نواب البرلمان على إحراق العلم الأمريكي ونسخة من الاتِّفاق النووي مردِّدين شعارات من قبيل «الموت لأمريكا»، مما عرّض النواب لموجة سخرية من الإيرانيين عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
وتثير تصريحات المسؤولين من التيَّار المحافظ مخاوف الإيرانيين عمومًا، فقد قال خامنئي: «إذا لم تستطع الدول الأوروبية تقديم الضمانات الكافية لإيران للبقاء في الاتِّفاق، فإن إيران ستعود إلى تخصيب اليورانيوم بمستويات أعلى من السابقة»، وهو ما جعل الصحفي الإيراني بهرام حشمت يشير إلى أن «تلك التصريحات من شأنها أن تُدخِل البلاد في منعطف خطر؛فالمجتمع الدولي لن يصمت إذا قررت إيران إعادة تخصيب اليورانيوم، وهذا الأمر سيضع مستقبل إيران الاقتصادي في مهبّ الريح». ويعتقد بهرام أن تلك التصريحات المتطرفة من بعض المسؤولين ضررها أكبر من نفعها، وستعود آثارها على الشعب الإيراني وحده الذي لم يجنِ ثمار الاتِّفاق النووي حتى الآن.
♦ الخوف من العقوبات وانهيار الاقتصاد:
تَبنَّى روحاني منذ تولِّيه رئاسة إيران نظرية السوق المفتوحة، معتمدًا على الاستثمارات الأجنبية التي ستأتي إلى السوق الإيرانيَّة عَقب إبرام الاتِّفاق النووي، وعلى الرغم من وجود إحصاءات حكومية تفيد بحدوث انتعاش في السوق الإيرانية ما بعد الاتِّفاق، إلا أن الأمر كان مختلفًا على أرض الواقع، ففي نهاية عام 2017 خرج الإيرانيون في أغلب المدن الإيرانية اعتراضًا على تدهور أحوالهم الاقتصادية. وقبل عِدَّة أشهر واصلت العُملة الإيرانية انهيارها أمام الدولار الأمريكي، وفي محاولة من السلطات الإيرانية لاحتواء الأزمة وحَّدَت الشهر الماضي سعر صرف الدولار بنحو 4200 تومان إيراني، وشُنَّت حملات كثيرة على تجار السوق السوداء.
وبانسحاب ترامب من الاتِّفاق النووي زادت الأحوال سوءًا، ووصل سعر صرف الدولار إلى 8000 تومان، مما اعتبره الخبراء الاقتصاديون أسوأ انهيار للعملة الإيرانية في تاريخ إيران.
وكان ترامب صرَّح في خطاب انسحابه من الاتِّفاق بعودة العمل بالعقوبات التي كانت مفروضة على إيران سابقًا، وهدَّد بعقوبات جديدة ستنال كل الشركات الأوروبية التي تتعامل مع إيران. كل تلك الأمور أثارت مخاوف الإيرانيين من ازدياد معدَّلات التضخُّم في البلاد وانخفاض القيمة الشرائية.
♦ الشعب هو الضحية:
يخشى الإيرانيون ازدياد سطوة التيَّار المحافظ بعد انهيار الاتِّفاق النووي، لأن هذا الأمر من الممكن أن يزيد بطش النظام ضدّ الشعب نفسه. تقول مريم الباحثة في مجال حقوق الإنسان: «روحاني كان يحاول أن يُصلح مجال الحريات العامة للشعب الإيراني لكي ينال إعجاب الغرب، أملًا في انفتاح إيران على الدول الأوروبية، لكن الآن سيصبح الأمر أصعب، بخاصة إذا تمكن التيَّار المحافظ من إقصاء أي دور إصلاحي في البلاد»،. وتكمل حزينةً: «بعد انسحاب ترامب سيزيد الصراع وسيكون الشعب هو الضحية».