تداعيات تصاعُد التهديدات البحرية في باب المندب

https://rasanah-iiis.org/?p=33563

في خِضَم الحرب على غزة، تصاعدت حدَّة التهديدات البحرية في البحر الأحمر، لا سيَّما باب المندب، بسبب هجمات الحوثيين على السفن التجارية، التي تمُرّ عبر الممرّات المائية.

ويُعَدُّ باب المندب بمثابة مضيق حيوي يربط البحر الأحمر بخليج عدن، ومن ثمَّ المحيط الهندي. ولأنَّ الممرات المائية تمثِّل نحو 10% إلـى 12% من حركة التجارة العالمية، لا تُعَدُّ فقط منطقة عبور رئيسية فحسب، لكنّها أيضًا مناطق محورية للقرصنة والنزاعات المسلَّحة واستعراض القوة للقُوى البحرية الكُبرى. وحسبما أفادت التقارير، يتدفَّق أكثر من 7 ملايين برميل يوميًّا من النفط عبر باب المندب، الأمر الذي يجعله نقطة بحرية مهمَّة، لكن مع بدء الحرب في غزة تنامى حجم هذه التهديدات البحرية في البحر الأحمر وباب المندب.

في نوفمبر، استولى الحوثيون على سفينة شحن مرتبطة بإسرائيل، «جالاكسي ليدر»، قبالة ساحل مدينة الحديدة الساحلية اليمنية، واحتجزوا 25 من أفراد طاقمها رهائن، مبرِّرين ذلك بعلاقة السفينة بإسرائيل، وأعلنوا عن نيّتهم استهداف السفن المملوكة أو المرتبطة بإسرائيليين، حتى وقْف الهجمات الإسرائيلية في غزة.

ووصف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عملية الاحتجاز بأنَّها عمل إرهابي، وربطها بإيران، بينما نفت طهران هذا الادّعاء.

وفي الشهرين الماضيين، وقعت عدَّة انفجارات وهجمات واعتراض صواريخ في باب المندب، وترافق ذلك مع ارتفاع في نشاط الطائرات دون طيّار (انظر الجدول 1).

وفي خِضَم تصاعُد التوتُّرات بالمنطقة، تشتبه «منظَّمة التجارة البحرية البريطانية» في تورُّط الحوثيين، ما دفعها إلى إطلاق تحذيراتٍ بهذا الشأن. واستهدف الحوثيون سفينتين قبالة الساحل اليمني في الأسابيع الأخيرة، إحداهما كانت سفينة ترفع علم جزر البهاما، بزعم ملكية إسرائيل لها. وفي الشهر الماضي، أسقطت  المدمِّرة «يو إس إس توماس هودنر» التابعة للبحرية الأمريكية عدَّة طائرات دون طيّار أُطلِقت من اليمن، وأَصدر البنتاغون تحذيراتٍ من شنّ مزيدٍ من الهجمات. كما أفادت التقارير الأخيرة إلى أنَّ فرقاطة فرنسية اعترضت ودمَّرت طائرتين دون طيّار فوق البحر الأحمر، حيث اشتُبِه باقترابها من الساحل اليمني.

وعلى الرغم من تعطيل السفن المُرتبِطة بإسرائيل أنظمة التتبُّع الخاصَّة بها في أثناء إبحارها في البحر الأحمر عبر مضيق باب المندب الإستراتيجي، بسبب المخاوف من شن عمليات اختطاف أو هجمات للحوثيين، فإنَّها لا تزال عُرضةً للاستهداف.

ترتَّب على التوتُّرات البحرية المتصاعدة وتداعيات حرب غزة عدد من الآثار على المنطقة والتجارة:

أولًا– تدهوُر الوضع الأمني الإقليمي بسبب حرب غزة، الأمر الذي زاد المخاطر على التجارة الدولية. ونتيجةً لذلك، أصدرت عدَّة بلدان تحذيرات وحوَّلت مسار سفنها، ما أدَّى إلى تمديد فترات الشحن، وتسبَّب في تأخير وصول السفن إلى وُجهاتها. ونصحت «إدارة بنما البحرية» جميع السفن، التي ترفع علم بنما، بتنفيذ إجراءات أمنية مشدَّدة في أثناء عبورها باب المندب، وتجنُّب العبور عبر البحر الأحمر.

ثانيًا– في خِضَم تزايُد حدَّة المخاطر، ارتفعت أسعار التأمين، الأمر الذي رفَعَ التكلفة الإجمالية للشحن. وأدّت الهجمات المتزايدة في المنطقة إلى ارتفاع تكاليف التأمين على السفن، التي تمُرّ عبر البحر الأحمر وباب المندب. وتنظر شركات التأمين الآن إلى هذه الممرّات المائية، على أنَّها تصنيف عالي الخطورة، ما يدفع شركات الشحن إلى رصْد مخصَّصات مالية إضافية لتعزيز التدابير الأمنية وتقليل المخاطر المرتبطة، وهو ما رفَعَ رسوم التأمين ضدّ مخاطر الحرب لرحلات البحر الأحمر.

ثالثًا– يلعب البحر الأحمر دورًا بالغ الأهمِّية في تسهيل تجارة النفط والغاز الطبيعي المُسال، من الشرق الأوسط إلى الأسواق العالمية. ويؤثِّر أيّ اضطراب في هذه النقطة الإستراتيجية دائمًا في تجارة الطاقة العالمية، ما يؤدِّي إلى زيادة الأسعار، وحالة الغموض في سلسلة التوريد.

رابعًا– شمِلَت الهجمات الأخيرة في المنطقة، وبصورة متزايدة، استخدام طائرات دون طيّار، الأمر الذي فرض تحدِّيات، وزاد حدة مخاطر التصعيد. ويستخدم الحوثيون حرب الطائرات دون طيّار بسبب فعاليتها من حيث التكلفة، وقُدرتها على إلحاق أضرار كبيرة بالأهداف.

مع تصاعُد الغضب ضدّ الهجمات الإسرائيلية في غزة والدعم الأمريكي لإسرائيل، يعمل الحوثيون بشكل إستراتيجي لكسب الدعم وتكثيف الهجمات بهدف تعزيز موقفهم العسكري. ويتّضِح هذا من خلال التصريحات، التي أدلى بها قادة الحوثيين، وتعهُّدهم باستهداف جميع السفن المتّجِهة إلى إسرائيل. وما دام الحوثيون يبقون في دائرة الصراع، ويستعرضون عضلاتهم العسكرية، ويرسلون إشارات إلى إسرائيل والولايات المتحدة والقُوى الإقليمية، ستستمِرّ المخاطر البحرية في البحر الأحمر وباب المندب في التصاعُد، ما يشكِّل تحدِّيات للتجارة الدولية والأمن الإقليمي.

الجدول 1: هجمات واعتراضات الصواريخ والطائرات دون طيّار في البحر الأحمر خلال حرب غزة

طبيعة الهجومالموقعالتاريخ
أسقطت الفرقاطة متعدِّدة المهام التابعة للبحرية الفرنسية «لانغدوك» طائرتين دون طيّار كانتا على مقربةٍ من الفرقاطة.    على بُعد 110 كم من الساحل اليمني09 ديسمبر 2023م
أصابَ هجوم صاروخي باليستي شنّه الحوثيون ثلاث سفن تجارية. رصدت المدمِّرة الأمريكية «يو إس إس كارني» صاروخًا باليستيًّا أُطلِق من اليمن على سفينة نقل للبضائع السائبة، التي ترفع علم جزر البهاما «يونيتي إكسبلورر» وأسقطت طائرة دون طيّار.  البحر الأحمر03 ديسمبر 2023م
أَسقطت المدمِّرة «كارني» التابعة للبحرية الأمريكية طائرة دون طيّار إيرانية الصُنع أُطلِقت من اليمن.  بالقُرب من باب المندب29 نوفمبر 2023م
استولى الحوثيون على سفينة يزعمون أنَّها مُرتبِطة برجل أعمال إسرائيلي. ومع ذلك، قالت إسرائيل إنَّها سفينة شحن مملوكة لبريطانيا وتُديرها اليابان.    البحر الأحمر23 نوفمبر 2023م
أَسقطت المدمِّرة «يو إس إس توماس هودنر» التابعة للبحرية الأمريكية عدَّة طائرات دون طيّار يُشتبَه بأنَّها أُطلِقت من اليمن.  جنوب البحر الأحمر19 نوفمبر 2023م
أَسقطت المدمِّرة «يو إس إس توماس هودنر» التابعة للبحرية الأمريكية طائرة دون طيّار لاقترابها منها، يُشتبَه بإطلاقها من اليمن.  بالقُرب من باب المندب23 نوفمبر 2023م
أسقط الحوثيون طائرة أمريكية دون طيّار طراز «أم كيو – 9 ريبير» قبالة سواحل اليمن.  الساحل اليمني08 نوفمبر 2023م
 أسقطت المدمِّرة الأمريكية «يو إس إس كارني» طائرات دون طيّار يُشتبَه بأنَّها أُطلِقت من اليمن. وحسبما أفادت القيادة المركزية الأمريكية فمن غير الواضح ما إذا كانت الطائرات المسيَّرة تستهدف السفينة أم لا.البحر الأحمر23 أكتوبر 2023م
المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
إدارة التحرير