مقدِّمة:
مع اقتراب استحقاق رفع الحظر عن بيع الأسلحة التقليدية لإيران المقرَّر أن ينتهي يوم 18 أكتوبر 2020م، تابعت الولايات المتحدة جهودها الدبلوماسية لوقف تنفيذ أحد بنود الاتفاق وتمديد هذا الحظر.
هذه الجهود لا تهدف فقط إلى عرقلة واحدٍ من أهمّ مكاسب الاتفاق النووي بالنسبة لإيران، لكن كذلك منع روسيا والصين -اللتان ترفضان قرار التمديد- من تغيير ميزان القوى في الشرق الأوسط، وحرمان بكين وموسكو من تنفيذ صفقات بيع أسلحة إلى إيران تمّ توقيعها.
وعلى ما يبدو، فشلت الولايات المتحدة في الضغط على الأطراف الأوروبية من أجل تفعيل آلية الزناد، التي من شأنها عودة العقوبات الدولية، التي كانت مفروضةً على إيران خلال فترة ما قبل الاتفاق النووي بصورةٍ مباشرة دونَ حاجةٍ إلى التصويت على القرار، ودونَ الدخول في جدلٍ حول أحقِّية الولايات المتحدة في طلب التمديد، بعدما انسحبت من الاتفاق.
لهذا اتّجهت الولايات المتحدة إلى طرح مشروعِ قرارٍ على أعضاء مجلس الأمن وِفقَ الفصل السابع لتمديد حظر بيع السلاح على إيران، لكن هذا المسار قد يواجه الفيتو الروسي أو الصيني أو الاثنين معًا، ورُبّما رفضًا أوروبيًّا كذلك. وفي إطار تعزيزها للأسباب التي تدعم تصويت مجلس الأمن على قرار مدّ الحظر على واردات الأسلحة لإيران، قدَّمت الولايات المتحدة مشروعَ قرارٍ لمجلس الأمن في يونيو الجاري، لإدانة إيران وتحميلها مسؤوليةَ الهجوم الصاروخي على المنشآت النفطية في بقيق وخريص في السعودية، استنادًا إلى التقرير الأُممي الصادر مؤخَّرًا، والذي يُثبتُ ضلوعَ إيران في الهجوم، وأبرزت مسوَّدة مشروع القرار المقدَّم من الولايات المتحدة «القلق البالغ بشأن الخطر الذي تُشكِّله هذه الهجمات على إمدادات الطاقة العالمية، وحرِّية الملاحة في المنطقة، وسلامة الأشخاص العاملين في قطاعي الطاقة والنقل البحري والبيئة»، وبناءً عليه يلزمُ العمل على عدم زيادة القدرات التسليحية الإيرانية.
وفي حال فشلت الولايات المتحدة في تمرير قرارٍ بتمديد الحظر على واردات السلاح إلى إيران، فإنّ واشنطن تقول إنّها ستُفعِّل بندًا يسمح لأيٍّ من الدول السبع الموقِّعة على الاتفاق، بإعادة فرض أو استعادة جميع العقوبات المفروضة على إيران بناءً على قرار مجلس الأمن رقم 2231، وهو من خلال تفعيل آلية فضّ النزاعات وعبرَ ستِّ مراحل متتالية من التفاوُض تستغرق 65 يومًا، وصولًا إلى تصويت مجلس الأمن على إعادة فرض العقوبات الأُممية على إيران، لكن يواجه هذا المسار عراقيل أساسية. بدايةً، ترى الصين وروسيا أنّ الاتفاق النووي والقرار 2231 متلازمان، ولا يمكن الفصل بينهما، وأنّ واشنطن بعد الإعلان عن انسحابها من الاتفاق النووي تخلَّت عن حقِّها في تفعيل آلية فضّ النزاعات، إضافةً إلى ذلك فعلى الرغم من أنّ دولَ الترويكا الأوروبية قد صوَّتت في 18 يونيو 2020م، على القرار الصادر عن مجلس المحافظين بالوكالة الدولية للطاقة الذرِّية والذي يُدين إيران، إلّا أنّها ما تزال تُحبِّذ العمل مع إيران ضِمن الاتفاق النووي، ولا تُريد تفعيلَ آلية فضّ النزاع. لكن القرار الذي صدَرَ من الوكالة الدولية للطاقة الذريِّة في الخامس عشر من يونيو الجاري بناءً على مذكِّرةٍ مقدَّمة من الدول الأوروبية الثلاث الموقِّعة على الاتفاق، يمكن أن يكون بدايةَ التحرُّك الأوروبي نحوَ تفعيل آلية فضّ النزاعات، وبالتالي الوصول إلى إعادة فرض العقوبات الأُممية، أو على أقلّ تقدير تفاوُضٌ ينتهي بتمديد الحظر على واردات الأسلحة لإيران.
ونظرًا لأنّ اللجوء إلى تفعيل آلية فضّ النزاعات في حال أثبتت الولايات المتحدة أحقِّيتها كعضوٍ في الاتفاق يحتاج لوقت، والإدارة الأمريكية والرئيس دونالد ترامب أمامَ استحقاقٍ انتخابي في نوفمبر 2020م، ناهيك عن تعقيدات تفعيل آلية فضّ النزاعات، والتي تمُرّ بمُهَلٍ زمنية ومراحل محدَّدة، بدايةً من الحوار بين الأطراف في حالِ وجود شكوى تتّهم إيران بعدم الالتزام بأيٍّ من بنود الاتفاق، وصولًا إلى اتّخاذ قرارٍ بتفعيل آلية فضّ النزاع، يبقى التحرُّك الأوروبي هو الحلّ القانوني الأنسَب للوصول لهذا الهدف.
من شأن الولايات المتحدة في أيٍّ من تِلك البدائل، أن تنجحَ في تمديد حظرِ السلاح على إيران، أو تنجحَ في إعادة فرض نطاقٍ واسع من العقوبات كانت مفروضةً ما قَبل توقيع الاتفاق النووي في 2015م، وإعادة الآثار المُدمِّرة للقرارات الستة 1835، 1803، 1929، 1747، 1737، 1669، ومنها حظرُ بيع السلاح لإيران، ونظريًّا سيكون إنفاذ تِلك العقوبات القديمة لازمًا على جميع أعضاء الأُمم المتحدة.
لم تتوقَّف الجهودُ الأمريكية عند هذا الحدّ، بل قامت بإجراءٍ وقائي، وبديلٍ أُحادي الجانب لمواجهة صفقات التسليح المتوقَّعة بين إيران وكلٍّ من الصين وروسيا، في حالة تعثُّر تمديد حظر تصدير السلاح لإيران عبرَ البدائل المطروحة دوليًّا، وذلك بضمّ إيران إلى الدول التي لم تتعاون مع الولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب، وبالتالي وقوعها تحت قيود المادة 40 من قانون مراقبة تصدير الأسلحة.
ولقطع الطريق أكثر على أيّ تعاوُنٍ مع إيران في هذا الصدد، تَضَمَّن القانون الذي عَكَف على صياغته النوّابُ الجمهوريون في الكونجرس بندًا نصُّه: «إذا ما انقضت مدّة العقوبات على إيران ولم تتمّ إعادة إحياء العقوبات الدولية، فإنّ على الكونجرس أن ينشَطَ من أجل منع حصول تعاملاتٍ تسليحية بين إيران وكلٍّ من روسيا والصين، أو مساعدة طهران على تطوير برنامجها الصاروخي البالستي».
ولا شكّ أنّ تقرير الأُمم المتحدة الصادِر في 13 يونيو 2020م الذي أقرّ بأنّ صواريخ كروز التي هوجِمت بها منشأتان نفطيتان تابعتان لأرامكو، ومطارٌ دولي في السعودية العامَ الماضي أصلها إيراني، وكذلك قرار مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرِّية الذي يدعو إيران إلى التعاوُن الكامل مع الوكالة وتلبية طلباتِها دون إبطاء، بما في ذلك إتاحة إمكانية الوصول فورًا إلى الموقعين اللذين حدَّدتهُما الوكالة، وهو القرار الأوّل بحقّ إيران منذ عام 2015م، كلّ ذلك يأتي ضِمن جهود الولايات المتحدة لتهيئة وتمهيدِ الطريق نحوَ سعيها في تمديد حظر بيع السلاح لإيران عبرَ مجلس الأمن بصورةٍ أو أُخرى، أو فرضها عقوباتٍ أُحادية ضدَّ من يبيع السلاح لإيران.
أوّلًا: الموقفان الروسي والصيني:
رفضت كلٌّ من الصين وروسيا الانسحابَ الأمريكي من الاتفاق النووي وعودةَ العمل بالعقوبات ضدَّ إيران عام 2018م، واعتبروه انسحابًا أُحادي الجانب ومُخِلًا بشروط الاتفاق بتأكيد الوكالة الدولية للطاقة الذريِّة التزامَ إيران ببنود الاتفاق النووي الموقَّع في 2015م، لذلك رفضتا المطالب الأمريكية بتجديد قرار الحظر المفروض على إيران لبيع أو شراء الأسلحة بالرفض بصورةٍ علنيةٍ ورسمية، ولوَّحتا باستخدام حقّ الفيتو ضدّ أيّ قرارٍ تطرحُه الولايات المتحدة بشأن تمديد حظر بيع السلاح إلى إيران.
كما تتبنَّى الدولتان موقفًا قانونيًّا موحَّدًا لحرمان الولايات المتحدة من الدفعِ بأحقِّيتها في استخدام آلية فضّ النزاعات، باعتبار أنّها انسحبت واقعيًّا من الاتفاق بناءً على العقوبات التي فرضتها على إيران، وفي ظلّ تأكيد الوكالة الدولية التزامَ إيران ببنود الاتفاق النووي. ويستشهِدُ الروس برأي محكمة العدل الدولية لعام 1971م، الذي وجَدَ أنّ المبدأ الأساسي الذي يحكُم العلاقات الدولية، هو أنّه «لا يمكن الاعتراف بالطرف الذي يتبرَّأ أو لا يفي بالتزاماته الخاصّة، ولا يحتفظ بالحقوق التي يدَّعي أنّها مُستمَدَّةٌ من هذه العلاقة».
يرجع موقف الدولتين إلى عدَّة اعتبارات، أهمّها أنّهما يعارضان تقويض الاتفاق بصورةٍ أُحادية من جانب الولايات المتحدة باعتبارِه آليّةً فعَّالة التزمت بها إيران، بينما أخلَّت به الولايات المتحدة، بالإضافة إلى أنّ ملفّ إيران أصبح جزءًا من قضايا الصِراع بين الأقطاب الثلاثة، لا سيما في ظلّ الحرب التجارية التي تقودها إدارة ترامب ضدّ الصين منذ العام 2018م والعقوبات المُماثلة على روسيا، ناهيك عن إبرام بكين وموسكو صفقات تسليحٍ مع إيران سوف يتمّ تنفيذها بمجرَّد انتهاء صلاحيةِ قرار الحظر.
قد تنجحُ الولايات المتحدة في الضغط على الأوروبيين لاستخدام آلية فضّ النزاع النووي، وهُنا لن يكون من حقّ روسيا والصين استخدامُ حقّ الفيتو، وسيُعاد فرض العقوبات بعدَ المرور بمراحل تفعيل هذه الآلية، وبقرارٍ مباشر من رئيس المجلس.
وفي حالة فشل كلّ المحاولات السابقة وفرض الولايات المتحدة عقوباتٍ على الدول التي تبيع أو تشتري أسلحةً من إيران على خلفية تضمين إيران ضِمن 5 دولٍ غير متعاونة في مكافحة الإرهاب، أو إقرار حظر بيع الصين وروسيا أسلحةً لإيران كما هو في القانون الذي قدَّمه الجمهوريون لزيادة الضغط على إيران، ستواجِه الصين وروسيا أو أيّ جهةٍ عقوباتٍ أمريكية في حال بيع أسلحةٍ لإيران. لكن عقودَ التسليح الإيرانية المغرية جدًّا، من المُمكن أن تجعل عددًا من الدول تُغامر بتحمُّل العقوبات الأمريكية، في مقابِل الحصولِ على هذه العقود الضخمة، الأمر الذي يجعلُ العقوبات الأمريكية على الدول المُصدِّرة للسلاح إلى إيران ليست كافيةً للمنع الكامل من تنفيذها، ما لم يصدر قرارٌ أُمميٌّ مُلزِم.
ثانيًا: موقِف الأطراف الأوروبية:
بالنسبة للأطراف الأوروبية، فإنّها أعلنت صراحةً معارضَتها لما ترمي إليه الولايات المتحدة من إعداد أيّ مشروعٍ يقوِّض الاتفاق النووي مع إيران، واستنكَرت على لسان ممثِّل الاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية جوزيب بوريل، تصريحاتِ المسؤولين الأمريكيين عن احتماليةِ لجوء حكومة الولايات المتحدة لتفعيل آلية فضّ النزاع، ضمن القرار 2231، والمنصوص عليها بالاتفاق النووي، مشدِّدًا على أنّ الولايات المتحدة انسحبت من الاتفاق، ولا يحقّ لها ادّعاء خلاف ذلك.
فما تزال الأطراف الأوروبية متمسِّكةً بالإبقاء على الاتفاق، كآليةٍ فعَّالة لمعالجة القضية النووية مع إيران، وقد توقَّفت بريطانيا فرنسا وألمانيا مطلع العام 2020م عن استكمال تفعيل آلية فضّ النزاع، عقِب إعلان إيران خطوتَها الخامسة في سلسلة خفض الالتزام النووي في يناير 2020م، ولجأ الطرفان إلى المفاوضات الدبلوماسية عِوضًا عن تعميق النِزاع.
وعلى صعيدٍ موازٍ، لا يقفُ الموقف الأوروبي بالكامل ضدّ توجُّهات حليفِه الأمريكي، بل يتّخذ مقاربةَ العصا والجزرة في تعامُله مع إيران في العموم، وخلال الفترة الراهنة على وجهِ الخصوص، والتي تشهد تجاوُزاتٍ إيرانيةً نوويةً وصاروخيةً عديدة.
وعلى صعيد قرار تمديد حظر السلاح، فقد أعرب وزراءُ خارجية دولِ الترويكا الأوروبية عن قلقِهم من رفع حظر السلاح على إيران، ليحذو حذوَ حليفهم الأمريكي العازِم على تمديده، في خطوةٍ أوروبية تبتغي إمّا كسبَ أوراق ضغطٍ على إيران في حال التفاوُض حولَ تسويةٍ دبلوماسية، وإما لتهدِئة الحليف الأمريكي للحيلولَة دونَ لجوئه لفضّ النِزاع، وفي سبيل استغلال عامل الوقت وإبقاء الباب مفتوحًا للعودة الأمريكية للاتفاق، إنْ ظهَرت بصورةٍ مغايرة عقِب انتخابات نوفمبر المقبلة، منوِّهين إلى بقاء حظر الاتحاد الأوروبي على صادرات الأسلحة التقليدية وتكنولوجيا الصواريخ على إيران حتّى عام 2023م.
العديدُ من القراءات للمشهد الراهن تعتقدُ أنّ الأطراف الأوروبية لن تقِف مكتوفة الأيدي، بل ستستخدم امتيازاتها الدبلوماسية للوصول إلى تسويةٍ تُرضي جميع الأطراف المتصادمة حولَ قرار تمديد حظر السلاح. من ضمن الخيارات المتاحة، صياغةُ تفاهُمٍ مزدوج يقضي بقبول الولايات المتحدة رفعَ الحظر مُقابل تخلِّي القوى الكبرى الأُخرى، بالتحديد روسيا والصين، عن فكرة بيعِ أو نقلِ الأسلحة إلى إيران في الوقت الحالي. مثل هذا التفاهُم يُعَدّ بالغَ التعقيد وعصِيًّا على التنفيذ، إذا ما أخذنا بالاعتبار تفاصيلَ مِثل مُدّة التفاهُم، وطُرق التحقُّق والمراقبة، وكيفية ربطِها ببنود الاتفاق النووي. خيارٌ آخر مطروحٌ أمامَ الدبلوماسية الأوروبية لتحقيق التسوية المنشودة، يتمثَّل في التوصُّل إلى حلٍّ وسط يفضي إلى تمديد حظر السلاح على إيران مؤقَّتًا بشروطٍ أقلّ حدَّةً من سابِقه، وبما يضمن للولايات المتحدة اعتبارَ مخاوفها ولإيران حيازةَ بعض الوقت حتّى بعد الانتخابات الأمريكية المقبلة. مسعى دبلوماسي كهذا سيُواجه تعنُّتًا أمريكيًّا، كون الإدارة الحالية تستنفِذ كلّ وسائلها الدبلوماسية لتقويضِ الاتفاق النووي قَبل انتخابات نوفمبر. مساعي التسوية الأوروبية ستأخُذ بعينِ الاعتبار موقفَ روسيا والصين من بيع الأسلحة لإيران، فالأولى لها سابقةٌ في تأجيل تسليم الأنظمة الدفاعية العسكرية S-300 لإيران لفترةٍ طويلة من الزمن، والثانية تُفضِّل الأسواقَ الخليجية العربية على السوق الإيراني، عطفًا على التقارُب الصيني – الخليجي الملحُوظ وتزايُد قيمتِه المالية والاقتصادية.
ثالثًا: الخياراتُ الإيرانية:
أثار إعلان الإدارة الأمريكية تمديدَ حظر الأسلحة ردودَ فِعلٍ عنيفة من الجانب الإيراني، الذي يرى أنَّ أيّ خطوةٍ في هذا الاتجاه تُعَدّ انتهاكًا لقرار مجلس الأمن رقم 2231، ورفعُ حظر الأسلحة جزءٌ لا يتجزَّأ من الاتفاق النووي، وأنّ الولايات المتحدة لم يعُد لديها الحقُّ بالتدخُّل في الاتفاق النووي وبنودِه وشروطِه، كما حذَّرت من «عواقبَ وخيمة» و «رد ٍّساحق»، إذا وافق مجلس الأمن «تحت أيّ عنوان، وبأي آليةٍ وطريقة» على خُطَّة الولايات المتحدة بتمديد حظر الأسلحة المفروض على إيران؛ ويمكن الإشارةُ إلى أهمّ خيارات إيران، على النحو الآتي:
1.المسارُ الدُبلوماسي: بدأت إيران جُهودَها الدبلوماسية من أجل إحباطِ الأهداف الأمريكية مستندةً إلى أنّ الولايات المتحدة انسحبت من الاتفاق النووي، وبالتالي لا يُمكِنها الاستفادةُ من أحكامِه، لكن في الوقت نفسِه لا تَثِقُ إيران في الأطراف الأوروبية، نتيجةً لخبراتٍ سابقة وخبراتٍ راهنة فيما يتعلَّق بوعود الأوروبيين بالالتزام بالاتفاق، وإمكانية انتهاج سياسةٍ أوروبيةٍ مستقلَّة بمنأى عن الحلِيف الأمريكي، كما أنّ روسيا والصين قد تساومان بقضية إيران في مقابل مصالح أُخرى مُشتركة مع غريمِهما الأمريكي، وهنا قد لا تُفضي الدبلوماسية في ظلّ الإدارة الأمريكية الحاسِمة إلى تمديدِ حظر بيع السلاح لإيران.
2. التصعيدُ وخلقُ بيئةٍ أمنيةٍ مُعقَّدة: فشلُ الدبلوماسية قد يدفعُ إيرانَ إلى استمرارية إثارة التوتُّر والفوضى في المنطقة، وتحريكِ أدواتِها لتهديد الاستقرارِ والأمن الإقليميين، وذلك لخلق بيئةٍ أمنيةٍ مُعقَّدة أمامَ القِوى الدولية، من أجل عدمِ التجاوُب مع الرغبة الأمريكية فيما يتعلَّق بتمديدِ حظر السلاح، وذلك على غِرار ما قامت به عقِب وقفِ الاستثناءات النفطية. لكنَّ هذا الرهان لهُ مخاطِرُهُ على إيران نفسها، خصوصًا بعدما ظهَرَت قوّةُ الرَّدع الأمريكية مع مقتل قائد فيلق القُدس اللواء قاسم سُليماني، وبعد تهديدات ترامب الأخيرة وأوامِرهُ للسُفن الأمريكية في الخليج باستهداف أيّ اعتداءٍ من زوارِق الحرس الثوري.
3. التصعيدُ النووي: بزيادة مستوى تخصيب اليورانيوم (تخصيب اليورانيوم بنسبةٍ أكثرَ ممّا هو متفقٌ عليه)، وإعادة تشغيل بعض المُفاعلات التي تعهَّدت إيران بتجميدِها خلال الاتفاق النووي؛ وهنا ترى إيرانُ أنّ العودةَ إلى مستوى التخصيب خلال فترة ما قَبل الاتفاق النووي والتي بلَغت 20%، سوف تمنحُها المزيدَ من أدوات الضغط على الولايات المتحدة والدول الأوروبية. ولعلَّ إيران قد بدأت بالفعل في تنفيذ هذا الخيار، بعد إعلان الوكالة الدولية للطاقة الذرِّية في تقريرِها الأخير، أنّ مخزونَ طهران من اليورانيوم المُخصَّب يتجاوزُ بنحوِ ثماني مرّات الحدَّ المسموحَ بِه في الاتفاق النووي المُبرَم عام 2015م.
4. الانسحابُ من مُعاهدة حظر الانتشارِ النووي NPT: ويُعَدّ الانسحابُ من هذه المعاهدة، من أبرزِ الخيارات التي ظلَّت إيران تُلوِّح بها على الدوام.
5. قبول قرار تمديد حظر السلاح بُغية الحفاظ على الاتفاق النووي: كما أنّ لدى إيران خيارٌ آخر، وهو أن تبتَلِعَ مسألة تمديد حظر بيع السلاح، وذلك مُقابلَ الإبقاء على الاتفاق، رهانًا على عدم نجاح ترامب في الانتخابات في نوفمبر 2020م، وهو الأمرُ الذي قد يُغيِّر المعادلة لصالِحها بحسب ما ترى؛ ويشتملُ هذا الخيار أيضًا على احتمال الدخول في مفاوضاتٍ مُباشرة مع الولايات المتحدة، وهذا ما قد يُفهَمُ من تصريحات المُرشد حولَ المرونة البطولية، لا سيما أنّ إيران تمرُّ بأسوأ مرحلةٍ مُنذ الثورة، وقد ضاعفت أزمةُ «كورونا» من قُدرة النظامِ على الصمودِ ومواجهةِ التحدِّيات.
خلاصة:
لا شكّ أنَّ محاولةَ تمديدِ حظرِ بيعِ السلاح إلى إيران قَبل أكتوبر 2020م، سيكون اختبارًا لقُدرة الولايات المتحدة على متابعةِ إستراتيجيتِها تجاه إيران، وسيتوقَّف ذلك على الموقف الأوروبي المُتأرجِح، والذي يبدو أنّه لا يميلُ إلى تفعيل آلية الزِناد بشكلٍ مُباشر، وكذلك الموقفين الروسي والصيني المُعارضين للسياسة الأمريكية، والذي قد يدفعُهما لاستخدام حقِّ النقض (الفيتو) ضدّ أيّ قرارٍ أمريكي يستهدفُ إيران، وهو ما قد يكون بمثابةِ انتكاسةٍ كبيرة للإستراتيجية الأمريكية. أمّا إذا نجَحَت الولايات المتحدة في تمديدِ الحظر، فستكون المكاسب التي عوَّلت عليها إيران من الاتفاق النووي قد تلاشَت تمامًا، عندها لن يكون أمام إيران إلّا أن تُعلن موتَ الاتفاق النووي، وتخرجَ مِنه كما هدَّدت مرارًا وتُضحِّي بعودة العقوبات الأُممية أو الأوروبية عليها، أو أنْ تقبَل بقرارِ تمديدِ حظر الأسلحة مُكرَهةً ومُرغَمة، خِشيةً من تبِعات إلغاء الاتفاق النووي أو التصعيدِ في ملفّها النووي. لكنّ قبولَ طهران بخطوةٍ كهذه سينالُ من صورة النظام داخليًّا وخارجيًّا، وسيُظهِرهُ في حالة ضعفٍ أكثرَ ممّا هو عليه؛ والمُرجَّح في حال نجاح الجهود الدبلوماسية من قِبَلِ أطرافِ الاتفاق النووي، عقدُ اتفاقٍ يحدُّ من توريدِ الأسلحة لإيران ويفرضُ قيودًا على نوعياتِها وعَددِها ومواعيد تسليمِها، لكنّه يمنحُ الفرصةَ لروسيا والصين للاستفادةِ من عوائدِ عقودِ التسلُّح، وفي نفس الوقت يحولُ دونَ انهيارِ الاتفاق النووي بشكلٍ كامل، وبدونِ دخول إيران في مفاوضاتٍ شاملة وعَلَنية مع الولايات المتحدة.