رئيسي يجري جولات «تفقُّدية» شكليّة على المحافظات

https://rasanah-iiis.org/?p=26166

أجرى الرئيس الإيراني الجديد إبراهيم رئيسي ما يُسمَّى بـ «جولات تفقُّدية» على المحافظات الإيرانية مع أعضاء حكومته، بعد يوم واحد من عقد اجتماع مجلس الوزراء الأوَّل. وهدفت هذه الجولات إلى معالجة المشاكل المتزايدة في إيران المتعلِّقة بالاقتصاد وبالمحافظات الحدودية، التي تقطنها أقلِّيات دينية وعرقية «ساخطة»، فيما يقول نُقَّاد إنَّ هذه الجولات تهدُف إلى رفع مستوى شعبية رئيسي، الذي لا يملك خططًا أو رؤى حقيقية لحلّ مشاكل بلاده.  وقد وعد رئيسي بتوفير مساكن منخفضة التكلُفة في المحافظات الإيرانية، وتهدُف حكومته إلى بناء مليون مسكن سنويًا، إضافةً إلى خطط أُخرى لبدء مشاريع من شأنها تعزيز القطاع الصناعي، وتسريع وتيرة الخصخصة. كما تهدُف حكومة رئيسي إلى إنشاء مجالس تخطيط في المحافظات؛ لتعزيز إمكانات الموارد البشرية على مستوى تلك المحافظات.

وتُعَدّ الجولات التفقُّدية على المحافظات بروتوكول تقليدي لمتابعة الأوضاع، وتحديد الاحتياجات المحلِّية. وبحسب ما ذكر الرئيس الإيراني، فإنَّ هذه الجولات تسمح له بالوقوف على المشاكل مباشرةً، وتجاوُز الرسميات، واتّخاذ القرارات على الفور. وقد زار رئيسي محافظة خوزستان جنوب غرب إيران، ومحافظة إيلام شمال غرب البلاد، وخراسان الجنوبية الواقعة وسط شرق إيران، ومحافظة سيستان وبلوشستان جنوب شرق البلاد، وجميع المحافظات الأربع «متخلِّفة اقتصاديًا»، وتقطنها أقلِّيات عرقية ودينية مختلفة، مثل العرب والأكراد والبلوش، الذين يواجهون القمع والإهمال؛ ما يضطرّهم إلى الاحتجاج على الحكومة المركزية الإيرانية.

وقد جاءت زيارة رئيسي المفاجئة لمحافظة خوزستان، بعد يوم من عقده الاجتماع الأوَّل لمجلس الوزراء. وبحسب ما ذكر رئيسي، فإنَّ الهدف من زيارته هو المعالجة الفورية لأزمات المحافظة، مثل النقص الحاد في الطاقة والمياه، وإطلاق مشاريع لتعزيز قطاعي الزراعة والصحَّة المحلِّييْن، والاجتماع بزُعماء القبائل. كما يُعَدّ الترويج للسياحة أولوية رئيسة لحكومة رئيسي، وقد ذكر أنَّه يعتزم الترويج لتُراث خوزستان الثقافي، والحفاظ على نظامها البيئي الثري.

أمَّا في محافظة إيلام، فقد وعد رئيسي بربطها بشبكة السكك الحديدية الوطنية الإيرانية، إذ ترتبط المحافظة مع العراق بحدود طولها 340 كيلومترًا، وقد أكَّد ضرورة تطوير المحافظة بهدف تطوير السياحة الدينية فيها، إذ تمُرّ أعداد كبيرة من الإيرانيين من إيلام لزيارة الأضرحة المقدَّسة في العراق سنويًا، كما أنَّ إيلام غنية بالموارد الهيدروكربونية. وتخطِّط حكومة رئيسي لتطوير حقول النفط؛ لخلق 1000 وظيفة جديدة على الأقلّ في المحافظة. وتقوم شركة «خاتم الأنبياء» التابعة للحرس الثوري ببناء سدود في المحافظة؛ لاستغلال الموارد المائية العابرة للحدود، ويرغب رئيسي أن تساعد الشركة أيضًا في بناء أسواق عابرة للحدود؛ لتعزيز الأنشطة الاقتصادية، وخلق وظائف جديدة، كما يقطن المحافظة أكراد إيرانيون ولور وقبيلة «لاك»، وجميعهم يناضلون في سبيل المحافظة على تراثهم الثقافي، وقد طلب رئيسي من حكومته ربط المحافظة بالعراق، عبر الممرّات الحدودية لاستغلال الفُرص الاقتصادية.

وفي سيستان وبلوشستان، حيث يعيش البلوش السُنَّة، قال رئيسي إنَّه يعتزم تعزيز فُرص الاستثمار لتطوير الموانئ المحلِّية مثل تشابهار، كما تُخطِّط إيران لتوسيع نطاق شبكات السكك الحديدة في جميع أنحاء المحافظة، ومعالجة النقص الحاد في المياه، بالتمسُّك بحصَّتها من المياه المشتركة مع أفغانستان، إذ قال رئيسي أثناء زيارته لمدينة زابل، إنَّ إيران ستدافع عن حقِّها في حصَّتها في المياه الحدودية، وستدعم الأسواق الحدودية مع أفغانستان، وستزوِّد محافظة سيستان وبلوشستان بالغاز، وستعمل على تطوير التعدين والاستثمار في الطاقات المتجدِّدة فيها.

وخلال زيارة رئيسي لخراسان الجنوبية، وعد بخلق فُرص عمل، وتطوير قطاع التعدين فيها، واستكمال مشاريع الطُرق الكبيرة والسكك الحديدية، كما أكَّد رئيسي خلال الزيارة ضرورة استغلال الفُرص في المناطق الحدودية مع أفغانستان وباكستان، في سبيل تحقيق النمو والتنمية. وحدَّد الرئيس الإيراني مهلة مدَّتها 20 يومًا لإصلاح المشاكل العُمَالية والمشاريع المتعثِّرة ونقل المياه من بحر عُمان إلى المحافظة، كما زار مناجم الفحم، ووعد بتوفير تأمين صحِّي، وتقديم أجور ثابتة إلى العُمّال، وقال إنَّ قُدرة المحافظة الزراعية الموسمية سبب لتوسيع الأسواق الحدودية بهدف تصدير المواد الغذائية.

وقد ترأَّس رئيسي عديدًا من الزيارات للمحافظات الإيرانية للالتقاء بالسُلطات المحلِّية، قبل انتخابه مؤخَّرًا لإدارة البلاد، إذ قاد ما يزيد عن 26 زيارة لمحافظات إيران خلال تولِّيه رئاسة السُلطة القضائية، التقى فيها بالقُضاة المحلِّيين بهدف تعزيز العدالة الاجتماعية، لكن السجون الإيرانية ونظام العدالة تدهورا بصورة كبيرة تحت إدارته. وليس من المُستغرَب أن يقارنه منتقدوه بالرئيس «المتشدِّد» محمود أحمدي نجادـ، الذي ترأَّس جولات منتظمة على المحافظات بهدف تعزيز شعبيته. ويقول اقتصاديون إيرانيون إنَّ رئيسي يكرِّر خطأ أحمدي نجاد، في السعي وراء الشعبية بدلًا من تقديم خطَّة اقتصادية جامعة لحلّ مشاكل المحافظات؛ فزيارة خوزستان كانت شكلية، بحسب ما ذكره عضو في البرلمان، ويرى «الإصلاحيون» الإيرانيون أنَّ هذه الجولات مجرَّد استعراض إعلامي؛ لصرف الانتباه عمَّا تواجهه الحكومة الإيرانية الجديدة من أزمات وتحدِّيات.

وقد سارع رئيسي باتّخاذ إجراءات شعبوية؛ لإظهار نفسه بصورة الرجل القادر على معالجة مشاكل الشعب الإيراني، لكن تلك الإجراءات مكشوفة بلا شكّ، وليست آثارها طويلة المدى؛ ما سيضطر رئيسي إلى تقديم خطَّة اقتصادية جوهرية أو مواجهة مزيد من الاحتجاجات بجميع أنحاء البلاد، وفي هذه الحالة ستهتزّ أركان النظام السياسي الإيراني الضعيفة أساسًا، وستتقوَّض شرعية الحكومة التي يسعى رئيسي للحصول عليها بصورةٍ أكبر.

المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
إدارة التحرير