زيارات أوربان إلى روسيا والصين وانعكاساتها على وحدة الاتحاد الأوروبي

https://rasanah-iiis.org/?p=35901

تحمل زيارة رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان إلى روسيا والصين، ولقائه بالرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، تداعيات كبيرة على وحدة الاتحاد الأوروبي وسياسته الخارجية. أولًا: تتعارض علاقات أوربان مع روسيا والصين مع الموقف الجماعي للاتحاد الأوروبي، لا سيّما فيما يتعلَّق بالعقوبات المفروضة على روسيا، في أعقاب أفعالها في أوكرانيا، والنهج الحذِر، الذي يتّبِعه الاتحاد الأوروبي تجاه نفوذ الصين المتنامي. ثانيًا: قد تخلق هذه الزيارات شرخًا داخل الاتحاد الأوروبي، في الوقت الذي يحاول فيه أعضاء الاتحاد أن يَظهروا كجبهة موحَّدة أمام القضايا الدولية. وقد تُفاقِم علاقات أوربان هذه من الانقسامات القائمة داخل الاتحاد الأوروبي؛ تحديدًا بين الدول الأوروبية الليبرالية، التي تفضِّل اتّخاذ موقفٍ أكثرَ مواجهةً مع روسيا والصين، وكذلك بين الدول الأوروبية المحافظة، التي تفضِّل اتّخاذ نهجٍ أكثرَ انفتاحًا تجاه روسيا؛ نظرًا لما يربطها من علاقات تاريخية، وأيديولوجيات سياسية (لا سيّما مع صعود أحزاب اليمين المتطرِّف في أوروبا)، ومصالح اقتصادية مثل عقود النفط الثنائية مع روسيا. إنَّ وحدة الاتحاد الأوروبي وترابُطه تعتمد اعتمادًا كبيرًا على مدى الثقة بين أعضائه، ودبلوماسية أوربان الاستباقية والمستقِلَّة عن الاتحاد تُضعضِع هذه الثقة؛ ما يجعل التوصُّل لاتفاق بين أعضاء الاتحاد على القضايا الرئيسية أكثر صعوبة، خلال فترة ترأُّس المجر لمجلس الاتحاد الأوروبي.

تعتمد سياسة الاتحاد الأوروبي الخارجية على تبنِّي نهْج مترابط وموحَّد؛ لكن اتّخاذ الدول الأعضاء اتّجاهات متباعِدة عن هذا النهج الموحَّد، مِثل ما فعلته المجر بالدخول في تفاعلات ثنائية والالتقاء على انفراد بالرئيس ترامب، قد تزعزع من مصداقية الاتحاد الأوروبي على الساحة العالمية. لهذا، نجِد أنَّ قُدرة الاتحاد الأوروبي على فرْض عقوبات وضغوطات بفعالية على دول مثل روسيا، تتضاءل عندما لا تلتزم الدول الأعضاء بسياسات الاتحاد المُتَّفَق عليها. كما أنَّ تنامي التفاعلات بين روسيا والصين والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، سيُفضي لمزيد من النفوذ لهذه الدول داخل الاتحاد، ومن الممكن أن يصِل الأمر لرسم السياسات، بما يتعارض مع المصالح العامة لبقية الدول الأعضاء في الاتحاد.

وتبقى الإجراءات المُحتمَلة ضدّ المجر محدودة؛ فقد تحاول مؤسَّسات الاتحاد الأوروبي مقاطعة أو تجاهُل مبادرات المجر الدبلوماسية في الأشهر الخمس المقبلة. لكن قد تفشل هذه الإستراتيجية، في حال انتصار ترامب في الانتخابات الأمريكية الرئاسية المقرَّر عقدها في شهر نوفمبر 2024م. وهذا لن يعزِّز فقط من الدبلوماسية الفردية للدول الأعضاء، مثل المجر وسلوفاكيا، لكن سيدفع أيضًا لصعود أحزاب اليمين المتطرِّف في القارة الأوروبية قاطبة.

من الممكن أن يزيد الاتحاد الأوروبي الضغوطات السياسية على المجر، عبر القنوات الدبلوماسية؛ ليدفعها نحو الالتزام بالسياسات العامة للاتحاد، والتأكيد على أهمِّية الوحدة بين أعضائه. ومن الممكن أن تشكِّل البيانات العامَّة للبرلمان الأوروبي وقرارته، شكلًا من الرقابة السياسية على المجر. لكن يبقى فرْض عقوبات اقتصادية على المجر أمرًا مُستبعَدًا، لِما له من آثار عكسية؛ لذا قد يلجأ الاتحاد الأوروبي إلى اتخاذ إجراءات أخرى، مثل تقليل الدعم المخصَّص للمجر من ميزانية الاتحاد، في حال استمرَّت في العمل ضدّ مصالحه. وقد يلجأ الاتحاد لفتح إجراءات التعدِّي ضدّ المجر، وذلك لانتهاكها قوانين الاتحاد الأوروبي ومعاهداته. وفي خطوة صارمة جدًّا، من المُحتمَل أن يستخدم الاتحاد الأوروبي المادَّة السابعة من «معاهدة الاتحاد الأوروبي»، التي تسمح للاتحاد بتعليق بعض الحقوق للدولة العضو، في حال ارتكابها خرقًا خطيرًا لقِيَم الاتحاد الأوروبي. لكن يبقى الأكثر احتمالًا، أن تلجأ الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لزيادة العُزلة الاقتصادية على بودابست داخل الاتحاد؛ فقد تقنِّن بعض الدول الأعضاء من علاقاتها الثنائية وتعاونها مع المجر. ويتعيَّن على الاتحاد الأوروبي أن يوازِن بين حاجته للحفاظ على وحدة الاتحاد وفرْض سياسات مشتركة، وبين المخاطرة بدفع المجر نحو روسيا والصين، في حال تبنَّى إجراءات عقابية قاسية للغاية. إنَّ المشاركة والحوار المستمِرّ مع المجر لفهم وجهات نظرها ومعالجة المخاوف الأساسية، قد يكون أكثر فعالية في إعادتها إلى التوافق مع سياسات الاتحاد الأوروبي.

وبوسع الاتحاد الأوروبي أن يركِّز على تعزيز التماسك الداخلي، من خلال معالجة المخاوف الاقتصادية والسياسية لدى الدول الأعضاء، التي قد تدفعها للذهاب نحو روسيا والصين. وفي هذا الصدد، تشكِّل زيارات أوربان لروسيا والصين تحدِّيًا معقَّدًا للاتحاد الأوروبي؛ ما يستلزِم استجابةً دقيقةً ومتعدِّدة الأوجُه للحفاظ على الوحدة والتماسك في سياسات الاتحاد الخارجية.

الأمر المؤكَّد هو أنَّ كبار مسؤولي الاتحاد الأوروبي سيقاطعون الاجتماعات غير الرسمية، التي تستضيفها المجر، خلال فترة رئاستها الدورية للاتحاد. هذا القرار أثار غضب بودابست؛ إذ انتقد الوزير المجري لشؤون الاتحاد الأوروبي يانوس بوكا هذا القرار، وكتَبَ عبر موقع التواصل الاجتماعي «إكس» في 15 يوليو 2024م، أنَّ المفوَّضية «لا يمكنها اختيار المؤسَّسات، والدول الأعضاء، التي ترغب في التعاون معها». وأضاف متسائلًا: «هل كل قرارات المفوَّضية الآن مبنية على اعتبارات سياسية؟». ووفقًا لمصادر مجرية رسمية، ثمَّة دوافع أيديولوجية وسياسية وراء الحِجَج القانونية للاتحاد الأوروبي. ويسري قرار المفوَّضية الأوروبية على الاجتماعات غير الرسمية، التي تستضيفها المجر، ويعني أنَّ كبار موظَّفي الخدمة المدنية سيحضرون الفعاليات التي تنظمها الرئاسة المجرية حتى نهاية ديسمبر 2024م.

والتقليد المُتَّبَع في الاتحاد الأوروبي، هو أنَّ كبار المسؤولين، مثل رئيس المفوضية الأوروبية، وهي الآن أورسولا فون دير، ينبغي أن تحضر اجتماعات الرئاسة الدورية لمجلس الاتحاد الأوروبي.

وثمَّة أيضًا احتمال أن يسعى أوربان للعِب دور الوسيط بين دونالد ترامب وفلاديمير بوتين، في حال فاز الجمهوريين في الانتخابات الأمريكية الرئاسية. وبالفعل، قبل توجُّهه إلى واشنطن، أشادَ رئيس الوزراء المجري بترامب في مقابلة مع صحيفة «بوليتيكو»، واصفًا إيّاه بـ «رجل السلام». وتجدُر الإشارة أيضًا إلى أنَّ شعار الرئاسة المجرية لمجلس الاتحاد الأوروبي مستوحى من شعار حملة ترامب: «اجعلوا أمريكا عظيمة مرَّة أخرى». علاوةً على ذلك، وعلى خُطى ترامب، أعربَ رئيس الوزراء المجري عن شكوكه بشأن الدور، الذي يلعبه حلف الناتو في دعْم أوكرانيا، ورفَضَ إرسال مساعدات عسكرية إلى كييف، وحصَلَ على تنازُل بشأن هذه النقطة.

ومن جانبه، أعلن الممثِّل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية جوزيب بوريل، بعد اجتماع «مجلس الشؤون الخارجية» بالاتحاد الأوروبي في 22 يوليو 2024م، أنَّ الاجتماع غير الرسمي لوزراء الخارجية والدفاع بالاتحاد الأوروبي في نهاية أغسطس، سيُعقَد في بروكسل بدلًا من بودابست. وجرى العُرف في الاتحاد أن تستضيف هذا الاجتماع الدولة العضو، التي تتولَّى الرئاسة الدورية. وعمومًا، من المرجَّح أن تحاول الدول الأعضاء الأخرى في الاتحاد الأوروبي على المستوى الثنائي، إضعافَ المجر من خلال تجاهُل مبادرات بودابست الدبلوماسية قدرَ الإمكان. وعلى الجبهة الجماعية، يمكن أن تتمثَّل الإستراتيجية في تشكيل استجابة جماعية للاتحاد الأوروبي، أمامَ كل محاولة من جانب المجر لاستخدام رئاسة مجلس الاتحاد الأوروبي كمنصَّة لتعزيز سياسة مغايرة للاتحاد الأوروبي تجاهَ الحرب الروسية-الأوكرانية، أو تجاهَ صعود الصين على الساحة الدولية.

المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
إدارة التحرير