عامٌ على وفاة مهسا أميني ولا تزال إيران بعيدةً عن إجراء أيّ إصلاحات

https://rasanah-iiis.org/?p=32373

بعد مرور عام على انطلاق احتجاجات «المرأة، الحياة، الحرية» في إيران، التي جاءت على أثر مقتل الفتاة الكردية مهسا أميني البالغة من العمر 22 عامًا، أثناء احتجازها لدى الشرطة الإيرانية في سبتمبر الماضي، واجهت المؤسَّسة الحاكمة في البلاد حالةً من الفوضى بقيادة الدولة؛ نتيجة شنِّها حملة اعتقالات جماعية واسعة النطاق، وإصدارها أحكام إدانة على خلفية الاحتجاجات، التي عمَّت البلاد. وبحسب قول الحرس الثوري الإيراني، فإنَّ هذه الاحتجاجات تُمثِّل أقوى وأخطر صراع تواجهُه الجمهورية الإيرانية منذ نشأتها.

وفي يوليو الماضي، دعا مكتب مفوَّضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، إيران إلى وضع حدٍّ لانتهاكات حقوق الإنسان ضدّ المتظاهرين. ومن الأمور، التي شكَّلت مصدر قلقٍ شديد، هي سلامة أفراد الأُسر، الذين يسعون لتحقيق العدالة لأطفالهم وأحبائهم ممَّن قُتِلوا خلال الاحتجاجات المستمِرَّة.

وكان العشرات من طلّاب الجامعات والأساتذة، من بين القتلى والمُحتجَزين، خلال تنظيم ما لا يقِلّ عن 615 احتجاجًا في أول 82 يومًا بعد وفاة أميني. وترفض الحكومة الإيرانية الإفصاحَ عن سجلّات المعتقلين، لكن في العام الماضي وحده، مُنِع 1600 طالب من مواصلة تعليمهم الجامعي. وقالت لجنة مدنية للتحقيق في الاعتقالات، إنَّ ما لا يقل عن 122 طالبًا جامعيًا ما زالوا ممنوعين من حضور الفصول الدراسية.

تُعَدُّ الجامعات بؤَرًا للتوتُّر والنشاط السياسي، إذ لا تزال المئات من الاتحادات الطلابية  الرسمية وغير الرسمية، تستمِرّ في نشاطها، على الرغم من حملات القمع. وفي العام الماضي، شارك 51% من طلاب الجامعات الحكومية و18% من طلاب الجامعات الخاصة في الاحتجاجات. وحسبما أفادت به وكالة «فارس» للأنباء المدعومة من الدولة، فقد تضطرّ الجامعات إلى إغلاق أبوابها، فيما إذا استمرَّت الاحتجاجات.

ومن أجل قمْع الاحتجاجات التي قادتها النساء، لجأ البرلمان الإيراني، الذي يُسيطر عليه «المتشدِّدون»، إلى تعديل وإعادة تقديم مشروع قانون الحجاب والعفَّة، في أغسطس الماضي. ويفرض مشروع القانون غرامات على النساء، في حال انتهاكهن لقواعد الحجاب الإلزامية، حيث يُجرِّد العديد منهن من حقوق المواطنة والحماية الأساسية. وفي حال إقرار مشروع القانون، سَتُفرَض أحكامٌ مغلَّظة بالسجن على النساء، وإخضاعهن لتقنيات مراقبة التعرُّف على الوجه؛ من أجل مطاردة أولئك اللواتي يتحدَّيْن قواعد الحجاب.

ويأتي تقديم مشروع القانون على خلفية الجهود الدولية لمعاقبة الدولة الإيرانية؛ ففي أكتوبر الماضي، دعت اللجنة الأمريكية للحرِّية الدينية الدولية، واشنطن لتولِّي مهامّ إنشاء لجنة تحقيق تابعة للأمم المتحدة بشأن إيران. وفي هذا العام، دعت اللجنة واشنطن إلى إحالة قادة في إيران إلى المحكمة الجنائية الدولية؛ بسبب سوء معاملة الأقليات في إيران.

وأفادت تقارير بأنَّ إيران اعتقلت العشرات من البهائيين، من بينهم رجل يبلغ من العمر 90 عامًا، ولا يزال نحو 60 شخصًا من الأقلِّيات الدينية رهن الاحتجاز، منذ حملة القمع الأخيرة. ويقبع العديد من البهائيين في سجون إيران منذ أكثر من عقدٍ من الزمن. وعلى الرغم من أنَّ تاريخ المسيحية يعود إلى 2000 عام في إيران، تواصل الدولة الإيرانية اضطهادها للمسيحيين؛ الأمر الذي دفع المملكة المتحدة إلى وضع 80 مسؤولًا وكيانًا إيرانيًا على قائمة العقوبات؛ بسبب انتهاكات حقوق الإنسان.

وحسبما أفادت به «هيومن رايتس ووتش»، تواجه الأقلِّيات السُنِّية في إيران، بما في ذلك العرب والأكراد والبلوش حملة اضطهادات متكرِّرة. وفي مقاطعة سيستان وبلوشستان الجنوبية الشرقية، لا تزال الاحتجاجات مستمِرَّة، وتُصدَر أحكام بالإعدام على الشباب. وبحلول مارس من هذا العام، أعدمت إيران عربيًا واحدًا على الأقلّ، و14 كرديًا، وأُدين 13 بلوشيًا، في محاكمات «غير عادلة»، وتعرَّضوا للتعذيب، حسبما أفادت به منظَّمة العفو الدولية. وجرى اعتقال آلافٍ آخرين، خلال الاحتجاجات في العام الماضي؛ الأمر الذي دفعَ العديد من الأكراد إلى الفرار من إيران.

سيكون لحملة القمع الإيرانية ضد النشطاء الآخرين أثرٌ سلبي، مثلًا تُحتجَز الناشطة الحقوقية سبيده قليان بصورة منتظِمة؛ بسبب رفضها التقيد بقوانين الحجاب الإلزامية، وقد عُقِدت جلسة الاستماع الأخيرة بحقِّها هذا الصيف خلف أبوابٍ مغلقة. وحسبما أفاد به أحد أفراد أُسرتها، فإنَّها تواجه تُهمًا، من بينها التجسُّس والتحريض على الفتنة، وقد سبق أن جرى استجوابها وتعذيبها. ويواجه النشطاء البيئيون والعُمّاليون، وكذلك المعلِّمون المشاركون في الاحتجاجات، اعتقالات تعسفية. وبالإضافة إلى سجْن أحد مغنِّيي الراب، سجنت السلطات الإيرانية ناشطين إيرانيين، وأجبرتهم على دخول أقسام الطب النفسي في السجن، وتعرَّضت النساء لعمليات اختطاف وتعذيب. ويتعرَّض آلاف المتظاهرين من الأطفال للتعذيب «المروِّع»، بما في ذلك الجلد والصدمات الكهربائية والضرب والعنف الجنسي.

وقُبيل الذكرى السنوية الأولى لوفاة أميني، التي تُصادف سبتمبر، اعتقلت السلطات الإيرانية عشرات الناشطات، وتعرَّض أصحاب المتاجر والمعلِّمين وأصحاب العمل للتهديد بدفع غرامات، في حال فشلوا في تطبيق قواعد الحجاب الصارمة. وتَشُنّ الشرطة عمليات دهْم لمنازل المدافعين عن حقوق الإنسان؛ وألقت القبض على مراسل أجرى مقابلة مع عائلة أميني مرَّتين، واتّهمت الأُسرة قوات الأمن الإيرانية بتخريب قبرها.

رُبّما شهدت المظاهرات اليومية انحسارًا؛ بسبب حملة القمع الشديدة، لكن أعمال الشغب لا تزال قائمة، ولا تزال وفاة أميني لها تأثيرٌ عميق على إيران. وقد يُشجِّع ذلك على تفجير مزيد من الاحتجاجات في البلاد، كما يشجِّع الإيرانيين على المطالبة بالعدالة. ويدعو العديد من الإيرانيين الآن علنًا إلى التغيير، وإلى نظام سياسي جديد. ويقول نشطاء إنَّه لا يُوجَد خيار آخر سوى مواصلة القتال؛ يبدو أنَّ مقاومةً سرِّيةً ضد الوضع الراهن قد بدأت الظهور بالفعل.

وُيعَدُّ كل ما سبق ذكره بصيص أمل لمستقبلٍ أفضل في إيران، لكن من غير المرجَّح أن تُغِيّر الدولة الإيرانية مسارها، أو أن تقوم بأيّ إصلاحات، فهناك دلائل تُشير إلى رغبة إيران في إدخال قوانين أكثر صرامة لاحتواء الاحتجاجات والعصيان المدني؛ ما سيدفع البلاد إلى حافة كارثة وطنية.

المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
إدارة التحرير