مصر في مواجهة خطط تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة

https://rasanah-iiis.org/?p=37445

     أعاد استئناف الحكومة الإسرائيلية لعمليات الحرب على الفلسطينيين في قطاع غزة مخاطر خطة تهجير سكان القطاع، التي اقترحها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وتحمّس لها الاحتلال الإسرائيلي كثيرًا، خاصةً قادة اليمين المتطرف. في ظلِّ هذه التطورات لا تفتأ مصر عن التذكير برفضها لتهجير الفلسطينيين، عبر التواصل مع الفواعل الدولية والإقليمية، كما حصل في المكالمة الهاتفية بين الرئيس عبد الفتاح السيسي، والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني يوم السبت 19 أبريل الجاري، ومواصلة مواجهة هذا المشروع عبر الاستمرار في جهود الوساطة، للتوصُّل لاتفاق وقف الحرب، وإدخال المساعدات، إلى جانب تكثيف الأنشطة الدبلوماسية، لحشد التأييد العربي والدولي لخطة إعادة إعمار القطاع، حيث التقى يوم الاثنين 21 أبريل في الرياض، وزير الخارجية المصري الدكتور بدر عبد العاطي بنظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان، وشدّد الوزيران خلال اللقاء على رفض تهجير الفلسطينيين من أراضيهم، كما بحثا الخطة العربية – الإسلامية من أجل إعادة إعمار قطاع غزة، وناقشا كذلك أجندة المؤتمر الدولي للتعافي المبكر في القطاع ذاته، المزمع عقده في القاهرة بتعاون أممي – فلسطيني.

    من خلال هذا المقال، سيُتطرق إلى نقاط القوة التي تمتلكها مصر، والفرص التي تعضد موقفها الرافض للتهجير، وفي المقابل نقاط الضعف وما يرتبط بها من تحديات تعكسها الضغوط الإقليمية والدولية الرامية لتجسيد هذا المشروع عنوة.

     يأتي الموقع الجيوسياسي المصري، وجوارها المباشر لفلسطين، وحيازتها على قناة السويس، ومساحتها الجغرافية الواسعة، والكتلة الديمغرافية الكبيرة التي تتمتع بها، بما يخولها من بناء جيش قوي جدًا؛ ضمن أبرز نقاط القوة التي تجعل مصر دولة محورية في الشرق الأوسط وإفريقيا، وتدفع الاحتلال الإسرائيلي إلى الأخذ بعين الاعتبار هذه الأبعاد للمحافظة على اتفاقية السلام، التي يبدو أن القاهرة توظفها كورقة ضغط على تل أبيب للمحافظة على استمرار حالة السلام بينهما؛ إذ تدرك تل أبيب أن هناك خطوطًا حمراء قد تدفع مصر إلى مراجعة الاتفاقية، أو حتى الخروج منها، مع كل ما يحمله ذلك من تبعات وسيناريوهات، لعل أسوأها فتح جبهة عسكرية مع مصر، علمًا أن أي خطوة في اتجاه التباعد ستكون مستندةً على قاعدة جماهيرية تتجاوز المئة مليون نسمة، تربطها وشائج قوية بالقضية الفلسطينية، بحكم الروابط الدينية والتاريخية والجغرافية.  

      إلى جانب نقاط القوة السابقة هنالك أيضًا العديد من الفرص المتاحة لمصر، التي تساعدها على مواجهة التهجير، ويأتي تمسك الغزاويين بأرضهم ورفضهم للتهجير في مقدمة تلك الفرص، فالشعب الفلسطيني يعتبر مشروع التهجير جريمة مستمرة، تهدف إلى اقتلاعه من أرضه وتدمير هويته الوطنية، ويواجهها بالإصرار على البقاء، والتمسك بالأرض. وبهذا تُزاح بعض الأعباء الأخلاقية التي يحاول الاحتلال الإسرائيلي التنصل منها وتحميلها للطرف المصري؛ حيث يعمل على تسويق سردية مفادها أن مأساة الفلسطينيين ليست نتيجة جرائمه المتواصلة منذ عقود، وليس آخرها الحرب الأخيرة، وإنما هي نتيجة منع مصر لهم من الهجرة وتوطينهم داخل أراضيها!

      كما أن مكانة مصر الجيوسياسية وأدوارها الفاعلة في الكثير من الأزمات الإقليمية، ومحوريتها في المنطقة العربية، تجعلها تحظى بمساندة عربية ضمن سياق شامل، يتمثَّل في دعم القضية الفلسطينية، فهناك مطالبات عربية لقيام دولة للفلسطينيين، ورفض التهجير لأي دولة عربية. والدعم الخليجي لمصر من الناحية السياسية والاقتصادية يعد ركيزة أساسية لمواجهة المشروع، ويعزز موقفها أمام إسرائيل. وهناك فرص على المستوى العالمي ساعدت مصر في تقوية موقفها السياسي والدبلوماسي في الدفاع عن سيادتها الوطنية، ورفض أي محاولات لفرض حلول على حساب أراضيها وشعبها؛ فقد انتفضت دول العالم لرفض التصريحات الأمريكية والإسرائيلية، وتأكيد حق الشعب الفلسطيني في دولته المستقلة، خاصة وأن ذلك يتعارض مع كل القوانين الدولية، لذلك توالت التصريحات من مختلف العواصم، التي أجمعت على رفض التهجير القسري لسكان غزة، تماشيًا مع قرارات منظمة الأمم المتحدة، التي أصدرت مئات القرارات بشأن جوانب مختلفة للقضية الفلسطينية، وتظل طرفًا فاعلًا في السعي إلى تحقيق المعايير الإنسانية والعدالة والسلام.

      على الضفة المقابلة تعاني مصر من بعض نقاط الضعف، التي قد تُعيق جهودها في مواجهة خطة تهجير الفلسطينيين إلى أراضيها، وتأتي المشكلات الاقتصادية في الصدارة، فالاقتصاد المصري يعاني من محدودية موارده، التي تتركز بشكل خاص على عوائد قناة السويس والسياحة، وتحويلات العمالة في الخارج، وفي ظل تأثيرات التطورات الأمنية في الفترات السابقة على قطاع السياحة، وتراجع عوائد قناة السويس نتيجة الحرب الدائرة حاليًا، وغيرها من المشاكل الناجمة عن أزمة الديون، باتت الأوضاع المعيشية صعبة للغاية مع ارتفاع الأسعار والتضخم، وبالتالي أصبحت مصر تعتمد بشكل كبير على القروض والمساعدات، لتأمين استقرارها الداخلي وقدرتها على إدارة الأزمات، وقد بات هذا مدخلًا لتحدي الضغوط الخارجية، عبر توظيف عصا التهديد بوقف المساعدات، أو منع القروض، أو الضغط لسداد الديون في حالة رفض التهجير، وفي المقابل تسهيل كل القضايا المشار إليها في حالة القبول بتهجير الفلسطينيين.  

     إضافةً إلى ذلك، فإن ارتباط الموارد المائية المصرية (نهر النيل) بالأطراف الخارجية، وتحديدًا من دول المنبع في شرق إفريقيا يجعله أيضًا تحديًا غير مباشر لمصر، حيث تدعم القوى الإقليمية والدولية وفي مقدمتها إسرائيل الخطط الأثيوبية لإضعاف مصر، ومساومتها لتقديم تنازلات في العديد من القضايا، التي من بينها تهجير الفلسطينيين. وبينما يعد تمسك الفلسطينيين بأرضهم فرصة لمصر، فإن تزايد نفوذ اليمين المتطرف في إسرائيل، والذي يدعو إلى «ترحيل الفلسطينيين» يعد تحديًا كبيرًا لمصر، كونه يدفع باتجاه الحرب وتأزيم الأوضاع، مما يقلل من فرص التوصل إلى تسويات سياسية، ويرجح توسع المواجهة، وتعزيز الضغوط الدولية على مصر.

ختامًا، يتضح مما سبق أن الموقف المصري الرافض لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة يواجه تحديات إقليمية ودولية معقدة، إذ تعرَّضت القاهرة لضغوط سياسية واقتصادية وإعلامية مكثفة، خاصةً من الولايات المتحدة وإسرائيل، في محاولة لفرض سيناريوهات تهدد الأمن القومي المصري وتنتقصُ من الحقوق الفلسطينية. ومع ذلك، تمسَّكت مصر بموقفها الثابت، مدعومةً برفض عربي ودولي واسع، مما يُساهم في إفشال مخططات التهجير القسري. ويؤكد هذا الموقف التزام مصر التاريخي بدعم القضية الفلسطينية، وحرصها على استقرار المنطقة، ورفضها لأي حلول تتعارض مع مبادئ السيادة الوطنية والشرعية الدولية.


الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر كاتبها، ولاتعكس بالضرورة رأي المعهد

ليلى عبدالرحمن الدوسري
ليلى عبدالرحمن الدوسري
باحثة متدربة في المعهد الدولي للدراسات الإيرانية «رصانة»