دراسة مشتركة للباحثَين:محمود حمدي أبو القاسم وعبد الرؤوف مصطفى الغنيمي
مقدمة
أصبحت مسألة تعديل السلوك الإقليمي مطلبًا أساسيًّا لتسوية الأزمة المتفاقمة مع إيران، منذ الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي في 2018م. هذا ما عبَّر عنه الرئيس الأمريكي جو بايدن وعبَّر عنه أعضاء إدارته، في إطار النقاش المفتوح داخل أروقة البيت الأبيض مع الحُلفاء الأوروبيين والإقليميين بشأن ملف إيران. في المقابل، ترى إيران أنَّ هذه القضايا خارج النقاش، ولا يمكن تضمينها في الاتفاق النووي، وقد عبَّر المرشد الإيراني علي خامنئي عن هذا التوجُّه بتأكيده «التزام طهران دعم حلفائها في الشرق الأوسط»، واعتبار وجودها الإقليمي «ضرورة يجب أن تكون وسوف تستمرّ»، كما رفض خامنئي التخلِّي عن برنامج بلاده الصاروخي. وأشار إلى أنَّ هذا البرنامج «أجبر أعداء إيران على مراجعة حساباتهم»، تثير هذه المواقف المتناقضة تساؤلات عديدة حول الفُرص والتحدِّيات، التي تواجه إدارة بايدن عند التعامُل مع معضلة سلوك إيران الإقليمي خلال المرحلة الراهنة، والتداعيات المُحتمَلة لكُلّ من خيارَي مواصلة الضغوط، والانفتاح على سلوك إيران الإقليمي. وفي سياق مناقشة هذه المعضلة والإجابة عن التساؤلات المطروحة، سوف تركز هذه الورقة على عددٍ من المحاور: الأول: إدارة بايدن وسلوك إيران الإقليمي، الثاني: تحدِّيات تأثير إدارة بايدن في سلوك إيران الإقليمي والفُرَص الممكنة، الثالث: مستقبل سلوك إيران الإقليمي على ضوء خِيارات بايدن.
أوّلًا: إدارة بايدن وسلوك إيران الإقليمي
كان بايدن ضمن الفريق الذي توقَّع تغييرًا في سلوك إيران الإقليمي بعد الاتفاق النووي، لأنَّها لن تتخلَّي عن فرصة إدماجها في منظومة العمل الدولي بعد عقود من العزلة والحصار. لكن إيران تصرَّفت عكس روح الاتفاق النووي، وظهر ذلك مع تعزيزها لسياساتها الإقليمية العدائية المرتبطة بهوية النظام وطبيعة توجُّهاته الأيديولوجية، وفي استمرار دعم إيران لـ«حزب الله»، واختبارات الصواريخ الباليستية، وغيرها من مظاهر السلوك العدواني ودعم الجهات الفاعلة غير الحكومية في سوريا والعراق واليمن. وبدلًا من التعاون مع الولايات المتحدة، اتّجهت إلى تهديد مصالحها وحلفائها، وتبنِّي خيار إستراتيجي بإخراج القوّات الأمريكية من المنطقة.
على هذا الأساس، سرعان ما تحوَّلت وجهة النظر الأمريكية برمّتها تجاه ملف إيران، حتّى قبل وصول دونالد ترامب للسُّلطة، وإذا كان ترامب حاول معالجة إشكالية سلوك إيران الإقليمي باعتبارها واحدًا من أهمّ التهديدات التي تمثِّلها إيران من خلال المواجهة والردع، فإنَّ بايدن يواجه التحدِّي نفسه، لأنَّ الواقع يفيد بأنَّ أمام الولايات المتحدة معضلة حقيقية في كيفية مواجهة هذا التهديد، وبأيّ أدوات.
قبل تولِّيه السُّلطة، أخذ بايدن في الاعتبار التحدِّيات التي تفرضها إيران، وأوضح خططه لمعالجتها في سبتمبر 2020م، في مقال كتبه لموقع «سي إن إن» أعلن قائلًا: أوّلًا الالتزام الصارم بمنع إيران من امتلاك سلاح نووي، ثانيًا عرض مسار موثوق به للعودة إلى الدبلوماسية، بحيث إذا عادت إيران إلى الامتثال الصارم للاتفاق النووي، فستعاود الولايات المتحدة الانضمام إلى الاتفاق كنقطة انطلاق لمفاوضات المتابعة. ثالثًا مواصلة صدّ أنشطة إيران المزعزعة للاستقرار، إضافة إلى استخدام العقوبات الموجَّهة ضدّ انتهاكات حقوق الإنسان ودعمها للإرهاب وبرنامج الصواريخ الباليستية([1]).
بدت هذه التوجُّهات للوهلة الأولى مفرطة في التفاؤل، لكن ما لبِث أن تبيَّن أنَّها مجرَّد شعارات انتخابية، وخصومة سياسية مع ترامب شخصيًّا، وأنَّها لا تأخذ بالاعتبار المصالح الحيوية للولايات المتحدة، لا سيما وأنَّها لا تقدِّم رؤية متماسكة في ما يتعلَّق بالتعامُل مع سلوك إيران الإقليمي، إذ إنَّ تناقضًا حقيقيًّا بين الإصرار على مسار الدبلوماسية والعودة إلى الاتفاق النووي، والحدّ من التهديدات التي تمثِّلها إيران، وذلك على مستوى التحليل المرتبط بعنصر القوَّة في التأثير بالعلاقات بين الدول، إذ بدا كأنَّه تخلٍّ مجّاني عن عناصر التأثير في الأزمة، وإعطاء أولوية لمسار التفاهُم، في الوقت الذي يبدو فيه الخصم في موقف شديد الضعف.
بعد تسلُّم بايدن مهامَّه، بدأت تظهر تغييرات في نبرة الخطاب الرئاسي وخطاب عناصر الإدارة الجديدة بشأن ملف إيران، إذ بدأ المسؤولون الحديث عن شروط العودة للاتفاق النووي، بحيث إن التقدُّم في مسار المفاوضات أصبح وثيق الصلة بالتفاهُم حول قضايا أُخرى تخُصّ سلوك إيران الإقليمي وبرنامج صواريخها الباليستية([2])، في ما يمكن القول إنَّه استيعاب لدروس الماضي، ومحاولة لتصحيح الأخطاء. على أرض الواقع، تواجه الإدارة الجديدة عددًا من المعضلات الرئيسية تخُصّ السلوك الإقليمي لإيران:
المعضلة الأولى: البرنامج النووي الإيراني، وتراهن عليه إيران لتأكيد تفوُّقها وامتلاك قوَّة ردع غير تقليدية في مواجهة خصومها، ومن ثمَّ فهو أحد شواغل الولايات المتحدة كأولوية مصيرية، باعتباره أحد التحدِّيات الرئيسية المرتبطة بالسياسة الأمريكية الخاصَّة بالحدّ من انتشار الأسلحة النووية، وتشاركها في ذلك القُوى الدولية الرئيسية والقُوى الإقليمية، باعتبار أنَّ امتلاك إيران سلاحًا نوويًّا يقود إلى خلل في التوازُنات الإقليمية القائمة، فضلًا عن انزلاق المنطقة نحو سباق نووي غير محمود العواقب.
المعضلة الثانية: برنامج الصواريخ الباليستية، الذي تحوَّل من طابعه الدفاعي إلى أداة هجومية تستغلّها إيران لتهديد واستهداف مصالح القوى الإقليمية والدولية بالمنطقة، بل وتهديد الوجود الأمريكي نفسه، وهي قضية أصبحت ذات أهمِّية بالنسبة إلى الولايات المتحدة والحُلفاء الإقليميين، وكذلك الدول الأوروبية التي باتت أراضيها في مرمى الصواريخ الإيرانية.
المعضلة الثالثة: دور إيران في بعض دول المنطقة، هذا الدور الذي يتّخذ من نشر الفوضى والعنف وإثارة الحروب الطائفية ودعم الميليشيات المسلَّحة ضدّ حكوماتها، أداة لتأكيد النفوذ وتعظيم المصالح، وبالتالي أصبح ضمن الشواغل التي تهمّ الولايات المتحدة والقُوى الإقليمية، لأنَّ هذا السلوك يُترجَم إلى نفوذ واسع لإيران قد يؤثِّر على التوازُنات القائمة، وقد يُخرِج إيران من قوَّة إقليمية متوسِّطة إلى قوَّة تعديلية أكثر تأثيرًا في الإقليم.
بناءً على ما يطرحه بايدن وإدارته من تصوُّرات بشأن معالجة سلوك إيران الإقليمي، والتطوُّرات على أرض الواقع، يمكن إبداء عدد من الملاحظات:
1. الولايات المتحدة في ظلّ إدارة بايدن باتت تدرك ضرورة التعامُل مع تهديدات إيران كحزمة واحدة([3])، تساندها في ذلك القُوى الأوروبية والإقليمية، فلم يعُد من المقبول إعادة الفاعلية إلى الاتفاق النووي، ومعالجة المخاوف المرتبطة بالبرنامج النووي الإيراني، دون أخذ الشواغل الإقليمية الرئيسية بالاعتبار([4])، فالاستقرار الإقليمي أصبح مرهونًا بمقاربة جديدة للحدّ من دور إيران في حالة عدم الاستقرار الراهنة في الشرق الأوسط([5]). في هذا السياق، تريد الولايات المتحدة عودة إيران إلى الاتفاق النووي أوَّلًا، ليكون ذلك بمثابة أرضية لتفاهُمات شاملة.
2. ترفض إيران تقديم تنازُلات جوهرية في ما يتعلَّق ببرنامج الصواريخ، باعتباره حقًّا سياديًّا، ومسألة حيوية للحفاظ على أمنها، وقوَّة ردع تساعد على بقاء النظام بعيدًا عن التهديد والاستهداف، ناهيك برفض تدويل مسألة الحوار الإقليمي، باعتباره شأنًا يخُصّ دول المنطقة ويمكن التفاهُم حوله في إطار إقليمي([6]).
3. في حال تجاوزت الولايات المتحدة معالجة التهديدات الإقليمية التي تمثِّلها إيران، فإنَّ المنطقة قد تندفع نحو صراع مفتوح، فبعض القُوى الإقليمية سيكرِّس طاقته وإمكانياته ورُبّما تعاونه، من أجل مواجهة خطر إيران، وهذا قد يُبقِي الصراع مع المملكة العربية السعودية مفتوحًا، وقد تتجه إسرائيل إلى شنّ هجوم على إيران.
4. مسألة الوصول إلى حلول ومكاسب كاملة لأيٍّ من الطرفين تبدو صعبة، إذ تملك الأطراف أوراقًا مختلفة للضغط والمساومة، فمن جانبها تمتلك إيران في ظلّ هذه المعادلة ورقة ضغط قويَّة، وهي تسريع برنامجها النووي، وقد اتّخذت عدَّة إجراءات بهدف فرض ضغط كبير على إدارة بايدن. كذلك تمتلك أوراقًا إقليمية عديدة بدأت تحريك بعضها بالفعل، كما حدث في تكثيف الحوثيين هجماتهم على السعودية منذ تولِّى بايدن، واستهداف القوّات الأمريكية في العراق، والمناورات والتحرُّكات العسكرية في مياه الخليج العربي. في المقابل، فإنَّ لدى الولايات المتحدة ورقة تأثير مهمَّة في ما يتعلَّق استمرار الضغوط الاقتصادية وتكثيفها، حتى تذعن إيران وتقبل بصفقة مقبولة من وجهة نظر الولايات المتحدة وحُلفائها([7])، وقد يؤجِّل هذا مسألة التسوية، بما فيها المعضلة الإقليمية التي يُملِيها سلوك إيران لبعض الوقت.
ثانيًا: تحدِّيات تأثير إدارة بايدن في سلوك إيران الإقليمي والفُرَص الممكنة
على ضوء توجُّهات النظام الإيراني التوسُّعية في المجالات الحيوية لإيران من ناحية، وانتقال المشروع الإيراني الإقليمي إلى مرحلة عسكرة التشيُّع في ساحات النفوذ الإقليمي من ناحية ثانية، وتوجُّهات الإدارات الأمريكية المتعاقبة تجاه منطقة الشرق الأوسط من ناحية ثالثة، يمكن تحديد عدد من التحدِّيات الرئيسية أمام بايدن للتأثير في سلوك إيران الإقليمي، وكذلك بعض الفرص الممكنة:
1. العداء الأمريكي-الإيراني المتأصِّل وتقاطع المصالح الجيو-سياسية في الإقليم
جعل الخميني مسألة العداء للولايات المتحدة ركيزة أساسية لمشروع ولاية الفقيه في الداخل والخارج منذ 1979م، وقد وُلِدت من رحِم العداء للولايات المتحدة توجُّهات السياسة الخارجية الإيرانية، التي استندت إلى مبادئ حاكمة للسياسة الإيرانية تجاه النظامين الإقليمي والدولي: الأُممية الإسلامية، ورفض الهيمنة ومواجهة الاستكبار، والاستقلالية والاكتفاء الذاتي، والقومية الفارسية.
وهي المبادئ التي انعكست على سلوك إيران الإقليمي في البحث عن دور ونفوذ مستند إلى التاريخ والدين، وبدأت تجلِّياته في تبنِّي النظام الإيراني مبدأ تصدير الثورة، بخلق الأذرُع العسكرية الموالية لها في مجالاتها الحيوية ذات الأولوية، ومحاولة تغيير الواقع الإقليمي لصالح التصوُّرات الخمينية التوسُّعية المنبثقة عن نظرية ولاية الفقيه([8]).
هذا التصوُّر لدولة ثورية توسُّعية، يصطدم بطبيعة الحال مع النظام الذي طوَّرته الولايات المتحدة ورعته وفق معايير معيَّنة، حول الكيفية التي يجب أن يكون عليها النظام الدولي، وكيف يجب أن تتصرَّف كُلّ دولة ضمن هذا النظام، وصُنّفت الدول والجهات الفاعلة التي لا تتناسب مع هذا القالب دولًا «مارقة». وبما أنَّ إيران ما بعد الثورة قد انتهكت هذه المعايير، من خلال تضمين الاعتبارات الأيديولوجية في سياستها الخارجية، وباعتماد سياسة عدم الانحياز، ورفع شعارات العداء، وتهديد المصالح الأمريكية، فقد اعتُبِر نظامها خطرًا وتهديدًا للولايات المتحدة.
لقد كرَّست تطوُّرات الأحداث والتصوُّرات السلبية والمُدرَكات المتبادلة فجوةَ ثقة، أصبح من الصعب معها وجود إطار للعمل بين البلدين لحلّ الخلافات، نتيجةً لمبادئ الثورة الإيرانية وسياستها الخارجية، بحيث أصبحت صورة الولايات المتحدة لديها مؤسَّسية في الثقافة السياسية، الأمر الذي جعل من الصعب التخلُّص منها، وهذا ألقى بظلاله على النُّخبة الحاكمة، وفرض عليها عدم قبول أيّ فوائد مُحتَملة لتطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة، كما أنَّ الدعاية المعادية قد جعلت أيّ مبادرة مُحتمَلة للانخراط تُواجَه بعنف ورفض كبيرَين، رُبّما ليس هذا من جانب بعض الفصائل في إيران وحسب، لكنّه كذلك من جانب البعض في الولايات المتحدة([9]).
وعلى ضوء هذا العداء المتأصِّل في العقلية الإيرانية، بات يُنظَر إلى مقاربات الانفتاح الأمريكية من جانب النُّخبة المحافظة المهيمنة على القرار السياسي في إيران، على أنَّها تستهدف القضاء على النظام والثورة والمصالح الإيرانية، لهذا كانت خياراتها هي استمرار المواجهة على الرغم من توقيع الاتفاق النووي، وتعزيز سياساتها ونفوذها الإقليمي، بل العمل على إنهاء الوجود الأمريكي في المنطقة([10])، ليس هذا وحسب، لكن بقاء إيران كقوَّة مناهضة للولايات المتحدة، جعلها حليفًا موثوقًا به لدى بعض القُوى المتنافسة على الساحة الدولية. وفي هذا الإطار أصبحت إيران مركزًا مهمًّا لدول مثل الصين وروسيا، وهو أمر تَعزَّز بعلاقات إستراتيجية على مستويات مختلفة، وهذا بطبيعة الحال له تأثير مهمّ في التوازُنات المتعلِّقة بالإقليم، وعلى مستقبل الدور الأمريكي، وكذلك نفوذ إيران، إذ تسخِّر طهران جهودها لإنهاء الوجود الأمريكي في المنطقة، باعتباره عقبة أساسية أمام طموحها الإقليمي والتوسُّعي.
2. تحوُّلات السياسة الأمريكية تجاه منطقة الشرق الأوسط
يرتبط سلوك إيران الإقليمي بصورة أساسية بالمقاربات التي تبنَّتها الولايات المتحدة، خلال الحقب التاريخية المختلفة بالمنطقة الشرق أوسطية. قبل نهاية الحرب الباردة، كانت التوازُنات الدولية المرتبطة بالقُطبية الثنائية ترسم خطوطًا للنفوذ بين القُوى الدولية، ومن ثمَّ فإنَّ حضور الولايات المتحدة المكثَّف في منطقة الخليج العربي وتحالُفها مع دوله العربية خلال الثمانينيات، كان له دور بارز في حصار الثورة الإيرانية داخل حدودها، بل كان له دور في تهديد النظام الإيراني داخل حدوده، عبر مساندة واسعة لجيرانها. واستمرّ هذا الحضور في مرحلة التسعينيات بعد نهاية الحرب الباردة، التي تجلَّت فيها الأُحادية القُطبية بقيادة أمريكية، والتي اعتمدت على وجود عسكري مكثَّف لحماية الأمن والاستقرار في منطقة الخليج العربي، لكن دون إحداث خلل في التوازُنات القائمة بين دول المنطقة، إذ فرضت الولايات المتحدة عُزلة على إيران نتيجة أيديولوجيتها العدائية.
بحلول العقد الأوَّل من الألفية الثالثة، الذي شهد تحوُّلات مثل الحادي عشر من سبتمبر والغزو الأمريكي لأفغانستان والعراق، غيَّرت الولايات المتحدة إستراتيجيتها الإقليمية والدولية على نحوٍ أخلَّ بالتوازُنات القائمة في الإقليم الشرق أوسطي، وفتح المجال واسعًا أمام إيران لتوسيع نفوذها خارج حدودها، كذلك خلقت معالجة إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما لهذا الخلل، من خلال الانسحاب والقيادة من الخلف، فراغًا إقليميًّا أوسع اندفعت إيران لملْئه، خصوصًا أنَّ هذا الانسحاب تزامن مع انهيار عدد من الدول، وتفكُّك منظومات الأمن الإقليمي الجماعي ومظلَّة الحماية الأمريكية.
رُبّما كانت إستراتيجية ترامب مهمَّة في ما يتعلَّق بإعادة بناء التحالُفات والتوازُنات، واستعادة القُدرة على الردع، لكن ما أثبتته التطوُّرات أنَّ إيران راكمت قوَّة لا يُستهان بها للتأثير الإقليمي، نتيجة الانسحاب أو الانكفاء التدريجي للولايات المتحدة ومقارباتها الأمنية والعسكرية، التي استفادت منها إيران بصورة أساسية.
كذلك شكَّلت التفاهمُات الأمريكية-الإيرانية غير المباشرة قبل الغزو الأمريكي لأفغانستان، الجارة الشرقية لإيران، وللعراق، الجار الغربي لإيران، بتأييد طهران رغبة أمريكا في غزوها أفغانستان، لإسقاط العدو المشترك لواشنطن وطهران (ثنائي طالبان-القاعدة)، وغزوها العراق لإزاحة النظام العراقي آنذاك، شكَّلَت فُرصة مواتية لإيران لبدء تمرير مشروعها التوسُّعي، وقد عزَّزتها إيران مع اندلاع الاحتجاجات الشعبية العربية، لكون هذه التحوُّلات الكبرى في الموقف الأمريكي نجم عنها: انهيار النظام الإقليمي وتخلخل توازُناته وتحالُفاته القائمة، وإحداث حالة فراغ نتج عنها اندفاع القُوى الإقليمية ذات النزعة التوسُّعية لملئه والحصول على مركز الريادة الإقليمية (إيران – تركيا – إسرائيل)، ثمّ التقدُّم المتسارع لحضور القُوى الدولية المنافسة للقُوى العظمى في قضايا المنطقة (روسيا – الصين). وباتت إيران تحظى بنفوذ عسكري واقتصادي وثقافي وسياسي واسع في العراق وسوريا واليمن، فعلى سبيل المثال لا الحصر في ما يتعلَّق بالنفوذ العسكري الواسع في العراق وسوريا، اعترف الجنرال رحيم صفوي، كبير المستشارين العسكريين للمرشد الإيراني في يناير 2021م، بتأسيس قائد فيلق القدس السابق قاسم سليماني نحوَ 82 لواءً في العراق وسوريا، تضُمّ مقاتلين من جنسيات متعدِّدة، موضِّحًا أنَّه أنشأ نحو 60 لواءً في سوريا، ضمَّت نحو 70 ألف مقاتل من قوّات التعبئة الشعبية ومن الدول الأُخرى، في إشارة إلى ميليشيات متعدِّدة الجنسيات تقاتل تحت لواء فيلق القدس، مثل ميليشيات «فاطميون» و«زينبيون» و«حيدريون»([11]).
3. ارتفاع تكلِفة مواجهة مشروع إيران الإقليمي بعد عسكرته
تختلف تكلِفة مواجهة المشروع الإيراني في كُلّ مرحلة من مراحل التمدُّد الإيراني، فبينما تقلّ التكلِفة في المرحلة الأولى من مراحله نشر التشيُّع، ترتفع بشكل كبير للغاية في مرحلة عسكرة التشيُّع لعدَّة أسباب: أوَّلها تقديم إيران أثمانًا مادِّية وبشرية هائلة تنتظر جنْي ثمارها، وثانيها الانتشار الميليشياوي العسكري واسع النطاق بما يمكِّن إيران من امتلاك ورقة ضغط قويَّة، تستطيع بها تفجير الساحة في تلك الدولة من خلال سلاح وكلائها، وثالثها أنَّ الميليشيات ذاتها تكون قد قطعت شوطًا طويلًا في مدّ نطاق النفوذ، وحقَّقت مكاسب هائلة بشكل لا يمكنها التراجُع عنه.
مواجهة إيران في مرحلة عسكرة التشيُّع أمر مكلّف للغاية، إذ تتطلَّب مواجهتها في هذه المرحلة القُدرة على خلق ميليشيات طائفية مسلَّحة لمواجهة الميليشيات الشيعية الموالية لإيران، وهي مسألة ليست بالأمر الهيِّن، لأنَّها تقتضي القُدرة على التعبئة والتسليح والتمويل، وهذا يتطلَّب ميزانيات مالية ضخمة من ناحية، مع إمكانية الدخول في مواجهات واقتتالات مسلَّحة مذهبية تدمّر الدولة برُمّتها من ناحية أُخرى، كما تشهد هذه المرحلة تعاظُمًا للتحدِّيات أمام الدول المواجهة للخطر الإيراني، مع شبه انتفاء الفرص المتاحة مقارنةً بالتحرُّك في أثناء مرحلتَي نشر وتسييس التشيُّع.
كذلك تمثّل عسكرة التشيُّع أهمّ دوافع سباق التسلُّح الإقليمي، وذلك باتجاه بعض الدول العربية والخليجية نحو تطوير ترسانتها العسكرية لمواجهة التهديدات الخارجية، ولا سيما الإيرانية، وانتقالها من شراء أنظمة «التسلُّح الدفاعي» إلى شراء أنظمة «التسلُّح الهجومي»، بما ينذر بارتفاع تكلُفة المواجهة. وأشارت تقارير متخصِّصة في شؤون التسلُّح، على سبيل المثال لا الحصر إلى أنَّ دول الخليج عقدت خلال 50 عامًا قبل عام 2000م صفقات تسلُّح مع الولايات المتحدة بمبالغ مالية تُقدَّر بنحو 90.2 مليار دولار، بينما عقدت خلال 17 عامًا منذ عام 2000م صفقات بنحو 154 مليار دولار([12]).
كذلك اضطُرَّت الولايات المتحدة إلى تكثيف حضورها العسكري في العراق خلال عام 2020م، لحماية الأهداف والمقارّ الدبلوماسية والقوّات الأمريكية من الهجمات الميليشياوية الموالية لإيران، كما عزَّزت حضورها العسكري لدى بعض الدول الخليجية مثل الكويت، تحسُّبًا لهجمات إيرانية انتقامًا لمقتل سيلماني، وكثَّفت أيضًا حضورها العسكري عند مضيق هرمز والخليج العربي لحماية أمن الملاحة الدولية، وذلك على خلفية الهجمات الإيرانية المتتالية على ناقلات النفط في الخليج العربي للتأثير في المصدِّرين والمستهلكين ردًّا منها على العقوبات الاقتصادية الأمريكية، وكذلك استمرَّت الهجمات الميليشياوية الموالية لإيران ضّد الأهداف الأمريكية في الساحة العراقية طوال عام 2020م، ولا تزال مستمرَّة في 2021م، وآخرها ما أعلنته وزارة الدفاع الأمريكية باستهداف 14 صاروخًا لقاعدة أربيل العسكرية الأمريكية في 16 فبراير 2021م، مما أسفر عن مقتل متعاقد مدني وإصابة 5 أمريكيين بينهم جندي.
4. خبرة التعاطي الإيراني مع مقاربات التفاهُم والانفتاح الأمريكية
عندما اختبرت الولايات المتحدة مقاربة الانفتاح على إيران بدلًا عن العزلة والعقوبات، أملًا في أن يجُرّ ذلك المسار النظام الإيراني نحو الانفتاح وتغيير سلوكه، ومن ضمنه سلوكه الإقليمي([13])، فإن تخفيف حدَّة الضغوط الدولية على إيران في الواقع، ورفع العقوبات الاقتصادية عنها، والإفراج عن مئات المليارات من أرصدتها المجمَّدة في الخارج، يمنح النظام فرصة لتأكيد نفوذه الإقليمي، لا سيما وأنَّ المفاوضات بشأن الاتفاق النووي تزامنت مع دور واسع النطاق لإيران وقوّاتها العسكرية وميليشياتها في عدد من الدول العربية، حتّى أصبحت قوَّة إقليمية لا يُستهان بها. وعندما حاولت الولايات المتحدة استعادة القوَّة في مواجهة إيران، وجدت أنَّ مكتسباتها خلال مرحلة الانفتاح تلك قد توسَّعت بصورة يصعب معها العودة إلى المربع الأوَّل([14]).
وعلى الرغم من تعاظُم التحدِّيات أمام إدارة بايدن، فإنَّ أمام إدارته عدَّة فُرص يمكن من خلالها التأثير في سلوك إيران الإقليمي، أبرزها:
أ. إمكانية البناء على الضغوط الكثيفة، التي فرضها دونالد ترامب على إيران، إذ ترك ترامب إرثًا مهمًّا لبايدن، جمع بين الضغوط والعقوبات واستخدام الردع وبناء التحالُفات من أجل مواجهة سلوك إيران وتهديداتها الإقليمية، ويمكن أن يدعم بايدن هذه الإستراتيجية، ويزيد الضغوط على إيران. وبالفعل كانت سياسة العقوبات والضغوط فاعلة بدرجة كبيرة في الحدّ من النزعة الإقليمية العدائية لإيران، إذ حرمت العقوبات بصورة أساسية النظام من الوصول إلى عديد من الموارد، التي يمكن أن يوظفها لخدمة مشروعه التوسُّعي خارج الحدود، ظهر ذلك بصورة واضحة خلال عقدين بعد الثورة، مارست فيهما الولايات المتحدة ضغوطًا واسعة على النظام الإيراني، وكذلك خلال فترة ترامب.
ب. وجود فُرصة لتنسيق واسع بين الولايات المتحدة وحلفائها لمواجهة نفوذ إيران الإقليمي، وبالفعل بدأت إدارة بايدن التشاوُر مع الحُلفاء الأوروبيين والشُّركاء الإقليميين وأعضاء الكونغرس بهذا الشأن([15]).
ج. طبيعة الأزمة التي تمُرّ بها إيران، وحالة الغضب الشعبي المتنامي جرّاء تردِّي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، فضلًا عن الرفض الشعبي لسلوك إيران الإقليمي، واعتباره أحد العوامل الأساسية المسبّبة لتفاقُم الأزمة في الداخل، إذ يذهب كثير من الموارد الخاصَّة بالدولة للإنفاق على المشروع الإقليمي الإيراني.
د. وجود أطراف دولية وإقليمية رافضة بشدَّة للتمدُّد الإيراني الإقليمي، كادت تؤدي بالمنطقة إلى حرب إقليمية لا تُحمَد عقباها، نتيجة تجاوُز إيران الخطوط الحمراء لمصالح هذه الأطراف الإقليمية والدولية، مثل الرفض الروسي القوي للتمدُّد الإيراني في ساحات النفوذ بالشرق الأوسط، لا سيما الساحة السورية، إذ تتّسع هوَّة التبايُنات الروسية-الإيرانية في الساحة السورية، ووصلت إلى حدّ الاشتباكات المسلَّحة بين الألوية المؤيِّدة للروس والميليشيات المسلَّحة الموالية لإيران في الساحة السورية، على عديد من القضايا الخلافية تتقدَّمها ساحات النفوذ في سوريا، ثمّ الصراع الإسرائيلي-الإيراني في الساحة السورية، باستهداف إسرائيل المتوالي والمكثَّف للمواقع والتمركُزات الإيرانية في سوريا، لكون إيران تجاوزت الخطوط الحمراء الإسرائيلية بتدشينها القواعد والتمركُزات العسكرية قرب الحدود الإسرائيلية، ونقلها السلاح للميليشيات الموالية لها في سوريا ولبنان.
ثالثًا: مستقبل سلوك إيران الإقليمي على ضوء خيارات بايدن
هل ستّتجه إدارة بايدن إلى إعادة إحياء الاتفاق النووي دون أخذ معالجة معضلة سلوك إيران الإقليمي بالاعتبار، أم ستُصِرّ على حسم هذه القضية الخلافية أوّلًا؟ وما السيناريوهات المُحتمَلة؟ وما تداعياتها على سلوك إيران؟
في سياق الإجابة عن هذه التساؤلات المرتبطة بالمستقبل، يمكن الإشارة إلى الخيارات المتاحة وتداعياتها المتوقَّعة، على ضوء الفُرص والتحدِّيات أمام كُلّ طرف، وذلك على النحو التالي:
1. خيار مواصلة الضغوط وإمكانية ردع إيران وتجميد نفوذها
رُبّما لدى إدارة بايدن متّسع من الوقت وفُرصة أكبر لمعالجة التهديدات التي تمثِّلها إيران إقليميًّا، إذا أرادت ذلك، لكنها بحاجة إلى البناء على السياسة التي قادها ترامب، والتي تجمع بين الردع الإقليمي وتكثيف الضغوط والعقوبات، مع عدم استبعاد خيار تغيير النظام ودفع عملية التغيير، إذ أثبتت التجارب التاريخية أنَّ النظام يستجيب للضغوط كُلَّما استشعر أنَّ بقاء النظام في خطر، باعتبار أنَّ البقاء مصلحة مصيرية لهذا النظام، لا سيما وأنَّ النظام يعاني إنهاكًا كبيرًا من جرَّاء إستراتيجية الضغوط القصوى، ويواجه صعوبات في تطوير نفوذه الإقليمي نتيجة شُحّ الموارد المالية، واستهداف مهندس المشروع الإقليمي قاسم سليماني.
إنَّ الولايات المتحدة في ظلّ بايدن رُبّما لديها فُرصة أكبر من أجل الضغط على إيران، لأنَّ الأطراف الأوروبية والتفاهُم عبر الأطلسي سيسمح للأوروبيين بأن تكون مواقفهم أكثر انسجامًا مع الموقف الأمريكي من إيران، لا سيما بعدما أكَّدَت الدول الأوروبية أهمِّية معالجة سلوك إيران وبرنامج الصواريخ إلى جانب البرنامج النووي. وعلى صعيد متصل، فإنَّ روسيا والصين ستكونان أكثر تجاوُبًا في حالة الوصول إلى تفاهُمات مع الولايات المتحدة بشأن الخلافات الثنائية، كما أَّن الإدارة الأمريكية بصدد اصطحاب القُوى الإقليمية في عملية المفاوضات، من أجل ضمان عدم تخريب أيّ سياسة تتبنّاها.
خلال سنوات الضغط والعقوبات، كان النظام الإيراني بالكاد قادرًا على تحريك السياسات الإقليمية، بما يهدِّد الأمن والاستقرار، لكن في الوقت الراهن يمكن القول إنَّ الضغوط لديها قُدرة حقيقية على تحجيم النفوذ وتجميده على أقلّ تقدير، من خلال حرمان النظام من الموارد اللازمة لمواصلة سياساته الإقليمية، فضلًا عن تعقُّب الشبكات المتعاونة والقادرة على تمرير السياسات غير المشروعة على الجوانب السياسية والعسكرية والاقتصادية.
إنَّ تكرار تجربة الانسحاب الأمريكي من المنطقة خلال السنوات السابقة بناءً على أيّ اتفاق غير متكامل مع إيران، سيكون بمثابة ضوء أخضر، لن يسمح بتمدُّد إيران وانتقالها إلى مراحل متقدِّمة مثل إدماج التشيُّع بعد عسكرته وحسب، بل سيكون بمثابة حليف مهم يمهِّد الطريق نحو دور أوسع للقُوى الدولية التي ترغب في منافسة الولايات المتحدة في المنطقة، وهذا بدوره سيشعل حربًا باردة لن تسلم المنطقة من تداعياتها.
2. خيار الانفتاح ومواصلة إيران مشروعها الإقليمي
إذا كانت إدارة بايدن بصدد عودة مجّانية إلى الاتفاق النووي، مع التغاضي عن حسم بقية القضايا، فإنَّها ستقع في خطأ إستراتيجي ستكون له عواقب وخيمة، فستفتح الطريق أمام إيران مرَّةً أُخرى كما حدث بعد عام 2003م، وبعد توقيع الاتفاق النووي، لتكريس تَحوُّل جذري في معادلات القوَّة في الإقليم. قد لا يكون لدى الولايات المتحدة رغبة في ذلك، لكنها قد تكون بصدد الحفاظ على قدر من التوازُن الطائفي السُّنِّيّ-الشِّيعِيّ، وتأمين المصالح الجيو-سياسية في المنطقة من منطق إدارة الصراعات القائمة، لكن هذا سوف يُبقِى المنطقة قيد التوتُّر والصراع، وسوف يخلق تنافسًا قويًّا بين الأطراف المؤثِّرة، وقد يخلق تحالُفات وحربًا باردة لن تنتهي معها أزمات الإقليم، من فوضي وحروب بالوكالة وتَفَشٍّ للعُنف والإرهاب، والخطأ الآخر بالنسبة إلى الولايات المتحدة أنَّها ستكون هدفًا قريب المنال لقوّات إيران وميليشياتها، وستعزِّز إيران جهودها لإخراج الولايات المتحدة من المناطق التي يتزايد فيها نفوذ إيران، كما يحدث في العراق اليوم.
وقد تنتج أيّ سياسة متساهلة مع إيران صراعًا إقليميًا ممتدًّا، إذ ستسفر إزالة مظلَّة الحماية الأمريكية عن المنطقة عن دور أوسع لإيران، سواء من خلال حضور مباشر لفيلق القدس والحرس الثوري، أو من خلال الميليشيات والحكومات الحليفة، لا سيما وأنَّ العودة إلى الاتفاق النووي سوف تسهم في تحقيق إيران مكاسب اقتصادية، سوف تستثمرها كما حدث بعد عام 2015م في تعزيز نفوذها الإقليمي، وفي تطوير ترسانة صواريخها، مع نقل المعدَّات العسكرية والتكنولوجيا التصنيعية تلك إلى ميليشياتها في دول المنطقة، ليكونوا بذلك شوكة في خاصرة الخصوم.
خلاصة
يمكن القول إنَّه في حال اتّجهت إدارة بايدن إلى تحويل أولوياتها ومواردها من الشرق الأوسط إلى آسيا، لاعتقادها أنَّ التحدِّيات الأمنية الكبرى تأتي من ناحية روسيا والصين، إذ يعتقد بايدن وفريقه أنَّ أكبر التحديات الأمنية ستظهر ممّا يُسمَّى بمنافسة القُوى العظمى بين الولايات المتحدة والصين وروسيا، وذلك وفقًا لرؤية مسؤولين حاليين وسابقين للأمن القومي الأمريكي، فإنَّ الفراغ القائم في المنطقة سيظلّ يوفِّر ساحة وبيئة لتمدُّد إيران وتعظيم نفوذها، بل ستبحث هذه القُوى التي تخشاها الولايات المتحدة عن موطئ قدم لموازنة هذه الإستراتيجية الجديدة. كما أنَّ الرهان الأمريكي مرَّةً أُخرَى على الانفتاح لن يُنتِج سياسات إقليمية مختلفة عن سابقتها، لأن النظام الإيراني لا يزال يحافظ على بنيته الأيديولوجية، ولا تزال النُّخبة المتشدِّدة تهيمن على صناعة القرار الخارجي، ومن ثمَّ فإنَّ سياساته الخارجية ستظلّ تتّخذ من العداء والاستقلالية بدلًا من التعاون مبدأين أساسيين يحرِّكان توجُّهاتها الإقليمية، ومن ثمَّ، فإنَّه بدلًا من استثمار الانفتاح الغربي في إدماج إيران في المجتمع الدولي وتأمين قناة للتعاون الإقليمي، فإن إيران ستواصل من منظور ديني وقومي مشروعها الإقليمي، وستسعي إلى مزيد من سياسات التوسُّع لتأمين النظام، عبر نقل المواجهة والصراع إلى مناطق مختلفة في الإقليم، وستتبنَّي مزيدًا من العسكرة، بهدف تحقيق طموحها في القيادة الإقليمية والإسلامية، وبهدف الضغط على الوجود الأمريكي في المنطقة، باعتباره عقبة أساسية أمام طموحها ومشروعها العابر الحدود.
([1]) Joe Biden, there’s a smarter way to be tough on Iran, CNN, (Sep 13, 2020), Accessed: Feb 01, 2020, https://cnn.it/32sP85g
([2]) U.S. Department of State, Department Press Briefing, (Feb 02, 2021), Accessed: Feb 11, 2021, http://bit.ly/3tXPX1M
([3])Asharq Al-Awsat, Sullivan: Priority is Dealing with Iran’s Growing Fissile Material Stockpile, (January 30, 2021), Accessed: Feb 15, 2021, http://bit.ly/3am1ArC
([4]) سبوتنيك عربي، وسط رفض إيراني.. لماذا تطالب السعودية بتضمينها في مفاوضات الاتفاق النووي؟، (10 فبراير 2021م)، تاريخ الاطلاع: 12 فبراير 2021م، https://bit.ly/3tZzoCw
([5]) وكالة ايسنا، یک کارشناس مسائل آمریکا: بایدن نمیخواهد ایران را از دست بدهد، (۳۰ دی ۱۳۹۹هـ ش)، تاريخ الاطلاع: 11 فبراير 2021م، https://bit.ly/3nVKgNq
([6]) ميدل إيست أونلاين، لا رفع للعقوبات الأمريكية على إيران قبل عودتها عن انتهاكاتها النووية، (07 فبراير 2021م)، تاريخ الاطلاع: 12 فبراير 2021م، http://bit.ly/3rVr44R
([7]) حسن فحص، البرنامج النووي لعبة إيران في قمع الداخل ومغازلة الخارج، إندبندنت عربية، (12 فبراير 2021م)، تاريخ الاطلاع: 12 فبراير 2021م، http://bit.ly/3jR9Vq1
([8]) Abdullah Al-marzouq, An Exploration of the Security Dilemma in the Middle East: The Impact of the Transformative Power of Iran’s Foreign Policy,(Ph.D. Thesis, School of Politics, International Relations and Philosophy, Keele University, 2016), p 57.
([9]) Arshi Saleem Hashmi, Iranian Synthesis of Ideology & Pragmatism: Its Role in Regional Politics, Focus on Regional Issues, (Institute of Regional Studies, Vol xxvi, No 1. 2008), p 3.
([10]) Gülriz ŞEN, After the Nuclear Deal: Opportunities and Challenges of Iran’s Reintegration, Journal of Iranian Studies, (İranoloji Derneği Yayınları, Vol 2, Issue 1, 2017), p 96-97.
([11]) الشرق الأوسط، كبير مستشاري خامنئي: سليماني أنشأ 82 لواءً في سوريا والعراق، (12 يناير 2020م)، تاريخ الاطلاع: 15 فبراير 2021م، https://bit.ly/2OnZS0e
([12]) Anthony H. Cordesman, The Arab Gulf States and Iran: Military Spending, Modernization, and the Shifting Military Balance,) Dec 12, 2018(, Accessed: Feb18, 2021, https://bit.ly/2XT0H3A
([13]) مصطفى اللباد: الاختراق المحتمل، أبعاد الرهان الأمريكي على الاتفاق النووي، مجلة رؤى مصرية، القاهرة: مؤسسة الأهرام، عدد مايو 2015، ص12.
([14]) المرجع السابق.
([15]) Kelsey Davenport, Julia Masterson, Biden Officials Express Support for Rejoining Iran Nuclear Deal, Arms Control Association, (January 28, 2021), Accessed: Feb 10, 2021, http://bit.ly/3p8d8mr