سعت إيران، عبر إطلاق مناورات عسكرية واسعة في منطقة الخليج في 05 ديسمبر 2025م، إلى استعراض جاهزية ترسانتها الصاروخية وتأكيد كفاءتها العملياتية. وتُعد هذه المناورات، التي حملت اسم «الاقتدار»، الثانية من نوعها منذ «حرب الـ 12 يومًا». وخلال التدريبات أطلقت القوات البحرية التابعة للحرس الثوري الإيراني صواريخ باليستية وأخرى من طراز «كروز» على أهداف افتراضية محيط «جزر الإمارات المحتلة» (أبو موسى، وطنب الكبرى وطنب الصغرى وجزيرة سيري من المنطقة الوسطى). وشملت الأسلحة المستخدمة صواريخ «قدر 110»، و «قدر 380»، وصاروخ «قادر» البحري، بالإضافة إلى المنظومة الباليستية «303»، التي تُعد سلاحًا غير معروف سابقًا. كما نفذت البحرية محاكاة لهجمات منسقة باستخدام الطائرات المسيرة، والطائرات الانتحارية صغيرة الحجم»، والزوارق السريعة المميزة للحرس الثوري؛ لاختبار قدرات الصد والردع في الجزر المتنازع عليها. اتسمت المناورات بالكثافة في وضعية دفاعية، حيث جرى تفعيل أنظمة الدفاع الجوي قصيرة المدى من طراز «نواب | NAWAB»، و«ماجد» و«ميثاق» لتأمين المجال الجوي للمنطقة.
وفقًا لما أفاد به مسؤولون إسرائيليون (طلبوا عدم الكشف عن هويتهم) لوسائل الإعلام، فإن الأضرار التي لحقت بمخزون إيران من الصواريخ الباليستية ومنشآت إنتاجها كانت أقل مما كان مخططًا له. وبدعم تقني ولوجيستي من كوريا الشمالية وروسيا والصين وحلفاء آخرين، نجحت طهران في إعادة تشغيل مصانع الصواريخ ليعود الإنتاج إلى مستويات ما قبل يونيو 2025م، حيث تُقدر التقارير أن إجمال المخزون الصاروخي تجاوز 2000 صاروخ. وفي هذا الصدد، قال مسؤول إسرائيلي لأحد الصحفيين: «هذا تهديد لن تكون إسرائيل قادرة على قبوله لفترة طويلة، وينبغي علينا التنسيق مع الأمريكيين لتحديد الخطوط الحمراء والإجراءات المستقبلية، وربما في القريب العاجل». أما من المنظور الإيراني، فإن استعادة القدرة الإنتاجية وتضخيم المخزون الصاروخي، يمثلان ركيزة أساسية لترسيخ عقيدة الردع، خاصة في ظل الوضع المتدهور لبرنامجها النووي الذي بات في «حالة يُرثى لها» جراء الضربات القاصمة التي تعرَّض لها قبل إعلان وقف إطلاق النار.
أعرب مجلس التعاون لدول الخليج العربية في بيانه الختامي عن إدانته الشديدة للمناورات العسكرية الإيرانية، واصفًا إياها بـ «الخطوات الاستفزازية والتصعيدية» التي تقوض أمن المنطقة. واستنكر المجلس استمرار إيران في بناء منشآت سكنية تهدف إلى تغيير التركيبة الديمغرافية وتوطين الإيرانيين في «الجزر الإماراتية الثلاث المحتلة»، مؤكدًا أن هذه الإجراءات «باطلة ولا تغير شيئًا من الحقائق التاريخية والقانونية»، التي تثبت سيادة الإمارات عليها. وفي سياق متصل، جدَّد المجلس تأكيده على أن ملكية الثروات الطبيعية في حقل «الدرة» (آراش) تعود حصريًا وبشكل كامل للمملكة العربية السعودية ودولة الكويت فقط، نافيًا أي ادعاءات بوجود سيادة أو حقوق لإيران في هذا الحقل أو المنطقة المغمورة المقسومة.
واستضافت إيران في الأول من ديسمبر 2025م، مناورات عسكرية مشتركة استمرت خمسة أيام، بمشاركة واسعة من الدول الأعضاء والمراقبين في منظمة «شنغهاي» للتعاون، ضمت كلاً من الصين، وروسيا، وأذربيجان، وباكستان، بالإضافة إلى المملكة العربية السعودية والعراق. تركزت التدريبات على استخدام الأسلحة التكتيكية في عمليات مكافحة الإرهاب، ويمثل هذا التحرك الإستراتيجي أول مناورة عسكرية تخوضها طهران منذ نهاية الحرب الأخيرة. وقد استثمرت الحكومة الإيرانية هذا الحشد المتنوع (الذي يجمع قوى من الشرق الأوسط وجنوب ووسط آسيا إلى جانب العملاقين الروسي والصيني) كأداة سياسية بليغة تهدف إلى تفنيد الانطباع السائد حول عُزلتها الدولية، وإرسال رسالة مفادها أنها لا تزال رقمًا فاعلًا في معادلات الأمن الإقليمي.
ما عجزت إيران عن تصنيعه محليًا بات أخيرًا على خطوط التجميع في روسيا؛ إذ كشفت وثائق مُسربة نقلتها إحدى وسائل الإعلام الأوكرانية، أن 16 طائرة مقاتلة من طراز سو-35، كانت طهران قد تعاقدت عليها عام 2022م، سيتم تسليمها رسميًا خلال عامي 2026م و 2027م. وأفاد التقرير، مُستندًا إلى وثائق وصور رسمية من داخل المصانع الروسية، بأن «جميع المقاتلات قيد التجهيز مُعدة خصيصًا للتصدير إذ تظهر الملصقات والكتيبات الفنية باللغة الإنجليزية، مع اعتماد نظام القياس «الإمبراطوري» (الأنجلو-ساكسوني)، واشتراط أن تكون كافة المكونات التقنية حديثة التصنيع. وتؤكد هذه التفاصيل اللوجستية أن الطلبية موجهة بالكامل لشريك أجنبي، مما يعزز التوقعات بقرب تحديث القوات الجوية الإيرانية المتهالكة بأحدث التكنولوجيات الروسية.
وتضيف الوسيلة الإعلامية أن كافة الوثائق الفنية الروسية تشير إلى العميل بالرمز الكودي «K-10» إلا أن خطًأ إجرائيًا في إحدى الوثائق كشف صراحة عن اسم «إيران» بدلًا من الرمز الكودي، مما يقطع الشك باليقين حول الجهة المستفيدة. وتؤكد هذه البيانات أن موسكو لا تكتفي ببيع طائرات من مخزونها، بل تقوم بتصنيع مقاتلات «سو-35» بمواصفات فنية وأجزاء ميكانيكية مصممة خصيصًا لتلبية المتطلبات الإيرانية. كما كشفت الوثائق عن رقم طلب موحد للعميل هو «1936411141768/P» (المكتوب بالأبجدية السيريلية الروسية)، والذي يقابله الرمز «1936411141768/R» في النسخة الإنجليزية، مما يثبت أن المسار التصنيعي واللوجستي لهذه الصفقة يتبع قناة توريد واحدة مخصصة لطهران. يرى مراقبون عسكريون أن إيران كان بإمكانها التصدي للطائرات الإسرائيلية بفاعلية أكبر لو أتمت روسيا تسليم مقاتلات «سو-35» في موعدها المفترض عام 2024م؛ حيث كشفت التقارير أن سربين من طياري القوات الجوية الإيرانية، رفقة أطقم فنية متخصصة، قد أتموا بالفعل تدريباتهم المكثفة في روسيا لتشغيل هذه المقاتلات. ورغم فترة وجيزة من الفتور والتوتر المؤقت بين البلدين، إلا أن العلاقات بين طهران وموسكو استعادت زخمها الطبيعي؛ إذ تظل إيران معتمدة بشكل حيوي على التكنولوجيا الروسية لتطوير أنظمتها العسكرية الأساسية، بدءًا من الرادارات المتطورة وبرامج الصواريخ، وصًواً إلى تحديث سلاح المدرعات والدبابات، مما يكرس التبعية العسكرية الإيرانية للخبرات الروسية في مواجهة التفوق التقني الغربي. ويظل السؤال الجوهري والمفصلي قائمًا: هل ستوافق روسيا على مشاركة «شفرة المصدر» (Source Code) الخاصة بمقاتلات «سو-35» مع الجانب الإيراني؟ إن الحصول على هذه الشفرة سيمثل نقلة إستراتيجية، حيث سيتيح لطهران دمج وترقية أنظمة أسلحتها المحلية وصواريخها المصنعة محليًا مع هذه المنصة المتطورة، على غرار النموذج التعاوني بين الولايات المتحدة وإسرائيل. ورغم التقارير التي تشير إلى أن الصفقة قد تشمل صواريخ بعيدة المدى مثل (R-37M) ورادارات متطورة، إلا أن «حزمة الأسلحة» النهائية المرافقة لمقاتلات الجيل (4.5) لم تتضح معالمها بعد، وهو ما يبقي التساؤلات مفتوحة حول مدى استقلالية القرار العملياتي الإيراني في حال حدوث مواجهة جوية كبرى. وتواصل إيران تعزيز قدرتها في مجال المراقبة والاستطلاع الفضائي بخطوات تدريجية ومدروسة، عبر إرسال أجيال أكثر تطورًا من الأقمار الصناعية، حيث من المقرر إطلاق ثلاثة أقمار صناعية إيرانية جديدة على متن صاروخ حامل روسي في 28 ديسمبر 2025م. ويعكس اعتماد طهران المتزايد على منصات الإطلاق الروسية توجهًا إستراتيجيًا يتسم بالحذر؛ إذ تسعى من خلال هذه الشراكة إلى تأمين وصول حمولاتها الحساسة إلى المدار، مع تجنب الكشف الكامل عن القدرات التقنية لمنظومات الإطلاق المحلية الخاصة بها، وتلافي الضغوط الدولية المرتبطة بتطوير تكنولوجيا الصواريخ العابرة للقارات.
خلاصة القول، إن القوة العسكرية الإيرانية لا تزال بعيدة عن التعافي الكامل، رغم أن حرب الأيام الاثني عشر لم تقضِ كليًا على ترسانة الصواريخ قصيرة المدى، أو الأصول البحرية والبرية. وتكثف طهران حاليًا، بدعم من حلفاء إستراتيجيين، جهودها لإحياء قدراتها الباليستية ومنظومات الاستطلاع الفضائي، في حين يظل سلاح الجو في حالة شلل شبه تام، مع عودة بطيئة ومحدودة لمنظومات الرادار والدفاع الجوي. أما بشأن التساؤل حول استعداد إيران لمواجهة عسكرية مع الإمارات دفاعًا عن الجزر المحتلة؛ فمن الناحية التقنية، تمتلك طهران قدرات تؤهلها لخوض مواجهة استنزاف صعبة، إلا أن الواقع السياسي يشير إلى انعدام الرغبة لدى أبو ظبي في الانزلاق نحو صدام مسلح، ولحسن حظ إيران، فإن دول مجلس التعاون الخليجي حريصة على استقرار الملاحة والتجارة الدولية. وفي هذا الإطار، تواصل الإمارات إبقاء ملف الجزر المحتلة متداولًا، وبوتيرة أعلى في الآونة الأخيرة. أما المناورة البحرية التي نفذتها بحرية الحرس الثوري الإيراني لمدة يومين، فقد بدت أقرب إلى استعراض إعلامي منها إلى ردع فعّال ضد خصوم لا يبدون أصلًا ميلًا إلى المواجهة العسكرية. وفي الواقع، بدا أن الهدف الأساسي منها هو تحسين صورة الحرس الثوري داخليًا، بعد الانتكاسات التي تعرض لها مؤخرًا.