هجمات على أهدافٍ أمريكية في الشرق الأوسط تشير إلى تواطؤ إيران

https://rasanah-iiis.org/?p=33106

في أعقاب الهجوم، الذي شنّته حماس على إسرائيل في أوائل أكتوبر 2023م، شنَّ وكلاء إيران في المنطقة ضرباتٍ جوِّيةً استهدفت بها القوات الأمريكية في العراق وسوريا في الأسابيع الأخيرة، ما عكَّر صفو الهدوء النسبي، الذي عاشه الشرق الأوسط قُبيل هذه الأحداث. وتزامن هذا مع إطلاق الحوثيين، المدعومين من إيران، صواريخ ومسيَّرات من اليمن في 19 أكتوبر 2023م، لكن اعترضتها القوات الأمريكية، ما يشير إلى تواطؤ إيراني مُنسَّق لتوحيد جبهة حلفائها في الصراع الدائر في غزة.

أعلنت وكالة «تسنيم» للأنباء، التابعة للحرس الثوري الإيراني، عن هجماتٍ شنّتها إيران على القواعد الأمريكية، زاعمةً أنَّ ستة صواريخ أُطلِقت باتّجاه محيط حقل العمر النفطي، إذ تتمركز قوَّات أمريكية في سوريا، وأكدت أنَّ فصائل «المقاومة» العراقية، في إشارة إلى وكلاء إيران في المنطقة، شنَّت أيضًا هجومًا بطائرات مسيَّرة على قاعدة «عين الأسد» الجوِّية غربي العراق.

وعلى الرغم من أنَّ القوات الأمريكية تمكَّنت من اعتراض معظم الضربات، فإنَّها أحدثت دمارًا كبيرًا، ومن جانبها ردَّت واشنطن بشنّ هجمات ضد المعاقل الإيرانية في سوريا. ومع ذلك، وبحسب «وكالة أنباء فارس» شبه الرسمية (تسيطر عليها الدولة)، شُنَّ تقريبًا 13 هجومًا ضدَّ أهداف أمريكية في سوريا والعراق، وهو ما أكّدته واشنطن أيضًا، كان أكبرها في شرق سوريا في 18 أكتوبر 2023م، نجَمَ عنها إصابة 20 فردًا من القوَّات الأمريكية.

وفي 25 أكتوبر، أعلنت «المقاومة الإسلامية» في العراق، المدعومة من إيران، مسؤوليتها عن 11 هجومًا من أصل 13 على القوّات الأمريكية، بما في ذلك قاعدة «التنف» الواقعة على المثلَّث الحدودي بين سوريا والعراق والأردن، فضلًا عن هجوم واحد استهدف القوات الأمريكية في «قاعدة خراب الجير» في سوريا. تُشير هذه الضربات المفاجئة إلى القُدرات العملياتية القوية، التي تتمتَّع بها شبكات إيران المسلَّحة.

وتُعَدُّ «المقاومة الإسلامية» في العراق واحدة من عدَّة شبكات ظهرت في أعقاب الحرب، التي اندلعت مؤخَّرًا بين حماس وإسرائيل، ما يكشف الستار عن محاولات إيرانية لبناء جبهات مسلَّحة متعدِّدة وموحَّدة، بهدف محاربة القوَّات الأمريكية في الشرق الأوسط، لكن هذه الشبكات تترك بهجماتها ما يكفي من البصمات للولايات المتحدة، تستدِلُّ بها الأخيرة على استياء إيران من دعْم الولايات المتحدة الهجمات الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة.

وتُعارض إيران بصمت نشْر أنظمة الدفاع الجوِّي الأمريكية في المنطقة، فهي تخشى أن يهدف التصعيد العسكري الإسرائيلي إلى احتوائها هي وأذرعها الإقليمية. ومن جانبها، تعارض إدارة جو بايدن توسيع نطاق التصعيد، لأنَّها تريد احتواء الحرب بين إسرائيل وحماس. وفي الأسابيع الأخيرة، حذَّر بايدن المرشد الإيراني آية الله علي خامنئي من التحرُّك ضدّ القوات الأمريكية في المنطقة.

لكن إذا كانت الهجمات، التي تقودها إيران، ستؤدِّي إلى مقتل أمريكيين، سواء كانوا مواطنين أو عسكريين بصورة مباشرة، حينها قد يخرج الصراع بين واشنطن وطهران عن السيطرة. وحذَّرت واشنطن من احتمالية تزايُد الهجمات على قواعدها في الشرق الأوسط على المدى القصير، مؤكدةً عزمها حماية قوَّاتها في المنطقة. من جانبه، أكد وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، أنَّ الولايات المتحدة لا تسعى إلى صراع مع إيران، لكنها سترُد على الهجمات، التي تشُنَّها إيران أو وكلاؤها على القوَّات الأمريكية، كما دعا جميع الدول إلى ردْع أيّ جهة، سواء كانت دولة أو غير دولة، في إشارة إلى إيران وحلفائها، حركة حماس و«حزب الله»، بهدف تشكيل جبهة أخرى في الحرب المحتدمة في قطاع غزة.

ومع كل هذه التصريحات، دخل «حزب الله» مؤخَّرًا في اشتباكات مع إسرائيل، نجَمَ عنها تنامي عدد الإصابات بين صفوف مقاتليه، وفي 13 أكتوبر، التقى الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، لمناقشة الوضع الدائر على الأرض، لكن لم يُصدِر «حزب الله» (حتى ذلك الوقت) بيانًا يحدِّد فيه موقفه بوضوح، ما زاد الغموض المحيط بالتحرُّكات التالية للحزب، لكن وفقًا لتقارير إخبارية، «حزب الله» مستعدٌ لمواجهة أيّ تحدِّيات ناجمة عن هذه الحرب.

وقد ألمح اجتماع عُقِد مؤخَّرًا في لبنان بين حماس و«حزب الله» وحركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية المدعومة من إيران، إلى تنسيق مُحتمَل بين حلفاء إيران الإقليميين لتحقيق النصر في غزة. وانتقد الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي الولايات المتحدة علنًا لدعمها إسرائيل، وطلب من الآخرين عدم التدخُّل في الحرب.

وتواصل وكالات الأنباء الإيرانية نشْر تقارير عن إطلاق صواريخ من لبنان على الأراضي المحتلَّة، ما يُشير إلى أنَّ صبْر طهران بدأ ينفد. ويحذِّر الحوثيون أيضًا من أنَّه إن تورَّطت الولايات المتحدة تورُّطًا مباشرًا في غزة، فسوف ترُدّ المليشيا باستخدام الصواريخ والطائرات المسيَّرة، التي تتمتَّع بقُدرات بعيدة المدى. وأعلن الحوثيون مشاركتهم في الصراع، ردًّا منهم على الهجوم الإسرائيلي المستمِرّ على غزة. وعلى الرغم من هذا الإعلان، فمن غير المؤكد ما الذي ستفعله مليشيا الحوثي بالضبط، ومدى فعاليتها في إلحاق الضرر بإسرائيل، نظرًا للبُعد الجغرافي بين اليمن وأنظمة الدفاع الجوِّي المتقدِّمة في إسرائيل. ويمكن القول إنَّ دوافع أخرى تقف وراء إعلان مليشيا الحوثي، منها صرْف الانتقادات الداخلية لطريقة حُكمها وسوء إدارتها، وركوب موجة الرأي العام المناهض لإسرائيل في اليمن.

دون وجود إرادة لإنهاء هذه الحرب، من المرجَّح أن ترتفع تكلفة الصراع بين إسرائيل وحماس، وأن تُفضي إلى مزيد من التصعيد العسكري بين واشنطن وطهران. وإذا تورَّطت إسرائيل في مستنقع الهجوم البرِّي على غزة، ستكون إيران وحلفاؤها في وضع أفضل قليلًا لإعادة تعزيز جبهاتهم العسكرية في الشرق الأوسط ومهاجمة المصالح الأمريكية. وهذا قد يؤدِّي لاحقًا إلى تعزيز نفوذ إيران بملفّات أخرى، مثل محادثات إحياء الاتفاق النووي.

المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
إدارة التحرير