خطوط عريضة.. موقف المرجعية الشيعية العراقية من التصعيد الإيراني – الأمريكي

https://rasanah-iiis.org/?p=19247

كثيراً ما ركَّزت المرجعية الشيعية في النجف على مسألة انضواء كافة المجموعات المسلحة في «الحشد الشعبي» تحت لواء مؤسسات الدولة العراقية، وكثيراً ما ذكَّرت المسؤولين العراقيين بمسألة السيادة العراقية. لكن وفي كلتا المسألتين كانت المرجعية في موقع الناصح، لا في موقع المُنفِّذ ومن بيده زمام الأمور، وقد كرَّرت المرجعية التأكيد على نفس المسألتين، بعد الصراع الأخير الذي نشب بين الإيرانيين والأمريكيين على الأرض العراقية، ومقتل قائد «فيلق القدس» الإيراني قاسم سليماني، وأبو مهدي المهندس القيادي في «الحشد الشعبي». ويعود الأمر إلى أواخر 2019م، وتحديدًا في السابع والعشرين من ديسمبر، عندما استهدفت «كتائب حزب الله»، قاعدة أمريكية في كركوك بعدد من الصواريخ، ما نتج عنه مقتل متعاقد مدني أمريكي وإصابة عدد من الجنود الأمريكيين بجروح بالغة. وردّت القوّات الأمريكية يوم 29 ديسمبر2019م بقصف منشآت تابعة لـ «كتائب حزب الله» في مدينة القائم، وبرِّر المتحدِّث باسم وزارة الدفاع الأمريكية بأنّ الضربات الأمريكية لمواقع الكتائب جاءت لإعاقة قدرة الحزب على شنّ هجمات مستقبلية ضدّ قوات عملية «العزم التام»؛ وقالت مصادر من «كتائب حزب الله» إنّ «الاستهداف الأمريكي أسفر عن مقتل خمسة عشر شخصًا، بينهم قياديون، وإصابة عدد آخر».    

الميليشيات الموالية لإيران وتوريط الدولة العراقية

ثمّة فصائل تابعة لـ «الحشد الشعبي» موالية فقاهيًا وسياسيًا للولي الفقيه في إيران، ولا تخضع تقليديًا للمرجعية في النجف، ولا للقرار الوطني العراقي على المستوى السياسي، ومن أكبر وأهمّ تلك الميليشيات المسلَّحة الموالية لإيران ولـ «فيلق القدس»، «كتائب حزب الله» التي كانت سببًا في الصراع الذي نشب أخيرًا، و «عصائب أهل الحق». 

وقد سبق لهذه الكتائب في العام 2018م أن استهدفت قوّات أمن عراقية، ورفضت الإذعان لنقاط تفتيش تابعة لقوّات الشرطة العراقية؛ ما أدّى إلى نشوب مواجهة بين الطرفين، أدّت إلى مقتل جندي عراقي، وإصابة آخرين؛ ما دعا قوّات الأمن إلى محاصرة أحد مقارّ الكتائب شرق بغداد. وفي يوليو 2019م، رفضت «كتائب حزب الله» الاستجابة لقرار رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي بالانسحاب من بلدة النخيب الواقعة على الحدود العراقية – السعودية.  وجديرٌ بالذكر في هذا الصدد، أنّ «كتائب حزب الله»، رفضت الانصياع إلى قرارات رئيس الوزراء العراقي الخاصة بهيكلة «الحشد الشعبي»، ومأسسته.

وفي نوفمبر 2015م، عادت هذه الكتائب إلى الأنبار والرمادي، وتمركزت في مقرّاتها دون إذن من الحكومة العراقية، بعد أن كانت قد خرجت لفترة من تلك المدن السنِّية بطلبٍ أمريكي.

وهذا الخطّ يُثبِت عدم ولاء الكتائب للدولة العراقية والحكومة المنتخبة شعبيًا، وولاؤها السياسي والفقاهي للولي الفقيه في إيران، وهذا ما أكَّده أحد المسؤولين في بغداد أنّ «كتائب حزب الله» لا تعتبر نفسها جزءًا من «الحشد الشعبي» المنضوي تحت الدولة العراقية، بل جزءًا من محور المقاومة.

وأُسِّست «كتائب حزب الله» بعد الغزو الأمريكي للعراق، بمساعدة «فيلق القدس»، و «حزب الله» اللبناني، ووُضِع على رأسها أبو مهدي المهندس، وصُنِّفت إرهابيةً من قبل الأمريكيين سنة 2009م، وفرضت وزارة المالية الأمريكية حينئذ عقوبات شديدة على المهندس، وكانت قوّة «فيلق القدس» قد صُنِّف إرهابيًا في 2007م أيضًا.  وتتجاوز «عصائب أهل الحق»، أطُر الدولة العراقية أيضًا، وقد صنَّفها الأمريكيون على قوائم الإرهاب، في الثالث من يناير 2020م، ذلك أنّ العصائب من أكبر الميليشيات الموالية للولي الفقيه في إيران. واتّهمتها منظَّمات حقوقية دولية بارتكاب عمليات إبادة وتطهير عرقي في محافظات عراقية سنِّية مثل ديالى وغيرها، بدعم مباشر من قائد «فيلق القدس» آنذاك قاسم سليماني، والقيام بمجزرة بروانة الشهيرة في يناير 2016م، واتّهمتها منظمة هيومان «رايتس ووتش» بتعذيب مدنيين في الموصل، بل قامت الحركة بالمشاركة في قمع انتفاضة العراقيين في أول أكتوبر 2019م، وساهمت في قتل العشرات وإصابة الآلاف في بغداد والمحافظات الجنوبية ذات الأكثرية الشيعية، وامتدت العصائب لتساند نظام بشار الأسد في قمع الثورة السورية، فيما دعمت خلايا إرهابية في دول خليجية، بالإضافة إلى مساعدتها اللوجستية لـ «أنصار الله» في اليمن، وثّمة تصريح لافت لزعيم العصائب قيس الخزعلي يقول فيه إنّنا «سنؤسِّس بدرًا شيعيًا لا هلالًا شيعيًا».

ووصل نفوذ تلك الميليشيات لدرجة أنّها صارت تتحكَّم في تعيين المسؤولين، وتتجاوز قرارات رئيس وزراء الدولة العراقية، وقد انتقدها حيدر العبادي نفسه، واتّهمها بالتناحر السياسي، والتدخُّل في تنصيب الوزراء والحكومة.

وفي هذا السياق المتأزِّم، ينبغي الالتفات إلى موقف المرجعية الشيعية في النجف، حيث يُنظَر إليها دومًا كعامل استقرار سياسي ومذهبي للعراق، وحائط صدّ ضد تفتُّت الدولة العراقية ودخولها في حرب أهلية داخلية، أو صراعات إقليمية، وقد أكَّدت كثيرًا على ضرورة انضواء تلك الميليشيات المسلحة تحت مؤسَّسات الدولة، للحفاظ على سيادة العراق من الولاءات العابرة للحدود.

موقف مرجعية النجف

أعلنت المرجعية يوم 26 ديسمبر 2019م، أنّه خطبة الجمعة يوم 27 ديسمبر لن تكون خطبة سياسية، قاصدة من وراء هذا التصريح عدم التحدُّث في أيّ شؤون سياسية، وذلك في إشارة إلى غضب المرجعية من مماطلة الساسة العراقيين في تشكيل الحكومة، وتلبية مطالب المتظاهرين، المنتفضين في الشوارع وساحة التحرير في بغداد منذ بداية أكتوبر2019م، وعدم الاستجابة إلى مطالب المرجعية، سيما تلك المطالب التي جاءت في خطبة 20 ديسمبر، والتي طالبت فيها المرجعية بـ «انتخابات مبكرة، وتشكيل قانون انتخابات، واستنكار عمليات التعذيب والخطف».  

لكن وتحت وطأة الأحداث السياسية، اضطرت المرجعية للتحدُّث في السياسة مرّة أخرى، بعد قصف أمريكي لقوّات من «الحشد الشعبي». ففي يوم 29 ديسمبر 2019م، ندَّد المرجع الأعلى علي السيستاني بالقصف الأمريكي على «كتائب حزب الله» العراقي في مدينة القائم، وجاء في البيان: «إنّ المرجعية الدينية إذ تدين هذا الاعتداء الآثم، الذي استهدف جمعًا من المقاتلين المنضوين في القوات العراقية الرسمية، وأدّى إلى استشهاد وجرح عدد كبير منهم، فإنّها تشدِّد على ضرورة احترام السيادة العراقية وعدم خرقها بذريعة الردّ على ممارسات غير قانونية تقوم بها بعض الأطراف. إنّ السلطات الرسمية العراقية هي وحدها المعنية بالتعامل مع تلك الممارسات، واتخاذ الإجراءات الكفيلة بمنعها، وهي مدعوَّة إلى ذلك وإلى العمل على عدم جعل العراق ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية وتدخُّل الآخرين في شؤونه الداخلية».

وفي هذا البيان كما يبدو تطالب المرجعية الإيرانيين بعدم التدخل بذريعة الردّ، لأنّ الردّ من مهام السلطات الرسمية العراقية وحدها، دون غيرها من جماعات مسلَّحة، وحذَّرت من تصفية الحسابات الإقليمية على الأراضي العراقية.

وفي 3 يناير 2020م، قالت المرجعية في خطبة الجمعة، ردًّا على اغتيال الأمريكيين لقائد «فيلق القدس» قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس قرب مطار بغداد: «تتسارع الأحداث وتتفاقم الأزمات ويمرُّ البلد بأخطر المنعطفات، فمن الاعتداء الآثم الذي تعرَّضت له مواقع القوات العراقية في مدينة القائم الذي أدّى إلى استشهاد وجرح العشرات من أبنائنا المقاتلين، إلى الحوادث المؤسفة التي شهدتها بغداد خلال الأيام الماضية، إلى الاعتداء الغاشم بالقرب من مطارها الدولي في الليلة الماضية بما مثَّله من خرق سافر للسيادة العراقية وانتهاك للمواثيق الدولية، وقد أدّى إلى استشهاد عدد من أبطال معارك الانتصار على الإرهابيين الدواعش».

ونلحظ أنّ المرجعية ركَّزت في بيانها المندِّد باستهداف قوّات «الحشد الشعبي» في القائم إلى احترام السيادة العراقية، ويبدو أنّها عَنَت الأمريكيين والإيرانيين من وراء هذه الدعوة، ومع التصعيد الأمريكي باستهداف قاسم سليماني، دعت المرجعية بعد تنديدها باستهداف سليماني ورفاقه، إلى ضبط النفس والتصرُّف بحكمة، فقالت: «وإذ ندعو الأطراف المعنية إلى ضبط النفس والتصرُّف بحكمة، نرفع أكُفَّنا بالدعاء إلى الله العلي القدير بأن يدفع عن العراق وشعبه شرّ الأشرار وكيد الفُجّار».

والمرجعية حين تدعو إلى ضبط النفس والتصرُّف بحكمة، تؤكِّد على خطّها السابق برفض إدخال العراق في صراع دولي وتصفية حسابات إقليمية، والتأكيد على مبدأ السيادة العراقية، سواء مع الأمريكيين أو مع الإيرانيين.

ونجد قريبًا من هذا الخطّ عند الشيخ بشير النجفي -أحد المراجع الأربعة الكبار في النجف (السيستاني، سعيد الحكيم، الشيخ الفياض، الشيخ بشير النجفي) – عندما عزّى في وفاة سليماني والمهندس، إذ قال: «وإنّه من المؤسف أن يصبح العراق ميدان الحرب، وتصفية الحسابات»، لكن المرجع بشير النجفي كان أكثر صراحة في التعزية من بيان السيستاني، حيث أمّ المصلين في صلاة الجنازة، في حين لم يحضر أحدٌ من المراجع الآخرين.

لكن يبدو هنا سؤالٌ مهمّ متعلِّق بمقاصد تعزية المراجع النجفيين في سليماني، رغم خلافهم مع بعض الممارسات الإيرانية على الأرض العراقية، والجواب متعلِّق أوّلًا بفهم طبيعة الخلاف، فهو خلاف من داخل المذهب على المكانة والنفوذ، والمواقع، لكنّه لم يصل لدرجة القطيعة أو التنابذ العلني بين الجانبين. ومتعلِّق ثانياً بالشرعية الشيعية التاريخية، التي لا يُمكن لمرجع أن يستقيها ويعزِّزها إلا عبر إيران حيث التجُّمع الشيعي الأكبر في العالم، ولكي يُعزِّز المرجع مرجعيته وسط جماهير التقليد لا يتأتَّى له مواجهة الولي الفقيه في إيران. ومتعلِّق ثالثاً وهو الأهمّ، بمسألة تقليد العامّة، فالعامّة من الشيعة شعروا بالإهانة وجرح السيادة، عندما تمّ الاغتيال على أراضيهم، ومن الصعب في أحداث هائجة كتلك أن يُخالِف المراجع جماهير العوام، فمسألة مواجهة المرجعية للعامّة نقطة ضعف شديدة في المرجعية أشار إليها مطهري، وسروش، وغيرهما. فمخالفة المراجع لمشاعر الجماهير وطرحهم أسئلة عميقة من قبيل انتهاك السيادة العراقية من قبل سليماني هو الآخر، ومن قبل أجنحة من «الحشد الشعبي» التي لم تُصغِ لنصائح المرجعية بضرورة الانضواء تحت مؤسَّسات الدولة العراقية، سيجعل المراجع في مواجهة العامّة، ومشاعرهم الجيّاشة والثائرة، والتي تشعر بانتهاك الكرامة، وسيجعلهم ثانياً في مواجهة الولي الفقيه في إيران.

أيضًا ثمّة أمر مهم في هذا السياق، وهو أنّ الاغتيال جاء بيد الأمريكيين، والجماعة الشيعية سيما تلك الموالية لإيران تردِّد ليل نهار أنّ ثمَّة مخطَّطات أمريكية للقضاء عليهم، وعلى دولة الولي الفقيه، ومتشبِّعون بأدبيات منابذة الاستكبار، والهيمنة الإمبريالية، ومن ثمَّ فإنّ أيّ مواجهة لذلك السائد إنّما هو تفتيت لجماهير التقليد.

كل هذه الأبعاد والخلفيات تتحكَّم في بيانات المرجعية، ورسائلها للداخل والخارج على السواء.

موقف مراجع آخرين

عندما نتأمَّل في الخيط الرفيع الذي يجمع المراجع الولائيين في بيانات التعزية، نجد أنّهم ركَّزوا على مسألة الشهادة، وبذل الدماء، وأنّ هذا هو طريق الأئمة، وفي ذلك إشارة لترسيخ الثقافة الميليشياتية وعدم التراجع عنها، وتخليق حواضن جهادية شيعية، ترى النخبة الإيرانية أنّها خيار استراتيجي لا يُمكن الاستغناء عنه سياسيًّا وأيدولوجيًّا. 

هذا التأكيد على مسألة الشهادة وبذل الدماء، موجود في بيان المرجع كاظم الحائري، والأعرافي، وخامنئي ورئيسي وغيرهم؛ وهذه الفلسفة متجذِّرة منذ البدايات لدى الولائيين، فالخميني كان يرى أنّ الحرب العراقية – الإيرانية فرصة للشباب الإيراني كي يعرجوا إلى الله بالشهادة.  وعلى المستوى الشعبي، حاول الإعلام الموالي لإيران تأجيج البعد المذهبي والطائفي وصناعة ملحمة مذهبية تُشبِه مقتل الحسين، في الذاكرة الشيعية، فانتشرت صورٌ للحسين وهو يلتقي بسليماني في الجنة، وأخرى وهو يحتضنه، بالإضافة إلى سرديات بدأت تتردَّد عن مواجهة بني أمية، وشماتتهم بمقتل قاسم سليماني، ونحو ذلك من سرديات متعلِّقة بالذاكرة الموتورة التي يؤجِّجها الإيرانيون، حسب بعض الكُتَّاب.

أيضًا عملت إيران على توظيف مقتل سليماني ورفاقه للقضاء داخليًا على مظاهرات الإيرانيين المسمَّاة بمظاهرات البنزين، وخارجيًا في القضاء على انتفاضة العراقيين – المستمرّة منذ أول أكتوبر 2019م – ومطالبهم التي لم تُنفَّذ بعد، والتي كان على رأسها كبح التدخُّلات الإيرانية. وفي سياق هذا التأجيج، قام «الولائيون» في بعض محافظات العراق بتشييع رمزي لجنازة قاسم سليماني والمهندس، في حين رفض المتظاهرون في الناصرية دخول مراسم التشييع للمدينة، ورشقوها بالحجارة، وأحرقوا عددًا من المركبات.

فلا شكّ أن ثمَّة مكاسب كبيرة ستجنيها إيران من وراء مقتل سليماني، متعلِّقة بإعادة اللحمة إلى البيت الشيعي، وتشويه الخصوم السياسيين والمذهبيين من الداخل المذهبي، ومن الخارج كذلك، تلك اللحمة التي فقدتها النخبة الدينية الإيرانية، بعد حرق صور الولي الفقيه في عواصم التشيع المركزية في كربلاء والنجف والبصرة وبيروت والضاحية منذ أكتوبر 2019م، وحتّى قبل يوم واحد من مقتل سليماني.

هل تُسهم المرجعية في تهدئة الأوضاع؟

من المرجح أنّ المرجعية الممثَّلة في السيستاني والثلاثة الكبار في النجف، لا تريد دخول العراق في صراع أمريكي – إيراني، يستنزفه، لذا طالبت المرجعية مرارًا بانضواء كافّة الفصائل المسلَّحة تحت مؤسَّسات الدولة الرسمية، ودعت إلى احترام السيادة العراقية من كافة الأطراف المعنية.

لكن في نفس الوقت، لم تستطع المرجعية تجاهل مقتل سليماني بما اعتبرته انتهاكًا للسيادة العراقية من قبل الأمريكيين، ولحفظ ماء الوجه أمام جماهير الشيعة المتعاطفين مع مقتل سليماني الذي يُظَنّ – عراقيًّا – أنّ له فضل كبير في القضاء على ما يعرف بتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، بالإضافة إلى مقتل قيادات حشدية رافقت سليماني، كالمهندس وغيره مما رُوَّج كثيرًا أنّهم حافظوا على تماسك الدولة العراقية في وجه تمدُّد تنظيم «داعش»؛ ما جلب تعاطفًا شعبيًا مع مقتلهم، حتّى من بعض متظاهري ساحة التحرير، الذين يطالبون بتخليص العراق من الهيمنتين الإيرانية والأمريكية.

في ظلّ هذه التجاذبات، حاولت المرجعية أن تكون ميزانًا في ظلّ هذه التقلُّبات الإقليمية الحادّة، وحاولت إرضاء جماهير الشيعة، وفي نفس الوقت تذكير الساسة والمسؤولين العراقيين بسيادة الدولة العراقية، وعدم الدخول في صراعات إقليمية تُهدِّد تماسك الدولة العراقية الهشّة.

لكن تظلّ المرجعية في النجف روحية إلى حدٍّ كبير، فليست لها القدرة على الإنفاذ السياسي على الأرض، بحكم وجود ميليشيات تابعة للولي الفقيه في طهران وتأتمر بأوامره، وبحكم أنّ المرجعية النجفية ليست مرجعية ولائية، فولايتها منحصرة في الأمور الحسبية أو بعضها فحسب، ولذا فحتّى بعض أتباعها ومقلِّديها متعاطفون مع المظلومية الإيرانية، ومتأثِّرون بكاريزمية الإعلام الإيراني، الحريص كل الحرص على التحدُّث باسم الجماعة الشيعية برمّتها. ولذا فإنّ من المرجَّح أن تظلّ المرجعية في موقع الناصح، الذي يُتبرَّك به كثيرًا من قبل السياسيين، مع إظهار ودهم وتبجيلهم. وفي الشقّ الممارساتي، يتمّ تجاوز المرجعية، وما أرشدت إليه لصالح مرجعية التقليد السياسية الممثلة في الولي الفقيه في طهران.

المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
إدارة التحرير