في قلب تحديَّات «كورونا» .. موجاتُ التعتيم تجتاح اقتصاد إيران

https://rasanah-iiis.org/?p=20058

لأيّام قليلة كان المسؤولون في إيران ينفون وجود أيّ إصابات بفيروس «كورونا» في البلاد، قبل أن يصيب تنفيذيين كبارًا في الحكومة، ويقتل عددًا من الشخصيات القيادية والمرجعيات الدينية ويُفتَضح الأمر؛ لتعترف الحكومة لاحقًا بوجود وفيات بالعشرات وإصابات بالمئات. ربّما خشي المسؤولون التبعات الاقتصادية حين الإفصاح عن حقيقة الأمر، خاصّةً أنّ وضعهم الاقتصادي لا تنقصه أزمات جديدة، بعد إدراج إيران مؤخَّرًا في القائمة السوداء لمجموعة العمل المالي الدولية FATF، ويعيش اقتصادهم في ركود خطير منذ العام الماضي، إثر العقوبات الأمريكية على صادرات النفط والتجارة.

كما أنّ تفشِّي «كورونا» يضرب قطاعات حسّاسة ومهمّة جدًّا للاقتصاد الإيراني، يعتمد عليها حاليًّا للتخفيف من أثر العقوبات الأمريكية. ويبدو أنّ ما خشيته إيران تحقَّق جانبٌ منه بالفعل، وربّما يحمل المستقبل مزيدًا من التعقيدات، حال فقدت البلاد السيطرة على انتشار الفيروس.

       هناك مجموعة من التأثيرات الخطيرة لانتشار فيروس «كورونا» على الاقتصاد الإيراني، والتي ربما دفعت السلطات الإيرانية إلى محاولة التكتُّم بشأنه في البداية، قبل أن يُفتَضح الأمر.

وفيما يلي نستكشف بعض تلك التأثيرات:

      السياحة الدينية والعلاجية أكثر القطاعات المتضرِّرة من «كورونا»، فقد زار إيران العام الماضي 9 ملايين زائر؛ لزيارة المعالم الدينية والتاريخية، وإجراء العمليات الجراحية، والترفيه. وتأتي نسبة بارزة من الزائرين من دول الجوار؛ كالعراق وبعض دول الخليج، حيث أعلنت هذه الدول عن إصابات بفيروس «كورونا» لزائرين عادوا إليها من إيران، وتوقَّفت السياحة القادمة لإيران، بعد تزايد عدد الوفيات والإصابات بالفيروس، حتّى طالت مرجعيات دينية في مدينة قُم، بما يعني خسائر اقتصادية كبيرة للدولة وللمواطنين الإيرانيين، إذ يعني فقدان مورد مهمّ للعملات الأجنبية، يُقدَّر بمليارات الدولارات، وفرص عمل ومصدر دخل لملايين الإيرانيين العاملين في مجال السياحة، سواء داخل إيران أو بينها ودول الجوار كالعراق، علاوةً على ركود حركة البيع والشراء مع السياحة الداخلية، التي تزدهر في مثل هذا التوقيت من كلّ عام، مع اقتراب عيد النورز في 20 مارس الجاري، حيث تنشط فيه رحلات الإيرانيين داخليًّا وإنفاقهم على الترفيه والغذاء.

     التجارة المحلِّية قد تواجه تأثيرات متباينة، إمّا الكساد التجاري في حال تعطُّل حركة المجتمع وتفشِّي الفيروس وزيادة الوفيات والتزام عامّة الناس منازلهم، إمّا قسرًا أو حذرًا، وبالتالي كساد التجارة وعمليات البيع والشراء؛ وربّما يحدث وضع متناقض، كحالة «الأرفف الخاوية»، إذا ما دبَّ الذعر بين الناس من انتشار المرض، ودفعهم ذلك للتهافت على تخزين البضائع والأغذية. ولعلَّها حالة لها تبعات خطيرة على معدَّلات الأسعار، كما حدث في بعض أنحاء الصين وكوريا الجنوبية بالفعل، وقد تؤثِّر على الأمن الغذائي لإيران، إذا ما أعاق انتشار «كورونا» حركة التجارة العالمية، أو أثَّر على الإنتاج العالمي وسلاسل إمداد الغذاء، إذ تحتاج إيران إلى استيراد منتجات غذاء إستراتيجية؛ كالقمح والأرز والذرة والصويا والزيوت والسُكَّر.

        التجارة الخارجية لإيران قد تتضرَّر كثيرًا لأسباب تتمحور حول أهمّ شركائها التجاريين: الصين والعراق والإمارات، إذ قد تتضرَّر تجارة إيران الخارجية من تباطؤ نمو أكبر شريك تجاري لها، أيّ الصين، فهي أكبر مشترٍ لصادرات نفط وبتروكيماويات إيران. وانخفضت أسعار الصين عالميًّا، نظرًا للمخاوف من تباطؤ نمو وطلب الاقتصاد الصيني، وبالتأكيد ستتقلَّص الزيارات التجارية بين البلدين ومعها الصفقات التجارية، كما تُعَدّ بكين أكبر مورد لمستلزمات الإنتاج وقطع الغيار لإيران. ومع ضرب «كورونا» مدينة ووهان، قلب الاقتصاد الصيني، يتزايد القلق العالمي حول تأثُّر الإنتاج والصادرات الصناعية للصين، وهو ما سينعكس على الصناعة الإيرانية بالتبعية. وبالنسبة للعراق، فلها مكانة حيوية بالتجارة الإيرانية، منذ فرض العقوبات الأمريكية على إيران؛ فهي أوّل وجهة لصادرات إيران غير النفطية. وتهيمن المنتجات الإيرانية على رُبع احتياجات السوق العراقي من المنتجات الأجنبية. إغلاق الحدود أو تقييد التنقُّل بين البلدين، يصيب الصادرات الإيرانية بكسادٍ حاد، ويُفقِد إيران مصدرًا مُدِرًا لعملات أجنبية في أمسّ الحاجة إليها لحفظ استقرار أسعار الصرف. أمّا الإمارات فتضمّ جالية تجارية إيرانية، وهي شريك تجاري لطهران، سواء لإعادة تصدير البضائع الإيرانية أو استيراد الاحتياجات الإيرانية من العالم. هذه المصالح مهدَّدة مع إعلان الإمارات توقُّف حركة الشحن البحري والجوِّي مع إيران، والتخطيط لإجلاء الرعايا الإيرانيين منها، إضافة لإعلان عدد من دول الجوار كباكستان وأفغانستان وتركيا إغلاق حدودها البرِّية مع إيران، وكانت تعتمد عليها أيضًا في خلق منافذ لبيع بضائعها.

         وتعكس أسواق العملات الأجنبية والأوراق المالية حالة القلق السائدة في الأوساط المالية والاقتصادية، فمنذ الإعلان عن حالات وفيّات بـ «كورونا» والبورصة في تراجع وتذبذُب، بينما أسعار العملات الأجنبية في ارتفاع، حيث وصل سعر الدولار إلى 16 ألف تومان؛ لتفقد العملة المحلِّية «التومان» قرابة 7% من قيمتها أمام العملات الأجنبية. ومع انتشار القلق العام، يزداد إقبال  المستثمرين والمدّخريين على أصول التحوُّط؛ كالذهب والعملة الأجنبية، وهو ما يرفع أسعارهما، وينذر بموجة تضخُّم جديدة قد تشهدها البلاد.

       وهناك جوانب أخرى لآثار كورونا الاقتصادية تمتدّ لتشمل تكاليف الرعاية الصحِّية والحجر الصحِّي، وهي غير واضحة حتّى الآن، إلى جانب تعطيل المدارس والجامعات والإنتاج والأعمال والخدمات اليومية الاعتيادية للمواطن؛ وبالتالي تفاقم حالة الكساد التي تعيشها إيران من قبل اكتشاف «كورونا»، والتي قدَّرها صندوق النقد الدولي بـ 9.5%، كأكبر كسادٍ تشهده البلاد منذ ثلاثة عقود.  سياسة التكتُّم الإعلامي على الأعداد الحقيقية للإصابات والوفيات، لها تكلفة بحدِّ ذاتها، تتمثَّل في توسُّع العدوى في صمت، وزيادة الخسائر المادية والبشرية والمعنوية، علاوةً على تأكيد فكرة غياب الشفافية، واهتزاز الثقة بين الشعب الإيراني وقياداته من ناحية، وبين مجتمع الأعمال وصُنَّاع القرار في إيران من ناحيةٍ أخرى. كان توقيت ضرب «كورونا» لإيران قاسيًا، فهي تعاني أزماتٍ مالية واقتصادية حادّة منذ عام مضى، قد تتفاقم تلك الأزمات في الوقت الحالي، وعلى المدى القريب، إذا لم يتمّ التوصُّل لعلاج للحالات المصابة، واحتواء انتشار المرض سريعًا، سواء في الداخل أو في الخارج.

المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
إدارة التحرير