وَفقًا لبيانات صندوق النّقد الدولي، فقد شهد الاقتصاد الإيراني انكماشًا بنسبة 14% خلال العامين الماضيَيْن، إذ سجَّلت إيران المرتبة الثانية عالميًا – بعد فنزويلا – كأسوأ أداءٍ اقتصادي
.كيف سيُواجه اقتصاد إيران أزمة فيروس كورونا المستجد؟
وَفقًا لما تُوحِي إليه قراءة جميع المؤشِّرات الاقتصادية؛ فمِن المرجَّح أن يستمرّ الاقتصاد الإيراني في الانكماش للعام الثالث على التوالي، إذ غيَّرت مؤسَّسة «فيتش» الدولية للتصنيف الائتماني توقٌّعاتها بشأن النمو الاقتصادي الإيراني الأسبوع الماضي، وذكرت أنّه سيُواجه مزيدًا من الانخفاض، وأنّ نسبة انكماشه ستصل إلى 1.7%([1]).
وكانت «فيتش» قد تنبَّأت في مطلع العام، بأنّ الاقتصاد الإيراني سيواجه انكماشًا بنسبة 0.4%، ثُمَّ غيَّرت توقُّعاتها الأسبوع الماضي، وذكرت أنّ الاقتصاد الإيراني سيُواجه مزيدًا من الانكماش، إثر انتشار فيروس «كورونا» والانخفاض الكبير في أسعار النِّفط، الذي أعاق قدرة السلطات الإيرانية المالية على مواجهة أزمة «كورونا»([2]).
وفي حال صحَّت هذه التوقُّعات (أو لم تصحّ باعتبار أنَّ نسبة الانكماش قابلة للزيادة)؛ فإنّ الاقتصاد الإيراني سيظلّ ضمن قائمة الأسوأ أداءً في العالم، وستتجاوز نسبة انكماشه 15% على مدى ثلاثة أعوام، بحسب توقُّعات صندوق النقد الدولي لعاميْ 2018 و2019 وتوقعات «فيتش».
وبحسب ما ورد في تقرير «التوقًّعات الاقتصادية العالمية» الصادر عن البنك الدولي في يناير 2020، فقد انكمش اقتصاد إيران بنسبة 8.7 في المائة في عام 2019 وبنسبة 4,9 في المائة في عام 2018؛ ليبلغ إجمالي الانكماش 13.6% على مدار عامين.
أمّا توقُّعات صندوق النقد الدولي بشأن الاقتصاد الإيراني فكانت قاتمة، إذ أُعلن في يناير من هذا العام أنّ نسبة انكماش الاقتصاد الإيراني بلغت 9,5 في المائة في عام 2019 و4,8 في المائة في عام 2018؛ ليصل إجمالي الانكماش إلى 14.3% على مدار عامين.
ووَفقًا لتحليل المعهد الدولي للدراسات الإيرانية (رصانة) لنِسَب صندوق النقد الدولي، فقد سجَّل الاقتصاد الإيراني ثاني أسوأ نمو اقتصادٍ عالميٍّ، بين عاميْ 2018 و2019.
كما أنّ إيران ضمن الدول السبع الأكثر تأثرًا بفيروس «كورونا» في العالم، إذ بلغت الإصابات المؤكَّدة بالفيروس 45000 تقريبًا، فيما بلغ عدد الوفيات جرّاءه 3000 تقريبًا.
وقد حذَّرت دراسة أجرتها جامعة «تورنتو» من خطورة أزمة «كورونا» في إيران، فلن تستطيع إيران تحمُّل أزمة الفيروس؛ نظرًا للتدهور الذي يعيشه اقتصادها، الذي بات أداؤه يتراجع منذ أن تعهَّدت الإدارة الأمريكية بوقف صادرات النِّفط الإيرانية. كما أنّ الخلاف القائم بين المملكة العربية السعودية وروسيا بشأن كمِّية إنتاج النفط، وانخفاض الطلب عليه بسبب تفشِّي وباء «كورونا»، كلُّها عوامل تزيد من الضغط على سوق النفط، وعلى الاقتصاد الإيراني في نهاية المطاف. وَمِن الصعب التحقُّق من كمِّية إنتاج النفط الإيراني، لكن وَفقًا لتقريرٍ صدر عن وكالة «رويترز» استند إلى استبيانٍ واسع النطاق، أشار إلى انخفاض إنتاج إيران النفط إلى ما دون 2 مليون برميل يوميًا.
ووَفقًا لما ذكرته شركة «كبلر» التي ترصد تدفقُّات النفط، فإنَّ إيران تصدّر أقل من 250,000 برميل نفط يوميًا؛ وبسبب وباء «كورونا» إلى جانب خشية خرق العقوبات الأمريكية المفروضة على طهران؛ فقد اضطّرت الصين إلى خفض وارداتها النفطية منها.
وعلى الرغم من أنّ الصين أكبر مستوردي النفط من إيران، فإنّها لا تعتمد كثيرًا على النفط الإيراني، إذ يمثل 3 في المائة فقط من وارداتها النِّفطية المتنوعة وفي عام 2019 كانت المملكة العربية السعودية أكبر مورّد للصين.
وقد حذَّر نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون تمويل التهديدات والعقوبات ديفيد بيمان، مؤخَّرًا، شركات الشحن التي تُخزِّن نفط إيران أو منتجاته في البحر، من فرض عقوباتٍ عليها، إذ تحاول تلك الشركات الالتفاف على العقوبات الأمريكية ببيع نفط إيران من سفينةٍ إلى أخرى. كما فرضت الولايات المتحدة عقوباتٍ على شركة خدمات الشحن الصينية «كوسكو» خلال العام الماضي، بعد نقلها نفطًا من إيران؛ ما رفع تكاليف شحن النفط، على الرغم من قرار الإدارة الأمريكية رفع العقوبات عن الشركة الصينية مطلع هذا العام.
وقد جسَّد طلب إيران قرضًا بقيمة 5 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي لمساعدتها في مواجهة فيروس «كورونا»، المعضلة الاقتصادية التي تواجهها، وهو أوّل طلب اقتراضٍ لإيران منذ قيام ثورتها في 1979. كما توقَّع انخفاضًا حادًا في احتياطات إيران من العملات الأجنبية، إذ قد تتراجع إلى حوالي 70 مليار دولار، بعد أن كانت 86 مليار دولار في عام 2019.
ومن المرجَّح أن تعترض الولايات المتحدة – وهي المساهم الأكبر في صندوق النقد الدولي – على طلب الاقتراض الذي قدَّمته إيران، على الرغم من موافقة الاتحاد الأوروبي عليه.
وفي حال الموافقة عليه، فإنّ إيران ستُضيفه إلى قرضٍ تسعى إلى الحصول عليه من روسيا بقيمة 5 مليارات دولار، كما أعلن الرئيس الإيراني حسن روحاني أمام البرلمان في مشروع الموازنة العامّة أواخر عام 2019. وقد عرض الاتحاد الأوروبي تقديم مساعدةٍ لإيران بمبلغ 20 مليون يورو؛ لمساعدتها في مواجهة وباء «كورونا»، إلّا أنّه نظرًا إلى العجز الاقتصادي الذي تعيشه إيران، فلن يسدّ هذا المبلغ حاجتها، إذ يعاني اقتصادها من اختلالاتٍ هيكلية تداعت بعد أزمة «كورونا» وانخفاض أسعار النِّفط والعقوبات الأمريكية؛ ما سيجعُل صُنّاع القرار في إيران أمام تحدِّيات مستمرّة، وسيواصل أيضًا إضعاف القطاع الخاص الإيراني على مدار العام.
[1] -“Covid-19, Oil Price Drop To Hit Already-Weak Iranian Economy,” Fitch Solutions, March 17, 2020.
[2] -Ibid.