فترة انتظار مفصلية لمسار الاتفاق النووي الإيراني

https://rasanah-iiis.org/?p=21283

بواسطةد.محمد بن صقر السلمي

في تطوُّرٍ كان مُتوقَّعًا من قِبل الكثيرين لكنّه رُبّما فاجأ إيران، أصدرت الدول الأوروبية الثلاث المشاركة في خطَّة العمل المشتركة الشاملة (JCPOA) حول الاتفاق النووي مع إيران (فرنسا وبريطانيا وألمانيا) يوم الجمعة بيانًا حيال الخُروقات الإيرانية للاتفاق النووي، ومنع مُفتِّشي الوكالة الدولية للطاقة الذرِّية من زيارة إيران وتفتيشها لمَوقعيْن مشبوهيْن بنشاطٍ عسكريﱟ محظور، أعلنت فيه تلك الدول موقفًا حادًّا من الخطوات الإيرانية التي تراها خرقًا واضحًا للاتفاق النووي.

وفي أعقاب هذا التصريح، أكَّدت الولايات المتحدة على التزامها بمنع إيران من امتلاك أسلحة نوويَّة.

وكانت الوكالة الدولية للطاقة الذرِّية قد تبنَّت الجمعة الماضي، قرارًا ينتقد إيران بشأن برنامجها النووي. ومرَّر مجلس حُكّام الوكالة قرارًا يدعو رسميًّا إيران للسماح بتفتيش موقعيْن يُشتَبه بقيامهما بأنشطةٍ نوويةٍ غير مُعلَنة في الماضي. ويُعَدّ أوّل قرار ينتقد إيران بشأن برنامجها النووي تُصوِّت عليه الوكالة التابعة للأمم المتحدة منذ 2012م. وينُصُّ القرار، الذي قدَّمته دول الترويكا الأوروبية (فرنسا وبريطانيا وألمانيا)، وعارضته الصين وروسيا، على أنَّ مجلس الإدارة يدعو إيران إلى التعاون الكامل مع الوكالة وتلبية طلباتها دون إبطاء، بما في ذلك إتاحة إمكانية الوصول فورًا إلى الموقعين اللذين حدَّدتهما الوكالة.  من جانبه، فقد أدان مندوب إيران لدى الوكالةِ، القرار الذي تقدَّمت به الترويكا الأوروبية إلى مجلس الحُكَّام، وأكد أنّ طهران ستتّخذ الإجراء المناسب ردًّا على تبنِّي هذا القرار، وأنّ مقترحيه سيتحمَّلون مسؤولية عواقبه دون تقديم أيّ تفاصيل عن الخطوات التي قد تتّخذها إيران في هذا الصدد.

وعودةً إلى البيان الثلاثي الذي صدر بعد قرار الوكالة الدولية، فقد جاء البيان مُركِّزًا على جانبين أساسيْن. أوّلهما، أنَّ تمسُّك هذه الدولة بالاتفاق النووي لا يزال مستمرًّا، وأنّها ترى أنَّ الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي وفرض سياسة العقوبات القصوى غير بنّاءة، ولا تدعمها، ولا بدّ من سياسةٍ مختلفة وأكثر فاعليَّة، دون أن تقدِّم المزيد من التفاصيل حول كيفية التعامُل مع ذلك، أو تقديم سياسةٍ واضحة في هذا الصدد. كذلك يبعث البيان الأوروبي برسالةٍ إلى واشنطن أن تتراجع عن نقل الملفّ النووي الإيراني إلى مجلس الأمن حاليًّا، لإعادة فرض كافّة العقوبات الأُمميَّة التي كانت مفروضةً على إيران تحت البند السابع وتمّ رفعها وَفقًا للقرار الأُممي 2231.

وثانيهما، أنَّ الدول الأوروبية الثلاث تدعم واشنطن في مساعيها للحيلولة دون رفع الحظر المفروض على طهران، فيما يتعلَّق باستيراد الأسلحة أو تصديرها الذي من المزمع أن ينتهي شهر أكتوبر المقبل. هذا الموقف يعني أنَّ العواصم الأوروبية الثلاث ترى أنَّ السلوك الإيراني المزعزع لأمن واستقرار المنطقة وكذلك الخطوات الخمس التي اتّخذتها إيران ردًّا على الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي، تُؤكِّد على عدم الثقة في نوايا إيران وسياساتها المرتبطة بالبرنامج النووي ومزاعم سلميَّته.

هذا الموقف يجعل هذه الدول الثلاث في موقفٍ أقرب إلى سياسة الولايات المتحدة  تجاه إيران من أيّ وقتٍ مضى، وقد يقودها في المستقبل القريب إلى خطوات أخرى. من أهمِّها، فرض عقوبات أوروبية جديدة على طهران، مع التأكيد على تمسُّكها بالاتفاق النووي. ومن غير المُستبعَد أن تُقرِّر هذه الدول إيقاف العمل بالآلية المالية الأوروبية (إينستكس) للتعامل التجاري مع إيران من دون استخدام الدولار الأمريكي، التي بدأ العمل بها رسميًّا في شهر فبراير الماضي.

الخطوة الأخرى، التي من المتوقَّع أن تتّخذها الدول الأوروبية في الأشهر القليلة المقبلة، إذا لم تتعاون إيران مع الوكالة الدولية للطاقة الذرِّية هي تجميد العمل بالاتفاق النووي JCPOA، وليس الانسحاب منه بالكامل لِمُمارسة المزيد من الضغوطات على إيران. وقد تسعى العواصم الأوروبية الثلاث للتفاوُض مع موسكو وبكين؛ لاتّخاذ خطوات مماثلة، وإن كانت استجابة الأخيرتين غير متوقَّعة في الظروف الراهنة. 

الدول الإقليمية مثل: المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين قد تُضاعِف عمل جهودها الدبلوماسية مع روسيا والصين؛ للوصول لمواقف تبعث برسالة إلى طهران، تُفيد بأنَّ دعمهما للموقف الإيراني ليس شيكًا مفتوحًا، وينبغي على الجانب الإيراني تقديم خطوات على الأرض لضمان الوقف بجانبها.

تبقى الأشهر القليلة المقبلة مفصلية في هذا المسار، ويعتمد الأمر أيضًا على ردّ الفعل الإيراني، وبخاصة أنَّ طهران قد تُهدِّد برفع مستوى تخصيب اليورانيوم، وزيادة عدد أجهزة الطرد المركزي، ورُبّما العمل على إعادة تشغيل مفاعل آراك للماء الثقيل بشكلٍ كامل.

المصدر: Arab News


الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر كاتبها، ولاتعكس بالضرورة رأي المعهد
د.محمد بن صقر السلمي
د.محمد بن صقر السلمي
رئيس المعهد الدولي للدراسات الإيرانية