هل تخصيب إيران لليورانيوم بنسبة 20% مقلق؟

https://rasanah-iiis.org/?p=23666
الموجز - رصانة

استأنفت إيران تخصيبَ اليورانيوم بنسبةٍ تصِل إلى 20%، بعد إخطار الوكالة الدولية للطاقة الذرية كما يجب، على عكس توقُّعات المراقبين الإيرانيين، لا سيما أنَّ القانونَ الجديد الذي أقرَّه البرلمان الإيراني يهدفُ إلى تصعيد النشاطات النووية للدولة. استنادًا لهذا القانون، ستُخصِّب إيران اليورانيوم بنسبةٍ تصِل إلى 20%، بتركيب 1000 جهاز طردٍ مركزي، وإنتاج 120 كجم على الأقلّ من اليورانيوم عالي التخصيب.

من جانِبه، قال رئيس منظَّمة الطاقة الذرِّية الإيرانية علي أكبر صالحي لموقعٍ إخباري باللغة الفارسية: «استنادًا لآخر الأخبار لديَّ؛ فإنَّهم يُنتجون 20 جرامًا (من الـ 20% من اليورانيوم المخصَّب) كُلّ ساعة، بمعنى أنَّنا نُنتِج تحديدًا نصفَ كيلوجرام يوميًا».  

و أوضَّح السفير الإيراني والممثِّل الدائم بمنظَّمة الأُمم المتحدة في فيينا كاظم غريب أبادي، عبرَ تغريدة له، قال فيها: «ذكرت اليوم المديريةُ العامَّة للوكالة الدولية للطاقة الذريِّة، أنَّه بناءً على المعلومات الأخيرة لاستبيان التصميم للفوردو، تحقَّقت الوكالةُ من بياناتِ التصميم في الموقع، وأكَّدت أنَّه تمّ توصيل أسطوانةٍ تحتوي على 137.2 كجم من اليورانيوم [المخصَّب]، بنسبة تصل حتّى 4.1%، إلى خطّ التغذية، وإنتاج سادس فلوريد اليورانيوم المخصَّب بنسبةٍ تصِل حتّى 20%».

وعندما أقرَّ البرلمانُ الإيراني القانونَ النووي الذي وافق عليه الرئيسُ حسن روحاني في النهاية، كان يُنظَر إليه على أنهَّ محاولةٌ من إيران لزيادة الضغوطات على إدارة الولايات المتحدة الجديدة، وليس استمرارية لخروقاتها لخطَّة العمل الشاملة المشتركة. ومن بين الدول الموقِّعة على الاتفاق النووي، نجدُ أنَّ روسيا هي الدولة الوحيدة التي دعمت طهران في خطوتها الأخيرة لرفع معدَّلات تخصيب اليورانيوم، واضعةً اللومَ هُنا على سياسةِ الولايات المتحدة تجاه طهران. وذكرت إيران أنَّ خطوتها في التخصيب، جَرت وفقًا لمراسلاتها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرِّية عام 2018م، عندما انسحبت الولايات المتحدة من خطَّة العمل المشتركة، وأبلغت طهرانُ الوكالةَ الدولية عن خُططها لإنتاج وقودٍ متطوِّر من السيليسيد، وحُجّتها في المقام الأوّل تقوم على أنَّ استخدام فلز اليورانيوم كمنتجٍ وسيط لإنتاج وقود السيليسيد المتطوِّر، أكثر أمانًا وأفضل من وقود يورانيوم القائم على الأكسيد المستخدم حاليًا. ولا يمكن لطهران تخصيب اليورانيوم بنسبةٍ أكثر من 3.67%، بموجب خطَّة العمل الشاملة المشتركة، لكن لمتابعة برنامجها للرَّدع النووي، يجبُ عليها أن تحصُل على هذا المعدن الإستراتيجي بمستويات تخصيبٍ بنسبةِ 90%.

يُذكَر هُنا أنَّ إيران كانت تخصِّب اليورانيوم بنسبة 20% قَبل الاتفاق النووي، بالتالي لا يُعَدُّ هذا الاستئناف إنجازًا تكنولوجيًا، ورغم أنَّ طهران لم تتخلَّص من معدَّات المراقبة الخاصَّة بالوكالة الدولية للطاقة الذرِّية أو تمنع مفتِّشيها، إلّا أنَّ الخطرَ لا يزالُ قائمًا؛ لأنَّ تخصيب إيران لليورانيوم بنسبةٍ تصِل إلى 20% سيُخفِّف بصورةٍ كبيرةٍ الجهودَ المطلوبة للحصول على معدَّلات تخصيٍب بنسبةِ 90%، التي تُعَدُّ ضروريةً لصُنع قنبلةٍ نووية، وهنا نوضِّح في الشكل 1 الجُهد المطلوب للوصول إلى معدَّلات التخصيب المختلفة:

شكل (1): الجهد المطلوب للوصول إلى اليورانيوم المستخدم في صُنع الأسلحة

المصدر: مبادرة التهديد النووي وبي بي سي.

وهُنا نطرحُ تساؤلًا: لما القلق إذا كانت إيران تُبقِي الوكالةَ الدولية للطاقة الذرِّية على اطّلاعٍ بما يجري، وتوافق على عمليات التفتيش الخاصَّة بالوكالة، وتؤكِّد التزاماتها؟ هنا يرى محلِّلو الشأن النووي الإيراني أنَّها خطوة إيرانية استباقية لامتلاك أسلحة نووية؛ أيّ في حال فشلت المحادثات المُرتقَبة مع إدارة جو بايدن في تحقيق النتائج المرجُوَّة لإيران، قد تُقدِّم طهران إخطارًا للأُمم المتحدة بانسحابها من معاهدة عدم الانتشار بإشعارها قبل ثلاثة أشهر، وهذا التوقُّع مبنيٌ على طبيعة تهديدات إيران المتكرِّرة، وخُطاها التي تسيرُ على نهج كوريا الشمالية، حينها ستقفزُ بسرعةٍ وسهولة نحوَ تصنيعِ القنبلة النووية.

شكل (2): تصنيع القنبلة النووية

المصدر: الفريق الدولي للمواد الانشطارية

ومع ذلك، احتجَّ البعض بأنَّ إيران كانت تخصِّب اليورانيوم بنسبة 20%، قبل توقيعها على خطَّة العمل المشتركة، بينما كان بإمكانها أن تخصِّب بمعدَّلات أعلى بكثير، زاعمين أنَّ إيران كانت فقط ترفعُ من مستوى المخاطر قَبل المفاوضات النووية، ولم تنوي صناعةَ قنبلةٍ نووية. والرسم البياني التالي (الشكل 3) الذي أعدَّه مركز بلفر سنتر التابع لجامعة هارفارد، يُسلِّط الضوء على تعدين وتحويل اليورانيوم وتخصيبه من 2003 إلى 2010م، مشيرًا إلى أنَّ معدَّلات تخصيب اليورانيوم بلغت 20% في محطة نطنز النووية عام 2010م، أيّ قَبل إبرامِ الاتفاق النووي بخمس سنواتٍ فقط.

شكل (3): تخصيب اليورانيوم (2003 – 2010)

المصدر: مركز بلفر، جامعة هارفارد

وزادت خطوة إيران الجديدة القلقَ حول تخصيبِ إيران لليورانيوم المجهول ومرافِق التصنيع، غير تِلك التي لم تكتشفها بعد الوكالة الدولية للطاقة الذرِّية ودول أخرى؛ وذكر وزير الدفاع الأمريكي الأسبق دونالد رامسفيلد ذات مرَّة في تصريحٍ جديد حولَ أسلحةِ الدمار الشامل العراقية «المزعومة»، أنَّه كانت هناك منشآت نووية معروفة، وأُخرى «معروفة وغير معروفة» (أيّ معروفة لقوَّة عالمية واحدة أو أكثر)، وأُخرى مجهولة لا يعلم عنها أحد؛ وفي الحالة الإيرانية، في نهاية المطاف هذا المجهول الكلِّي، هو الذي سيدُقّ ناقوسَ الخطر، في حالِ انسحابِ إيران من خطَّة العمل الشاملة المشتركة ومعاهدة عدم الانتشار، وفي هذا الصدد، يمكن أن يُسهم الضغطُ العالمي والتدخُّل الدبلوماسي معًا في قلب طموحاتِ إيران النووية ودفعها إلى إبرامِ اتفاقيةٍ جديدة واسعةِ الآفاق. وبخفضِها تارةً وتصعيدها تارةً أُخرى لمستويات تخصيب اليورانيوم، تسعى طهران لتكثيف ضغوطها على إدارة بايدن، ودفعها للعودة إلى الاتفاق النووي، وإلا ستواجهُ الأخيرةُ السيناريو الأسوأ.  

المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
إدارة التحرير