أهمِّية حضور ظريف لمؤتمر «قلب آسيا» التاسع

https://rasanah-iiis.org/?p=24346

زار وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف العاصمة الطاجيكية دوشنبه؛ لحضور المؤتمر الوزاري التاسع «قلب آسيا – عملية إسطنبول (HoA-IP)»، الذي عُقِد في 30 مارس 2021م، تحت عنوان: «تعزيز الإجماع من أجل السّلام والتنمية»، بقيادة أفغانستان.

 ويهدف المؤتمر إلى تعزيز الحوار وبناء الثقة بين دول المنطقة؛ لتعزيز الاستقرار والازدهار في أفغانستان وقلب منطقة آسيا؛ فالوضع الأمني في أفغانستان يتوقَّف على المصالحة بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان، بينما لا تزال إيران لاعبًا مهمًّا في أفغانستان، وتحافظ على علاقاتها بكلا الطرفين. وعلى الرغم من عدم حضور إيران مؤتمر موسكو حول السلام في أفغانستان، إلّا أنَّها أعربت عن استعدادها لتقديم دعمها لأيّ حكومة أفغانية مؤقَّتة، شريطة أنَّ يتضمَّن تشكيلها أفرادًا من الأقلِّيات العرقية، إذ تحظى طهران بنفوذ قوي عليها. 

والتقى ظريف في دوشنبه بنظرائه من آسيا الوسطى وجنوب آسيا؛ لمناقشة فُرص توسيع التعاملات الاقتصادية، فيما تضغط واشنطن على كُلٍّ من الحكومة الأفغانية و«طالبان» للإسراع في المصالحة، مع اقتراب الموعد النهائي الذي حدَّدته الولايات المتحدة لسحب قوّاتها من أفغانستان، على الرغم من تصريح الرئيس جو بايدن مؤخَّرا بأنَّ الوضع الأمني ​​في البلاد لا يفضي إلى انسحاب شامل. وكشف تقرير صحافي مؤخرًا أنَّ إدارة بايدن تخطِّط للضغط على جميع الأطراف لخفض مستوى العنف، وسحب القوّات الأمريكية من البلاد في نهاية المطاف، بينما لا تستعدّ «طالبان» للتفاوُض مع الولايات المتحدة أو تمديد الموعد النهائي لانسحاب القوات الأمريكية، وحثَّت الولايات المتحدة على التقيُّد بالموعد النهائي المحدَّد بأيّ ثمن.

وتُعَدّ علاقة إيران الوثيقة بـ «طالبان» مهمَّة في هذا الصدد، إذ تُلقِي كُلٌّ من «طالبان» وطهران باللوم على الولايات المتحدة في أعمال العنف الجارية في أفغانستان، وتحرصان على خفض النفوذ الأمريكي في البلاد. وتعكس استضافة إيران مؤخرًا وفدًا رفيع المستوى من «طالبان» -على الرغم من الاختلافات الأيديولوجية والدينية- تنامي التفاعُل بينهما، ولاسيّما مع ازدياد عنف حركة طالبان في الأشهر الأخيرة تجاه الصحافيين والقُضاة. ويُذكر هُنا أنَّه في حال لم تنسحب القوّات الأمريكية بحلول الأول من مايو 2021م، سيفضي هذا في النهاية إلى انهيار اتفاق الدوحة.  كما التقى ظريف، على هامش المؤتمر، بوزراء خارجية وقادة وطنيين آخرين، منهم رئيس طاجيكستان إمام رحمون، وناقش معه مختلف السُبُل لتوسيع نطاق التعاون الثنائي؛ فقد سعت إيران في السنوات الأخيرة لإصلاح علاقاتها وزيادة تعاُملاتها الاقتصادية الثنائية مع طاجيكستان، ولاسيّما من خلال مشاريع البنية التحتية، مثل نفق الاستقلال ومحطة «سنك تودة2» للطاقة الكهرومائية.

واجتمع ظريف أيضًا بنظيره الأذربيجاني جيحون بيراموف على هامش المؤتمر، وناقش معه التطوُّرات الجغرافية السياسية في منطقة القوقاز، والتعاون بين طهران وباكو بشأن بحر قزوين، والقضايا الأُخرى ذات الاهتمام المشترك. وفي السنوات الأخيرة، اتّسمت العلاقات بين إيران وأذربيجان بالتعقيد، في ظلّ اعتقال طهران عديدًا من النُشطاء الأذربيجانيين، وتدخُّلها في صراع ناغورنو كاراباخ عن طريق إمداد أرمينيا بالأسلحة، ولا يزال ترسيم قاع بحر قزوين الغني بالموارد قضية عالقة، في ظلّ تنامي المنافسة بين روسيا وأذربيجان وكازاخستان وتركمانستان وتركيا وإيران. ووفقًا لما ذكره بعض الخُبراء، فإنَّ إيران تعتزم استغلال الدور التركي المتنامي في بحر قزوين بتوسيع نطاق تعاونها مع روسيا، من أجل التصدِّي لنفوذ أنقرة المتزايد في المنطقة. واجتمع ظريف أيضًا بوزير خارجية باكستان شاه محمود قريشي، وتبادل معه وجهات النظر بشأن عملية السّلام في أفغانستان، وسُبُل تحسين العلاقات الثنائية بين البلدين. كما عقد ظريف اجتماعًا مهمًّا آخر مع وزير الخارجية الهندي سوبراهمانيام جايشانكر، حيث عُقِد الاجتماع وسط محاولات متجدِّدة لتحسين العلاقات بين الهند وإيران، على الرغم من أنَّ نيودلهي لم تستأنف استيراد النفط من إيران حتّى الآن، وسلَّمت الهند مؤخَّرًا رافعتان ساحليتان بوزن 140 طنًّا إلى السُلطات في ميناء تشابهار؛ من أجل تطوير المرحلة الأولى من مشروع ميناء بهشتي في تشابهار.

وكانت زيارة ظريف إلى دوشنبه مهمَّة لسببين؛ الأوَّل أنَّ إيران تُريد أن تضمن انسحاب القوّات الأمريكية من أفغانستان والحفاظ على مصالحها مع أيّ تشكيل سياسي جديد في البلاد، ويُبرهِن ذلك تفاعُلها المتزايد مع «طالبان» ومع الأطراف الفاعلة الأخرى في البلاد، كما أكَّدت العضوة في البرلمان الأفغاني ريحانة أزاد دعم إيران لـ «طالبان» في هرات وهلمند وفراه وغزني، وقالت: »في حال أرادت إيران حقًّا أن تكون جارة صادقة؛ فعليها أن تتوقَّف عن تمويل طالبان وتدريبها». والثاني أنَّ إيران في حاجة ماسَّة إلى إصلاح علاقاتها وتعزيز علاقاتها الثنائية مع شُركاء مُحتملين على المدى البعيد، ولاسيّما بعض دول آسيا الوسطى وجنوب آسيا؛ لإنعاش اقتصادها المُنهَك، الذي عانى كثيرًا بسبب العقوبات الأمريكية الصارمة. ووفقًا لتقرير صدر مؤخَّرًا عن خدمة أبحاث الكونجرس (CRS)، فإنَّ إحدى إستراتيجيات إيران للتعامُل مع العقوبات الأمريكية المفروضة عليها، تتمثَّل في تنويع البلدان التي تصدِّر لها، في سبيل توسيع تعاملاتها الاقتصادية.   كما لا يزال اقتصاد المقاومة الذي تتبنَّاه إيران سببًا رئيسًا في أزماتها الاقتصادية المستمرَة، إذ أثَّر على قُدرتها على الحصول على احتياطيات النقد الأجنبي، كما أشارت دراسة أُجرِيت مؤخَّرًا إلى أنَّ الشعب الإيراني غاضبٌ من سياسات الحكومة الإيرانية بصورةٍ عامَّة، ويرى أنَّ إدارتها للاقتصاد قد ساءت مع مرور الوقت؛ ما قاد إلى تفاقُم المعاناة الاجتماعية والاقتصادية.

المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
إدارة التحرير