اعتقال القيادي الحوثي العماد: نصرٌ استخباراتيٌّ يمني وضربةٌ للحوثيين

https://rasanah-iiis.org/?p=25852

مقدِّمة

اعتقل حرس الحدود اليمني القيادي في ميليشيات الحوثي حسن علي العماد، أثناء عودته إلى اليمن قادمًا من إيران، عن طريق المنفذ البرِّي بمحافظة المهرة. وأفاد رئيس قطاع الإعلام العسكري في الجيش الوطني اليمني أنَّ اعتقال العماد يُعَدّ بمثابة «نصرٍ استخباراتيٍّ كبير» لقوّات الجيش الوطني اليمني. فمَن هو حسن علي العماد، وما علاقته بالنظام الإيراني، وما أبعاد تأثيره الثقافي والمذهبي على الميليشيات الحوثية، وما قيمة القبض عليه؟

أوّلًا: العماد والنظام الإيراني و «الحرس الثوري»

يُعَد العماد أحدَ أخطر القيادات العقائدية، ومِن أبرز المرجعيات الإثني عشرية بالنسبة للميليشيات الحوثية، وهو متزوِّج من إيرانية ويمتلك منزلًا في طهران. وانتقل حسن العماد مع أشقّائه الأربعة أحمد وعصام ومحمد وعلي؛ للعيش مع والده يحيى العماد الذي يُقيم في مدينة قُم الإيرانية، حيث يُعَد أحد أهمَّ المرجعيات الدينية التي نشأت في إيران، وأهم مؤسِّسي الحركة الحوثية والمشروع الإيراني في اليمن، وانتقل من اليمن إلى قُم الإيرانية في التسعينيات، إذ لم تكُن هناك رقابةٌ على النشاطات الثقافية المختلفة والكتب والمنشورات في ذلك الوقت.

وكان النشاط الثقافي الإيراني في ذروته في اليمن في ذلك الحين، حيث تكفَّلت السفارة الإيرانية في صنعاء بابتعاثه إلى قُم، وتلقَّى هناك مع أشقّائه التعاليم العقائدية الإثني عشرية في المدارس والحوزات الإيرانية، وتمَّ تأهيلهم بطريقة مُمنهَجة؛ ليكونوا من أبرز الدُعاة للمذهب الإثني عشري في اليمن.

تدرَّب العماد في صفوف «الحرس الثوري» الإيراني منذ تخرُّجه من الثانوية العامَّة، ويُعَدّ من أبرز المؤيِّدين للفكر الثوري والثورة الايرانية، وتعاونَ مع «الحرس الثوري» في عدَّة مجالات، حتَّى تمَّ تكريمه من قِبَل قائد «الحرس الثوري» حسين سلامي في يوليو 2020م، في مؤتمر يسمِّيه النظام الإيراني «مجاهدون في الغربة». وألقى العماد كلمةً في ذلك المؤتمر أثنى فيها على الثورة الإيرانية، حيث قال ما نصّه: «بفضل حركة وانتفاضة الإمام الخميني وشهداء الثورة، استيقظ الشعب اليمني، وهذه الحركة أعادت هُويَّة اليمنيين»، وربط عمليَّات «التحالُف العربي» والحكومة الشرعية المتمثِّلة بـ «عاصفة الحزم» لتحرير اليمن من الميليشيات، بأبعاد مذهبية للتأثير على العامَّة، إذ قال: إنَّ «سبب هذه الحرب المفروضة على اليمن، هو امتدادٌ لحادثة الغدير وولاية الإمام علي».

وأضاف أنَّ «الأعداء يعلمون أنَّ اليمن إذا قوِيَت شوكتها، سترفع علم النضال ضدّ الظُلم، وسوف تناصر إمام الزمان»، كما أثنى على النظام الإيراني بقوله: إنَّ «السُلطة الإيرانية ليست قائدة للأُمَّة الإيرانية فقط، بل هي زعيمة لجميع المسلمين في العالم»، وعن المرشد الإيراني علي خامنئي قال: إنَّ  «كُلّ المسلمين يستمعون لأمر هذا القائد الحكيم». 

ثانيًا: العماد والميليشيات الحوثية

كما تمَّت الإشارة أعلاه، تمَّ إعداد وتأهيل العماد وإخوته ليكونوا من أبرز الدُعاة للمذهب الإثني عشري ذي الطابع الإيراني في اليمن، بالإضافة إلى ذلك، يُعَد من أهمَّ حلقات الوصل بين النظام الإيراني والميليشيات الحوثية، وله العديد من النشاطات الإعلامية في إدارة الشبكات «العقائدية»؛ للتواصُل مع المؤثِّرين في عدد من الدول الأوروبية والغربية، ويتّخِذ من مدينة قُم مقرًّا له.

تنقَّل العماد بين إيران وعواصم عربية وغربية؛ للترويج للميليشيات والتنسيق لعملياتها، وأيضًا لجمع التبُّرعات المالية، وإيصال الأسلحة من النظام الإيراني للميليشيات الحوثية. وكان يدير هذه الأنشطة تحت مسمَّيات مدنية وجمعيات خيرية تعمل بشكل مستمِرّ لتنفيذ أجندة المشروع الإيراني في اليمن، من خلال الميليشيات الحوثية، ومن أبرز تلك التنظيمات: تنظيم «مستقبل العدالة» ومؤسَّسة «العلم والعمل»، إضافةً إلى ذلك، تشير المصادر إلى أنَّ العماد شارك في التمويل والإشراف على خلية حوثية خطَّطت لاغتيال الرئيس اليمني آنذاك الراحل علي عبدالله صالح في عام 2006م. وكان العماد في ذاك الوقت مستقرًّا بإيران، وعاد لليمن عام 2011م، وقام بالتنقُّل منذ ذلك الحين بين صنعاء وطهران حتّى عام 2015م، ولم يتمكَّن من الخروج من اليمن بعد إعلان «عاصفة الحزم» إلّا في عام 2016م عبر طائرة تابعة للأُمم المتحدة. كما أنَّ أخاه عصام يُعَدّ مرجعية دينية لدى الحوثيين، فيما يرأس محمد العماد مجلس إدارة «شبكة الهُويَّة الإعلامية» التابعة للحوثيين، وتضُمّ قناة «الهُوية» وصحيفة «الهوى»، ويرأس علي العماد الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة التابع للحوثيين، أمَّا أخوه أحمد فيترأس فريق التواصُل الخارجي للميليشيا.

وكشفت مصادرُ عسكرية يمنية أنَّ حسن العماد يُعَدّ بمثابة زعيم شبكة لتهريب الأسلحة الإيرانية إلى اليمن، إذ ورد اسمه في محاضر التحقيق مع المهرِّبين الإيرانيين لسفينتي «جيهان 1و2»، كمنسِّق للعملية بين إيران وصنعاء.  

يُشار إلى أنَّ الميليشيات الحوثية قامت بتزوير جواز سفر خاص لحسن العماد من إدارة جوازات صنعاء، بتاريخٍ قديم، وأرسلته له بهدف تهريبه إلى اليمن. من جانبٍ آخر، أُسنِدت إلى العماد مهمَّة رئاسة لجنة التنسيق الإيرانية-الحوثية، التي قام النظام الإيراني بتأسيسها بهدف دعم الميليشيات «الانقلابية».  وظهرت دعواتٌ من قِبل بعض المشرفين الحوثيين لإيقاف أيّ عملية تفاوُضية، حتّى يتِم الإفراج عن حسن العماد، من بينهم المشرف سلطان الجّحاف، الذي اتّهم سلطنةَ عمان بالتواطؤ بعملية اعتقال العماد؛ الأمر الذي يرجِّح إقحام عملية الاعتقال في أيّ عمليات تفاوُضية مستقبلية.

ثالثًا: دلالات التصعيد الحوثي بعد القبض على العماد

تعُدُ الأجهزة الأمنية اليمنية حسن العماد مجرمًا خطيرًا، ومن أخطر المنظِّرين للميليشيات الحوثية، وأنَّ عملية القبض عليه تُعَدّ بمثابة ضربة قاصمة للميليشيات الحوثية وللنظام الإيراني، الذي يعتمد على التمويه لتهريب الخُبراء والعسكريين والأفراد الى صنعاء. وقالت مصادر يمنية: إنَّه من المُرجَّح وصول لجنة وزارية عُليا لاستكمال التحقيق مع العماد، خلال الأيَّام المقبلة.

يُذكَر أنَّ العديد من المتابعين ربط بين عملية التصعيد الحوثية -داخل اليمن وضدّ السعودية-وبين القبض على حسن العماد، على اعتبار أنَّ اعتقال العماد يُعَدّ بمثابة ضربة موجعة للحوثيين؛ ما جعل الميليشيا تزيد من وتيرة التصعيد العسكري، سواءً باستهداف مدينة مأرب أو الأعيان المدنية في السعودية. وخلال الأيَّام الماضية في أعقاب القبض على العماد، أعلن التحالُف في بيانٍ نقلته وكالة الأنباء السعودية «واس»: أنَّه تمَّ اعتراض وتدمير 3 مسيَّرات مفخَّخة باتّجاه السعودية، ليرتفع عدد الطائرات التي تمّ اعتراضها يومَي الجمعة والسبت الماضيين، إلى 6 طائرات مسيَّرة، بالإضافة إلى صاروخ باليستي تمَّ إطلاقه باتّجاه مدينة الدمام وتمَّ اعتراضه من قِبَل الدفاعات الجوِّية السعودية. وأوضح التحالُف أنَّ «التصعيد الحوثي عدائيٌّ وهمجي لاستهداف المدنيين والأعيان المدنية». وأضاف: «سوف نتابعُ النشاط الحوثي بإطلاق المسيَّرات المفخَّخة، ونتّخِذ إجراءات صارمة لحماية المدنيين».

خلاصة

يُعَدّ اعتقال العماد نجاحًا استخباراتيًّا وأمنيًّا يُحسَب للقوّات اليمنية وقوّات «التحالُف العربي»، وفي ذات الوقت، يُعَدَ ضربة موجعة للميليشيات الحوثية والنظام الإيراني، حيث استثمر الإيرانيون كثيرًا في تأهيل العماد لخدمة مصالحه وأجندته؛ حتّى أصبح حلقة الوصل الأبرز بين الميليشيات الحوثية والنظام الإيراني، على المستوى المذهبي، والمالي، وتنسيق تهريب الأسلحة للميليشيات الحوثية، ويعتمد عليه الطرفان الإيراني والحوثي بشكل كبير.

كما أنَّ عملية اعتقاله تُعَدّ عامل ضغط على الطرفين الإيراني والحوثي؛ نظرًا لما يحمله من معلومات بالغة الحساسية ستكشفُ عن حقيقة الأجندة الإيرانية في المنطقة، وعن العلاقة الإيرانية-الحوثية بشكل خاص، على اعتبار أنَّه بمثابة ممثِّل للمرشد خامنئي بالنسبة للثورة الإيرانية في اليمن. وسوف تتكشَّف، مع بدء التحقيقات، أهمِّية الدور الذي أُنيط به حسن العماد، حيث يرى بعض المتابعين أنَّ القبض عليه، يأتي بمثابة مقياس لمدى عُمق التأثير الإيراني في اليمن، ومن المُرجَّح أن يضطرّ الحوثيون لفتح قنوات تواصُل مع الحكومة اليمنية عن طريق سلطنة عُمان. كما من المتوقَّع أن يصبح العماد ورقة تفاوُضية قويّة بيد الحكومة اليمنية الشرعية، سواءً بما يتعلَّق بأسرى الحكومة الشرعية لدى الميليشيات الحوثية أو الملفَّات الأُخرى، التي تأتي في إطار الحلّ السياسي في اليمن.

وعلى أقلّ تقدير، من المُرجَّح أن تفعِّل عملية القبض على العماد عملية التفاوُض اليمنية من جديد؛ الأمر الذي قد ينعكس على فتح بعض الملفَّات الأُخرى، وتغيير معادلة العملية التفاوُضية، ولاسيَّما أنَّ إخوة العماد يشغلون مناصبَ حسَّاسة لدى الميليشيات الحوثية، ومن المُرجَّح أن تكون سلطنة عُمان محور عمليات التفاوُض في المستقبل القريب.

المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
إدارة التحرير