قراءة في مستقبل المشهد اللبناني.. أزمات مزمنة وتحديات محتمَلة

https://rasanah-iiis.org/?p=26423

بواسطةنورة السبيعي

مقدمة

في وقتٍ تنشغل فيه دول الإقليم وخارج الإقليم بحلحلة أزماتهم المتتالية، ومجابهة مخاوفهم المتزايدة التي يثيرها تنامي التنافس الأمريكي-الصيني، وانعكاسه بشكل مباشر وغير مباشر على عديد من قضايا دول الإقليم، ووسط جولات التوافق والتنافر الأمريكي-الإيراني حول الاتفاق النووي الإيراني، أعادت أزمات لبنان المتتالية، من نقص الطاقة والكهرباء وأحداث «الطيونة» وما أعقبها من توترات أمنية، الاهتمام من جديد بالواقع اللبناني، الذي بات يعاني من تفاقم في الأزمات، وعدم الاستقرار، والاضطراب على المستويين الداخلي والخارجي، مدفوعًا بأزمات اقتصادية وسياسية متتالية، تغذيها الانقسامات الداخلية بين مختلف القوى السياسية، وتقاطع مصالح خارجية جيوسياسية. ولا يكاد لبنان يخرج من أزمة حتى يدخل في أخرى أشد وأعتى،تضاف إلى جملة الأزمات التي تضرب لبنان، وقد برزت هذه الأزمات بشكل واضح مع بداية عام 2019م. وعلى الرغم من الانفراج الجزئي الذي قد يحدثه التوصل إلى تشكيل حكومة لبنانية، فإنّ التفاؤل ليس هو سيد الموقف، كون أغلب المؤشرات يشير إلى أن التحديات والمعوقات تتجاوز بكثير حجم الحلول المطروحة.

وفي السطور التالية من هذه الورقة نحاول بإيجاز الإجابة عن تساؤلات أولية خاصة بالمشهد اللبناني، تتعلق بواقع الأزمة اللبنانية، وأبرز مظاهرها الاقتصادية والسياسية والأمنية، والتحديات الآنية، وأبرز العوائق القائمة، لنتلمس بذلك في الختام أهمّ المؤشرات على المستقبل الذي ينتظره لبنان.

أولًا: أزمات مركبة وحلول مستعصية

تتنوع الأزمات والتحديات الاقتصادية والمالية التي تواجهها الدولة اللبنانية، وهي تدخل عامًا جديدًا على وقع المظاهرات التي عمّت شوارعها وأدخلتها في حالة من الطوارئ منذ أواخر عام 2019م، والانفجار المدمر الذي عصف ببيروت في أغسطس 2020م، ليفاقم بذلك الصعوبات الاقتصادية التي تعاني منها الدولة.

1. أبعاد ودلالات أزمتَي الاقتصاد والطاقة في لبنان

يمرُّ لبنان بواحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية العالمية، وبخلاف الأسباب البنيوية والهيكلية طويلة الأجل نتيجة التأثر بعديد من العوامل الداخلية والخارجية، وتفشي الفساد المزمن والمستشري في بنية الاقتصاد اللبناني، ترجع الأزمة الراهنة أيضًا إلى أسباب ناتجة عن السياسات النقدية والمصرفية التي أسفرت عن تداعيات مهولة، وإن كانت متوقعة، فقد بلغ الدَّين العام للدولة حتى نهاية عام 2020م نحو 95.6 مليار دولار (17.7% من الناتج المحلي)، بزيادة قاربت مستوى 5.3% عن إجمالي الدَّين العام لعام 2019م. وبلغ احتياطي المصرف المركزي في الربع الأول من عام 2021م ما يقارب 17.5 مليار دولار، متراجعًا عن حجم الاحتياطي لعام 2020م الذي قدر بنحو 30.3 مليار دولار([1]). وتقاطع ذلك كله وتفاعل مع تراجع في قيمة العملة اللبنانية بما يقارب عشرة أضعاف قيمتها أمام العملات الأجنبية الأخرى، وبخاصة الدولار الأمريكي([2]). في المقابل، قدّر البنك الدولي أن الناتج المحلي الإجمالي انكمش بنسبة 20.3% في عام 2020م، بعد انخفاض بنسبة 6.7% في عام 2019م، في حين بلغت الأزمة الحياتية في لبنان مستويات متقدمة ضاغطة على حياة اللبنانيين، فالمواطن اللبناني خسر ما قيمته 90% تقريبًا من قدرته الشرائية([3]). وتشير أفضل التوقعات إلى أن لبنان يحتاج إلى ما يقارب اثني عشر عامًا لكي يتجاوز مبدئيًّا أزمته الحالية([4])، في وقت تشير فيه أرقام أخرى أشد تشاؤمًا إلى حاجة لبنان إلى عقدين من الزمن ليستعيد عافيته الاقتصادية.

وترافق ذلك كلّه مع تراجع لعلاقة لبنان الاقتصادية مع محيطه الإقليمي والدولي، إذ انخفض حجم التبادل التجاري مع دول الخليج خلال السنوات العشر الماضية بشكل كبير، من نحو 450 مليون دولار سنويًّا قبل الأزمة إلى نحو 50 مليون دولار عام 2020م، وقلّ حجم الاستثمار الخليجي تدريجيًّا([5]). ويعود هذا التراجع في العلاقات الاقتصادية البينية بين لبنان وباقي الدول الإقليمية بالأساس إلى اعتراض الدول المحيطة بلبنان على دور «حزب الله» وممارساته سواء في الداخل اللبناني أو خارجة، وارتباط مسألة الدعم الدولي والإقليمي للبنان للخروج من أزمته أو التخفيف من حدّتها بمسألة نزع سلاح «حزب الله». وكذلك لممارساته الخارجية، وارتباطه في عمليات التهريب من خلال المعابر غير الشرعية بين لبنان وسوريا، التي يسيطر عليها الحزب، ودوره في الأزمة الراهنة بين لبنان ودول الخليج جرّاء عمليات تهريب المخدرات. جميعها عوامل لا بد من أخذها بعين الاعتبار عند التفكير في أزمة لبنان اليوم، التي لعبت دورًا مهمًّا في تعميقها على أقل تقدير، وسرّعت بالانهيار الاقتصادي والمالي وفاقمته، وأثّرت في سمعة لبنان وبعض قطاعاته، وسبّبت تغيّرًا واضحًا في طريقة تعاطي الدول الإقليمية والغربية معه.

وتشابكت الأزمة الاقتصادية مع أزمة الطاقة وتفاقمها خلال الأشهر القليلة الماضية، وما حملته من تأثير في باقي قطاعات الخدمات العامة، إذ تراجعت تدريجيًّا قدرة المؤسسات اللبنانية على توفير التغذية اللازمة لكل المناطق، ما انعكس بالتالي على عدم وصول خدمات الرعاية الصحية وإمدادات المياه إلى ملايين اللبنانيين، وهو ما يشكل خطرًا محدقًا بالصحة العامة، بالتزامن مع أزمة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)([6]).

2. حلول مقترحة تُفاقِم الكارثة

وعلى وقع هذه الأزمات الاقتصادية المتنامية، وتراجع قدرات الحكومة الذاتية على إيجاد حلول مناسبة تقلل من انعكاسها على الداخل اللبناني، أطلق الأمين العام لـ«حزب الله» اللبناني حسن نصر الله، خلال الأشهر القليلة الماضية، سلسلة من التصريحات تراهن على حلول إيرانية للخروج جزئيًّا من هذه الأزمة وتحدّ من تفاقمها. فكانت البداية عبر إطلاق عديد من المبادرات باستخدام المؤسسات الخاصة التابعة للحزب، التي غالبًا ما انتُقدت لكونها أحد الأسباب الرئيسية وراء الأزمة المالية الحالية، فضلًا عن تجاوزها المهامّ المنوطة بمؤسسات الدولة العامة، وعملها على بناء دولة داخل الدولة اللبنانية خدمة لأهداف إيران ونفوذها في المنطقة([7]). ومن ضمن تلك المبادرات عمل الحزب على توفير العملة الصعبة من خلال نظامه المصرفي الموازي، والمعروف باسم «جمعية القرض الحسن»، التي تدار كمؤسسة خيرية، فضلًا عن تقديم قروض مالية، وتنفيذ عمليات بيع وشراء بالدولار الأمريكي. وإلى جانب الخدمة شبه المصرفية، عمل الحزب على إصدار بطاقات تموينية وتنفيذ برامج زراعية عبر مؤسسة «جهاد البناء» المعروفة بكونها من أهم الفروع التنفيذية للمنظمة والمكلفة تأسيس وتشييد البنى التحتية المدنية والعسكرية لإيران في عدد من الدول في المنطقة([8]). ويهدف «حزب الله» من جملة هذه الأنشطة غير الرسمية إلى استغلال ظروف الأزمة وتحويلها إلى فرصة، عبر كسب مزيد من القوة والاعتراف، وتوسيع قاعدة دعمه الشعبية، وتحجيم مهامّ الدولة بطريقة ما من خلال بناء اقتصاد جديد بديل، وهو ما سيجلب بكل تأكيد مخاطر جدية على صعيد إقامة سلطة الدولة في لبنان.

ومؤخرًا، ومع استمرار أزمتَي الاقتصاد والطاقة في لبنان في التفاقم، بادر «حزب الله» بإعلانه عن انطلاق سفينة تحمل وقودًا من إيران إلى لبنان، وما لبث أن تحدث عن سفينة ثانية وثالثة، ثم اقتراحه المثير للجدل بشأن الاستعانة بشركة إيرانية للتنقيب عن النفط في المياه الإقليمية اللبنانية. ويكشف تحرك الحزب في أزمة الطاقة اللبنانية عن معادلة جديدة في السياسة اللبنانية وتوازن القوى في الداخل والخارج اللبناني، إذ تتجاوز الأهداف والغايات الخفية من استجرار الوقود والنفط من طهران إلى بيروت ما يروّج له الحزب ظاهريًّا في كونها مساعدة إنسانية إيرانية للبنان، في خضمّ تراكم الأزمات الاقتصادية والخدماتية التي تمرّ بلبنان والمنطقة ككل.

وتتماشى رغبة حسن نصر الله في استيراد الوقود الإيراني مع فكرة سبق أن طُرحت قبل نحو عام تقريبًا، في دعوة بيروت للنظر شرقًا وتعزيز التعاون الاقتصادي مع إيران من أجل تجاوز أزماتها الاقتصادية. وهي بكل تأكيد تتوافق مع تطلعات طهران الأساسية في رؤيتها للعالم في أعقاب الثورة الإسلامية الإيرانية، التي تدعو فيها إلى المواجهة مع الغرب ومحاربة نموذجه. وفي ظل الانهيار اللبناني الراهن، يعتقد «حزب الله» أن الوقت قد حان للبلاد للتحرك شرقًا والمراهنة على إيران في عديد من القطاعات الاقتصادية والحيوية، بما في ذلك النفط والغاز ومجالات أخرى للتعاون، وثمّة كلفة باهظة وأعباء محتملة ستترتّب على لبنان في حال السير بهذا المشروع قُدمًا([9]).

وفي حين أن مثل هذا المقترح من شأنه أن يساعد في تخفيف بعض مشكلات الوقود في لبنان، فإنه في الواقع ليس حلًّا دائمًا لأزمة الطاقة وتداعياتها الراهنة، بل هو حل مؤقت تتجاوز فيه المخاطر بشكل كبير الفوائد المرجوة من خطوة كهذه. فبجانب ما ذُكر سابقًا من سعي «حزب الله» من هذه المبادرات إلى تعزيز صورته ومكانته في الداخل اللبناني تحديدًا، فإنّ استغلال أزمة المحروقات اللبنانية عبر استقدام سفن إيرانية محملة بالنفط الإيراني من طهران سيفتح فصلًا جديدًا من فصول الأزمة المالية للبنان، فبجانب ما سيجنيه الحزب وإيران من مكاسب وأرباح مالية من بيع الوقود للبنان تتجاوز بكثير قيمتها الفعلية([10])، ثمة خطر أكبر يكمن في التعامل المالي خارج إطار الأجهزة الرسمية، وفي ظل ضبابية حيال طريقة الدفع، والأقرب أنها ستجري بالعملة اللبنانية، وذلك بفعل موانع العقوبات الأمريكية، فإنها ستخضع في نهاية المطاف إلى تبديل وتحويل من أجل الوصول إلى الدولار، وبالتالي كل ذلك سيحصل خارج النطاق الرسمي للدولة اللبنانية([11]).

3. مبادرة تمرير الغاز والكهرباء وحدود الوساطة الخارجية في الأزمة

تلا إعلان «حزب الله» عن استقدام سفن إيرانيّة محمّلة بالوقود إلى لبنان إعلان آخر من واشنطن، وعلى لسان سفيرته في بيروت دورثي شيا، عن خطة تقضي بتوفير الغاز والكهرباء عبر كل من الأردن ومصر مرورًا بسوريا ووصولًا إلى لبنان، وفق إطار تكاملي اقتصادي يتماشى مع تحركات الدول الثلاث إقليميًّا([12]). ويأتي هذا المقترح وفق الرؤية السائدة لعديد من المحللين من أجل خلق نوع من الاستقرار المعقول لتلك الدول، وإعطاء توازن مقبول تجاه النفوذ الايراني المتمدد في عدد من دول الإقليم، ومنها لبنان، عبر قطع الطريق أمام «حزب الله» وتحسبًا لاستغلاله توزيع تلك المحروقات وربطها بمصالح انتخابية مع قرب عقد الانتخابات النيابية في لبنان([13]).

وعلى الرغم من الأهداف والغايات المسوقة في مشروع إمرار الغاز والكهرباء للبنان، فإنه أيضًا يكشف تناقضًا جليًّا واختراقًا كبيرًا في السياسات الإقليمية والدولية في عدد من الجوانب، فاستمرار وصول الوقود الإيراني إلى لبنان عبر حدوده المجاورة لسوريا، رغم الجهود الدولية والإقليمية طَوال السنوات الماضية في مراقبة معابر الحدود غير الشرعية، وتوفير البنية التحتية الأمنية على الحدود السورية-اللبنانية([14])، وعمل عديد من دول الإقليم ودول من خارج الإقليم على آليات وتفاهمات تهدف إلى تقويض عمليات التهريب العابرة للحدود، ومنها التفاهمات والتسويات الأخيرة بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وإسرائيل، لإزاحة الوجود الإيراني عن مناطق شرق سوريا على الحدود مع العراق ضمن خطة لوقف التواصل البري الذي تمارسه إيران، انطلاقًا من حدودها نحو شواطئ البحر المتوسط في لبنان.. يكشف لنا بمجمله فشل هذه السياسات والآليات في مراقبة الحدود ومعابر التهريب، وفشلًا آخر في القدرة على تحجيم أذرع إيران في المنطقة، وبالتالي يصبح مشروع إمرار الغاز والكهرباء إلى لبنان، والتفاهمات الجارية حول منطقة «درعا» السورية، موضع شك في قدرتها على تحجيم الدور الإيراني في المنطقة قياسًا على المعطيات السابقة([15]).

ثانيًا: أزمة تشكيل الحكومة الجديدة بين التنافس والتعطيل

سادت حالة من التفاؤل الحذر بين أوساط المهتمين بالشأن اللبناني، سواء داخل لبنان أو خارجها، بعد إعلان تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة في 10 سبتمبر 2021م، برئاسة نجيب ميقاتي، وذلك بعد فراغ حكومي وحالة من الجمود السياسي، تخللها عديد من مراحل التكليف والاعتذار، بدأت منذ استقالة حكومة حسان دياب في أغسطس 2020م، عقب انفجار مرفأ بيروت، واعتذار كل من مصطفى أديب وسعد الحريري عن عدم تشكيل الحكومة.

1. حكومة ميقاتي والتفاعلات الداخلية بين القوى اللبنانية

يعزى الاختراق الذي نجح بموجبه نجيب ميقاتي في رفع الغطاء عن تعطيل تشكيل الحكومة اللبنانية إلى حدوث توافقات وتفاهمات داخلية مع الفاعلين الرئيسيين في تعطيل تشكيل الحكومة اللبنانية خلال الفترات السابقة، لا سيما «حزب الله» وحلفاؤه في الداخل اللبناني، الذي بات واضحًا أنه لم يخسر في الحكومة الوليدة أي نقاط إستراتيجية، بل بدا كمن عزّز موقعه في الداخل والخارج على حد سواء، وصولًا إلى توليه عددًا من الوزارات والمؤسسات الحكومية ذات البعد الأمني المهم، التي تفوق بأهميتها طابعها الخدماتي، كتولية حقيبة الأشغال والنقل([16]). وبتولي «حزب الله» هذه الوزارة يكون قد ضمن بذلك السيطرة على المنافذ البرية والبحرية والجوية، ما يعني أن الحزب سيتولى الإشراف على مشروعإيصال الغاز الطبيعي المصري إلى لبنان عبر الأردن وسوريا، وضمن كذلك تعزيز سيطرته على مطار بيروت الذي يستخدمه لعمليات التهريب، فضلًا عن سيطرته على المعابر الحدودية الرسمية، بعد أن ضمن السيطرة على المعابر غير الرسمية، وما قد يترتب على ذلك من تداعيات قد تؤثر مستقبلًا في أمن وعلاقات الدول المجاورة للبنان، التي ما زالت موضع خلاف دبلوماسي وسياسي قائم مع لبنان([17]).

2. المواءمة الخارجية في تشكيل الحكومة اللبنانية

لم تكن الخلافات بين القوى السياسية في الداخل اللبناني هي المسبِّب الوحيد للأزمة السياسية وحالة الجمود التي سبقت تشكيل الحكومة، بقدر ما كان الانتظار لما ستسفر عنه التفاهمات بين القوى الدولية وانعكاساتها على المشهد اللبناني، ولذلك يمكن القول إنّ الحكومة الجديدة خرجت وفق تسويات وتفاهمات بين رباعيّ من القوى الدولية والإقليمية، هو الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا وإيران. وبينما وقفت الولايات المتحدة وروسيا في الخلفية، تصدرت فرنسا وإيران مشهد التوافق، وبالتزامن مع قوة دفع من «حزب الله»، التي تجلّت عقب الاتصال الذي أجراه الرئيس إيمانويل ماكرون بنظيره الإيراني إبراهيم رئيسي، وما تضمنه من اتفاق على تشكيل الحكومة اللبنانية بالتعاون بين فرنسا وإيران و«حزب الله»([18]). وكشف هذا التوافق الفرنسي-الإيراني عن تناقضات في المقاربات الفرنسية حيال الملف اللبناني، فبعدما ضغط ماكرون في سبيل فرض عقوبات على القوى السياسية التي عرقلت المبادرة الفرنسية التي أُعلنت بعد حادثة مرفأ بيروت في أغسطس لعام 2020م، عادت فرنسا وضغطت من أجل قيام أي حكومة لبنانية، حتى لو كانت معايير تأليفها مختلفة عن تلك التي اشترطتها في مبادرتها، وأبرمت صفقة جديدة مع القوى السياسية التقليدية التي اتّهمتها بالفساد سابقًا، وسعت من خلال إنتاج حكومة نجيب ميقاتي إلى إعادة إنتاج الطبقة السياسية نفسها([19]).

3. تحديات وعراقيل أمام حكومة ميقاتي الجديدة

عمومًا ورغم الانفراجة التي شهدها ملف تشكيل الحكومة اللبنانية، فإنّ التفاؤل في الشارع اللبناني بقي محدودًا، بحكم امتلاك الفريق الحكومي الجديد نافذة ضيقة تبلغ نحو بضعة أشهر، ما يجعل قدرة حكومة ميقاتي على الشروع في إصلاحات هيكلية قوية أمرًا مشكوكًا فيه على الأقل.

ويكمن التحدي الآخر بالنسبة إلى الحكومة الجديدة أيضًا في تصاعد التوتر الأمني والسياسي ودخول لبنان في مأزق سياسي كبير، قد يصل إلى أزمة حكم، لا أزمة حكومة فقط. ويتعلق هذا التوتر بملف التحقيق الجاري حول انفجار مرفأ بيروت، ومحاولات «حزب الله» توريط حكومة رئيس الوزراء نجيب ميقاتي الجديدة في مأزق آخر في الوقت الذي تسعى فيه لإخراج البلاد من أزمتها الاقتصادية العميقة([20]). وما جرى مؤخرًا في حادثة «الطيونة» من اشتباكات نارية وعنف مسلح داخل لبنان، وإن لم تكن مفاجأة لكل من يتابع تطورات المشهد اللبناني وما مرّ به من توترات أمنية أصغر، حدثت خلال توترات قرية خلدة اللبنانية في الآونة الأخيرة، فإنّ الظروف التي سبقت وترافقت مع هذا المشهد بمثابة ناقوس خطر جديد، يضاف إلى سلسلة طويلة من المؤشرات السلبية التي تنذر باقتراب الكيان اللبناني من حافة هاوية حقيقية تهدد استقراره. فمن جهةٍ تشي الاشتباكات بأن واقعًا جديدًا بدأت معالمه ترتسم في سماء لبنان، وأبرز معالم هذا الواقع الجديد أن الساحة اللبنانية قد دخلت فعليًّا منذ انفجار ميناء بيروت مرحلة تعاظم الخلافات والانقسامات، ودخول العلاقة بين عدد من الأطراف والأحزاب اللبنانية مرحلة من التجاذبات وإدارة للزوايا بما يخدم مصالحهم الخاصة([21])، فضلًا عن إثبات هذه الاشتباكات أن مسألة كسر حصرية السلاح بات متعذرًا حصرها بيد الدولة، بجانب اللعب المحظور الذي بات يمارسه «حزب الله» على وتر الطائفية واختبار المشاعر والحساسيات المذهبية داخل لبنان، واستجرار الدولة نحو حافة التوترات الأمنية، وإبقائها وفق سقف ما دون الحرب الأهلية، لاعتبارات متعددة، يأتي في مقدمتها ابتزاز متعمد من قِبل الحزب وكذلك إيران من أجل الوصول إلى تفاهمات وتوافقات يسعى إليها الطرفان داخل لبنان، في ظل الأجواء العامة المحيطة بلبنان في تخفيض التوترات الإقليمية، ووسط محاولات تجنب القوى الطائفية اللبنانية في مواجهة الحزب.

وبينما يمكن اعتبار التحدي الآخر للحكومة اللبنانية في قرب استحقاق الانتخاب النيابي القادم، الذي بات يحظى بحيز واسع من الاهتمام الداخلي والخارجي نحو حلحلة الأزمة الاقتصادية والسياسية الضاغطة، ونقطة انطلاق نحو تغيير أو إعادة تكوين السلطة في لبنان، فإن الواقع الراهن لا يبدو مطمئنًا لقارئ المشهد اللبناني، إذ ثمة أطروحات جديدة بدأت تطفو على السطح، وتفيد بأن التأجيل أو التعطيل بات ممكنًا، لا مستحيلًا، رغم الإعلان الرسمي الصادر عن مجلس الحكومة اللبنانية باعتبار 27 مارس موعدًا رسميًّا لإجراء الانتخابات النيابية بدلًا من 08 مايو لعام 2022م([22])، وسط تخوف متباين المصالح بين جميع الأحزاب والقوى السياسية اللبنانية.

ويأتي في مقدمة أطروحات التأجيل هنا -أو حتى الإلغاء- ما يمكن أن يعكسه الصراع الدستوري الراهن حول التعديلات التي أقرّها مجلس الحكومة حول تقديم الانتخابات النيابية في لبنان، ودخولها مرحلة التجاذبات والمناوشات بين الموقفين الدستوري والرئاسي، التي يمكن أن تُدخِل الدولة في فصل جديد من المناوشات السياسية في بلد غارق في الأزمات والمصاعب المتعددة.

وترتكز الأطروحة الثانية على احتمالية تأجيل الانتخابات القادمة، والتخوف الذي يعتري «حزب الله» وما يمكن أن تؤول إليه نتائج انتخابات 2022م النيابية، التي قد تفقده ما اكتسبه من نفوذ خلال الانتخابات النيابية السابقة التي أجريت عام 2018م في لبنان. وتبرز مخاوف «حزب الله» الأولى من الانتخابات القادمة في تأثير التحوّلات الداخلية التي أفرزتها «ثورة تشرين» عام 2019م، وموجة الاعتراض الداخلي المتنامي بين الشعب اللبناني حول دور الحزب ومسؤوليته في الأزمات الراهنة، ولذلك بدأ الحزب بممارسة سياسة تعبوية وخدماتية منذ الآن تقليصًا لدائرة الإحجام عن التصويت النيابي القادم، لا سيما ضمن دوائره الشعبية، والمثال العراقي لا بد أن يكون حاضرًا في حسابات الانتخابات النيابية القادمة([23])، وإن كنا نستبعد أن ينطبق ما أفرزته الانتخابات العراقية من تراجع للأحزاب والقوى الموالية لإيران على الانتخابات النيابية القادمة في لبنان، بحكم الواقع الذي فرضه «حزب الله» المتجذّر في لبنان سياسيًّا واجتماعيًّا واقتصاديًّا منذ عقود عدة، بخلاف «الحشد الشعبي» العراقي الحديث نسبيًّا في العراق.

ومن هنا تأتي أهمية الاستحقاق الانتخابي المقبل، وتأتي معه مراهنة كل طرف أو فريق على الفوز به، لذلك يشكل هذا الاستحقاق تحديًا مهمًّا أمام الحكومة. أما في قراءة ما بعد الانتخابات، وبغض النظر عن نتائجها، فخلط الأوراق حتمي: إن أتت لصالح فريق «حزب الله» فالنتيجة غياب الدعم الدولي مع نفور الدول العربية وهيمنة الولايات المتحدة على قرارات المنظمات المالية الدولية، وإن أتت لغير صالحه فالعودة إلى وتر التهديد الأمني والسياسي واقع لا يمكن تفاديه في حال حدوث هذا الاحتمال.

ثالثًا: اعتبارات جيوسياسية تتجاوز الحلول المطروحة

بين القولبطغيان العامل الداخلي وانعكاس أزمات لبنان الاقتصادية والسياسية على مستقبل لبنان، ثمة قراءة أخرى تميل إلى تقديم الملفات الإقليمية والدولية في تحديد اتجاه سير المستقبل اللبناني، باعتبار أن كل الحلول التفصيلية للأزمات الاقتصادية والمعيشية في لبنان منطلقها سياسيّ بحت يرتبط بملفات وتطورات الإقليم عمومًا.

1. الولايات المتحدة واعتبارات الاتفاق النووي مع إيران

مع الانسحاب الأمريكي من أفغانستان وسيطرة تنظيم «طالبان» على مفاصل الحكم، وتوازيًا مع قمة بغداد ومحاولة جميع الأطراف المشاركة في إبراز موقعها في مستقبل ترتيبات المنطقة، بالإضافة إلى ما تردّد عن استضافة بغداد لعدد من المحادثات السرية بين عدد من الدول، على غرار المحادثات التي استضافتها بين السعودية وإيران، وصولًا إلى القمة الأمريكية-الروسية-الإماراتية التي لم يغب لبنان عن مباحثاتها.. تفصح بمجملها عن أن لبنان يتموضع في قلب صراع تدوير الزوايا، وأن بين عديد من الأطراف سباقًا محمومًا لاستجماع الأوراق الممكنة بهدف حرقها أو تخصيبها في مفاوضات فيينا النووية التي وفق نتائجها ستتشكل توازنات القوة والنفوذ في المنطقة، وستنعكس بالتالي مساراتها وتفاعلاتها المحتملة، إما نحو تحجيم أزمات لبنان الراهنة وإما نحو تعظيمها، وبالتالي تكوين المشهد العام لمستقبل لبنان خلال الفترات القادمة.

2. المبادرة الفرنسية وتقاطع مصالحها مع إيران في لبنان

ضمن هذا المشهد أيضًا سعت فرنسا إلى استباق الحسابات المتعلقة بالنجاح المرجح للمفاوضات الأمريكية الإيرانية بشأن الملف النووي، عبر إبداء بعض الليونة الدبلوماسية في التعامل مع إيران في بعض الملفات الإقليمية، ابتداءً من حضورها في قمة بغداد للتعاون والشراكة، وما أفرزه من تحقيق نقاط توافقية ومكتسبات سياسية واقتصادية لفرنسا مع بعض الفواعل الداخلية في العراق، وصولًا إلى التوافق الفرنسي-الإيراني الذي أفرز تشكيل الحكومة اللبنانية بعد عديد من جولات الرد والرفض الداخلي. ويهدف مجمل هذه الليونة الفرنسية إلى إنجاح هذه المفاوضات وضمان المصالح الفرنسية مع إيران في مناطق نفوذها الرئيسية من العراق إلى لبنان، ومن جهةٍ أخرى يهدف إلى الاحتفاظ بعلاقات وثيقة مع القوى السياسية التقليدية في لبنان، وبالتالي احتفاظ باريس بمكانة جيدة لها في المعادلة الشرق أوسطية الجديدة.

وعلى الرغم من تمكن فرنسا من إيجاد أرضية مشتركة مع الولايات المتحدة الأمريكية أتاحت تسهيل تأليف الحكومة بتقاطع «موضعي» مع إيران، فإنّ بوادر صراع مصالح ونفوذ بدأت تتسع بين فرنسا وأمريكا، وذلك بعد الإعلان عن الحكومة الجديدة مباشرة، ومنها أزمة الغواصات الأسترالية التي قد تنعكس مستقبلًا وفق ما اعتبرته فرنسا «دبلوماسية طعن في الظهر» من الولايات المتحدة على الهوامش المتاحة لباريس للتحرك لبنانيًّا، وهو ما ارتسم الردّ عليه عبر استقبال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي في فرنسا في أول إطلالة خارجية له([24]).

3. عودة عربية للبنان مرهونة باعتبارات أمنية

وضمن المشهد المحيط بلبنان أيضًا، وبموازاة إعادة فتح باريس خطوطها الودية مع طهران، يتجه المناخ الإقليمي في ظل الابتعاد الإستراتيجي للولايات المتحدة عن تنظيم شؤون الشرق الأوسط إلى مزيد من التبريد والتهدئة المتبادلة، وجمع أوراق التفاوض بين دول الإقليم، وتسوية ما أمكن من خلافات وإدارة الصراعات، التي بكل تأكيد تضمّ لبنان بين طياتها. ويتضح ذلك جليًّا في مشروعَي إمداد لبنان بالكهرباء والوقود، وما حمله المشروعان من عناوين عريضة للخطة تركّز ببساطة على تزويد لبنان بالغاز في هذه المرحلة العصيبة التي يشهدها، وتحجيم النفوذ الإيراني ما أمكن، لكن يبقى الجوهر والسؤال الرئيسي هنا حول القدرة الفعلية للمشاريع المقدمة للبنان في تقليم الدور الإيراني في المنطقة وتفادي المخاوف الأمنية لعدد من الدول في هذا الجانب.

سؤال تصعب الإجابة عنه في ظلّ الاعتبارات المذكورة سابقًا حول حدود نجاح مشروعَي إمداد الغاز والكهرباء للبنان، وكذلك في ظل تصاعد توتر العلاقات اللبنانية-الخليجية سياسيًّا ودبلوماسيًّا في الآونة الأخيرة، التي لم يكَد يمرّ كثير من الوقت حتى برهنت الحكومة اللبنانية برئاسة نجيب ميقاتي على أنها خاضعة لسيطرة «حزب الله» وهيمنته على مراكز القرار ومؤسسات الدولة اللبنانية، بما فيها الأمنية، وهو ما يضعف آمالها الضئيلة أصلًا في تلقي دعمٍ ماليّ عربيّ يوقف انهيارها الاقتصادي. وأسوة بما يثبته ضعف الدور المقدم من السياسيين والقادة في لبنان، أثبت دور المجتمع الدولي القائم على منع الانهيار دون معالجة دور «حزب الله» وإيران في لبنان والمنطقة، أن الرهان على المفاوضات الأمريكية، واستطرادًا الدولية، مع إيران حول ملفها النووي وما يمكن أن يستتبعه من التفاهم على دورها الإقليمي، هو رهان خاسر.

رابعًا: تعزيز إيران في ربط الوضع اللبناني بمشروعها الإقليمي

برز خلال المعطيات السابقة دور «حزب الله» المهيمن بشكل رئيسي على المشهد اللبناني، وتأتي خطوة تشكيل الحكومة اللبنانية ومسار الانفتاح على دمشق، مرورًا بوصول المحروقات الإيرانية إلى لبنان، ومؤخرًا أحداث الرابع عشر من أكتوبر 2021م، لتعبّر عن دخول لبنان مرحلة جديدة مع حكومة نجيب ميقاتي، ستبقى فيها تحت هيمنة يقودها «حزب الله» الطرف المقرر بفعل التطورات المستجدة، إقليميًّا ودوليًّا وحتى داخليًّا، مما عزّز موقعه سياسيًّا واقتصاديًّا في لبنان، وبات الطرف الفاعل الأقوى والقادر على التحكم في مسارات الدولة اللبنانية([25]).

ومن المتوقع أن يشهد لبنان مزيدًا من الإطباق الإيراني -عبر «حزب الله»- على مستقبل الوضع في لبنان، للاعتبارات المذكورة سابقًا، بجانب ما حملته زيارة وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان للبنان من رسائل سياسية مبطنة تتجاوز المشاريع الاقتصادية المعلنة في الزيارة([26])، إذ تشير الزيارة بوضوح إلى إستراتيجية إيران المحتملة لمستقبل لبنان والمنطقة ككل، عبر زيادة الترابط الاقتصادي الإقليمي والاعتماد المتبادل مع إيران([27]). كما تأتي الزيارة بعد أسابيع قليلة من مشاركة وزير خارجية إيران في «مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة» ولقائه خلالها الرئيس الفرنسي ماكرون، ووسط التباس دوليّ بشأن الموقف الأمريكي من إعفاءات مُهندَسة لكل من لبنان ومصر والأردن، بالإضافة إلى سوريا، من عقوبات قانون قيصر على تمرير الكهرباء الأردنية والغاز المصري إلى لبنان عبر الأراضي السورية. وهذه المعطيات بجانب ما تشهده لبنان من تطورات سياسية وأمنية، تؤكد أن الزيارات الرسمية الإيرانية -إضافة إلى ما هو غير معلن- تتكامل في ما بينها لتكوين تصوُّر واضح عن مستقبل الدور الايراني في لبنان وارتباطه بمشروعها الأكبر، خصوصًا إذا ما كانت هذه الزيارة ضمن جولة للمنطقة تشمل بيروت ودمشق، وضمن سعي إيراني إلى لملمة أوراقه واستباق العودة إلى الجولة السابعة من مفاوضات الاتفاق النووي، عبر إرسال رسائل ضاغطة إلى عدد من الدول، ومن بينها المملكة العربية السعودية، التي ذكرها عبد اللهيان في تصريحه، بأن لا نية لدى طهران في تغيير ميزان القوى القائم في لبنان، وأن الدور الإقليمي لإيران عامّةً مستبعد من الحسابات النووية([28])، وأن محاولات محاصرتها وتقليم أظافرها في الإقليم بدءًا من أذربيجان وأفغانستان، مرورًا بالعراق، ووصولًا إلى سوريا ولبنان، من قِبل الإدارة الأمريكية، التي تأتي متزامنة مع ارتفاع حدة الضغوط الغربية في ملف المفاوضات حول البرنامج النووي، وتضييق الخيارات أمامها في التعامل مع موقفها من العودة إلى طاولة المفاوضات.. هو أمر له حساباته وتفاهماته وفق المنظور الإيراني.

محصلة واستشراف

في الختام، وفي إطار تقدير مجمل هذه التطورات والاعتبارات المذكورة سابقًا، يمكن القول إنّ مستقبل لبنان بات قاتمًا وسيبقى وضعها معلقًا ما دام التعامل معه يجري على أنه ورقة من أوراق الصراع والنفوذ والضغط والمساومة في المواجهة المتعددة الأضلع والأوجه، التي لن تتبلور نهاياتها قريبًا، بل إنها ستبقى مفتوحة على مرحلة من الانتظار الطويل في ظل حجم التعقيدات التي تحيط بها، سواء الداخلية منها والخارجية. فداخليًّا، أتت الحكومة مرآة لموازين القوى الداخلية والخارجية في الوقت الراهن، فإنها لا توفر للبنان الحل الجذري أو التغيير العميق، فهي لا تعدو كونها مُسَكِّنًا موضعيًّا من المتوقع أن يعالج جزءًا من مظاهر الأزمة اللبنانية، لكنه بكل تأكيد لن يعالج مشكلات لبنان الأساسية.

وبين حاجة لبنان إلى مساعدات دولية مالية عاجلة لبدء وقف الانهيار وإنقاذ لبنان، وبين أشهر فاصلة عن الانتخابات النيابية، قد لا تتمكن حكومة ميقاتي من إنجاز هذه المهمة التي ستستغرق أشهُرًا من المفاوضات، فضلًا عن ارتباط المساعدات المالية الدولية الأخرى بإصلاحات داخلية سياسية واقتصادية، وارتباطها بتحدي إعادة علاقات لبنان الخارجية مع محيطها الإقليمي والدولي، ورسم سياسات خارجية تتوافق مع الفاعلين الإقليميين والدوليين. ومن المتوقع أن تؤسِّس التوترات والأحداث الأخيرة لمأزق كبير عنوانه التحريض والاحتقان بالشارع اللبناني، مقابل خلل كبير في موازين القوى وغياب الدولة لصالح بسط نفوذ «حزب الله» بالسياسة والسلاح، وبالتالي فكل رهان على دور حكومة فعّال في ظل هذه المعطيات يبدو بعيدًا، على الأقل في الأفق المنظور.

وعلى الرغم من زحمة الموفَدين الدوليين وما يحمله دبلوماسيوها من عروض وتوافقات في الشأن اللبناني، فإن التناقضات الجيوسياسية المعقدة المحيطة بلبنان قد تنسف جميع ما سبق، وستبقى المراوحة بين الأزمات الاقتصادية والسياسية هي السائدة على المشهد اللبناني خلال قادم الأيام.


([1]) الجزيرة، حلولها قد تستغرق أعوامًا والهجرة أسهل المخارج.. ثلاث أزمات تحاصر اللبنانيين، (22 سبتمبر 2021م)، تاريخ الاطلاع: 10 أكتوبر 2021م، https://bit.ly/3b59RiX.

([2]) Mona Yacoubian, “Lebanon: Assessing Political Paralysis,” Economic Crisis and Challenges for U.S. Policy, United States Institute of peace, (29 July, 2021م), Accessed: 10 Oct, 2021, https://bit.ly/30iGQyh.

([3]) The World Bank, “Lebanon Sinking into One of the Most Severe Global Crises Episodes,” amidst Deliberate Inaction, (1 June, 2021م), Accessed: 12 Sep, 2021, https://bit.ly/392DS1Q.

([4]) Lebanon Economic Monitor, “Lebanon Sinking (To the Top 3),”spring 2021, (pp.12), accessed: 12 Sep, 2021, https://bit.ly/3Ghqgzd.

([5]) سبوتنك، بالأرقام.. حجم العلاقات الاقتصادية بين الخليج ولبنان.. هل تتأثر بعد تصريحات شربل وهبة؟، (20 مايو 2021م)، تاريخ الاطلاع: 12 سبتمبر 2021م، https://bit.ly/3CcAjTG.

([6]) Jared Malsin and Nazih Osseiran, “Beirut Port Explosion Fuels Lebanon’s Collapse,” The Wall Journal Street, (08 Aug, 2021م), Accessed: 12 Sep, 2021, https://on.wsj.com/3A8XfCy.

([7]) صحيفة العرب، كيف حوّل حزب الله الدولة في لبنان إلى خادمة لنفوذه؟، (09 يوليو 2021م)، تاريخ الاطلاع: 12 سبتمبر 2021م، https://bit.ly/3nrb9fM.

([8]) Giulia Dal Bello, “Hezbollah’s Economic Initiatives in Collapsing Lebanon,” Global Risk Insights, (15 May, 2021م), Accessed: 12 Sep, 2021, https://bit.ly/3DWOtKc.

([9]) حسام عيتاني، لبنان وإشكالية «التوجه شرقًا»، الشرق الأوسط، (01 يوليو 2021م)، تاريخ الاطلاع: 12 سبتمبر 2021م، https://bit.ly/3nmqGgR.

([10]) رنى سعرتي، ملايين الدولارات أرباح «حزب الله» من المازوت، العربية، (02 أكتوبر 2021م)، تاريخ الاطلاع: 11 أكتوبر 2021م، https://bit.ly/2YEh6Mt.

([11]) فارس خشان، مبادرة نصر الله الاقتصادية مجرّد نهفة في مأتم، النهار العربي، (10 يونيو 2021م)، تاريخ الاطلاع: 12 سبتمبر 2021م، https://bit.ly/2X8nREY.

([12]) المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، غطاء أمريكي: الانعكاسات الإقليمية لاستيراد لبنان الغاز والكهرباء عبر سوريا، (06 سبتمبر 2021م)، تاريخ الاطلاع: 11 أكتوبر 2021م، https://bit.ly/3CdkVqd.

([13]) غطاء أمريكي:الانعكاسات الإقليمية لاستيراد لبنان الغاز والكهرباء عبر سوريا، المرجع السابق.

)[14] (Sarit Zehavi & Eric R. Mandel, “The dangerous impotence of UNIFIL’s mission in Lebanon,” (17 Sep, 2021م), Accessed: 22 Oct, 2021, https://bit.ly/3B9P6NG.

([15]) Lina Khatib, “Iran’s fuel shipment to Lebanon requires regional policy shift,” Chatham House, (20 Oct, 2021م), Accessed: 22 Oct, 2021. https://bit.ly/3B3Y6UJ.

([16]) Tony Badran, “Lebanon’s New Hezbollah Government,” News Week, (16 Sep, 2021م), Accessed: 17 Sep, 2021. https://bit.ly/3hNO6rK.

([17]) جوني فخري، حكومة لبنان تنطلق.. هكذا يستفيد حزب الله من وزارة الأشغال، العربية، (13 سبتمبر 2021م)، تاريخ الاطلاع: 17 سبتمبر 2021م، https://bit.ly/3kIEwIA.

([18]) تسنيم نيوز، رئیسی در تماس تلفنی با مکرون؛ تحریم‌های علیه ایران باید لغو شود، (14 شهريور 1400ه.ش)، تاريخ الاطلاع: 17 سبتمبر 2021م، https://bit.ly/3znrbtb.

([19]) الشرق الأوسط، المبادرة الفرنسية تخضع لاختبار يتجاوز »التهنئة« بتشكيل الحكومة اللبنانية، (17 سبتمبر 2021م)، تاريخ الاطلاع: 17 سبتمبر 2021م، https://bit.ly/39kzNX8.

([20]) أسوشييتد برس، لبنان.. اشتباكات الخميس ورهانات «النخبة الحاكمة»، الحرة، (16 أكتوبر 2021م)، تاريخ الاطلاع: 16 أكتوبر 2021م، https://arbne.ws/30DJ9w9.

([21]) محمد منصور، الهدوء المؤقت.. ماذا بعد اشتباكات بيروت؟، المرصد المصري، (16 أكتوبر 2021م)، تاريخ الاطلاع: 16 أكتوبر 2021م، https://bit.ly/3mVOBlk.

([22]) الحرة، لبنان: البرلمان يقرّ تقديم موعد الانتخابات.. وباسيل يتوعد بالطعن، (19 أكتوبر 2021م)، تاريخ الاطلاع: 22 أكتوبر 2021م، https://arbne.ws/2Zk3RA8.

([23]) حنا صالح، لبنان: الانتخابات النيابية بين التزوير والتعطيل!، الشرق الأوسط، (07 أكتوبر 2021م)، تاريخ الاطلاع: 17 أكتوبر 2021م، https://bit.ly/3jcprOa.

([24] ) سبوتنيك، تداعيات صفقة الغواصات.. لبنان أمام خيارات صعبة بعد توتر العلاقات بين فرنسا وأمريكا، (25 سبتمبر 2021م)، تاريخ الاطلاع: 17 أكتوبر 2021م، https://bit.ly/3CckCfg.

([25]) أحمد جابر، القوس الشيعي بين حاله وأحوال معارضيه، المدن، (20 سبتمبر 2021م)، تاريخ الاطلاع: 20 سبتمبر 2021م، https://bit.ly/3CpWm9l.

([26]) خبرگزاری تسنیم، اهداف و پیام‌های سفر امیرعبداللهیان به بیروت و دمشق به روایت روزنامه لبنانی، (19 مهر 1400ه.ش)، تاريخ الاطلاع: 20 أكتوبر 2021م، https://bit.ly/3CaYxxM.

([27]) تي ىر تي فارسى، تاکید رئیسی بر ارتباط با کشورهای همسایه و منطقه، (19 أكتوبر 2021م)، تاريخ الاطلاع: 23 أكتوبر 2021م، https://bit.ly/3GerFqd.

([28]) المركزية، زيارة عبد اللهيان للبنان مرفوضة سياديًّا: لا للاحتلال الإيراني، (05 أكتوبر 2021م)، تاريخ الاطلاع: 16 أكتوبر 2021م، https://bit.ly/3p91ifc.

نورة السبيعي
نورة السبيعي
باحث في الشؤون الاقتصادية والاجتماعية