أوكرانيا في الجيوبوليتيك الروسي

https://rasanah-iiis.org/?p=27974

مقدمة

فشلت التجربة الشيوعية وتفكَّك الاتحاد السوفييتي، وأدى ذلك إلى ولادة 15 دولة مستقلة مرت باضطرابات اقتصادية واجتماعية وعسكرية. أدرك بوريس يلتسين، أول رئيس لروسيا بعد تفكُّك الاتحاد السوفييتي، أن التخلص من تلك الإمبراطورية المكلفة، واعتماد اقتصاد السوق، هما السبيل إلى تحقيق الازدهار للبلاد، وإخراج الشعب من دوامة الفقر. لعله لم يدرك أن الرجل الذي تسلَّم السلطة من بعده، فلاديمير بوتين، كان يملك رؤية مختلفة. منذ وصوله إلى السلطة في 2000م عمل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشكل منهجي على وضع خطة لتدارك ما يعتبره تفكُّكًا مهينًا للاتحاد السوفييتي قبل 30 عامًا. ومن الواضح أن الهدف الشامل للرئيس بوتين هو مراجعة نتائج الحرب الباردة، التي أعطت حلف شمال الأطلسي (الناتو) موطئ قدم في مناطق النفوذ الروسية التقليدية، بإقامة قواعد عسكرية ونشر الصواريخ، حتى باتت مهددًا مباشرًا للأمن الوطني الروسي.

وفي حين أن بوتين لن ينجح في إعادة إحياء الإمبراطورية السابقة، فإنه يبدو مندفعًا باتجاه فرض الهيمنة الروسية على بعض الدول السوفييتية السابقة، وأهمّها أوكرانيا، التي تُعتبر منفذًا جيوإستراتيجيًّا لروسيا، لو مدّ حلف الناتو قبضته إليها لحدث انكشاف للمجال الحيوي الروسي. سعى الرئيس بوتين بالوسائل الدبلوماسية للإبقاء على حيادية كييف بعيدًا عن الغرب، وذلك مع عدد من رؤساء أوروبا ومع الرئيس الأمريكي جو بايدن، لكن دون جدوى. لم يعُد بوتين قادرًا على الانتظار أكثر، فشنَّ هجومه على أوكرانيا في 24 فبراير 2022م. يهدف بوتين من الحملة العسكرية في أوكرانيا إلى إعادة إنشاء المنطقة الجيوسياسية العازلة، التي يشعر الحكّام الروس على مَرّ القرون، منذ روسيا القيصرية ثم روسيا البلشفية وحتى الآن، أنها ضرورية لبقائهم. يبدو أن الرغبة الروسية تتمحور حول: إما أوكرانيا كاملة في الفلك الروسي وبعيدة عن «الناتو»، وإما على الأقل إبقاؤها محايدة وضمان سيطرتها على شرق أوكرانيا المجاور لحدودها من خلال خلق «جمهوريتين مستقلّتين» عن أوكرانيا مواليتين لروسيا، هما دونيتسك ولوغانسك، اللتان أعلنت روسيا رسميًّا الاعتراف بهما في 21 فبراير 2022م.

هذه الدراسة ستتناول ثلاثة محاور رئيسية، هي: أولًا إستراتيجية المجال الحيوي الروسي، وثانيًا الأهمية الجيوسياسية لأوكرانيا في الإدراك الإستراتيجي الروسي، وأخيرًا المكاسب الجيوسياسية الروسية من غزو أوكرانيا.

أوّلًا: إستراتيجية المجال الحيوي الروسي

المجال الحيوي فكرة استعمارية قديمة، ذات طابع إمبريالي. تختلف المجالات الحيوية للدول وفقًا لمصالحها، ومفهوم المجال الحيوي التي تعتنقه، وطبيعة المصالح التي تسعى لتحقيقها. تكمن فكرة المجال الحيوي في أنه كالكائن الحي ينمو، وكالمطاط يتمدّد أرضًا وبحرًا وجوًّا وفي الفضاء. الدول الضعيفة في الغالب لا تسعى للتمدّد على حساب جيرانها، لافتقادها الوسائل الضرورية، أمّا الدول الكبرى وفي ذروة الصراع على القطبية الدولية وطمع التفوُّق النوعي على منافسيها، فتجد أنها مضطرة، ولو بطرق غير شرعية، إلى توسيع حدودها على حساب جيرانها، أو ممارسة نفوذها الاقتصادي على حساب دول أخرى أضعف منها، حتى لو أفضى ذلك إلى استخدام القوة العسكرية.

  1. مفهوم المجال الحيوي الروسي:

كانت نظرية المجال الحيوي السبب في التوسع الاستعماري لعديد من الدول بعد مرحلة الثورة الصناعية وازدياد الإنتاج، إذ برزت الحاجة إلى مصادر للمواد الخام وأسواق لتصدير المنتجات، بالتالي برزت هذه النظرية مبررًا لهذه الدول في احتلال الدول الأضعف منها، والتوسُّع على حسابها. هيمنت الدول الغربية في القرن التاسع عشر على مناطق ودول في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، التي اعتُبرت في حينها متخلِّفة وغير جديرة باستغلال مواردها وثرواتها ومواقعها[1].

يُعتبر النظام النازي الألماني في ثلاثينيات القرن العشرين الماضي هو مَن أعطى مصطلح الجيوبوليتيك «المجال الحيوي» زخمًا كبيرًا، إذ استخدمه النازيون بشدة في إطار مطالبتهم المستمرة بأن تستعيد ألمانيا قوّتها ونفوذها، اللذين خسرتهما بهزيمتها القاسية في الحرب العالمية الأولى، وذلك بالتوسُّع في أراضي الدول المجاورة لها، لتأمين المواد الأولية اللازمة لاقتصادها لبناء «الأمّة الألمانية».

في الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي، ظهر «المجال الحيوي» في سلوك الطرفين المتصارعين، وفي حروبهما بالوكالة في أغلب دول العالم الثالث. منذ نهاية الحرب الباردة في بداية تسعينيات القرن الماضي، باستثناء الحروب الأمريكية في العراق وأفغانستان، وتوسع الجيوبوليتيك الشيعي الإيراني على حساب دول المنطقة العربية، تراجع كثيرًا مفهوم «المجال الحيوي»، الذي يقوم على الهيمنة واحتكار النفوذ، لصالح التعاون والتنافس الدوليين على أساس القوة الاقتصادية للدول، الذي هيمن على السياسة في سياق صعود العولمة بوصفها ناظمًا أساسيًّا للعَلاقات الدولية.

لكن يبدو أن روسيا في عهد بوتين بقيت متمسكة بمفهوم «المجال الحيوي»، الذي يحوِّل الدول المحاذية لها، خصوصًا التي كانت جزءًا من الاتحاد السوفييتي السابق، إلى مناطق نفوذ طبيعية لها، وكذلك بعض المناطق البعيدة التي يمكن أن تعمل كقواعد عسكرية، مثل سوريا. ولا يختلف تطبيق بوتين لنظرية المجال الحيوي عمَّا نظَّر له الألماني فردريك راتزل، الأب الروحي للجغرافيا السياسية وملهم هتلر بأن الدولة كائن حي تدفعه الضرورة للتوسُّع لضم الأراضي التي يحتاج إليها حتى لو اضطر إلى استخدام القوة لتحقيق ذلك[2]. حصلت نقاشات كثيرة في دوائر صنع القرار الروسية حول مفهوم المجال الحيوي الروسي، إذ كانت تشير إلى أن المهدِّد الأساسي منذ سقوط الاتحاد السوفييتي هو تمدّد حلف الناتو المتزايد ليبتلع كل أوروبا الشرقية ويصبح على تماسّ مع الحدود الروسية، إذ أصبحت المدن الروسية في مرمى نيران الحلف.

  • الإستراتيجية الروسية تجاه القوقاز:

المتأمل لخريطة روسيا والقوقاز يلحظ أن روسيا رغم بعض المخاوف في استمالة الولايات المتحدة الأمريكية لجورجيا فإنها لا تخشى من زحف «الناتو» من جهة الجنوب، فروسيا من هذه الجهة طالما بقيت محمية من قِبَل القوقاز، وهي منطقة جبلية وعرة لا تشجع أي هجمات، لدرجة أن «الناتو» لم يفكر في هذا الخيار قَط (انظر الخريطة رقم «1»).

خريطة (1): نظرة روسيا إلى القوقاز بوصفه مجالًا حيويًّا

Source: GPF, Russia’s Search for Strategic Depth,17 November 2020, Accessed: 12April 12, 2020, https://bit.ly/3xmuS4X

يتكون القوقاز من سلسلتين جبليتين، الشمال أكثر وعورة، الجنوب أقل صعوبة إلى حدٍّ ما. يحتوي شمال القوقاز على الشيشان وداغستان، وكلتاهما تحتوي على انفصاليين إسلاميين تخشاهم روسيا وحدثت معهم مناوشات عدة، خصوصًا الشيشان التي خسرت روسيا معها حربين قبل أن تنتصر بصعوبة في الثالثة. هؤلاء الانفصاليون ملتزمون الهدوء حتى الآن، بفضل الإجراءات والترتيبات السياسية التي أجراها بوتين من أجل احتواء المنطقتين، لكن موسكو تخشى أن يأتي مِن الخارج مَن يُعيد تنظيمهم ويدعمهم من جديد لاستنزاف روسيا، خصوصًا بعد عودة «طالبان» إلى الحكم في أفغانستان، والخوف من أن تتحول من جديد إلى منطقة استقطاب وتدريب للإرهابيين من كل مناطق القوقاز وآسيا الوسطى.

يبقى أن هناك بعض ما يقلق بوتين، وهو أن دول جنوب القوقاز (أرمينيا وجورجيا وأذربيجان) تركت روسيا وشكَّلت دولًا مستقلة بعيدة عن التأثير الروسي. روسيا تخاف من أن تشكِّل دول جنوب القوقاز تحالفًا مناهضًا لروسيا، وأن يدعم الغرب، خصوصًا الاستخبارات الأمريكية، ثوراتٍ أو تمردًا في شمال القوقاز، ما سيهدد بتحطيم الحاجز الجنوبي وفتح مسار شمالًا. حافظت روسيا على تحالف مع أرمينيا، أضعف الدول الثلاث، وعَلاقات معقدة مع أذربيجان، منتج النفط المزدهر، أما جورجيا فقد ابتعدت عن الروس وارتمت في الحضن الأمريكي، لهذا السبب اتّبعت روسيا ضد جورجيا إستراتيجية فرض ضوابط قوية من خلال شن حملة عسكرية ضدها في عام 2008م، كونها التهديد الجنوبي الأكثر خطورة ضد روسيا.

يبقى أن روسيا تعاني من الصراع المستمر منذ فترة طويلة في الجنوب بين أذربيجان وأرمينيا، من أجل ناغورنو كاراباخ. تجنبت أذربيجان نشوب صراع واسع النطاق هناك لمدة 20 عامًا، إلا أنها في الآونة الأخيرة قررت، بدعم من حليفتها تركيا، شن هجوم كبير على ناغورنو كاراباخ. الروس متحالفون مع أرمينيا، ولن يريحهم انتصار أذربيجان وتركيا التي تسعى لأن تكون قوة مهمة في القوقاز. وروسيا حليف لأرمينيا، وهي جمهورية سوفييتية سابقة فقيرة يبلغ عدد سكانها أقل من 3 ملايين نسمة. تمتلك موسكو بالفعل قاعدة عسكرية في شمال غرب أرمينيا، وأرسلت 2000 جندي من قوّات حفظ السلام إلى ناغورنو كاراباخ لمدة خمس سنوات على الأقل، وهي جيب في أذربيجان يسكنه الأرمن، بموجب الاتفاق الذي أنهى القتال العام الماضي في المنطقة[3]. في النهاية، كانت روسيا هي التي ساعدت في التفاوض على نهاية الحرب. ألفا روسي في هذه المنطقة يمثلون قوة حاسمة، لن يشاركهم أحد هذه المهمة، وهذا يعني أن حليفتها أرمينيا لديها الآن قوّات روسية في الشرق، وأذربيجان لديها قوّات روسية في الشمال وكذلك في الغرب (انظر الخريطة رقم «2»).

خريطة (2): مناطق تمركز قوّات حفظ السلام الروسية في ناغورنو كاراباخ

Resource: EURACTIV, Russian military in Armenia reinforce areas near Azeri border, 4 May 2021, Accessed: 17 April 2022, https://bit.ly/3KSPENw

في الواقع، اتخذت روسيا خطوة مهمة لاستعادة جنوب القوقاز، أو على الأقل امتلاك عنصر رئيسي للسيطرة فيه. إنّ وجود قوة روسية كبيرة تتمتع بحق طويل الأمد في البقاء هناك يقضي على ما كان يمثل تهديدًا محتملًا على المدى الطويل. قد يكون وجود القوّات الأمريكية في جورجيا مشكلة، لكن نظرًا إلى غياب النيات الهجومية الأمريكية، فمن غير المرجح أن تكون على استعداد لاستثمار قوّات كبيرة في المنطقة. والوجود البسيط للمدربين الأمريكيين في جورجيا، شيء يمكن لروسيا التعايش معه.

  • الإستراتيجية الروسية تجاه الجهة الغربية:

من الجهة الغربية، فإنّ المتأمل في خريطة روسيا يلحظ أن حلف الناتو يزحف من جهة الغرب لإبقاء روسيا محاصرة في حدودها الدولية، ومنعها من التمدّد باتجاه الأراضي والبحار الدافئة. تدرك روسيا دومًا أن جهتها الغربية، التي تمثلها أوكرانيا، كانت تاريخيًّا طريق الغزاة، إذ تستذكر روسيا أن غزوها من قِبَل نابليون وهتلر جرى من خلال عبور هذه البوابة بين بحر البلطيق والبحر الأسود، لذلك فهي تفضل دائمًا أن تبقى هذه المنطقة عازلًا وحاجزًا أمام الزحف الغربي باتجاهها (انظر الخريطة رقم 3).

الغرب من جهته لديه أيضًا هاجس قائم على ضرورة تأمين البوابة الشرقية، التي كان الغزاة «البرابرة» يأتون منها في التاريخ القديم والحديث لغزو المدن الغربية، ومد النفوذ إليها والسيطرة عليها، بما يضعف «الدب الروسي» ويوقف تمدّده.

خريطة (3): موقع أوكرانيا الجغرافي

المصدر: https://bit.ly/3MfXUYa

لا شك أن الغرب ابتلع حاليًّا كل أوروبا الشرقية، ولم يُبقِ إلا دولتين فقط (أوكرانيا وبيلاروسيا)، فإذا استكمل ضمّهما فسيحرم روسيا تمامًا من أي نفوذ إلى المنطقة المركزية المتمثلة في أوروبا الشرقية بالكامل. قبل الغزو الروسي لأوكرانيا، كانت هناك تفاهمات روسية-أمريكية، وجرى التوصل إلى اتفاق ضمني مع واشنطن: لن تسلح الولايات المتحدة أوكرانيا بأسلحة هجومية كبيرة، ولن تنقل روسيا قوة كبيرة إلى أوكرانيا. لم تكن روسيا والولايات المتحدة تريدان الحرب. ربما أراد كل منهما أن تكون أوكرانيا منطقة عازلة. هذا ما ظهر في بداية الأمر، قبل أن تتغير الأمور[4].

وفي ما يتعلق ببلاروسيا، فهي حتى الآن تسير في الفلك الروسي، ولن تقبل روسيا بغير ذلك. فبيلاروسيا تبعد نحو 400 ميل فقط عن موسكو. إلى الغرب منها تقع بولندا المعادية لروسيا، وتحتوي على بعض القوّات الأمريكية. هذا يمثل تهديدًا كبيرًا لروسيا، ما لم تبقَ بيلاروسيا في الحظيرة الروسية. لقد خلقت الانتخابات في بيلاروسيا، التي أُجريت هذا العام، فرصةً لموسكو. واجه الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو المدعوم من روسيا معارضة خطيرة، لكنه فاز. في مقابل الدعم الروسي، يُمنَع لوكاشينكو من أي مساومة مع الغرب لا توافق عليها موسكو، وعليه أيضًا استيعاب المتطلبات العسكرية الروسية.

أخيرًا، فدول البلطيق الثلاث (إستونيا ولاتفيا وليتوانيا) لا تزال تشكِّل تهديدًا لروسيا، بسبب عضويتها في «الناتو»، وبسبب تمركز وحدات عسكرية من الحلف فيها، لكن تضاريسها تجعل من الصعوبة شن حرب واسعة النطاق تجاه روسيا، وبالتالي فقد تكون روسيا مؤمَّنة من حيث الهجوم البري، لكنها حتمًا لن تكون آمنة من حيث الهجمات الجوية أو الصاروخية.

ثانيًا: الأهمية الجيوسياسية لأوكرانيا في الإدراك الإستراتيجي الروسي

تهتمّ الجغرافيا السياسية بدراسة المعطيات الجغرافية الطبيعية والبشرية للوحدة السياسية، كونها تُعَدّ حجر الزاوية في تحديد أهميتها ومكانتها الدولية. وبُغية الكشف عن الأهمية الجيوسياسية للجمهورية الأوكرانية، التي تشكِّل جغرافيتها (خصائصها الموقعية ومواردها الطبيعية) محورًا مهمًّا، فهي تمثل منطقة مفتوحة، أي منطقة وصل بين شرق وغرب أوروبا، يمرّ من خلالها أفضل الطرق للتجارة العالمية. تحاول القوى العالمية متمثلة بروسيا والولايات المتحدة بسط نفوذها على أوكرانيا، كونها تمثل أحد المفاتيح الرئيسية للسيطرة والتحكُّم بالعالم، وما يؤكد ذلك ما جاء به المنظِّر الإستراتيجي هالفورد ماكيندر لتحديد منطقة قلب العالم، الذي تُعَدّ أوكرانيا فيه بمثابة قلب القلب.

  1. أوكرانيا عمق إستراتيجي للمنطقة الروسية:

في عام 2005م، في خطاب ألقاه أمام الجمعية الفيدرالية الروسية، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إنّ سقوط الاتحاد السوفييتي كان أعظم كارثة جيوسياسية في تاريخ روسيا. ما قصده هو أن تفكُّك الاتحاد السوفييتي سيكلِّف روسيا افتقادها إلى عنصر العمق الإستراتيجي، الذي سمح لها بالصمود في وجه الغزوات الأجنبية منذ القرن الثامن عشر. لم يكن بوسع الروس تحمُّل انضمام دولة مجاورة وبحجم أوكرانيا إلى صفوف «الناتو». سمحت روسيا لمعظم دول وسط وشرق أوروبا ودول البلطيق بالانخراط في تلك الأُطر الغربية، فيما تبنَّت مواقف متصلبة أمام مساعي انفلات دول أخرى بعينها، وتحديدًا الثنائي السلافي، بيلاروسيا وأوكرانيا. فأوكرانيا ذات مكانة مهمة، إذ تشكِّل عمقًا إستراتيجيًا للمنطقة الروسية، وتنتصب حاجزًا يمنع التأثير الغربي الذي سعى منذ استقلال أوكرانيا لضمها إلى حلف الناتو والاتحاد الأوروبي، لأهميتها الجيوإستراتيجية والاقتصادية. يبدو أن روسيا قالت كلمتها بأنها لن تترك أوكرانيا للغرب إذا أرادت تعزيز مجال نفوذها السابق واستعادة مكانتها كقوة عظمى.

تاريخيًّا، لطالما اعتبرت روسيا أوكرانيا جزءًا من وطنها الأم التقليدي وجزءًا رئيسيًّا من التاريخ الروسي، على الرغم من الاختلافات الثقافية. خلال فترة الاتحاد السوفييتي، وعلى الرغم من السيطرة الكاملة على أوكرانيا، كانت هناك دعوات من نخب وطنية أوكرانية إلى الاستقلال عن الاتحاد السوفييتي. ومع ذلك ظلت موسكو مصرَّة على قمع أي فكرة عن القومية الأوكرانية، حتى انهار الاتحاد السوفييتي ولم يعُد بإمكانه التمسُّك بأوكرانيا، وتحولت إلى دولة مستقلة واعترفت بها روسيا في عام 1997م[5].

جغرافيًّا، تتمتع جمهورية أوكرانيا بموقع فريد بالنسبة إلى روسيا. لو نظرنا إلى خريطة أوروبا لوجدنا أن لأوكرانيا موقعًا إستراتيجيًّا مهمًّا في أوروبا الشرقية، إذ إنها تقع على تقاطع الطرق بين دول أوروبية وآسيوية. ينبع موقع أوكرانيا الفريد من أنها تقع جغرافيًّا على البحر الأسود. ويسمح الوصول إلى البحر الأسود بالوصول إلى البحر الأبيض المتوسط، وهو أمر بالغ الأهمية للتجارة الروسية ولمرور الطاقة إلى جميع أنحاء المنطقة. روسيا لا يمكن أن تتخلى عن مدينة سيفاستوبول، القاعدة الأساسية لأسطول البحر الأسود، أو عن شبه جزيرة القرم ذات الموقع المميز، الذي يسمح بحضور قوة روسية مؤثرة في منطقة البحر الأسود وفي البحر الأبيض المتوسط (انظر الخريطة رقم 4). وهو ما يعطي روسيا مزيدًا من حرية الحركة الإستراتيجية البحرية، والقدرة على الانتشار الإستراتيجي، ونقل القوّات الروسية إلى مناطق النفوذ الروسية في الشرق الأوسط، وهذا يعني امتلاك روسيا مزايا وسمات القوة الدولية المعتبرة.

خريطة (4): خريطة أوكرانيا

المصدر: جريدة «الشرق الأوسط»، https://bit.ly/385DylM

في المقابل، يدرك الروس خطورة ما يعنيه انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو على الأمن القومي الروسي. إنها آخر القلاع الإستراتيجية التي تعزل روسيا عن الغرب وحلفائه. فكما نعلم، إنّ الدفاع الجماعي هو أحد المبادئ الأساسية لحلف الناتو، إذ يكون الهجوم على أحد الحلفاء بمثابة هجوم على الجميع. وإذا أصبحت أوكرانيا عضوًا كامل العضوية في «الناتو» فإنه يصبح من الخطورة على روسيا القيام بأي عمل عسكري في أوكرانيا، وقد يدعم الحلف أوكرانيا في استعادة شبه جزيرة القرم، وفرض سيطرتها الكاملة على إقليم دونباس الانفصالي، وهذا يُعَدّ خسارة كبرى لروسيا وتقزيمًا لدورها، مقابل انتصار واشنطن وحلفائها. وما تخشاه موسكو أن يفتح انضمام أوكرانيا إلى «الناتو» الباب أيضًا لجورجيا، وهو ما سيضرب إرادة روسيا بشكل كبير، ويعني حصارها عسكريًّا، واقتراب المهدِّدات الجوية والصاروخية من أراضيها، وتصبح في مرمى نيران «الناتو».

إنّ تكريس مصالح الغرب ونفوذه في أوكرانيا يعني بالنسبة إلى روسيا إطباق نفوذه على شمال البحر الأسود كله، وعلى شبه جزيرة القرم ذات الأهمية الإستراتيجية والتاريخية. ومع وجود الحليف التركي للغرب في الساحل الجنوبي لهذا البحر، ورومانيا وبلغاريا في الساحل الغربي، وجورجيا في جزء من الساحل الشرقي، فإنّ الوجود الروسي على هذا البحر الدافئ سوف ينحسر في جزء من الساحل الشرقي فقط. وإذا كانت فائدة البحار إستراتيجيًّا بالنسبة إلى الدولة الكبرى تكمن في الحركة الآمنة لأساطيلها العسكرية وسهولة وصولها إلى مقاصدها، فإن البحر الأسود سيصبح شبه فاقدٍ لتلك الفائدة، وسيحدّ ذلك من الحركة البحرية لروسيا تجاه المتوسط، إذ تحضر في سوريا وتهيئ لنفسها حضورًا في ليبيا وبعض دول شمال إفريقيا.

  • السياسات الروسية لاحتواء أوكرانيا:

بعد تفكُّك الاتحاد السوفييتي مباشرةً، بقيت أوكرانيا محافظة على عَلاقات تقليدية مع روسيا. ففي عام 1994م، انتخب ليونيد كوتشما ليكون الرئيس الأوكراني الجديد، الذي كان يأمل في البقاء على عَلاقات جيدة مع روسيا، بل إنه وافق في عام 2003م على المقترح الروسي لإنشاء «مساحة اقتصادية مشتركة» مع روسيا وبيلاروسيا وكازاخستان. كذلك في 2004م فاز المرشح الرئاسي الأوكراني المدعوم من روسيا فيكتور يانوكوفيتش في الانتخابات الرئاسية، إلا أنه سرعان ما هبّت ما عُرفت بالثورة البرتقالية من قِبَل متظاهرين مؤيدين للمرشح الموالي للغرب يوشينكو، ما أجبرهم على إعادة النظر في الانتخابات، ليفوز بها يوشينكو الذي كان وصوله بمثابة انطلاق أزمة ثقة مع روسيا، التي رأت أن الثورة الملونة صنيعة وكالة المخابرات الأمريكية، لإضعاف روسيا وفك ارتباطها بدول الجوار.

روسيا دائمًا ما تكون قلقة بشأن الاختراق الأجنبي لدول أوروبا الشرقية المحاذية لروسيا، ليس فقط من حيث النفوذ الغربي السياسي أو العسكري، لكن أيضًا من حيث الاختراق الثقافي، الذي تراه روسيا أداة غربية خطيرة لأخذ تلك البلدان بعيدًا عن روسيا، وجعلها تعتنق مبادئ الليبرالية الغربية، التي طالما مقتها الرئيس بوتين وقال إنها ثقافة تنافي القيم الاجتماعية التقليدية، وحذَّر من الانحدار الأخلاقي الذي تؤدي إليه.

عملت روسيا استخباريًّا ومن خلال قوتها الناعمة على الدفع بقيادات موالية لها، كي تشارك في الانتخابات وتفوز بها. نجحت موسكو بالفعل في عام 2010م في دعم مرشحها يانوكوفيتش، وفاز بالانتخابات الرئاسية واستأنف العَلاقات مع روسيا مرةً أخرى، ومدَّدت إدارته عقد إيجار ميناء سيفاستوبول لروسيا، وقلَّص ارتباطه بالاتحاد الأوروبي. لكن سرعان ما عادت من جديد الاحتجاجات المؤيدة للانضمام إلى الغرب، ما دفع يانوكوفيتش إلى ترك منصبه وسط ذهول من موسكو. أُعيد تشكيل الحكومة الأوكرانية، وجرى انتخاب ألكسندر تورتشينوف المؤيد للغرب رئيسًا لأوكرانيا. روسيا رفضت الاعتراف بحكومة تورتشينوف على أنها شرعية، ثم انتخب الأوكرانيون مرةً أخرى المرشح بيترو بوروشينكو في 2014م، الذي استمر في خطابه التصعيدي والمتشدد ضد روسيا، وتوترت عَلاقات روسيا بأوكرانيا. «روسيا بوتين» وجدت أن الدبلوماسية لم تحقق الأهداف الروسية في أوكرانيا، ولا بد من تجريب القوة العسكرية، وفرض أمر واقع تتعزز معه مكانة روسيا الجيوسياسية. وهكذا شنت روسيا عملًا عسكريًّا انتهى بالاستيلاء على شبه جزيرة القرم من أوكرانيا في 2014م، في أول مرة تقوم فيها دولة أوروبية بضم أراضٍ من دولة أخرى منذ الحرب العالمية الثانية[6].

عزَّز الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فكرة الملكية التاريخية لأوكرانيا في خطاب ألقاه عام 2014م أمام مجلس الدوما، إذ قال: «في قلوب الناس وعقولهم لطالما كانت القرم جزءًا لا يتجزأ من روسيا. هذه القناعة الراسخة مبنية على الحقيقة والعدالة، وجرى نقلها من جيل إلى جيل بمرور الوقت، وتحت أي ظرف من الظروف، على الرغم من كل التغييرات الدراماتيكية التي مرت بها بلادنا خلال القرن العشرين بأكمله. لم تكن مهمتنا إجراء عملية عسكرية كاملة هناك، بل كانت ضمان سلامة الناس وأمنهم وخلق بيئة مريحة للتعبير عن إرادتهم»[7]. ألقى الرئيس بوتين ووسائل الإعلام الحكومية باللوم مرارًا وتكرارًا على سوء معاملة المنحدرين من أصل روسي، وإلى ضرورة العودة المشروعة لشبه جزيرة القرم إلى الوطن الأم. جاء هذا الخطاب بعد أيام من تأكيد شبه جزيرة القرم إجراء استفتاء يدعم إعادتها إلى روسيا، وقبل أسابيع من بدء العنف في شرق أوكرانيا بين القوّات المدعومة من روسيا والجيش الأوكراني.

أوجد احتلال شبه جزيرة القرم واندلاع الثورات في شرق أوكرانيا عام 2014م المبرر لأن يتوجه الائتلاف الحاكم الأوكراني الجديد إلى حلف الناتو، طالبًا الانضمام والدخول في مظلة الحلف الدفاعية، لردع طموحات بوتين، التي كان واضحًا أنها لن تقتصر على شبه جزيرة القرم فقط. بالنسبة إلى موسكو، فمجرد تفكير القيادة الأوكرانية في انضمام دولة كانت تابعة لها وتملك هذه الأهمية الجغرافية والاقتصادية إلى «الناتو»، سيكون أمرًا محرجًا وفشلًا ذريعًا للإستراتيجية الروسية الكبرى.

يدرك الروس أنه مع توسُّع «الناتو» شرقًا تجاه المصالح الروسية تصبح قدرة روسيا على الدفاع عن أراضيها من التوغلات البرية والجوية والبحرية أكثر صعوبة. وبدأ الروس يعيدون قراءة ما كتبه هالفورد ماكيندر، حينما قال: «من يسيطر على أوروبا الشرقية يسيطر على قلب العالم، ومن يسيطر على قلب العالم يسيطر على جزيرة العالم، ومن يسيطر على جزيرة العالم يحكم العالم»[8]. الروس يدركون أن أوكرانيا هي قلب أوروبا الشرقية، وأن نفوذ «الناتو» إليها ووضعها تحت مسؤولياته الأمنية والدفاعية بمثابة طعنة في خاصرة روسيا، وحرمانها من أن تكون قوة عالمية.

في عام 2019م فاز الممثل الكوميدي الذي تحوَّل إلى سياسي، فولوديمير زيلينسكي، في الانتخابات الرئاسية الأوكرانية ضد الرئيس بوروشينكو. لم يكن زيلينسكي أقل عدائية من سابقه عندما يتعلق الأمر بالعَلاقة مع روسيا. كان فوزه يرمز إلى أن أغلبية الشعب الأوكراني سئمت السلوك العدواني الروسي، وأنهم يريدون التوجُّه غربًا، لا تجاه روسيا. لذلك فإنّ زيلينسكي لم يرضخ للابتزاز الروسي، ودعا إلى انسحاب روسيّ كامل، ونزع سلاح جميع التشكيلات غير القانونية والتشكيلات العسكرية في شرق أوكرانيا، وعزَّز إجراءات الانضمام إلى حلف الناتو والاتحاد الأوروبي. كما سارع الغرب، خصوصًا الولايات المتحدة الأمريكية، تزويد أوكرانيا في عهده بعديد من الأسلحة النوعية والتدريب العسكري، وفرض مزيد من الضغوط الاقتصادية على روسيا.

ثالثًا: المكاسب الجيوسياسية الروسية من غزو أوكرانيا

  1. هل نجح الروس في الوصول إلى الحالة النهائية المبتغاة في أوكرانيا؟

روسيا بوتين عازمة، بما لا يدَع مجالًا للشك، على تشييد «روسيا جديدة»، من خلال توظيف ما يُسمَّى بـ«النزاعات المجمَّدة» ((frozen conflicts، أي الخلافات داخل دول شرق أوروبا المجاورة لروسيا، وجعل هذه النزاعات مدخلًا ومبررًا للتدخُّل الروسي وتوسيع النفوذ خارج الحدود الروسية. على مدى العقود الثلاثة الماضية، دعمت موسكو نظامًا مواليًا لروسيا في منطقة ترانسنيستريا الانفصالية في مولدوفا، ودعمت الحكومات الانفصالية في أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا في جورجيا، وهما مقاطعتان بهما عدد كبير من السكان الناطقين بالروسية (انظر خريطة رقم 6). ويقدِّم وجود السكان من أصل روسيّ للكرملين ذريعة للتدخُّل في شؤون الدول الأخرى، إذ يسوِّق الكرملين نفسه بأنه حامي هؤلاء السكان من ذوي الأصول الروسية من الذوبان في الغرب واعتناق الفكر الليبرالي الغربي. مع ذلك، هناك من يجادل بأن روسيا تستخدم هؤلاء السكان رؤوس جسور لتوسيع الفضاء الجيوسياسي الروسي.

وصوَّر الكرملين توسُّع «الناتو» إلى الشرق على أنه الخطيئة الأصلية للعَلاقات الدولية مع الغرب بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، التي يجب تصحيحها الآن. يريد الكرملين بأي ثمن إنهاء توسُّع «الناتو» تجاه الشرق، خصوصًا من مجال النفوذ التقليدي الروسي، وإزالة الأسلحة النووية الأمريكية من أوروبا، وضمان أن بيلاروسيا وأوكرانيا وجورجيا لن تنتمي أبدًا إلى كتلة عسكرية أو اقتصادية غير تلك التي تسيطر عليها موسكو، وأن تكون روسيا هي من لها الكلمة الأخيرة في صناعة السياسة الخارجية والأمنية لهذه الدول الثلاث، التي يتعين عليها حسب وجهة النظر الروسية الاعتراف بسيادة موسكو على قراراتها السياسية بحكم الأمر الواقع. في نظر الروس، يجب أن يكون لروسيا منطقة نفوذ حصرية في أوروبا الشرقية وجنوب القوقاز، حتى لو باستخدام القوة العسكرية لحماية مصالحها الأمنية.

في حملتها العسكرية ضد أوكرانيا، أعلنت روسيا أنها انتهت من المرحلة الأولى من حملتها العسكرية، مدّعية أنها حققت أهداف المرحلة الأولى. وقبل فحص مدى تحقيق روسيا لأهدافها، يجب أولًا التحقُّق من أن روسيا، قبل ذلك لديها فعلًا حالة نهائية (End State) تسعى لتحقيها بنهاية الحرب، أم أن لديها فقط مجموعة أهداف محدّدة (Goals) تسعى لتحقيق ما يمكن تحقيقه منها؟ والحالة النهائية، كما أراها، ليست إلا «أين نحن الآن؟ وأين يجب أن نكون بنهاية الحرب؟»، بمعنى أن ينجح السياسي في تقديم وصف دقيق للموقف الجيوسياسي الذي يريد أن يتحقق بنهاية الحرب لقياداته العسكرية والمدنية.

المفكِّر العسكري البروسي هيلموت فون مولتكه (1800-1891م) نصح قادة الحرب بألا يبدؤوا الحرب دون أن تكون النهايات المرغوبة مرتسمة في أذهانهم. له مقولة، ما لبثت أن أصبحت من أهمّ قواعد التخطيط الإستراتيجي، يقول مخاطبًا القائد السياسي: «لا تبدأ الحرب قبل أن تكون النهايات في عقلك، وأنك تملك القدرة على إنجازها». يأتي بعد ذلك دور القادة الميدانيين وجنرالات الحرب، الذين يجب أن يتعرفوا على ما يريده القائد السياسي بالتحديد من حربه التي يريد شنّها، وما الوضع النهائي (End State) الذي يريد الوصول إليه. فالقيادات الميدانية الكبرى سينطلقون من النهاية المطلوبة لوضع خطة الحرب، وتقدير القدرات العسكرية الضرورية لانتزاع النصر. لا يوجد في العلوم العسكرية أن تبدأ الحرب أولًا ثم تحدّد لاحقًا حالتك النهائية. القائد العسكري يحتاج منذ البداية إلى أن يرسم سيناريو للمعركة التي سيخوضها، وينفّذها افتراضيًّا من خلال لعب الحرب قبل دخول المعركة، لأنه من السهل دخول الحرب لكن من الصعب التحكم في تداعياتها وتطوّرها بعد أن تطلق شراراتها الأولى.

وعليه لم يكن واضحًا معرفة الحالة النهائية التي كانت تدور في عقل بوتين، ولا ما يريد تحقيقه في نهاية حملته العسكرية على أوكرانيا. وعلى الرغم من بعض الانتصارات فإنه لم يتضح إن كانت هناك إستراتيجية عسكرية روسية واضحة المعالم. وهذا الواقع ينطبق كذلك على العمل السياسي الأمريكي خلال حربَي العراق وأفغانستان، اللتين لم تكونا حالتهما النهائية واضحة لدى المخططين السياسيين والعسكريين الأمريكيين، ولم يكن لديهم حتى إستراتيجية عسكرية شاملة لمسار الحرب، وهو ما أدى إلى إخفاق أمريكي إلى حدٍّ بعيد، اضطرت معه واشنطن إلى البحث عمَّا سمّته «المخرج الإستراتيجي» (Strategic Exit)، الذي لا نلجأ إليه في الغالب إلا عندما تواجهنا مصاعب أو إخفاقات في تحقيق الحالة النهائية المُتصوّرة، وعندما نريد حفظ ماء الوجه أمام الشعب والعالم.

في خطاب «إعلان الحرب» أمام الأمة في 24 فبراير، حدّد بوتين غايته من «عملياته العسكرية الخاصة» بأنها السعي «لاجتثاث النازية ونزع السلاح من أوكرانيا»[9]. في الحقيقة، سيصعب إقناعنا بأن هذه العبارة هي فعلًا الغاية النهائية منحرب بوتين على روسيا! فنزع السلاح يتضح المراد منه، ويمكن تحقيقه إلى درجة كبيرة من خلال القوة النارية الروسية الهائلة، لكن اجتثاث النازية قد يكون أمرًا صعبًا، خصوصًا أن النازية فكر لا مادة، وهو فكر غير محسوس ولا مرئي، ولا يتميز أصحابه بعلامات على أجسادهم، ولا هياكل واضحة تمثِّل النازية ولا قيادات محدّدة تُعتبر وجوهًا للنازية.

يمكن فهم ذلك بأن الساسة عادةً ما يتفوَّهون بمثل هذه العبارات الدعائية، ليس لتوضيح الغاية النهائية من الحرب بقدر ما هو نوع من البروباغندا الداخلية والخارجية، ورسم صورة ذهنية مضيئة عن شرعية وعدالة الحرب، طمعًا في الحصول على أكبر قدر من التعاطف الشعبي والرسمي. أهداف الحرب الحقيقية عادةً ما يجري إخفاؤها وعدم الكشف عنها إلا لجنرالات الحرب أو لأعضاء الأمن القومي، لكي يبنوا خططًا وإستراتيجياتٍ لتحقيقها.

أمام هذه الضبابية في تصريحات الساسة حول غايات الحرب، يُضطرّ المراقبون والمحلِّلون إلى استخلاص أهداف الحرب من خلال مراقبة سير العمليات العسكرية، وتموضع القوّات واتجاهات التحركات العسكرية، وأنواع الأسلحة المستخدمة وحجم القوّات. ولو أسقطنا الاعتبارات السابقة على الحرب الروسية لوجدنا، حسب اعتقادي، أن الحالة النهائية المفترضة والمأمولة في ذهن الرئيس بوتين، في أفضل الأحوال، تكمن في اجتياح أوكرانيا وإقالة حكومتها، وتنصيب حكومة جديدة موالية له توافق على تعديل الدستور الأوكراني، بما يقضي بأن تكون أوكرانيا محدودة التسلُّح ومحايدة وغير شريكة في حلف الناتو.

يُعتقَد أن بوتين حتى الآن ربما فشل في الخطة «أ»، وهي تحقيق الحالة النهائية المفترضة التي ذكرناها، لكن وزير الدفاع الروسي سمّاها «المرحلة الأولى» حين قال إنّ الروس الآن بدؤوا في المرحلة الثانية، التي ليست في علم التخطيط العسكري إلا الخطة «ب»، التي تقتضي بدلًا من الاستيلاء على كييف وإسقاط الحكومة، التي صعُب تحقيقها، السيطرة على كامل إقليم دونباس وتعزيز استقلال جمهوريتي لوهانسك ودونيتسك لتكونا تابعتين لروسيا، مع استمرار المفاوضات الروسية مع الحكومة الأوكرانية للعب على عامل الوقت.

هذا ما يتعلق بالحالة النهائية، أمّا الأهداف الإستراتيجية للحملة العسكرية الروسية، فعلى الرغم من أن وزارة الدفاع الروسية لم تفصح عن الأهداف الإستراتيجية للحملة العسكرية الروسية بكل وضوح، فإنه يمكن استنتاجها بأنها تتمحور حول عدة أهداف، منها: أولًا، إضعاف القيادة السياسية الأوكرانية وجعلها تقدم تنازلات. وثانيًا، تحويل أوكرانيا إلى دولة حيادية وعدم انضمامها إلى حلف الناتو. وثالثًا، هزيمة القوّات المسلحة الأوكرانية وإضعاف القوة العسكرية إلى أدنى مستوى، حتى لا تظلّ تشكِّل تهديدًا لروسيا أو للانفصاليين في إقليم دونباس شرق أوكرانيا. ورابعًا، إسقاط العاصمة كييف. وأخيرًا أن يكون إقليم دونباس منفصلًا عن أوكرانيا بجمهوريتين مستقلّتين تتبعان روسيا.

  • مدى تحقيق الروس لأهدافهم الإستراتيجية:

مع مرور نحو شهرين على بدء الحرب الروسية-الأوكرانية، ورغم المقاومة الأوكرانية، فإنّ روسيا استطاعت تحقيق بعض أهدافها الإستراتيجية، لكن دون تحقيق المكاسب الجيوسياسية التي كان الكرملين يطمح إليها. في ما يتعلق بالهدفين الأول والثاني، وهما إضعاف الحكومة الأوكرانية حتى تقبل بالشروط المُملاة عليها، فحتى الآن لا تزال القيادة السياسية الأوكرانية فاعلة وتدير الأزمة بشكل لا بأس به، ولم يستطع الروس إحداث خسائر كبيرة في أعضاء الحكومة. قد يُفسَّر بقاء الحكومة الأوكرانية إما أنه عجز روسيّ عن تصفيتهم، وإما أنه رغبة في إبقائهم من أجل إتمام عمليات المفاوضات، لكن بإرادة مكسورة وهزيمة نفسية وفي عزلة قوية عن شعبهم. قد يهدف الكرملين من إبقاء الحكومة إلى مجرد الضغط عليها للقبول بالتوقيع على تحويل أوكرانيا إلى دولة حيادية تتعهد بألا تنضمّ إلى حلف الناتو. حتى الآن، لا تزال المفاوضات السياسية قائمة، ولا تزال المطالب الروسية قائمة حول حيادية أوكرانيا.

وفي ما يتعلق بالهدف الثالث، وهو نزع السلاح من أوكرانيا، فقد حقق الجيش الروسي نسبة كبيرة من هذا الهدف، من خلال تدمير شبه كامل للبنية التحتية العسكرية الأوكرانية، وتقليص الإمكانات القتالية للقوّات المسلحة الأوكرانية بشكل كبير، خصوصًا القوّات الجوية وقوّات الدفاع الجوي. فحتى منتصف أبريل 2022م، جرى تدمير 123 من أصل 152 طائرة مقاتلة أوكرانية، بالإضافة إلى 77 من 149 طائرة هليكوبتر، و152 من 180 نظام دفاع جوي بعيد المدى ومتوسط ​​المدى، وجرى القضاء على القوّات البحرية الأوكرانية بالكامل، وتكبدت وحدات قوّات الهجوم البرية جميعًا خسائر كبيرة[10]، فيما اكتسبت روسيا السيطرة الجوية، ووصلت إلى حدٍّ كبير إلى ما يُسمّى بـ«السيادة الجوية الكاملة» على الفضاء الجوي لمسرح الحرب.

وفي ما يتعلق بهدف إسقاط العاصمة كييف، فسيبقى هدفًا إستراتيجيًّا للجيش الروسي يحظى بأولوية، على الرغم من صعوبة إنجازه في المرحلة الحالية؛ ذلك أنه عادةً ما تكون العاصمة هي مركز ثقل الحرب، الذي إذا تحقق يسهل تحقيق ما تبقى من أهداف عسكرية. فالعاصمة دائمًا ما تكون القلب الرمزي للبلاد بوصفها كيانًا سياسيًّا وظيفيًّا يجسد الدولة الأوكرانية، وبسقوط العاصمة تنكسر روح المقاومة الوطنية وتسقط بقية المدن، وسقوطها يعني الانتصار في الحرب. لكن حتى الآن لم يتمكن الروس من السيطرة على كييف ذات العدد السكاني البالغ 3 ملايين شخص، رغم الاقتراب منها إلى مسافة 30كم، بسبب قوة المقاومة المسلَّحة الأوكرانية، وخشية الروس من خلق رأيٍ عامٍّ دوليّ مُعارِض لحربهم حال فرضوا سياسة الأرض المحروقة وتسببوا في حمامات دماء بين صفوف المدنيين. لكن السبب الرئيسي يبقى هو التخوُّف الروسي من الانزلاق إلى حرب المدن، التي جربوها قبل ذلك دون نجاحات كبيرة. نذكر على سبيل المثال الصعوبة التي واجهت الجيش الروسي في دخول غروزني عامَي 1994م و1999م، وكذلك التورط الروسي في حلب عام 2015م. يبدو أن دروس حروب المدن لا تزال طرية في الذاكرة العسكرية الروسية، فبدلًا من الهجوم المباشر على المدن اختار الروس هذه المرة مقاربة عسكرية مختلفة، وهي وضع المدينة تحت الحصار، ومحاصرة جيوب المقاومة وعزلهم عن المدنيين، ومهاجمة الفضاء الإلكتروني للمدينة وشبكات الاتصال، من أجل حرمان الحكومة من القدرة على القيادة وتوجيه الشعب ورفع معنوياته وإلهامه، وقصف النقاط الحيوية والبنى التحتية العسكرية في المدينة، وفتح منافذ لجوء آمنة تمهيدًا لتفريغ المدينة من السكان، حتى تستسلم المدينة.

بعد الانتهاء من معظم المرحلة الأولى من حملتها العسكرية في أوكرانيا، التي يمكن اعتبارها الخطة «أ»، ستركز روسيا على هدفها الإستراتيجي الأكبر، أو ما تسميه المرحلة الثانية، وهو «تحرير» إقليم دونباس بشرق أوكرانيا بشكل كامل، التي نعتقد أنها الخطة «ب». قالت وزارة الدفاع الروسية إنّ الانفصاليين المدعومين من روسيا يسيطرون الآن على 93% من منطقة لوغانسك الأوكرانية، و54% من منطقة دونيتسك. وأعلنت وزارة الدفاع الروسية سيطرتها على ميناء ماريبول، بعد تحريره بالكامل من مسلحي كتيبة أزوف الأوكرانية[11]. مدينة ماريبول هي الهدف الرئيسي لموسكو في منطقة دونباس شرق البلاد، لأنها ستسهل على موسكو ربط قوّاتها المرابطة في القرم مع تلك التي في المناطق الانفصالية في دونباس. وتمثل السيطرة على ماريبول خطوة مهمة نحو السيطرة الكاملة على الميناء الأكبر والأهمّ على ساحل بحر أزوف. والسيطرة عليه تعني قدرة اقتصادية قوية لدونيتسك ولوغانسك، خصوصًا في مجال تصدير الفحم والمعادن، وسيعني حرمان أوكرانيا من السيطرة عليه تقويض قدراتها الاقتصادية، تحديدًا في تصدير الحبوب.

خارج الأهداف الإستراتيجية السابقة، توجد مكاسب عرَضية استطاعت موسكو تحقيقها، منها كسب تعاطف عديد من الدول، خصوصًا في العالم العربي وإفريقيا، أو ما يطلق عليها الغرب «دول العالم الثالث». أطلقت روسيا حملات إعلامية ودبلوماسية لتسويق ما تسميه بأنه حرب ضد «الغرب الليبرالي التوسعي والمتوحش»، الذي حوّل أوكرانيا إلى مصانع للأوبئة، ونشرها إلى جميع دول العالم. وقد نجحت روسيا في ذلك إلى حدٍّ كبير، ورغم قوة الدعاية الغربية التي تدعم الرواية الأوكرانية للحرب، فإنّ هذه الدعاية فقدت مصداقيتها، خصوصًا لدى سكان العالم العربي، الذين ملُّوا الأساليب الغربية في التعاطي مع الوعي العامّ. لذلك أصبح العالم العربي يلجأ إلى الإعلام الروسي للبحث عن الحقائق، بدلًا من المنافذ الغربية التي لم يعُد لها مصداقية، خصوصًا عندما تكون الحرب ضد الروس.

في الحقيقة، استطاعت موسكو أن تنتزع تعاطفًا مع حربها من كثير من الدول العربية والإفريقية خلال هذه الأزمة. فبينما وقف العالم الغربي مستنفرًا ومستنكرًا الحرب الروسية في أوكرانيا، بل داعمًا أوكرانيا بالسلاح وبفرض عقوبات اقتصادية على روسيا، فإنّ إفريقيا والشرق الأوسط أبدوا تعاطفًا مع روسيا! هذا ما يؤكد حقيقتين، الأُولى أن روسيا نجحت خلال العقدين الماضيين في ترميم عَلاقتها مع الدول الإفريقية والشرق-أوسطية وبناء شراكات، إما في بُعد الطاقة وإما في المجالات العسكرية. أمّا الحقيقة الثانية فيبدو أن عددًا كبيرًا من دول منطقة الشرق الأوسط سئم سياسات التدخّل الأمريكية، وأحسّ بضعف مصداقية واشنطن والغرب في الوفاء بتعهداتهم للمنطقة، وفي دعم جهود السلام والاستقرار، وفي الضغط على إيران بوقف مشاريع حروبها بالوكالة. دول الخليج التي لطالما اعتمدت على أمريكا من أجل الحماية، باتت تعتقد الآن أن هذه المظلة الأمنية بها ثغرات، ويأمل دبلوماسيوها ودبلوماسيو باقي دول المنطقة أن يرسل بقاؤهم على الحياد بشأن أوكرانيا رسالة إلى واشنطن مفادها: «إذا لم نتمكن من الاعتماد عليكم فلا يمكنكم الاعتماد علينا»[12]!

يبدو أنه من الآن فصاعدًا ستسلك دول مجلس التعاون الخليجي في عَلاقاتها الخارجية نهج تقديم المصلحة الذاتية، والتزام سياسة الحياد، وتنويع سلة التحالفات. الصين وروسيا أصبحتا شريكين أساسيين لدول المجلس، وأصبح ما يجمعهما من مصالح أكبر مما يجمع الخليج مع الغرب، خصوصًا على المستوى الاقتصادي، وفي مجال الطاقة، وحتى النواحي العسكرية بدأت وتيرتها تتزايد. ومهما كان مستوى الضغط السياسي الأمريكي على المملكة لرفع الحصة الإنتاجية للمملكة من النفط، فإنّ الرياض ستحرص على الحفاظ على عَلاقة وتفاهم مشترك مع روسيا، للحفاظ على سياسة متزنة للطاقة تخدم مصالحها أولًا، وبما يحقق أيضًا مصالح الدول الأعضاء في تكتل «أوبك بلس»، التي تُعَدّ روسيا من أكبر أعضائه.

وقد صدمت دولة الإمارات أمريكا والغرب يوم 25 فبراير بامتناعها عن التصويت في مجلس الأمن على إدانة العملية العسكرية الروسية بأوكرانيا، كما لم يُشِر بيان لجامعة الدول العربية بشأن الحرب بعد 3 أيام إلى روسيا لا من قريب ولا من بعيد، وعلى الرغم من أن حكومات كل من مصر ودول الخليج الأخرى صوَّتت لصالح مقترح الجمعية العامة بهذا الصدد، فإنّ مسؤولي هذه البلدان يجادلون بأن هذه ليست حربهم، وأنه لا تحالفات رسمية لديهم مع أي من أطراف النزاع[13].

من أوجه التعاطف كذلك أن أغلبية الدول العربية امتنعت عن التصويت على قرار تعليق عضوية روسيا في مجلس حقوق الإنسان. والامتناع عن التصويت موقف أقرب إلى الرفض أو التحفظ على نص القرار، فالعرب متحفظون من إصدار قرار يحمل إدانة لروسيا، قبل إرسال لجنة تحقيق في الجرائم المرتكبة بأوكرانيا، والتأكد من الطرف المتورط في هذه الجرائم، على غرار ما حدث في سوريا وغزة ولبنان، ولا يرغبون في تصعيد الموقف أكثر بشكل لا يخدم الوساطة التي تقودها الجامعة العربية.

على أي حال، بالنظر إلى الخريطة الأوروبية، سندرك الأهمية الجيوإستراتيجية لأوكرانيا، في كونها تقع في قلب القارة الأوروبية. ستبقى أوكرانيا عاملًا حيويًّا في الجيوبوليتيك الروسي والأوروبي على حدٍّ سواء، لأن توازن أوروبا يعتمد عليها. ومَن يظفرْ بها حليفةً له يَكُنِ الأقرب إلى التحكُّم بقواعد اللعبة الجيوسياسية في أوروبا. كيف لا وهي تحظى بموارد بشرية وطبيعية عالية وفريدة ومتميزة، وأكبر من فرنسا مساحة، وعلى مفترق الطرق البحرية والبرية، حيث يتقاطع فيها الشرق مع الغرب والشمال مع الجنوب؟

في النهاية، ستبقى أوكرانيا بالنسبة إلى روسيا أحد أهمّ الروافد الجيوسياسية في قوة روسيا وبقائها وزيادة تمكينها والاعتراف بها قوة عالمية. ستستمر الحملة الروسية العسكرية حتى تعود كل أوكرانيا، في أفضل الحالات، مواليةً لروسيا، أو على الأقل الحصول على ضمانات على بقاء أوكرانيا محايدة، ليست عضوًا في حلف الناتو. ومع ذلك فلا يُعتقَد بأن روسيا ستخرج من أوكرانيا دون أن تضمن، على الأقل، أن يكون إقليم دونباس مُحرَّرًا بالكامل ومُسيطَرًا عليه من روسيا، وفق حدود جديدة تعترف بها أوكرانيا. بالتأكيد هذه المكاسب الروسية المتوقعة لن تكون دون تبعات اقتصادية على روسيا، خصوصًا على المدى القريب، لكن يراهن بوتين على أنه في المحصلة النهائية لحسابات التكلُّف والعائد (Coast Benefit Plans) سيفوز بمكاسب جيوسياسية هائلة.


[1] النهار العربي، «المجال الحيوي» وأحلام روسيا البوتينية باستعادة مجد لن يعود، 01 مارس 2022م، تاريخ الاطلاع: 31 مارس 2022م، https://bit.ly/3iPe6TB

[2] رائج، نظرية المجال الحيوي للدول، 06 فبراير 2022م، تاريخ الاطلاع: 20 أبريل 2022م، https://bit.ly/3vxCZcp

[3] EURACTIV, Russian military in Armenia reinforce areas near Azeri border, 4 May 2021, Accessed: 17 April 2022, https://bit.ly/3KSPENw

[4] GPF, Russia’s Search for Strategic Depth,17 November 2020, Accessed, April 12, 2020, https://bit.ly/3xmuS4X

[5] المرجع السابق.

[6] E-international Relation, Christopher Kernan Schmidt, Evaluating Russia’s Grand Strategy in Ukraine, Jul 6 2020 , Accessed, March, 21, 2021, https://bit.ly/36uOE30

[7] المرجع السابق.

[8] المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، الأزمة الأوكرانية: الأهداف الحقيقية لروسيا والولايات المتحدة، دلال محمود، (22 فبراير 2022م)، تاريخ الاطلاع: 21 مارس 2022م، https://bit.ly/3wnQpdb

[9] The conversation, Ukraine war: what are Russia’s strategic aims and how effectively are they achieving them?, 2 mars 2022, Accessed: 4 April 2022, https://bit.ly/3u5Qell

[10] Russia has achieved main initial goals in Ukraine: Defense chief, 29 mars 2022 , Accessed: 4 April 2022, https://bit.ly/3wZR2Kn

[11] الشرق الأوسط، روسيا: معظم المرحلة الأولى من «عملية أوكرانيا» اكتمل والتركيز الآن على دونباس، (23 مارس 2022م)، تاريخ الاطلاع: 04 أبريل 2022م، https://bit.ly/3DCypNK

[12] إيكونوميست: لماذا تتعاطف إفريقيا والشرق الأوسط مع روسيا في حربها على أوكرانيا؟، (14 فبراير 2022م)، تاريخ الاطلاع: 18 أبريل 2022م، https://bit.ly/3rysULa

[13] المرجع السابق.

د. أحمد بن ضيف الله القرني
د. أحمد بن ضيف الله القرني
نائب رئيس المعهد الدولي للدراسات الإيرانية