آثار إعادة تموضع القوات الروسية على انتشار الميليشيات الإيرانية في سوريا

https://rasanah-iiis.org/?p=28336

بدأت إيران بعد الغزو الروسي لأوكرانيا أواخر فبراير 2022م، بالتحضير لمشهد عالمي جديد؛ حيث أتاح لها إعادة انتشار القوات الروسية في سوريا، بسط نفوذها على مزيد من المناطق في هذا البلد العربي الذي مزقته الحرب.

ووفقًا لوسائل الإعلام الإسرائيلية وجماعات المعارضة السورية، سترُجح إعادةُ تموضع القوات الروسية الأخيرة في سوريا، الكفةَ لصالح القوات الإيرانية الموجودة في سوريا. وبحسب هذه المصادر، فقد استولى الجيش السوري والميليشيات الإيرانية على المناطق التي كانت تخضع لسيطرة القوات الروسية في السابق، من أجل تعزيز مناطق نفوذهما.

وأرسلت روسيا قواتها لأول مرةٍ إلى سوريا في سبتمبر 2015م، إلّا أنّ اندلاع الصراع في أوكرانيا فرض على القوات المسلحة الروسية العاملة في الخارج إعادة تموضعها. ونتيجةً لذلك حسب ما أفادت به بعض التقارير، حاولت إيران في وقتٍ مبكرٍ من يناير هذا العام، تحصين بعض المناطق في محافظة دير الزور التي تقع تحت سيطرة القوات الروسية، من أجل إنشاء ممر بري لنقل أسلحة متطورة مع تزايد حدة التوترات الدولية حول أوكرانيا. وسوف يوفر الممر لإيران منفذًا بريًا مباشرًا إلى البحر الأبيض المتوسط وإلى لبنان. بلغ عدد القوات الروسية الموجودة في سوريا أكثر من 63 ألف جندي عندما قامت روسيا بغزو أوكرانيا، بينما بلغ عدد القوات الروسية المنتشرة في أوكرانيا نحو 150 ألف جندي في نهاية مارس. ولا توجد أرقام دقيقة لعدد القوات الروسية التي قدِمت من سوريا إلى أوكرانيا. ولكن مع إخلاء المزيد من القواعد العسكرية الروسية في سوريا، تجزم طهران بأن روسيا ستسحب المزيد من قواتها وبالتالي إعطاء مساحات جديدة لإيران وميليشياتها لتسيطر عليها.

ولذلك؛ قام وزير الخارجية الإيراني حسين عبد اللهيان، بزيارة إلى دمشق بهدف تعزيز العلاقات الإستراتيجية في مارس الماضي.

وبعد ذلك قامت القوات الإيرانية بتحصين مواقعها جنبًا إلى جنب مع القوات السورية في حلب ببسط سيطرتهما على مطار النيرب العسكري، الأمر الذي أثار مخاوف المراقبين الدوليين والناشطين السوريين من أن يستغل الطرفان انشغال الجيش الروسي في أوكرانيا.

وبعد أن استولت الميليشيات الإيرانية والقوات السورية على المطار، فرضت روسيا حظرًا جويًا على معظم الأجواء السورية.  ظهرت العديد من الإشارات على انسحاب القوات الروسية من سوريا في وقتٍ مبكرٍ من شهر أبريل بعد وصول تعزيزات ضخمة من الحرس الثوري الإيراني إلى وسط سوريا. وبعد ذلك قام الرئيس السوري بشار الأسد، بزيارةٍ سريعةٍ ونادرةٍ لبضع ساعات إلى طهران في مطلع مايو الماضي. وعلى الرغم من أن طهران لم تُفصح عن التفاصيل الكاملة حول الغاية من وراء زيارة الرئيس السوري، فإنّ مصادر إخبارية أفادت أن الزيارة هدفت إلى تعزيز مستوى الشراكة الإستراتيجية بين دمشق وطهران .

عندما صرحت موسكو علنًا وأخيرًا عن البدء بسحب قواتها من سوريا في مايو الماضي، زعمت تقاريرُ إخبارية نَشرَها نُشطاءٌ سوريون ومصادر إسرائيلية، بأنّ «القواعد التي كانت تخضع لسيطرة القوات الروسية قد احتُلت على يد القوات الإيرانية ومقاتلي حزب الله».

وكشفت السلطات في الأردن أواخر مايو الماضي، عن تصعيد مجموعات مرتبطة بإيران من عمليات تهريب المخدرات التي يقدر ثمنها بملايين الدولارات، على طول الحدود الأردنية-السورية، لكي تُهرب بعد ذلك إلى دول الخليج لتمويل صفقات الأسلحة. ومن الجدير بالذكر أنّ تلك المناطق الحدودية كانت تخضع لسيطرة الروس. وقد أثار توسع إيران الاقتصادي والعسكري في سوريا وانخراطها المتزايد في أنشطة غير شرعية، المخاوف الدولية من تزايد النفوذ الإيراني في هذا البلد العربي. فيما، رفضت بعض المواقع وكذلك المحللون الإيرانيون المزاعم المذكورة أعلاه، ورأوا أنّ انسحاب القوات الروسية يمنح الحرية لإسرائيل لمهاجمة أهداف إيرانية في سوريا.

ومِن الممكن أنّ موسكو قد أعادت بالفعل نشر قواتها في سوريا في قاعدة «حميميم» الجوية التي تقع على البحر الأبيض المتوسط، وهو الموقع الذي حاولت إسرائيل وروسيا إبقاء إيران بعيدًا عنه، وكذلك في المناطق الشرقية من دير الزور وقاعدة (التياس) T4 الجوية في حمص، وهي أكبر قاعدة جوية عسكرية في سوريا.

تعُد إيران هذه المناطق ذات أهمية إستراتيجية كبيرة في سياق التنافس مع الروس؛ ففي عام 2021م على سبيل المثال قامت القوات الإيرانية بإخلاء قاعدة T4 الجوية في شرق حمص، بعد أن أفادت تقاريرُ عن نشوبِ خلافٍ بين إيران وموسكو حول السيطرة على المطار. ومع إعادة تموضع القوات الروسية في سوريا سوف تتمكن إيران من استعادة السيطرة على هذه المناطق المتنازع عليها.

وليس مستغربًا في هذا الصدد تصريحات عدد من المحللين في إيران، أنّ روسيا تخطط لإبقاء القوات الروسية كحليفٍ لإيران في ظل انشغال روسيا في أوكرانيا، وتنامي نفوذ إيران في سوريا، ويشير هذا أيضًا إلى أنّ التنافس بين القوات السورية والإيرانية والروسية لايزال قائمًا ويحمل في طياته تداعياتٍ أمنيةٍ كبيرةٍ لم تتجلَ نتائجُها بالكامل بعد.

وما هو معلومٌ الآن، أنّ إيران لا تتوقف عن التوسع في هذه الفوضى المتنامية في سوريا وإعادة تموضع القوات الروسية، مِمّا يعني أنّ طهران ستُطلق يدها لمباشرة عملها في سوريا في ظل غياب إستراتيجيةٍ روسيةٍ واضحةٍ للانتصار في حربها على أوكرانيا، وترسيخ وجودها في سوريا.

المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
إدارة التحرير