احتجاجات شعبية واسعة تُجبر وزير العمل الإيراني على الاستقالة

https://rasanah-iiis.org/?p=28456

في خضمّ ما تعانيه إيران من انهيارٍ اقتصادي، وارتفاعٍ حادٍ ومتصاعد في أسعار السلع والمواد الغذائية، قدَّم وزير التعاون والعمل والرفاه الاجتماعي حجت الله عبد الملكي استقالته. وهذه هي المرة الثانية التي يُقدم فيها الوزير قليل الخبرة استقالته؛ إذ انقلب عليه فريق عمله في الوزارة منذ شهور بسبب عدم كفاءته وسوء إدارته للوزارة، وخلال الأسابيع القليلة الماضية تفاقمت المعارضة الوزارية والشعبية في وجهه نظرًا لفشله في وضع سياسات رعاية اجتماعية تحدُ من الاحتجاجات التي عمّت البلاد بقيادة عمال النقابات والمعلمين والمتقاعدين.

وعين الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، محمد هادي زاهدي وفا، الحاصل على درجة الدكتوراه في الاقتصاد من كندا وزيرًا بالوكالة لوزارة التعاون والعمل والرفاه الاجتماعي، عوضًا عن الوزير حجت الله الذي تولى مهامه الوزارية لمدة 300 يوم. وليتمكن الوزير الجديد من تولي منصبه الوزاري رسميًا يتعين عليه الحصول على الثقة البرلمان خلال الأشهر الثلاثة المقبلة. لكن يبقى السؤال، هل سيمنح نواب البرلمان الإيراني الذين سبق وشكَّكوا بشدة في مؤهلات الوزير السابق الثقة إلى الوزير الجديد وفا؟، لا سيما وأن بعض خبراء الاقتصاد في إيران يرون أنه من العبث تغيير الوزراء في حال رفض رئيسي شروط أي اتفاقٍ نوويٍ جديد مع القوى العالمية لرفع العقوبات الدولية التي تفرضها الولايات المتحدة على إيران.

ويحذِّر خبراء الاقتصاد أيضًا من الارتفاع المهول في مستويات الفساد في البلاد؛ فقد احتلت إيران المرتبة 150 من 180 دولة في «مؤشر مدركات الفسادCPI:» لعام 2021م، والمرتبة 127 من 200 من ناحية الإدارة الحكومية. بينما تراجع الرضى العام عن الحكومة في عموم البلاد إلى أقل من 20 في المئة. وبلغت نسبة البطالة في المحافظات الإيرانية المتخلفة اقتصاديًا أكثر من 15 في المئة، في حين بلغ متوسط معدلات التضخم أكثر من 35 في المئة، وارتفع متوسط معدل الفقر المدقع إلى أكثر من 50 في المئة خلال السنوات الثلاث الماضية.

ألقى المتحدث باسم الحكومة الإيرانية علي بهادري، باللائمة على الحكومات السابقة في المشاكل الاقتصادية، مُدعيًا أن رئيسي ورث عنها معدلات تضخم وصلت إلى 60 في المئة. وفي الأسابيع الأخيرة، اعتُقل ما لا يقل عن 40 متظاهرًا خلال حملات القمع التي شنَّتها الحكومة ضد العمال النقابيين ذوي الأجور المنخفضة، مثل المعلمين والعمّال والنشطاء في مجال حقوق العمال في جميع أرجاء إيران. وقمعت السلطات الإيرانية سائقي الحافلات بقوة لمنعهم من الإضراب الذي قد يتسبّب في شلّ جميع شبكات النقل العام في عموم البلاد. إلا أن هذه الحملات القمعية فشلت تمامًا في إخماد احتجاجات المتقاعدين التي انفجرت عندما زادت الحكومة الإيرانية المعاشات التقاعدية بنسبة 10 في المئة بدلًا من 38 في المئة، والتي كانت الحكومة قد وعدت بها وأخفقت في دفعها؛ ولذلك يطالب المحتجون الرئيس رئيسي بالتنحي، وتعهدوا بأنهم لن يخضعوا أمام المعاملة الحكومية المهينة حتى ولو ضحوا بحياتهم من أجل قضيتهم.

 ويؤكد رفض الحكومة الإيرانية تحمل المسؤولية عن الانهيار الاقتصادي، أن أسباب استقالة الوزير عبد الملكي ما تزال غامضة؛ إذ يعتقد بعض من المحللين أن حجت الله وقع ضحية للتستر على فساد كبير. وقد زعم الوزير السابق ذات مرة أن من بين الــــ 2000 مسؤول في وزارته يتوجب إقالة ما لا يقل نصفهم لافتقارهم إلى النزاهة المالية. كما اتخذ خطوات لتسريح أو إجبار 350 من هؤلاء المسؤولين على التقاعد المبكر في الأشهر القليلة الأولى التي قضاها في منصبه. ولكن يُعتقد أيضًا أن الوزير المستقيل نفسه لم يكن نزيهًا، فقد عيين أفرادًا غير مؤهلين من أقاربه في مناصب رئيسية خلال فترة وزارته.

وواجه عبد الملكي، انتقاداتٍ بسبب لجوئه إلى إلقاء خطاباتٍ عديمة الجدوى بدلاً من العمل الجاد، على سبيل المثال ادَّعى في أحد تصريحاته أن الرئيس رئيسي «سيبني اقتصادًا ثوريًا لتوريد الأسلحة من أجل تدمير إسرائيل». ولمعالجة الانخفاض السريع لقيمة الريال الإيراني مقابل الدولار الأمريكي، تفاخر أيضًا بأن إيران يمكنها أن تحل المشكلة الاقتصادية أسرع من أخذ رشفة ماء، وذلك بضخ 300 مليون دولار في الأسواق. وعندما اصطف الإيرانيون في طوابير طويلة لشراء المواد الغذائية قبل ارتفاع الأسعار، ادَّعى حجت الله أنهم كانوا يصطفون لمساعدة الولايات المتحدة في استعادة نظام بهلوي، في إشارة إلى النظام الملكي الإيراني السابق والذي أُطيح به بعد الثورة عام 1979م.

يسود الاعتقاد الآن في إيران، أن استقالة حجت الله عبد الملكي وحدها لن تكفي لإصلاح الاقتصاد الإيراني الذي يعاني من مشاكل عميقة. ويبدو أن هذا الاعتقاد صحيح، إذ يُطالب خبراء الاقتصاد الآن بإقالة محافظ البنك المركزي علي صالح آبادي الذي كان في عام 2021م ثالث محافظ معُين كرئيس للبنك المركزي الإيراني خلال عامٍ واحد بسبب انخفاض قيمة الريال والفساد المالي المستشري في البنك المركزي. وعلى الرغم من التحديات الاقتصادية التي تواجه إيران، يزعم آبادي أن الإيرادات العامة تتدفق بصرف النظر عن العقوبات المفروضة على إيران.

أما الآن فالأمر الجلي للجميع؛ أن الاقتصاد الإيراني يتدهور بسرعةٍ كبيرة لدرجةٍ قد تصل به لأدنى مستوياته قريبًا. وبحسب خبراء اقتصاديين إيرانيين ومعارضي رئيسي السياسيين، فإن البلاد قد تواجه قريبًا معدلات تضخم مريعة، في حين يبدو أن الرئيس الجديد تائهٌ وليس لديه الخطط والرؤية الواضحة لإدارة البلاد. وفي الوقت نفسه من المستبعد جدًا أن ينحسر النمط الراهن للاحتجاجات المتجددة في إيران، بغض النظر عن استقالة مزيدٍ من الوزراء أم لا، وحتى لو أُقيل محافظو البنوك المركزية فإن الأوضاع تتجه إلى الأسوأ.

المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
إدارة التحرير