أوقِف المبعوث الأمريكي الخاص إلى إيران روبرت مالي عن العمل في يونيو، وعُلّقت أذوناته الحكومية بسبب مزاعم بـ «خرق أمني». وبينما تعتبر قضيته قيد المراجعة، إلا أن وقفه المؤقت يُشير إلى توترات تختمر حول الملف النووي الإيراني الذي أغفَله في وزارة الخارجية الأمريكية. يُذكر أن مكتب التحقيقات الفيدرالي يحقق الآن في استعمال مالي لمواد سرية. ليس من الواضح ما إذا كان التحقيق يشمل مسائل أخرى وليس هناك ما يشير إلى أن استعمال مالي المزعوم للمواد السرية يعتبر مسألةً جنائية في هذه المرحلة.
لم يعد بإمكان مالي الوصول إلى معلومات سرية للحكومة الأمريكية وفقًا للمصادر، على الرغم من قيادته سابقًا لمحادثات إدارة بايدن غير المباشرة مع طهران بعد انسحاب إدارة ترامب عام 2018م من الاتفاق النووي.
يُنظر إلى مالي، الذي ساعد كذلك في صياغة خطة العمل الشاملة المشتركة في إدارة أوباما، على أنه متعاطف مع إيران في دوائر السياسة الأمريكية. حيث التقى مع المفاوضين الإيرانيين في ذلك الوقت مرارًا، وأجرى محادثات مع السفير الإيراني لدى الأمم المتحدة في أوائل عام 2023م، لإحياء خطة العمل الشاملة المشتركة.
استهدف أعضاء جمهوريون في مجلس الشيوخ ومسؤولون إسرائيليون مالي، بسبب «لطفه المزعوم وميله نحو إيران». كما زعم أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريون والرئيس القوي لممثل لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب مايكل ماكول أن «مالي ربما أساء التعامل مع الوثائق السرية وضلل الكونجرس الأمريكي». في غضون ذلك، رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق نفتالي بينيت لقاء مالي في عام 2021م. إذ وفقًا للسيناتور الجمهوري بيل هاغرتي، كان مالي على اتصال بجماعات متطرفة مثل «حماس» وكان يفضل تطبيع العلاقات مع منظمات مثل «حزب الله»، الذي تصنفه الولايات المتحدة على أنه «جماعة إرهابية».
أصرّ مالي على التحدث مع إيران على الرغم من اقترابها من العتبة النووية وعرض تنازلات واسعة النطاق على طهران لتجديد التزامها بالحدّ من أنشطة تخصيب اليورانيوم. يُقال إن إيران على بعد أقل من أسبوعين من إنتاج ما يكفي من المواد الانشطارية لصنع قنبلة نووية ويمكن أن تنتج سلاحًا نوويًا في «عدة أشهر أخرى». ربما أيّد مالي تسليم 17 مليار دولار كجزء من حزمة تخفيف العقوبات إلى طهران مقابل قيود مؤقتة على برنامجها النووي. يعمل هاغرتي وأكثر من 30 من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي الآن على مشروع قانون جديد لمنح الكونجرس سلطة التصويت على أي تخفيف للعقوبات يمكن أن يُمنح لإيران.
كان رد فعل طهران على تعليق مالي صامتًا، وقال الناطق باسم وزارة الخارجية ناصر كنعاني: «نحن لا نعلق على القضايا الداخلية للدول الأخرى.. المهم هو سياسات الدول، وبالتحديد في هذه الحالة الولايات المتحدة وليس الأشخاص الذين يمثلون حكومة الولايات المتحدة». أضاف كنعاني: «يبدو أن كل فرد ينفذ سياسات نظامه السياسي الخاص»، لكن طهران تمتلك سببًا يدعو للقلق، وهو أن المسؤول في مجلس الأمن القومي الأمريكي بريت ماكغورك يتولى المحادثات النووية الآن، وأجرى محادثات غير مباشرة بعُمان في يونيو مع كبير المفاوضين النوويين الإيرانيين علي باقري كني، وحذَّر من العواقب إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق.
يمكن أن يكون لتوقيف مالي تداعيات أوسع، حيث يتعارض مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان ودفعه للانخراط في الملف النووي الإيراني من خلال منظور السياسة الأمريكية لاحتواء صعود إيران والصين إلى السلطة، مع رغبة مالي العلنية في التكيّف مع طهران. يعتبر سوليفان النجم الصاعد لإدارة بايدن، وعلى عكس مالي، فهو أكثر صرامةً مع إيران، حيث دعا إلى اتفاق نووي أوسع من شأنه أن يحدّ من النفوذ الإيراني في مجموعة من الساحات. من ناحية أخرى، كان مالي حريصًا على بناء اتفاق تدريجي مع طهران. كما تم انتقاد مالي لكونه راضٍ عن تبادل الأوراق البيضاء والمشاركة غير المباشرة والاتفاقات غير المكتوبة مع إيران في حين يريد سوليفان من الجانب الإيراني إظهار التزامات أقوى بوعوده، لكن طريق سوليفان إلى الأمام لن يكون سهلًا، فهو يدعو إلى العمل مع حلفاء الولايات المتحدة لردع أي تقدم محتمل للقوة الإيرانية المعادية، وهؤلاء الحلفاء منقسمون بشأن أفضل السبل للتعامل مع إيران إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق نووي قوي بين واشنطن وطهران. يبدو كذلك أن سوليفان على علاقة أفضل مع إسرائيل مقارنة بمالي. ومع ذلك، قال مؤخرًا إن إسرائيل قد تسرب معلومات حول المحادثات غير المباشرة الجارية بين الولايات المتحدة وإيران، وهي خطوة يمكن أن تعرض المحادثات للخطر.
وفقًا لسوليفان، تعتبر هذه المحادثات ضرورية لأنها لم تساعد سابقًا في مسألة انسحاب واشنطن من خطة العمل الشاملة المشتركة في عام 2018م، تاركةً البرنامج النووي الإيراني بلا قيود؛ ولهذا السبب تريد واشنطن الآن إبقاء إيران منخرطةً في إبرام اتفاق نووي مع تذكير طهران كذلك بأنه سيكون من الخطأ عدم الالتزام ببرنامج نووي سلمي.
يبقى أن نرى ما إذا كانت إيران ستقبل بأي شروط جديدة بما في ذلك شرط غير رسمي أو غير مكتوب يُشار إليه على أنه «وقف إطلاق نار سياسي». فضَّلت إيران شروط خطة العمل الشاملة المشتركة، التي لم تعرقل أنشطتها طويلة المدى لتخصيب اليورانيوم، ولإقامة علاقات سلمية مع الغرب بينما لا يزال الديمقراطيون في السلطة في واشنطن وبناء الثقة في سياق علاقاتها الدبلوماسية المتجددة مع المملكة العربية السعودية، قد تقبل إيران شروطًا جديدة إذا كان بإمكانها حماية بنيتها التحتية النووية السلمية، ومقابل ضمانات أمريكية بعدم انتهاك هذه الشروط بسهولة.
في غضون ذلك، قد يحاول سوليفان إظهار أن إدارة بايدن ستتبنى موقفًا متشددًا بشأن المحادثات النووية مع إيران، لكن، ما زال يتعين على واشنطن أن تصوغ استراتيجيةً واضحة بشكل علني حول الكيفية التي ستبني بها اتفاقًا فعّالًا مع إيران سواء كان مالي على متنه أم لا. كما سيتعين عليها تحديد ما إذا كان مثل هذا الاتفاق سيصمد أمام اختبار الزمن، وسيشمل كذلك تقديم تنازلات لإيران أم لا.