مقدمة
تحولات كبيرة أسفر عنها تحالف تجار البازار مع رجال الدين في الماضي القريب والبعيد كان لها أثر بالغ في مسار الحكم والاقتصاد وحتى العقيدة في إيران، مثل الإسهام في تحويل إيران من المذهب السُّني إلى المذهب الشيعي وتثبيته بالبلاد، وإنجاح ثورة التبغ والثورة الدستورية، ودعم الاقتصاد الإيراني عقب تأميم رئيس الوزراء آنذاك، محمد مصدق، النفط في عام 1951م. أما أبرز ثمرات هذا التحالف فكان نجاح البازاريين في مساعدة رجال الدين للوصول إلى سدة الحكم في عام 1979م بعد تنفيذ خطط محكمة وتقديم دعم مالي واسع النطاق لتحقيق أهداف رجال الدين. واتخذ هذا التحالف العتيق بين القوتين المؤثرتين ماليًّا ومجتمعيًّا مسارات شبه منتظمة عبر التاريخ، ولعل أكثرها تحولًا ما ظهر بعد قيام الجمهورية الإسلامية وتطبيق نظرية ولاية الفقيه الحاكمة المطلقة على المستويات كافة، وعلى رأسها المستوى الاقتصادي، مثل امتلاك الولي الفقيه موارد الدولة، وضرورة وجود ممثلين للولي الفقيه في مؤسسات الدولة كافة، وفق النظرية الدينية التي أظهرها الخميني للنور وطبَّقها بعد الثورة.
ويُقصد بالكلمة الفارسية «البازار» السوق أو المكان المسقوف الذي يجري فيه البيع والشراء عادة، وانتقل هذا الاصطلاح الفارسي إلى خارج إيران وشاع استخدامه في عدة دول إلى اليوم. ويُطلق على التاجر بازركان، ويعود تأسيس البازار في إيران لآلاف السنين، وذهبت دراسات إلى وجوده منذ عام 3000 قبل الميلاد، خصوصًا بالمدن الواقعة على طرق التجارة الرئيسية القديمة([1]). وتمتلك إيران اليوم عددًا من البازارات الشهيرة المدرجة بقائمة اليونسكو للتراث العالمي، وأشهرها بازار تبريز (شمال غرب إيران) باعتبارها أكبر سوق تاريخية مسقوفة في العالم، وبازار أصفهان وكاشان (وسط إيران)، وبازار طهران الكبير بالعاصمة، وغيرها من الأسواق الشهيرة، التي لم تكن مجرد أسواق تجارية، بل كانت مدنًا متكاملة الأركان، ولهذا كان لتجارها شأن اجتماعي وسياسي ممتد في تاريخ إيران، إذ كانت الأسواق محاطة بخدمات جليلة لراحة المتسوقين، شملت توفير مجالس ومطاعم ومساجد ونُزُل للمسافرين، وحتى مدارس، علاوة على تصميم الأسواق بهندسة معمارية جذابة([2]) لتشجيع الناس على القدوم والمكوث أطول فترة ممكنة، ولذا كان البازار ذا أثر واضح في حياه العامة.
تمتع البازار بكونه المؤسسة المستقلة التي لم تفلح سلطة في احتوائها، كما كان الممول الرئيسي للمؤسسة الدينية تاريخيًّا، فالتجار يدفعون الزكاة والخُمس إلى الفقهاء ليتولوا إنفاقها في مصارفها الشرعية، ويقدمون الأوقاف والهبات لرجال الدين، وسعى التجار إلى كسب ود المؤسسة الدينية. كما كانت المؤسسة الدينية حريصة على كسب التجار لصفها. ومن الثابت تاريخيًّا أن الأسواق كانت تُغلق أبوابها عندما يغضب الفقهاء، ويعتصم التجار بالمساجد عند إعلان احتجاجهم على السلطة، كما حدث في عام 1906م عندما اعتصموا في جامع شاه عبد العظيم في طهران في أثناء الثورة الدستورية، أو تأييد حركة تأميم النفط التي نفذها مصدق، ثم مقاومة الانقلاب عليه في عام 1953م([3]). وسيطر البازاريون على التجارة الداخلية في إيران منذ قرون، وكانت لهم مكانة ونفوذ داخل الدولة والمجتمع، وارتبطوا بعلاقات قوية برجال الدين، كانت قائمة على تبادل المصالح، وقد كان لرجال الدين تأثير كبير فيهم لدرجة أن التجار كان من الممكن أن يتركوا أعمالهم ويبدؤوا الإضراب لمجرد صدور فتوى من العلماء ضد الحكام تحتاج إلى الدعم والتأييد الشعبي. وظهر هذا في نماذج كثيرة حاسمة في التاريخ الإيراني خلال الـ150 عامًا الماضية، أبرزها خلال الثورة الدستورية عام 1906م، وثورة عام 1979 التي مكَّنت رجال الدين من الوصول إلى الحكم، وذلك قبل أن تتخذ العلاقة بينهما مسارات مختلفة عما سبق صعود رجال الدين إلى السلطة وتطبيق الأفكار الاقتصادية لنظرية ولاية الفقيه.
هدف ومنهجية الدراسة: تهدف إلىتتبع ودراسة المسار الطويل للعلاقة بين تجار البازار ورجال الدين منذ عهد الصفويين، مرورًا بالأسرة البهلوية، ومناصرة الخميني ورجال الدين، وتحولات تلك العلاقة في عصر ما بعد الجمهورية الإسلامية، ومن ثم الوقوف على نتائج هذا التحالف ودوره في تكوين ماضي الاقتصاد والحكم في إيران وتشكيل الحاضر، وربما احتمالية لعب دور في صياغة المستقبل. وقد جمعت الدراسة بين المنهج التحليلي التاريخي والاستقرائي لمحاولة الوصول إلى هذا الهدف.
وتنقسم الدراسة إلى ثلاثة محاور رئيسية، يتناول الأول: أنماط التحالف القديم بين البازار والمؤسسة الدينية في القرون الماضية، والثاني: ترسيخ التحالف بين البازاريين ورجال الدين في العهد البهلوي الأول، ويحلل الثالث: تحولات العلاقة بين البازاريين ورجال الدين منذ قيام الجمهورية الإيرانية، ثم نختتم الدراسة بمجموعة من الاستنتاجات والتصورات.
المحور الأول – أنماط التحالف بين البازار والمؤسسة الدينية في القرون الماضية
ترسخت العلاقة في ما بين البازارين ورجال الدين منذ قرون مضت من خلال التقاء وتبادل المصالح المشتركة بينهما: فعلماء الدين يقفون مع التجار أمام المظالم والتجاوزات التي قد تقع عليهم من السلطة الحاكمة، ويتوسطون في حل النزاعات المالية وتقديم الفتاوى والوعظ للتجار، بينما يحتاج علماء الدين إلى أموال التجار من الصدقات والزكاوات والأخماس والتبرعات والنذور والأوقاف التي كان لها دور أساسي في التنمية المحلية ودعم العلماء وتمويل المساجد والحلقات والأنشطة الدينية وتقوية مكانة علماء الدين بالمجتمع واستقلالهم عن السلطة الحاكمة([4]).
وقدم رجال الدين خدمات مهمة للبازاريين، فكان لا بُدَّ من تصديق الوثاثق التجارية قديمًا من علماء الدين، وكانت منازلهم محلًّا آمنًا للتجار لعرض مظالمهم، واعتصام التجار حال إعلان إفلاسهم للحصول على الأمان من شرور الدائنين. وكان وجود المسجد أساسيًّا في البازار لتعزيز الثقافة الدينية للتجار، ويحدث فيه التلاقي بين الطرفين لصلاة الجماعة وفي حلقات القرآن والذكر ومراسم العزاء في شهر محرم، وأشرف العلماء على تربية وتعليم أبناء التجار وتشكيل وعيهم الثقافي والديني.
في المقابل، أدى تجار البازار أدوارًا مهمة للمجتمع وداعمة لرجال الدين في إيران، مثل تمويل الاحتياجات ذات المنفعة العامة، كبناء الجسور والقناطر، وإصلاح الطرق، خصوصًا طرق النقل التجارية، وتمويل الأنشطة الدينية والخيرية كتعمير المساجد، وتمويل الحلقات الدينية، ورحلات الحج والعمرة، ومراسم ومواكب العزاء، بالإضافة إلى عدد كبير من موقوفات البازار التي تشمل الدكاكين والأراضي والحمامات العامة وغيرها، وكذلك تقديم الهبات والهدايا لرجال الدين([5])، وتشكلت تلك الرابطة البراجماتية بينهم قبل بضعة قرون.
خلال حكم الصفويين لإيران، مطلع القرن السادس عشر الميلادي، كان البازار قوة فاعلة في الحياه الاقتصادية والسياسية، وعمل الصفويون على استغلال هذه القوة، وأسهموا -ربما دون قصد- في ترسيخ تحالف البازار ورجال الدين، خصوصًا بعدما جعل الصفويين من التشيُّع مذهبًا رسميًّا للدولة وجلبوا رجال الدين الشيعة من لبنان والعراق، وأقاموا لهم مدارس دينية لنشر المذهب الشعيي الاثنا عشري وأشركوهم في الحياة السياسية، وكانوا في حاجة إلى قوة متغلغلة بين العامة تُسرع نشر المذهب الجديد للدولة. وتعزَّز هذا التحالف بعدما نقل الشاه عباس (1629-1587) عاصمة دولته من قزوين إلى أصفهان، التي تضم أشهر وأقدم الأسواق في البلاد، ووطد علاقته بالبازار وأهله، وأقام الشاه عباس في ميدان «نقش جهان» في أصفهان ثلاثة أركان تعزز قوة الدولة الجديدة، هي قصر «عالي قابو» الذي يمثل السلطة، ثم أنشأ بجواره مسجد شاه، والبازار([6]) وذلك للتأثير من خلالهما في المجتمع الإيراني، وتأثيرهم المادي والديني والاجتماعي في المجتمع واختلاط التجار بعامة الناس.
أسهم التجار في إنعاش وتمويل رجال الدين ماليًّا، وتحول بعضهم إلى أثرياء، بعدما أصبحوا الملاذ الآمن للتجار من مصادرة أموالهم من الحكام، عبر وقف التجار الأثرياء عقاراتهم وأراضيهم لرجال الدين من أجل ضمان عدم مصادرة الحكام لها وفق المعمول به حينئذ -طالما يذهب نصيب منها إلى المؤسسات شبه الدينية التي يديرها رجال دين- علاوة على دفع الهبات والأخماس، فظهرت بذلك طبقة من رجال الدين الأثرياء، خصوصًا «المجتهدين»([7]). ولذلك كان من مصلحة المؤسسة الدينية الحفاظ على استمرار أعمال التجار.
كما برز دعم رجال الدين للبازاريين أمام حكام القاجاريين (1779-1925) في عدة مواقف، مثل تشكيل مجلس للتجار، وانتفاضة التبغ، والثورة الدستورية، مثل دعم مطالب التجار بتشكيل مجلس تجاري في عام 1882م يدافع عن مصالحهم أمام الحكام، وذلك بعدما رفض الحاكم ناصر الدين شاه تشكيل المجلس، ورفض مطالبهم بتقليص تعنت ومنافسة رجال السلطة لهم وسيطرة الأجانب على الأسواق، واحترام الملكية الفردية للتجار. لم يستسلم التجار ولجؤوا إلى المؤسسة الدينية، وأسفر تحالفهم عن التجهيز لانتفاضة بعد بضع سنوات عُرفت لاحقًا بـ«ثورة التبغ» أو «التنباك» (بالفارسية: نهضت تنباکو) في عام 1890م، وكانت بمثابة أول انتفاضة تمثل قوة وتأثير تحالف تجار البازار ورجال الدين، ردًّا على إعطاء ناصر الدين شاه القاجاري امتياز تجارة التبغ لمالك شركة بريطانية يدعى «طالبوت» لمدة خمسين عامًا، بينما كان تعمل في زراعة وتجارة التبغ أعداد كبيرة من الإيرانيين تمثل مصدر دخلهم الأساسي. فلجأ التجار لرجال الدين لدعمهم، حتى تمكنوا من استصدار فتوى من آيه الله الميرزا حسن الشيرازي بتحريم استهلاك التبغ، فاعتصم التجار في مسجد جوهر شاد وأغلقوا المحلات التجارية والأسواق في أصفهان، وانتقل بعدها الإضراب إلى طهران، وأحرق بعضهم التبغ، وتطور الأمر حتى وصل إلى اشتباكات بجوار قصر السلطنة، واستمرت الاضطرابات إلى أن اضطر الشاه إلى إلغاء الامتياز ووقف أعمال الشركة البريطانية([8]).
اكتشف التجار ورجال الدين بعد نجاح ثورة التبغ مدى قوة تحالفهم الناشىء وقدرتهم الكبيرة على التأثير والحشد بمجرد تحريض الناس في الأسواق والمساجد، فسرعان ما تنتقل الاحتجاجات من مدينة إلى أخرى وتعم أنحاء البلاد، في المقابل يقدم بعض التجار دعمًا ماليًّا للمتضررين من الإضرابات، ويتحملون نفقات الاحتجاجات في بعض الأحيان. وهكذا يستمر الدعم والحشد حتى الوصول لتحقيق أهدافهم في النهاية، وهي الإستراتيجية التي طبَّقوها لاحقًا خلال الثورة الدستورية 1906، ثم الثورة الإسلامية في عام 1979م.
تكرر تحالف البازار والمؤسسة الدينية مطلع القرن العشرين، وأسفر هذه المرة عن حدث مهم في تاريخ إيران، وهو الثورة الدستورية خلال الفترة «1905-1910م»، وانتهت بامتلاك أول دستور في تاريخ البلاد، وبتشكيل أول مجلس نيابي في إيران. وانطلقت الثورة على خلفية اعتراض تجار البازار على سيطرة المستشارين الأجانب على الاقتصاد، خصوصًا البلجيكيين الذين اعتمد عليهم مظفر الدين شاه ابن ناصر الدين شاه القاجاري، وطالبوا برفع الجمارك الإضافية على بضائعهم، لكن الحاكم مظهر شاه لم يستجب لمطالبهم، فنظم تجار البازار اعتصامًا وتدخلت الحكومة لفضِّه، خشية انتقاله إلى باقي المدن، وأصدر حاكم طهران قرارات انتقامية من بعض التجار، فثارت حفيظتهم وأغلقوا البازار وأعلنوا الإضراب العام، واحتموا برجال الدين والمساجد، وطالبوا بعزل رأس الحكومة ردًّا على الممارسات القمعية، والأهم تشكيل مجلس مستقل عن الشاه وله فروع في مدن إيران كافة، وليس بالعاصمة فقط كما أراد مظهر شاه.
توسعت الاضطرابات وازداد العنف، فأوصى رجل الدين السيد عبد الله البهبهاني التجار باللجوء إلى سفارة بريطانيا -بتحريض من القنصل الإنجليزي- حال استمرار استخدام الحكومة للعنف، وبالفعل اعتصم البازاريون في السفارة البريطانية، وأقنع التجار طلبة المدارس الدينية وطوائف أخرى من الشعب بالاعتصام في السفارة البريطانية، مع استعداد بعض التجار التام لتحمل التكاليف المالية لذلك، ونُصبت الخيام وجُهزت بطعام ومواد إعاشة تكفي لأيام، فارتفع عدد المعتصمين لعشرين ألفًا واستمر لعشرين يومًا. وفي النهاية أقر الشاه بمطالب التجار وبإنشاء المجلس كما أراد العلماء والتجار. وجرى تشكيل أول مجلس نيابي في تاريخ البلاد بفعل تحالف التجار ورجال الدين، وبلغ تمثيل تجار البازار في المجلس 57 نائبًا من أصل 161 نائبًا، أي بنسبة 35%، وكان أول عمل للنواب في المجلس ذي الخلفية التجارية هو رفضهم القروض الخارجية، واقتراح تأسيس مصرف وطني بديل([9])، وإصدار أول دستور للبلاد.
المحور الثاني- ترسيخ التحالف بين البازاريين ورجال الدين في العهد البهلوي
نما اتحاد البازار مع المؤسسة الدينية بمرور الزمن ضد السلطة الحاكمة في إيران في عهد الشاه رضا بهلوي الأب، ثم ازداد رسوخًا ضد ابنه الشاه محمد رضا بهلوي إلى أن أسفر عن أهم ثمرة لهذا الاتحاد التاريخي بنهاية ثمانينيات القرن الماضي بالنجاح في خلع الشاه وقيام عهد جديد بإعلان الجمهورية الإيرانية الإسلامية، وذلك بعد سلسلة من التحالفات المؤثرة والممتدة لقيام الثورة، سنوضحها في شقين: أ- التحولات في عصر الشاه رضا بهلوي وابنه محمد رضا. ب- التحالف مع الخميني ورجال الدين وإرهاصات ما قبل ثورة 1979.
1. اتجاهات التحالف في عصر رضا خان بهلوي وابنه محمد رضا:
حاول الشاه رضا بهلوي بعدما سيطر عمليًّا على الحكم من الدولة القاجارية، أن يحوِّل إيران من الملكية إلى الجمهورية في عام 1921م، متأثرًا بتجربة كمال أتاتورك، لكن التحول إلى النموذج الغربي لم يُرضِ المؤسسة الدينية أو تجار البازار. فوقف تجار البازار مجددًا مع رجال الدين، ونشط تحالفهم ضد هذا التحول، وانطلق رجال البازار تحت زعامة رجل الدين حسن المدرس في مظاهرات لإحباط مساعي رضا خان، وحدثت مواجهات في السوق مع رجال الشاه، ووقّع آلاف من تجار الأسواق على عريضة ترفض الجمهورية وأطلقوا شعارات ضدها، وتواصل العنف بينهم وبين رجال الأمن إلى أن اضطر رضا بهلوي إلى التراجع عن أمر الجمهورية. ليس هذا فحسب، بل حاول كسب صف التجار وضمّهم إليه في المراسم الرسمية، إلى أن هدأ الخلاف بينهم وبينه واستطاع كسب ودهم خلال العقد الأول من حكمه، خصوصًا بعدما نشر الأمن في البلاد، بعد معاناة الشعب، ومنهم التجار، من غياب الأمن وانتشار الفوضى منذ أواخر عهد القاجاريين وقبل سيطرة رضا بهلوي على الحكم.
ومع ذلك لم يدم الوفاق طويلًا بين السلطة وبين المؤسستين التجارية والدينية، بعدما قرر الشاه رضا بهلوي التوجه بقوة نحو الانفتاح على الخارج، وتطبيق الأفكار الغربية في الداخل، ومحاولة تغيير بعض العادات والتقاليد السائدة في المجتمع، مثل فرض حظر ارتداء المرأة الحجاب، وإحداث تغييرات في قوانين الزواج والطلاق، وتوسيع فرص تعليم المرأة. فاشتعل غضب رجال الدين ومعهم المجتمع الإيراني يؤيدهم التجار، خصوصًا بعدما أصر الشاه على تنفيذ قرار حظر الحجاب وفرضه بالقوة في عام 1936م، ومع رفض شريحة واسعة من المجتمع الإيراني، الذي يغلب عليه الطابع الريفي، تطبيق القرار، اندلعت مواجهات عنيفة بين المجتمع ورجال الأمن.
أصدر الشاه مجموعة من الإجراءات التعسفية ضد رجال الدين والتجار، أراد بها تفكيك الزعامات المجتمعية المعترضة التي تتسيّدها المرجعيات الشيعية والتجار لضمان تطبيق قراراته وفرض سيطرته المطلقة على المجتمع الإيراني، وكان منها إلغاء استعمال الألقاب الدينية، واستبدال القوانين المدنية والجنائية بالقوانين الشرعية، وإبعاد «الأشراف» عن المناصب الحكومية، وفرض الحصول على تصريح خاص قبل ارتداء الزي الديني وفرض نزع الحجاب. وكذلك نزع سيطرة رجال الدين الشيعة على أموال الأوقاف الطائلة، وعرقلة التجارة الداخلية، وإصدار قوانين احتكار الحكومة للتجارة الخارجية والصناعات المختلفة([10]).
ذلك الأمر أثار غضب تجار البازار ورجال الدين تجاه الشاه رضا، لكنهم لم يستطيعوا تغيير كثير من إجراءات الشاه سِلميًّا، فاتجهوا إلى العنف في أواخر عهده، واستمر هذا الاتجاه بعد عزله، وذلك من خلال تأسيس حركات مقاومة مسلحة كثيرة مثل «فدائيان إسلام» التي كانت تتبع نهج العمل المسلح والاغتيال السياسي من أجل التغيير، ونجحوا في اغتيال بعض رؤساء الوزراء، وكان أغلب أعضاء الحركة من أهل البازار([11]). واستمرت القلاقل في إيران حتى بعدما تنازل رضا عن العرش لابنه وغادر إيران بضغوط بريطانية خلال الحرب العالمية الثانية.
تولى الشاه محمد رضا بهلوي عقب تنازل أبيه له عن الحكم، وكانت المؤسسة الدينية حينها هي السلطة الثانية في الدولة بعد البلاط الملكي، لما تملكه من مكانة اجتماعية وتوغل في قرى ومدن إيران، وجاء بعدهما البازار الذي تحكم في ثلثي (66%) تجارة الجملة الداخلية في بداية حكم الشاه محمد رضا بهلوي، ونحو 30% من مجموع واردات إيران، و15% من الائتمان أو التمويل المقدم للقطاع الخاص([12]). لذا اشتد عداء الشاه الجديد للبازار، خصوصًا بعدما لعب عدة أدوار صريحة مناهضة لحكمه، بالتعاون مع رجال الدين.
وبرزت قوة البازار عندما دافعوا عن الحركة الوطنية بزعامة محمد مصدق وساندوه إلى أن وصل إلى رئاسة الوزراء في عام 1951م، بل وقدموا الدعم للاقتصاد الإيراني خلال محاصرة الإنجليز إيران وفرض عقوبات اقتصادية عليها ردًّا على قرار مصدق تأميم شركة النفط في عام 1951م، فموَّل تجار البازار حكومة مصدق عبر شراء سندات حكومية وبيع المحاصيل غير النفطية من مصادرهم وطرقهم الخاصة، لتوفير أموال لحكومة مصدق المحاصَرة([13]). كما قاوم تجار البازار انقلاب الشاه على حكومة مصدق، ما جعل الشاه يعتبرهم -مع المؤسسة الدينية- من العوامل المهدّدة لبقائه في إيران، وعاداهم أشد العداء بمجرد نجاحه في الانقلاب على حكومة مصدق وسجنه في عام 1953م.
2. تحالف البازار مع الخميني ورجال الدين ما قبل ثورة 1979م:
كرس الشاه الجديد جهده لتقويض القوتين التقليديتين في إيران وفك ترابطهما عقب نجاحه في التخلص من مصدق. وبدأ بالبازار لما يمتلكه من أدوات القوة، وهي الدعم المالي لرجال الدين وللمعارضين للشاه. فاضطهدهم وسجنهم، وقلل سيطرتهم على الأسواق، واتبع الشاه طرقًا ممنهجة لتقليل نفوذهم التجاري داخليًّا وخارجيًّا، ونجح في السبعينيات من القرن العشرين في تحقيق هذا الهدف مع تدفق الأموال بعد الطفرة في أسعار النفط، فجرى تقييد حريتهم التجارية بتحكم صارم في منح تراخيص الاتجار والتصنيع، وفرض عوائق تجارية مباشرة وغير مباشرة، كالجمارك المرتفعة على الواردات والرقابة الشديدة على بعض أنواعها، وكذلك تشجيع المؤسسات المالية والبنوك الأجنبية على العمل في إيران، وصولا إلى التأميم في بعض الحالات([14]) وكان بعضها يندرج تحت اسم الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية التي أطلقها الشاه، فيما أُطلق عليه «الثورة البيضاء» (انقلاب سفيد) خلال الفترة من 1963 حتى عام 1978م بهدف تغيير المجتمع وركائزه التقليدية.
اضطر أهل البازار للخضوع للظروف القسرية المفروضة عليهم، التي أفقدتهم جزءًا كبيرًا من سطوتهم التجارية، والتكيف مع توجهات الشاه الانفتاحية على الغرب، فبدؤوا أخذ التوكيلات التجارية، والقبول بممارسة التجارة تحت سيطرة الدولة على التجارة الداخلية والخارجية. لكن لم ينس البازار ما لحق بهم من خسائر وفقدان النفوذ وترقبوا الوقت المناسب للانقضاض على الشاه مع حليفهم التقليدي رجال الدين، وظهر هذا التحالف لاحقًا بالفعل وأحدث اضطرابات عنيفة في الداخل الإيراني مثل انتفاضة 5 يونيو 1963م وانتفاضة 1964، وإضرابات البازار المتتالية منذ عام 1977م وهي أحداث يمكن اعتبارها جميعًا بمثابة مقدمات قادت إلى ثورة 1979 التي أطاحت بالشاه.
تضامن تجار البازار مع المعمَّمين وأغلقوا متاجرهم وأسواقهم في طهران لأربعة عشر يومًا عقب التظاهرات التي أشعلها رجال الدين بقيادة آية الله الخميني في 5 يونيو 1963 اعتراضًا على استفتاء الثورة البيضاء (وهي إصلاحات زراعية وصناعية وعمالية أطلقها الشاه، لكن من بينها تغييرات مجتمعية ودينية رفضها رجال الدين) وأفتى الخميني بتحريم الاستفتاء وضرورة مقاطعته، بعدما ضمت الاستفاءات قوانين مثل إلغاء شرط الإسلام بين المرشحين للسماح بتمثيل غير المسلمين نيابيًّا، والسماح بمشاركة المرأة في التصويت بالانتخابات البرلمانية، وبالمشاركة في الترشح للانتخابات، وجواز القسَم على أي كتاب سماوي معترف به في إيران بجانب القرآن الكريم([15]). وبعدما عاقبت السلطات الخميني بالقبض عليه، انطلقت المظاهرات في طهران في 5 يونيو وسقط ضحايا في مواجهات مع الأمن وانتقلت إلى مدن أخرى، ودعمها رجال البازار بإغلاق المتاجر والأسواق، وظل إغلاق البازار في طهران لأربعة عشر يومًا، وانتقل الإضراب إلى بازار قم، واضطر الشاه إلى الإفراج عن الخميني لاحقًا([16]). بعدما أصبح تحالف البازار مع الخميني قوة فعلية على الأرض يمكن أن تهدد استقرار النظام من خلال الحشد والإضراب والتظاهرات في أنحاء البلاد.
وطَّد رجال الدين تحالفهم مع البازاريين ضد الشاه بتأسيس حزب المؤتلِفة الإسلامي (بالفارسية: حزب مؤتلفه اسلامى) في عام 1963م، الذي نُسب إليه تنفيذ اغتيالات ضد رموز النظام، والقيام بأعمال العنف بالداخل، خصوصًا بعدما اشتعل الخلاف بين الحكومة ورجال الدين مرة أخرى، في ما سُمي «انتفاضة عام 1964»، بعد إصدار قانون يعطي حصانة خاصة للمستشارين الأمريكان العاملين في إيران وتمريره في البرلمان، وعندها صعَّد الخميني حدود اعتراضه، ودعا إلى إسقاط نظام الشاه بالكلية، فقرر الشاه نفيه إلى تركيا ومن بعدها إلى العراق لكتم صوته، لكن ازداد الأمر سوءًا واشتعلت الاحتجاجات مرة أخرى في الشوارع بزعامة تجار البازار، واُغتيل رئيس الوزراء حسن علي منصور بعد إصدار أحد رجال الدين (آيه الله الميلاني) فتوى بجواز قتله([17])، ووُجهت اتهامات لعدد من تجار البازار بوجود علاقة غير مباشرة تربطهم بقتل رئيس الوزراء.
تكررت محاولات الشاه في حقبة الستينيات لبسط يد الدولة على الأسواق والمؤسسات الدينية للانفراد بالتأثير في المجتمع، بدأت بمحاولة تغيير بعض عادات المجتمع الدينية والأنماط الاستهلاكية داخل حزمة إصلاحات «الثورة البيضاء»، وصولًا إلى إنشاء حزب «رستاخيز» عام 1975م، باعتباره حزبًا أوحد للحكومة، جرى استخدامه في فرض عدة إجراءات هدفها تحييد قوة تجار البازار داخل المجتمع الإيراني، مثل إغراق الأسواق بالضائع المستوردة -وكانت الفرصة مواتية لذلك نظرًا لارتفاع الأسعار المحلية- وفرضت الحكومة غراماتٍ مالية على آلاف التجار وسحبت تراخيص المتاجر، وسجنت مئات منهم، وحلت معظم غرف الصناعات عندما اعترضت على تلك الإجراءات الحكومية([18])، وأرسل حزب الشاه مئات الطلاب في صورة لجان رقابية على الأسواق، ما أشعر التجار بالإهانة والرغبة في استغلال أي فرصة من أجل الانتقام. حتى وصف أحد التجار الحال لأحد المراسلين الأجانب بقوله: «لقد تحولت ثورة الشاه البيضاء إلى ثورة حمراء». وتعرض كثير منهم للسجن والاعتقالات والنفي.
وعندما بدأت شرارة الثورة في أوائل عام 1978م أيد التجار المظاهرات بطهران، وكان لهم دور تنظيمي وتمويلي حاسم لاستمرار الثورة في أنحاء البلاد دون توقف لأشهر طويلة امتدت 13 شهرًا، وطالبوا بعودة الخميني من منفاه وإلغاء رقابة الدولة على الأسعار والأسواق([19]). وقد كان إغلاق الأسواق وتمويل نفقاتها أقوى أسلحة البازاريين لدعم رجال الدين بقيادة الخميني في مواجهته مع الشاه، خصوصًا بعدما ازدادات حدة المواجهة بينهما في يناير 1978 بعد مقالة نشرها الشاه في صحيفة «اطلاعات المحلية» أهان فيها الخميني ورجال الدين، فأصدر تجمع تجار بازار وحرفيي طهران بيانًا موحدًا أدانوا فيه المقالة ودعوا إلى إغلاق البازار، وكانت هذه الدعوة بداية سلسلة اضطرابات وإغلاقات بالأسواق الإيرانية امتدت ثلاثة عشر شهرًا، حدثت خلالها أزمات اقتصادية وغلاء أجَّج الوضع الداخلي وأضعف سلطة الشاه.
كانت استجابة التجار لنداء الخميني من بين أهم عوامل نجاح الثورة، بعدما أعلن تجمع التجار والحرفيين الإضراب العام في 2 يونيو 1978، فأُغلقت أسواق طهران وأصفهان وشيراز والأهواز ومشهد وتبريز، ونتيجة لفاعلية سلاح الإضراب، دعا الخميني إلى أول إضراب عام للأسواق في جميع أنحاء إيران بتاريخ 16 أكتوبر 1978، ونظرًا لما يشكله هذا الأمر من خطورة على توقف الحياه اليومية لعامة الإيرانيين، وربما انقلاب الأمر ضد رجال الدين، فقد استعانوا ببراعة تجار البازار الذين شكلوا تعاونيات في الأحياء لتأمين المواد الضرورية. ونجح التجار في تشكيل لجان تمويل مختلفة لتأمين احتياجات المضربين وذوي المعتقلين من الغذاء والضروريات، وحتى العاطلين المتضررين من الاضطراب والطلاب والموظفين الحكومين المشتركين في الإضرابات، كبعض عمال شركة النفط أو صحيفة كيهان ([20]).
ولولا تلك اللجان البازارية لما استطاع رجال الدين حشد العامة والبسطاء، أو الاستمرار في المقاومة والتظاهر طويلًا وإنهاك نظام الشاه ماليًّا واقتصاديًّا وسياسيًّا، وهي التي لم توقف دعمها المالي والعيني، إلى أن نجحوا في إسقاط نظام الشاه في النهاية وعاد الخميني من منفاه في فبراير 1979، وصعد رجال الدين إلى السلطة .
المحور الثالث- تحولات العلاقة بين البازاريين ورجال الدين بعد قيام الجمهورية الإيرانية
مرت العلاقة بين تجار البازار ورجال الدين بتحولات مهمة خلال الأربعين عامًا التالية لثورة عام 1979، اختلفت كثيرًا عما كانت عليه خلال الأربعة قرون السابقة على الثورة، بعدما صعد رجال الدين إلى حكم إيران لأول مرة في تاريخهم الحديث .
ونوضح في ما يلي تلك التحولات من خلال خمسة مسارات رئيسية، بدأت عقب اندلاع الثورة منذ أكثر من أربعين عامًا ولا تزال مستمرة في التطور.. نناقشها في ما يلي :
1. اختلال التوازن والتفسير الاقتصادي لولاية الفقيه: اختل توازن العلاقة بين البازاريين ورجال الدين بعد نجاح الثورة، ومالت الكفة بقوة لصالح رجال الدين، عقب تمكنهم من الجمع بين السلطة الدينية والتنفيذية، والسيطرة على ثروات البلاد التي شملت ثروات الشاه وأموال رجال الأعمال الفارين، وكل موارد وثروات الدولة الاقتصادية من نفط وغاز ومعادن ومصانع ومؤسسات إنتاجية وما شابه. وذلك بعدما كانت الكفة تميل لصالح رجال البازار قبيل الثورة، فهم ذوو الجاه والمال والدعم، بينما كان رجال الدين لا يزالون خارج السلطة، ويحتاجون إلى أموال وتبرعات البازاريين.
امتلك الحاكم الفقيه وفق نظرية ولاية الفقيه، التي أخرجها روح الله الخميني للعلن، كل موارد الثروة الطبيعية ومصادر الإيرادات في البلاد، علاوة على ملكية الأوقاف والأموال المتأتية من الالتزامات الدينية للمتدينين إلى رجال الدين لتوزيعها، مثل الخُمس أو الصدقات والتبرعات أو الزكاوات. علاوة على ما سبق، يقول مهدي خلجي، الباحث والأكاديمي الإيراني والدارس السابق في الحوزة الدينية بقم، عن تدخل رجال الدين في مؤسسات الدولة كافة تحت ما يسمى بـ«ممثلي الولي الفقيه»: «قلَّما نجد في يومنا شغلًا أو مهنة ليس لرجل الدين فيها يد، بداية من المصنع ومحطة إنتاج الكهرباء والبتروكيماويات، وصولًا إلى مؤسسة الجيش والدوائر الحكومية والجامعات والنوادي الرياضية»، وأصبح رجال الدين -وفق هذا التفسير الاقتصادي لولاية الفقيه- يراكمون الموارد المالية بشكل كبير، فالحوزة العلمية لا تأخذ نصيبها من الموازنة الحكومية فحسب، بل توجد امتيازات خاصة لرجال الدين مثل امتلاك الأموال المصادرة أو التي لا يُعرف مالكوها، واستيراد وتصدير السلع والبضائع المختلفة، وامتلاك مصانع الدولة وفق استثناءات خاصة بأسعار زهيدة، وامتلاك الشركات العمرانية والتجارية، والحصول على نسبة من الضرائب العامة للمواطنين، ودخول عالم التجارة الداخلية والخارجية والاستثمار. كما أن الغموض والسرية المحيطة بإيرادات ونفقات رجال الدين أو المؤسسات الاقتصادية التابعة لهم تعد من أهم العوامل الداعمة لبقائها وضمان استمرارها، في ظل غياب الشفافية ([21]).
أهمل رجال الدين تجار البازار في البداية عقب نجاح الثورة والسيطرة على مفاصل البلاد، وتعرضت مصالح البازريين عامة للتهديد بعد تدابير حكومية غير مسبوقة مثل تأميم التجارة الخارجية، وتأميم الصناعات الرئيسية، والقضاء على الوسطاء من خلال تطوير الجمعيات التعاونية، مع شن المنظمات الثورية حملات قوية ضد التربح، تزامنت مع حرب العراق في الثمانينيات وفرض سياسات الانغلاق الاقتصادي بتقييد التجارة الخارجية، والائتمان، وتكميم الأفواه لصالح المجهود الحربي، ما أضر بتجارة البازاريين وقلص نفوذهم .
وبعد أن كان البازار قائمًا على تسلسل هرمي داخلي وعلاقات مترابطة بين أفراده، قائمة على الثقة والسمعة دون تعقيدات بيروقراطية كثيرة، تدخل النظام الجديد مفكِّكًا الترابط والتسلسل الهرمي بين أعضائه من خلال إدماج بعض نخب البازار في الحياة السياسية، وفرض لوائح وإجراءات تنظيمية لعمل التجار، وتفكيك منظومة عملهم الجماعي، ومنح تراخيص للتصدير وتقييد الاستيراد، والتوسع في إنشاء مؤسسات توزيع خاضعة للنظام (البونيادات) ([22]).
وكان من أبرز مظاهر التهميش المفاجئ الذي حدث للبازاريين بعد نجاح الثورة، ضآلة نسب تمثيل تجار البازار في البرلمان الأول المنعقد بعد نجاح الثورة التي كان لهم الدور الأبرز في نجاحها، في حين لم تتعدَّ نسبة تمثيلهم 2% من نواب المجلس مقابل قرابة 50% من النواب لصالح رجال الدين و45% لصالح المثقفين، بينما في حالة أول برلمان إيراني على الإطلاق، وهو المنعقد عقب نجاح الثورة الدستورية في عام 1911 حصدوا 35% من مقاعد المجلس، أي أكثر من ثلث المقاعد، في مقابل 29% من رجال الدين([23]). وقد كانوا -كما رأينا سابقًا- العامل الأساسي لنجاح تلك الثورة أيضًا بدعمهم رجال الدين بالمال حتى تحقيق أهدافهم.
2. منافسة المؤسسات الثورية والدينية للبازار والقطاع الخاص: بينما كانت الشعارات المعلنة هي دعم التجار الوطنيين، حتى إن روح الله الخميني طرح فكرة أنه «ينبغي تشجيع البازار بشكل كافٍ من أجل تحقيق الهدف الثوري في الاستقلال الاقتصادي»([24])، لكن تحقيق هذا الهدف الثوري واقعيًّا -الاستقلال- كان رخصة لفتح الباب على مصراعيه لتدخل المنظمات والمؤسسات الثورية (أهل الثقة) في الحياة الاقتصادية، وعلى رأسها: الحرس الثوري، والمؤسسات الاقتصادية الخاضعة لسلطة المرشد، من أجل تحقيق الهدف الثوري الاقتصادي الذي طال حلم الخميني بتحقيقه، وجرى هذا على حساب القطاع الخاص والبازار.
ولذا نشأت ثلاث مؤسسات ثورية اقتصادية عقب الثورة، تابعة للمرشد مباشرة، ولها مكانة مالية استثنائية، وهي: «هيئة تنفيذ أوامر الإمام» (بالفارسية: ستاد اجرائي فرمان حضرت امام)، ومؤسسة «العتبة الرضوية»، ومؤسسة «المستضعفين». وسُميت باسم المؤسسات العامة غير الحكومية، وتكون معفاة من الضرائب أو التدقيق والمراقبة من الأجهزة الرقابية ومجلس الشورى الإسلامي (البرلمان). عملت تلك المؤسسات تحت ستار العمل الخيري بالأساس، ومن ثم الانخراط في أعمال تجارية، وامتلاك استثمارات في مختلف المجالات، الصناعية والزراعية والتجارية والمالية والخدمية، تتجاوز مليارات الدولارات. تمتلك مؤسسة العتبة الرضوية، على سبيل المثال، شركات مثل مناجم القدس الرضوية، وثامن للأدوية، وشهاب للسيارت، ومنتجات الألبان الرضوية، والقدس الرضوية للإسكان والهندسة، وشركة رضوي لتكنولجيا المعلومات، وشركات وصناعات أخرى. كما تمتلك مؤسسة المستضعفين مؤسسات كبرى مثل بنك سينا، وشركة بهران للنفط، ومهرشهر للصناعات الغذائية، وزمزم إيران، وسابا للإلكترونيات والطاقة، وفندق صفائي يزد، ونادي للإيرانيين المقيمين في دبي، ومعهد نور تابان للسينما، بجانب كثير من الشركات والمؤسسات المالية الأخرى([25]).
بينما أُعطي الحرس الثوري الضوء الأخضر للعمل والمنافسة في الاقتصاد الإيراني عقب تقييد التجارة الخارجية في الثمانينيات خلال سنوات الحرب مع العراق، وبعد انتهاء الحرب وتطبيق سياسات الانفتاح الاقتصادي في عهدي هاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي، لم يكن من الممكن ببساطة إخراجه الحرس الثوري من الحياه الاقتصادية، بل على العكس كان من الممكن اعتبار وجوده عاملًا مُهمًّا لإحداث نوع من التوازن مع سياسات الانفتاح التي تلاقي كثيرًا من الحذر والشك في عقلية رجال الدين وصناع القرار في إيران، فجرى إطلاق يد الحرس الثوري في الحياة الاقتصادية، وبالتالي كان لهذه التوجهات بالغ الأثر السلبي على البازار والقطاع الخاص وإدارة وتوزيع الاستثمارات في الاقتصاد الإيراني في ما بعد. فأصبحوا بذلك يواجهون منافسة مزدوجة، الانفتاح الاقتصادي على الخارج من ناحية، ومنافسة الحرس من ناحية أخرى.
بدأت قوة الحرس الثوري الاقتصادية تظهر خلال الثمانينيات بعدما تأسس من مرشد الثورة الخميني في عام 1979 لحماية الثورة والنظام الجديد من خطر انقلاب الجيش الرسمي عليه، وبهدف حماية أهداف ومعتقدات الثورة محليًّا وخارجيًّا ووصفه بـ«الجيش العقائدي»، له جناحان أساسيان، هما فيلق القدس والباسيج، يضم عدة آلاف من المقاتلين والمتطوعين(*)، بهدف تنفيذ أدوار أمنية وحماية النظام، لكنه استغل بعض مواد الدستور الإيراني في التوغل الداخلي وامتلاك النفوذ داخل مفاصل الدولة الاقتصادية والصناعية والثقافية والاجتماعية والسياسية، مثل المادة 150 من الدستور التي تنص على أن الحرس هو «الوصي على الثورة وعلى إنجازاتها» والمادة 147 التي تنص على أنه «على الحكومة في زمن السلم أن تستفيد من أفراد الجيش وتجهيزاته الفنية في أعمال الإغاثة والتعليم والإنتاج وجهود البناء مع مراعاة موازين العدالة الإسلامية بشكل كامل»، فانخرط أعضاؤه رسميًّا في الحياة السياسية ودخلوا البرلمان بقوة في الانتخابات التشريعية الخامسة (1996-2000) بإنشاء قائمة أنصار «حزب الله»، وتمكنوا من نيل 100 مقعد في مجلس الشورى خلال الفترة (2004-2008)، ولاحقًا تولوا حقائب وزارية في عهد رئاسة أحمدي نجاد الذي عيَّن خمسة وزراء في حكومته من الحرس الثوري، وأصبح لهم شأن اقتصادي في مراحل لاحقة، وكانت ولاية أحمدي نجاد أهم فترة تمكَّن فيها الحرس من التوغل الاقتصادي في إيران([26]) والفوز بمناقصات حكومية بمبالغ طائلة عندما أمر المرشد بخصخصة عدد كبير من الشركات الحكومية في عام 2006، فتمكَّن الحرس من شراء عدد كبير منها بعشرات مليارات الدولارات، خصوصًا الشركات الكبرى أو العاملة في المجالات الحيوية، مثل شركة الاتصالات الرئيسية في البلاد([27]) وغيرها من الشركات العاملة في مجالات صناعية.
3. اتجاه كبار البازاريين للعمل تحت مظلة النظام ومقاومة البقية محاولات التحديث: عندما بدأ المرشد الأول للثورة تعزيز سلطته، سعى إلى تحييد البازار، خوفًا من أن يؤدي التدهور وعدم الاستقرار الاقتصادي -نتيجة الثورة ثم الحرب مع العراق- إلى تأليب البازاريين ضد حكمه الناشئ، لكنه حرص في ذات الوقت على مكافأة شريحة صغيرة من البازاريين ممَّن موَّلوا ودعموا الثورة مثل أعضاء جمعية «مؤتلفة اسلامى» (جمعية التحالف الإسلامي)، وحاول الخميني تعزيز أواصر الولاء لدى كبار تجار البازار وتحييده موقعًا للخلاف السياسي، حتى أصبح يشار إلى التجار المقربين من الحكومة باسم «دولتي»([28]) كناية عن الولاء التام.
ولذا اتجه بعض تجار البازار إلى الانخراط في السياسة بعد الثورة للحفاظ على مصالحهم التجارية، خصوصًا الذين موَّلوا المحتجين ودفعوا تكاليف الثورة، وأصبحوا وزراء ونواب بالبرلمان، مثل الأخوين حبيب الله وأسد الله عسكر أولادي. ويقول الإيراني الأصل ميثاق بارسا، أستاذ علم الاجتماع بالولايات المتحدة: «جمع تاجر البازار أسد الله عسکر اولادي الذي نشأ في الطبقة العاملة، ثروة طائلة بعد الثورة من خلال علاقاته مع الدولة، في حين كان أخوه حبيب الله وزيرًا للتجارة آنذاك، وحصل على رخصة تجارية مكَّنته من شراء العُملة الصعبة بسعر منخفض وتداولها من خلال أعماله، وقُدرت ثروته بأكثر من 9 مليارات دولار، مما جعله ثاني أغنى رجل في إيران»([29])، مع العلم أنه وأخاه خرجا من طبقة عاملة بسيطة.
كما ترأس بعض البازاريين الصحف الكبرى، كتاجر الحديد حسين مهديان، الذي ترأس صحيفة «كيهان». وكان هؤلاء وغيرهم بمثابة الفريق الأول من تجار البازار (الدولتي) الجامع بين الأعمال والسياسة، وحققوا مكاسب مع نهاية الحرب العراقية وبداية فترة الانفتاح الاقتصادي التي قادها هاشمي رفسنجاني خلال فترتي رئاسته البلاد (89-1997)، ومُنِح المؤيدون الرئيسيون لنظام الخميني مناصب رفيعة في الحكومة وجرت مكافأتهم بتراخيص استيراد خاصة.
بينما أخذ حجم الفريق الثاني من تجار البازار (أي التقليديين غير الدولتيين) يتضاءل تدريجيًّا، مع التقدم في فرض سياسات الانفتاح الاقتصادي على الخارج، ومنافسة المؤسسات الثورية والدينية للقطاع الخاص. وتضاءل حجم أعمالهم، بعدما انفتح الاستيراد من الخارج عبر المواني الرسمية، كبندر عباس ومناطق التجارة الحرة في جزيرتي كيش وقشم، وعبر تهريب البضائع من دول الجوار المنفتحة خارجيًّا، كالإمارات، فنافست تلك البضائع بجودتها وسعرها المنخفض المنتجات الإيرانية محلية الصنع وقللت مساحة البازاريين تدريجيًّا.
ومع ذلك لم يكن أمام البازاريين بُدٌّ من مساندة ودعم توجهات التيار المحافظ -تحول دعمهم للمحافظين لاحقًا- الأكثر تحفظًا في ما يتعلق بالانفتاح الخارجي ضد توجهات التيار الإصلاحي الداعي للانفتاح على العالم والاستثمارات الأجنبية. فساندوا أو موَّلوا حملات المحافظين الانتخابية على مستوى البرلمان، ورئاسة الجمهورية، وذلك حفاظًا على تجارتهم من المنافسة الخارجية([30]).
قاوم البازار محاولات التحديث التي بدأت في عهد هاشمي رفسنجاني بعد انتهاء الحرب مع العراق، ومنها إدخال سلاسل المتاجر المجمعة «المولات» إلى طهران والمدن الرئيسية، فتربصوا ضد رئيس بلدية طهران غلام حسین کرباسجی، خلال الفترة (1989-1998)، إلى أن جرى تقديمه أمام السلطة القضائية -المهيمن عليها رجال الدين- وذلك بدافع تأسيس صحيفة «همشهري» التي وُصفت بـ«الخروج عن طاعة المرشد»، وجرى اعتقاله عامين على الرغم مما أحدثه في العاصمة من إنجازات([31]).
وقاوموا -بدرجة ما- من خلال المحافظين توجهات الرئيس محمد خاتمي التحررية (1997-2004)، خصوصًا فتح الأسواق المحلية أمام الاستثمارات الأجنبية لأول مرة في إيران منذ قيام الثورة ومعاداتها لكل ما هو أجنبي. على سبيل المثال: رفض مجلس صيانة الدستور في 17 يونيو 2001 تمرير مشروع قانون الاستثمارات الأجنبية الذي سبق وأقره البرلمان في عام 2000 للسماح لها بالقدوم والعمل مباشرة في إيران([32]).
ومع ذلك كان لتطورات الاقتصاد العالمي، وتسرب بعض مظاهر العولمة إلى الداخل الإيراني، دور في تغير مكانة ونفوذ البازاريين في المجتمع، مثل إدخال سلاسل المتاجر الكبرى و«المولات» لأول مرة في إيران وإقبال الإيرانيين عليها -سبق وعارضها تجار البازار عندما حاول الشاه إدخالها لمنافستهم- وأضر هذا الأمر بتجارة البازار وأدوارهم التقليدية باعتبارهم مستوردين وبائعين وموزعين بالداخل. بعدما فضلت الطبقة الوسطى الإيرانية الجديدة والمتعلمة الذهاب إلى المتاجر الكبرى والمولات التجارية المجمعة على الطراز الغربي، بدلًا من التزاحم في أزقة البازارات الضيقة. وزاد ميلهم لاقتناء السلع والماركات الدولية التي قد تعكس المكانة الاجتماعية -في تصور البعض- حتى وإن كانت في شكل منتجات مقلدة([33]). كما جعلت العولمة من دبي مركزًا للتجارة الدولية، بدلًا من طهران، مما أعطى الفرصة للنظام الإيراني لعمل مناطق تجارة حرة متاخمة على حساب البازار ومنح التراخيص التجارية الخاصة لحلفائه.
4. تقزم أعمال البازار مع تغليظ العقوبات الغربية على إيران: جاءت العقوبات الغربية على إيران منذ عام 2006 ثم تغليظها على الاقتصاد الإيراني منذ عام 2010 في أواخر رئاسة أحمدي نجاد، لتمثل صفحة جديدة في تقزيم دور البازار في إيران، وتقديم مزيد من الدعم الديني والرئاسي للحرس الثوري للسيطرة على الاقتصاد الإيراني من الداخل والخارج تحت شعار «الاقتصاد المقاوم»، أي المقاوم للعقوبات الخارجية، بالاعتماد على القدرات الذاتية، وتسخير كل ما يحتاج إليه من أجل تمكينه من أداء هذا الدور. وكان الدور الاقتصادي للحرس موجودًا منذ الثمانينيات لكن نما تدريجيًّا وتوسع خلال فترتي رئاسة أحمدي نجاد، حتى مُنح الحرس وحده أكثر من 750 عقدًا حكوميًّا في عام 2005([34]) ثم جاءت العقوبات بما فرضته من حصار ومنع الاستثمار الأجنبي في إيران لتزيد سيطرة الحرس على الأسواق.
ويمكننا القول إن العلاقة بين البازار والحرس تحولت في هذه المرحلة من المنافسة إلى التبعية، أي تبعية التجار للحرس، وذلك بعدما أصبح الحرس هو المحرك الأبرز للقطاعات الاقتصادية، ومن بينها قطاع التجارة الخارجية بما يمتلكه من مصادر للعملات الأجنبية ومصارف وشركات مالية والأهم شبكات تهريب في الداخل والخارج تمكنه من الالتفاف على العقوبات الغربية المفروضة على التجارة والشحن والتحويلات المالية من وإلى إيران. وكان مما ساعده على فرض الهيمنة على التجارة الخارجية للبلاد سيطرته على كثير من المواني والمنافذ الحدودية في إيران وإعفاء شركاته من الضرائب، علاوة على إمكانية التهرب من الرسوم الجمركية، وبالتالي الدخول في منافسة غير شريفة مع التجار التقليديين، ويستطيع بسهولة التفوق عليهم من خلال توزيع بضائع أرخص، وبالتالي استحالة المنافسة والاستمرار في مزاولة التجارة إلا من خلال العلاقات الخاصة.
ولا عجب أن الرئيس الأسبق أحمدي نجاد قد أشار إلى ذلك عندما وصف الحرس الثوري في أحد مؤتمراته عام 2011 بـ«الأخوة المهربون»، ما أثار ضجة داخلية عبر الإعلان الصريح من رئيس الدولة بانخراطهم في أنشطة التهريب من خارج البلاد إلى داخلها خلال فترة العقوبات. وبالفعل نما النفوذ الاقتصادي للحرس كثيرًا خلال إدارة أحمدي نجاد، وانخرط في أعمال المصارف والأموال مثل مصارف (قوامين وأنصار وبنك المهر الاقتصادي التابع للبسيج)، ولا شك في أن الانخراط في أعمال المصارف مهم لتسهيل التجارة وما يرتبط بها. وقد تسببت ظاهرة التهريب في ضياع أموال الضرائب على الدولة. وفي تقدير منسوب لفرقة العمل الإيرانية لمكافحة تهريب السلع والعملات الأجنبية إلى إيران، قُدر حجم البضائع المهربة سنويًّا بأكثر من 20 مليار دولار أمريكي (نحو 5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2014). وأدرجت وزارة التجارة أهم السلع المهربة إلى البلاد مثل الذهب والملابس والأجهزة المنزلية والهواتف المحمولة وأجهزة الكمبيوتر ومستحضرات التجميل والسجائر، وتلك البضائع من بين أهم واردات إيران من الخارج عامة في ما عدا واردات الحبوب([35]).
5. تحييد دور البازار مع الاتجاه للتظاهر أحيانًا: لم يعد في إمكان تجار البازار إلا القبول بواقعهم، مع انتهاز الفرص المناسبة للجوء إلى التظاهر والاحتجاج، وهي حيلتهم التاريخية للاعتراض، وذلك بعدما سُلبوا كل من النفوذ السياسي والنفوذ المالي، وجرى استهداف أعمالهم وأرباحهم. وفقدوا النفوذ والمكانة القديمة عند رجال الدين، كما فقدوا النفوذ المالي والاجتماعي نتيجة تقزم تجاراتهم وثرواتهم مع منافسة المؤسسات الثورية وسيطرتهم على المنافذ والأسواق، خصوصًا خلال رئاسة أحمدي نجاد (2005-2013) المحسوب على التيار الديني المحافظ.
ويقول أستاذ علم الاجتماع بجامعة كاليفورنيا، كيفان هاريس، في كتابه «ثورة اجتماعية.. السياسة ودولة الرفاه في إيران»: «اتجه البازار إلى الاعتراض مع زيادة الضغط عليهم خلال حكومة نجاد، وكانوا نادرًا ما يحتجون علنًا ضد النظام الإيراني منذ إعلان قيام الجمهورية الإسلامية، بالمقارنة مع الطلاب والعمال أو النساء، حتى عندما تسبقهم مجموعات أخرى إلى الشوارع، لكنهم خرجوا للاحتجاج في أكتوبر 2008، ومرة أخرى في يوليو 2010، احتجاجًا على محاولات حكومة أحمدي نجاد تحصيل مزيد من الضرائب من متاجر البازار، بسبب تقلص إيرادات الحكومة بفعل العقوبات الدولية المفروضة على الاقتصاد الإيراني منذ عام 2006. فأغلق التجار الأسواق في المدن الإيرانية الكبرى وشهدت أسواق (بازار) طهران وأصفهان إضرابات وإغلاقات للمتاجر بشكل متقطع، واتسع نطاق الإضراب في صيف 2010 ليشمل بازار تبريز عاصمة محافظة أذربيجان الشرقية، واستمرت الإضرابات المتقطعة حتى صيف عام 2012، ونجحوا في دفع الحكومة إلى التراجع عن فرض الضرائب([36]) ([37])».
ورغم تراجع الحكومة أمام مطالب التجار، لم تسمح لهم بلعب أدوار إضافية تتجاوز المطالب الفئوية المرتبطة بأعمالهم. ولذا عندما اندلعت احتجاجات الحركة الخضراء في عام 2009 اعتراضًا على التدخل في الانتخابات، اتخذت السلطات الإيرانية خطوات استباقية ضد مشاركة البازار في الاحتجاجات الشعبية الواسعة، فمنعت إغلاق المتاجر والبازارات وألقت القبض على عدد من تجار البازار، بمن فيهم محسن دوكمشي، الذي كان يساعد أسر بعض السجناء السياسيين والمقبوض عليهم خلال الاحتجاجات([38])، وقد كان هذا ما يفعله تجار البازار قبل مئة عام خلال الثورات الشعبية، فأدركت السلطات خطورة الأمر، وأوقفته باستخدام القبضة الأمنية.
وكانت هذه أول مرة يجري فيها تحييد البازار عن المشاركة في أحد الانتفاضات الشعبية الكبيرة في إيران، وعندما نزلوا إلى الشوارع لاحقًا في عام 2010م، راقب داعمو الحركة الخضراء تحركهم وسط دعوات مير حسين موسوي لانضمامهم إلى الحركة، لكنهم لم يفعلوا، واقتصرت مطالبهم على رفع الضرائب على الرغم من عدم الرضا عن الحكومة. وبذلك نجح النظام في تلك الفترة في تحييد دور البازار عن المشاركة مع الحشد المجتمعي، طالما لم تتضرر أعمالهم بشكل مباشر.
ازداد تكرار احتجاجات البازار في السنوات التالية وأصبحت أكثر حشدًا، واستخدمت قوات الأمن العنف لإنهائها بالقوة ووقف توسعها. ونفذ تجار البازار الكبير في طهران إضرابًا عامًّا للدفاع عن مصالحهم عام 2012، بإغلاق جميع متاجرهم في العاصمة طهران، اعتراضًا على تضرر أعمالهم جراء الهبوط الحاد في قيمة العملة وارتفاع أسعار العملات الأجنبية إثر تشديد العقوبات الأوروبية والأممية في ذات العام(*)، وأثر هذا في ركود تجارتهم وصعوبة مزاولة أعمالهم، فقادوا مسيرات اعتراض انطلقت في عدة شوارع حيوية في طهران، ثم تحولت المسيرات إلى تظاهرات حاشدة بعدما انضم إليها عشرات الآلاف من عامة المواطنين الغاضبين من تردِّي الأوضاع الاقتصادية في البلاد، ورددوا شعارات منددة بإهدار الأموال العامة على تحقيق طموحات خارجية في دول الجوار. فجرى استخدام القوة ضد المتظاهرين، وإجبار البازاريين على إنهاء الإضراب وإعادة فتح متاجرهم، بواسطة أشخاص زُعم أنهم من قوات البسيج التابعة للحرس الثوري([39]). وهنا استخدم النظام القبضة الأمنية مرة أخرى لتحييد دور البازار وعقابه على الاحتجاج وتجاوز المسموح، كما مارس مزيدًا من التدخل في نشاط الأسواق، وقطاعات الاقتصاد المختلفة عبر إبراز رجال من ذوي الثقة على السطح، لعل منهم بابك زنجاني الذي تمّ تصديره فجأةً في المشهد الاقتصادي بصفته رجل أعمال يتوسط بين إيران والخارج في تصدير النفط الإيراني المحظور بيعه خلال فترة العقوبات في عهد أحمدي نجاد، وبعد انتهاء دوره اُتهم في قضية فساد كبيرة أُلصقت بحكومة نجاد.
كما شارك تجار البازار في احتجاجات عام 2018 بعدما عمَّت إيران إضرابات متكررة واحتجاجات فئوية واسعة خلال الفترة الثانية لولاية حسن روحاني، اعتراضًا على تردّي الأوضاع المعيشية لفئات مختلفة من الإيرانيين، كالعمال والسائقين والمعلمين والمتقاعدين وغيرهم. أما تجار البازار فنظموا إضرابًا أغلقوا به البازار الكبير في طهران ونظموا احتجاجات بدأت من أواخر شهر يونيو حتى 5 أغسطس 2018، وقادوا مسيرات وتظاهرات إلى مبنى البرلمان الإيراني، وفي شوارع العاصمة الرئيسية، احتجاجًا على صعوبة مزاولة أعمالهم التجارية في ظل تدهور أسعار العملات الأجنبية اللازمة للاستيراد بالسوق الحرة وصعوبة تحصليها، (كان سعر الدولار الرسمي في حدود 4200 تومان في يناير عام 2018، وسعر السوق الحرة أعلى منه بقليل، لكن في يونيو اتسع الفارق بينهما ليصل سعر الدولار الحر إلى قرابة 8500 في يونيو، ثم إلى أكثر من 11 ألفًا في يوليو من نفس العام)، وانتقلت إضرابات البازار من البازار الكبير إلى بازارات أخرى في طهران مثل تشهارسوق وقيطرية، ثم انتقلت إلى أسواق محافظات أخرى مثل أصفهان وشيراز ومشهد والأحواز وكرمانشاه وقزوين وقم. ورفع المحتجون هذه المرة لافتات منددة بسياسات النظام في الداخل وفي الخارج([40]) مثل: «اتركوا سوريا! فكّروا في حالنا».
مرة أخرى، يجري استخدام القوة لقمع الاحتجاجات وإعادة الحياة إلى وضعها السابق، بفعل قوة السلطة مع ضعف الأدوار التقليدية القديمة للبازار أو القدرة على التأثير في مجريات الأمور، لكن مع الفارق أن هذه المرة ربما كانت الأولى التي تتغير فيها شعارات التجار ولا تقتصر على مصالحهم التجارية، نتيجة شدة تأثرهم بالضغوط الاقتصادية المفروضة على البلاد منذ إعادة فرض العقوبات الأمريكية في عام 2018. وزادات الضغوط والتحديات المالية عليهم بشكل أعنف في السنوات التالية مع تلاحق الأزمات الدولية والإقليمية والجيو-سياسية، مثل جائحة كورونا والحرب الروسية-الأوكرانية وحرب غزة، التي أثرت بالسلب في الاقتصاد الإيراني وأسواق الصرف والقوة الشرائية ودفعت الحكومة الإيرانية إلى اتباع سياسات اقتصادية تقشفية تؤثر في أرباح التجار بلا شك.
وعلى الرغم من انتهاء العلاقة التقليدية القديمة فيما بين البازار ورجال الدين ونجاحهم -بعد الوصول للسلطة- في تحييد الدور السياسي للبازار بدرجة كبيرة بعدما قُلص نفوذه المادي تدريجيًا، واكتفاء الأخير بالدفاع عن مصالحه التجارية فقط، فإنّ البازار عاد مرةً أخرى وخالف هذه القاعدة في عام 2018م كما وضحنا، وكأنه قد يمرض لكن مع صعوبة الجزم بموته بالكلية. وهذا يجعل من الصعب التنبؤ بسلوك البازار، أو قولبته في قاعدة ثابتة أو إطار صامت لا يتفاعل فيه مطلقًا مع المتغيرات المحيطة به. وقد كان لتفاعل البازار وانخراطه مع المتغيرات المحيطة حوله الفضل الأكبر في تشكيل ثرواته ونفوذه على مر التاريخ داخل المجتمع والاقتصاد الإيراني وصنع منه فاعلًا مُهمًا في التاريخ الإيراني.
خاتمة واستنتاجات
ناقشنا كيف كان البازار في الماضي البعيد قوة حقيقة مؤثرة في الحياة في إيران اقتصاديًّا وسياسيًّا ودينيًّا في ظل تحالفهم مع رجال الدين قبل وخلال ثورة 1979، وقدرتهما على التعاون الوثيق معًا لتحقيق مصالح تجارية ومكتسبات دينية وسياسية خلال قرنين من الزمن منذ العهد الصفوي، مرورًا بالقاجاري، وكذلك بعد سيطرة رضا بهلوي الأب على الحكم، وتُوّج تحالفهما بالنجاح معًا في إسقاط الشاه محمد رضا بهلوي، وإيصال رجال الدين إلى السلطة للمرة الأولى، قبل أن يتبع هذا التحالف التاريخي مسارات عديدة، ومتتابعة بعد الثورة، إلى أن انتهى الحال إلى ضعف هذا الترابط وتحييد الدور التاريخي للبازار، واستحداث مؤسسات جديدة موالية للسلطة قوَّضت أدوار البازار التقليدية والتحالف التاريخي مع رجال الدين.
ومع ذلك لا بد من الإقرار بوجود عوامل حاسمة قادت إلى ضعف قوة البازار التقليدية وتراجع تأثيره الاقتصادي والسياسي منذ استقرار الحكم لرجال الدين وإلى الوقت الراهن، وهي:
1. امتلاك الفقيه الحاكم كل الموارد الطبيعية والإيرادات الاقتصادية وفق نظرية ولاية الفقيه، علاوة على الأوقاف والموارد المالية المتأتية من الواجبات الدينية، كالزكاوات والصدقات والأخماس، فلا فرق بين خزينة الدولة وخزينة الفقيه([41])، وبالتالي سمحت المؤسسة الدينية لنفسها بالسيطرة على أركان الاقتصاد من منطلق تفسير ديني، وزالت الحاجة إلى أموال التجار.
2. تهديد مصالح البازاريين التجارية بقرارات استثنائية عقب الحرب مع العراق مطلع الثمانينيات، شملت تأميم التجارة الخارجية، وتطوير الجمعيات التعاونية للقضاء على الوسطاء ومحاربة التكسب.
3. كسب ولاء كبار التجار، من خلال ضمهم إلى الحكومة والبرلمان، ولاحقًا السماح لصغار التجار بالتسجيل في برامج المعاشات والضمان الاجتماعي السخية([42]).
4. تحول ثقة المؤسسة الدينية نحو أهل الثقة الجدد، وتحديدًا الحرس الثوري، وإطلاق المجال لهم للمنافسة التجارية والاقتصادية، علاوة على أداء المؤسسات العامة غير الحكومية التابعة للسلطة الدينية مباشرة أدوارًا مالية واقتصادية. وعندما حدثت خصخصة واسعة في عهد أحمدي نجاد فإن نسبة كبيرة وصلت إلى 90% من أسهم الشركات المخصخصة ذهبت على الأرجح للكيانات المدعومة من النظام ولم تذهب إلى القطاع الخاص([43]).
5. الانفتاح التجاري في عهد رفسنجاني، وموافقة البرلمان في عام 1997 على السماح للشركات الأجنبية بفتح فروع لها في إيران لأول مرة منذ الثورة وبعد فترة من العداء لكل ما هو أجنبي.
6. تحول تجار البازار لمستوردين وموزعين داخليين عقب الثورة، لا مصدرين كما كانوا قبل الثورة، مما أفقدهم مصادر العملة الأجنبية، وقوّض استقلالهم، وأصبح للدولة ومؤسسات السلطة وزن أكبر في التصدير الخارجي والتجارة الداخلية.
7. تغير أنماط وخيارات الشراء بفعل العولمة وظهور المولات التجارية المجمعة بداية من عهد رفسنجاني ونمو التجارة الإلكترونية لاحقًا، مما قلل تأثير البازار التقليدي باعتباره مركزًا للتسوق واللقاء الدوري والتأثير بالمدن.
8. فقدان التجار للظهير الشعبي والتأثير المجتمعي مع مرور السنوات، نتيجة قربهم من رجال الدين والدولة، ولعل ذلك يعود إلى تراجع شعبية رجال الدين أنفسهم في إيران نتيجة تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية وتصاعد قضايا الفساد.
9. تراجع مكاسب التجار من التجارة مع تقليل دعم العملات الأجنبية المخصصة لاستيراد السلع الأساسية، وحتى رفع الدعم نهائيًّا، الأمر الذي قلل مكاسبهم من ناحتين، الأولى عدم إمكانية استيراد السلع بسعر رخيص وزيادة الربح كالسابق، والثانية تراجع مبيعاتهم مع تراجع القوة الشرائية للمستهلكين.
10. صعوبة الاستيراد وارتفاع تكاليفه مع اشتداد العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران، وكثرة التهريب من دول الجوار، وزيادة الاحتكارات والمنافسة من الجهات الاقتصادية النافذة في إيران، خصوصًا في أوقات العقوبات والحصار الغربي.
11. النجاح بدرجة كبيرة في تحييد تأثير البازار السياسي والمجتمعي، واقتصار مشاركته في الاحتجاجات على الدفاع عن مصالحه المتضررة بشكل مباشر. وإن كان هذا التحييد قد يعتبر سلاحًا ذا حدّين، خصوصًا بعد سنوات طويلة من العقوبات تأثرت فيها أرباح التجار بالتأكيد بفعل تقلبات العملة الأجنبية والتدهور الحاد في قيمة العملة المحلية، وتراجع قدرة المواطنين على الشراء، علاوة على تغير السلوك التجاري لبعض التجار وتفضيل تجميد أرباحهم التجارية في شكل أصول ثابتة، كالعقارات، أو تفضيل المضاربات والأرباح السريعة بدلًا من الاستثمار الإنتاجي أو إعادة تدوير الأرباح في التجارة.
ختامًا، يتضح أنَّ وجود النظام الديني على رأس الحكم وتضخم النفوذ المالي والاقتصادي للمؤسسة الدينية يظل عائقًا أساسيًّا أمام إمكانية استعادة التحالف التقليدي بينه وبين البازار، أو استعادة الأخير المكانة المالية والاجتماعية والحظوة القديمة لدى رجال الدين، علاوة على تركز دائرة الثقة في المؤسسات الأمنية التي تحمي الثورة، كالحرس الثوري، وإطلاق يده للعمل بحرية في التجارة والاستثمار، لذا يبدو جليًّا نجاح السلطة في تحييد الدور السياسي والاقتصادي للبازار بدرجة مهمة، وتقليل قدرة البازار على إحداث تأثير كبير في الشارع منذ اندلاع الثورة في 1979 وحتى عام 2017، خصوصًا بعدما لم يكن له دور قوي خلال الحركة الاحتجاجية الواسعة في عام 2009، التي سُميت بالحركة الخضراء، واقتصار دوره على الدفاع عن مصالحه فقط، رغم بعض الدعوات التحفيزية لتوسيع دائرة الاحتجاج.
لكن من المفارقة عودة البازار إلى مخالفة هذا الحياد في احتجاجات مطلع عام 2018 بعدما تضررت مصالحه التجارية بدرجة كبيرة، فعاد لحيله التقليدية ونظم إضرابات موسعة كما كان يفعل سابقًا، ما يجعل من الصعوبة بمكان الإقرار بقدرة النظام على تحييد دور البازار بشكل كامل وطوال الوقت، خصوصًا في ظل التحديات الاقتصادية المتلاحقة التي تعيشها إيران منذ إعادة فرض العقوبات الأمريكية، مرورًا بتبعات جائحة كورونا والحرب الأوكرانية على الاقتصاد الإيراني، ثم التوترات الجيو-سياسية في الشرق الأوسط والبحر الأحمر، وأثر كل تلك التطورات السلبية في الوضع الاقتصادي المحلي، خصوصًا التداعيات المباشرة على تقلب أسعار الصرف وتسببها في خسائر كبيرة للتجار، أو اضطرار الحكومات إلى إصدار قرارات في غير صالح التجار، كرفع الضرائب وخلافه، كما لا يبدو أن التوصل إلى اتفاق نووي مع الغرب مستقبلًا سيكون كافيًا لاستعادة مكانتهم المفقودة، ما يعني بقاء الظروف التي قد تدفعهم إلى التذمر بين الفينة والأخرى. ومن ناحية أخرى، فإن الأسباب ذاتها التي دفعت المجتمع الإيراني إلى التوحد مع رجال الدين لإنجاح الثورة قبل أكثر من 40 عامًا قد تدفعه إلى الالتفاف مع أي تيار منظم من أجل تحسين أحواله المعيشية التي تدهورت كثيرًا في العقدين الأخيرين بعدما تحسنت في أول عقدين للثورة. وقد كانت شعارات تحسين الحياة وجودة المعيشة ورفع الفساد والظلم من بين أهم الشعارات التي دفعت الطبقات المهمشة إلى الالتفاف والتوحُّد حول رجال الدين لإنجاح الثورة، وبعد نجاحها تحسنت أحوالهم وارتقى جزء كبير من المجتمع إلى الطبقة الوسطى المتعلمة المثقفة خلال العقدين الأولين من الثورة، بعدما اهتم النظام بصنع مؤسسات رعاية اجتماعية وتعليمية وصحية ومد شبكات المرافق والخدمات الأساسية إلى أنحاء البلاد وخلق ذلك طبقة متوسطة جديدة واسعة الحجم ومتعلمة تسعى للتغيير، لكن بدأ الوضع الاقتصادي والمعيشي يتراجع بعد ذلك مع تكرار سلاسل العقوبات الاقتصادية على إيران وتداعياتها السلبية على مستويات الأسعار، وخلال السنوات السبع الأخيرة ازداد الوضع المعيشي والاقتصادي سوءًا لدرجة غير مسبوقة منذ الثورة، ما بين ركود وانكماش ونمو اقتصادي محدود، وتراجع حاد لقيمة العملة المحلية من قرابة 3 آلاف تومان للدولار الواحد في عام 2014 إلى نحو 60 ألف تومان في 2024، وارتفعت مستويات التضخم لما يزيد على 50%، لذا تآكلت الطبقة المتوسطة مرة أخرى وسقطت في براثن الفقر فزاد معدل الواقعين تحت خط الفقر من 22% من عدد السكان في عام 2012 إلى 35% في عام 2022، وفق وزارة العمل الإيرانية، وبأكثر من ثلثي المجتمع وفق مصادر مستقلة. لذا تكررت الاحتجاجات الشعبية بوتيرة سريعة وبفارق زمني أقل من المعتاد، فخلال السنوات السبع الأخيرة، بداية من عام 2017م، اجتاحت إيران 5 احتجاجات فئوية وشعبية كبرى، أي بمعدل احتجاج واحد كل عام ونصف العام تقريبًا، بوتيرة سريعة لم تحدث خلال العقود التالية للثورة التي كانت تشهد نحو احتجاج كبير واحد في كل عقد.
([1]) بتصرف: إلياس ميسوم، جامعة وهران 2 (محمد بن أحمد) الجزائر، “الدور للفواعل غير الرسمية في إيران دراسة حال لبازار والبونياد”، دفاتر السياسة والقانون، مجلد 12، العدد 01، 2020. ص174-184.
([2]) محمد رحمن بور، الجزيرة نت، “البازارات التراثية الإيرانية.. تجارة بوجه العقوبات وأشياء أخرى”، 24 فبراير 2020. https://2u.pw/QG6Hy6G
([3]) محمد نور الدين عبد المنعم، “إيرانيات، نماذج من الثقافة الإيرانية”، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، الطبعة 1، 2015، ص529.
([4]) بتصرف خضير البديري، “الدور السياسي للبازار في الثورة الدستورية الإيرانية 1905-1911″، العارف للمطبوعات، بيروت، الطبعة الأولى، 2012، ص54- ص57.
([5]) خضير البديري، مرجع سابق.
([6]) بتصرف: محمد عبد المنعم، مرجع سابق، ص532.
([7]) Momen, Moojan (1985)” An introduction to Shiʻi Islam: the history and doctrines of Twelver Shiʻism، “Oxford: G. Ronald، P: 204 ، ISBN 978-0-85398-201-2.
([8]) البازار السوق في التراث الإسلامي، مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي، مجموعة من المؤلفين، ص172.
([9]) البازار السوق في التراث الإسلامي، المرجع السابق، ص172-177.
([10]) بتصرف: هوما كاتوزيان، “الفرس، إيران في العصور القديمة والوسطى والحديثة” ترجمة أحمد حسن المعيني، جداول للنشر والترجمة والتوزيع، لبنان، الطبعة الأولى 2014، ص289-292.
([11]) أحمد يونس، نعيم جاسم “أوضاع المرأة الإيرانية في ظل إصلاحيات رضا شاه بهلوي وموقف المؤسسة الدينية (1925-1941)” مجلة آداب البصرة، جامعة البصرة – كلية الآداب، 2009، ص190-200.
([12]) بتصرف أحمد يونس، نعيم جاسم، المرجع السابق، ص201.
([13]) البازار السوق في التراث الإسلامي، المرجع السابق، ص180.
([14]) أمل حمادة، “الخبرة الإيرانية الانتقال من الثورة إلى الدولة”، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، بيروت، ط 1، 2008، ص76.
([15]) محمد سهيل طقوش، “تاريخ إيرن الحديث والمعاصر”، دار النفائس، بيروت، ط 1، 2020، ص377.
([16]) البازار السوق في التراث الإسلامي، مرجع سابق، ص185.
([17]) بتصرف: أحمد يونس، نعيم جاسم، مرجع سابق ص102-104.
([18]) البازار السوق في التراث الإسلامي، مرجع سابق، ص188-189.
([19]) بتصرف: محمد عبد المنعم، مرجع سابق، ص530.
([20]) البازار السوق في التراث الإسلامي، مرجع سابق، ص192.
([21]) بتصرف: مهدي خلجي، “من وراء حجاب النظام الجديد للمؤسسة الدينية في إيران”، ترجمة أحمد موسى، دار مدارك للنشر ط: 1 ديسمبر 2021. ص91 . ص170-171. ص257.
([22]) Arang Keshavarzian, “Bazar and state in Iran: The Politics of the Tehran Marketplace”, Review by : said Amir Arjomand. American journal of Sociology, Vol. 115, No. 2 (September 2009), pp. 611-613.
([23]) Encyclopaedia Iranica Foundation, “BAZAR iii. Socioeconomic and Political Role of the Bazar”, https://2u.pw/2PBI5mJ
([24]) اواليلى بساران، “الثورة الإسلامية والاقتصاد، صراع النخب حول استقلال الاقتصاد الإيراني”، ترجمة مجدي صبحي، طبعة دار التنوير الأولى: 2012، ص104.
([25]) مجيد محمدي، “في ظل عباءة المرشد.. المهام والعمليات في مكتب خامنئي”، المعهد الدولي للدراسات الإيرانية، ترجمة محمد الزعبي، ص98. الطبعة الأولى 1444ه. 2022م.
(*) يُقدر عدد أفراد الحرس الثوري بين 120 ألفًا و350 ألف فرد، ويتكون من جناحين رئيسين هما: قوات البسيج المسؤولة عن حماية أمن النظام داخليًّا ونشر معتقداته في المجتمع، وفيلق القدس المسؤول عن عمليات النظام خارج الحدود.. وكان من المفترض أن تكون أدوار الحرس متعلقة بالأمن فقط.
([26]) بتصرف: الجزيرة نت، “الحرس الثوري.. حارس ثورة إيران المتوغل في مفاصل الدولة”، 31 ديسمبر 2023. https://2u.pw/zhL3leZ .
([27]) أحمد شمس الدين ليلة، “النشاط الاقتصادي للحرس الثوري.. الأدوات والتداعيات على إيران والمنطقة”، تحرير: محمد السلمي وفتحي المراغي، من كتاب: “المؤسسة العسكرية في إيران بين الثورة والدولة”، المعهد الدولي للدراسات الإيرانية (رصانة)، ط 1، ص225.
([28]) Esfandyar Batmanghelidj, Bourse and Bazar, “The business of political economy: moving from bazar to bourse”, 6 may.
([29]) ميثاق بارسا، “الديمقراطية في إيران .. أسباب الفشل واحتمالات النجاح” ترجمة محمد الزعبي، المعهد الدولي للدراسات الإيرانية (رصانة)، الطبعة الأولي، 1440ه. ص157 .
([30]) علاء سالم، مجلة مختارات إيرانية، مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، “الاقتصاد الإيراني.. محور جديد للصراع بين الإصلاحيين والمحافظين”، العدد السابع عشر، ديسمبر 2001. ص74-79.
([31]) يوسف عزيزي، “البازار والنظام الإيراني.. جدلية الاقتصاد والسياسة”، المعهد الدولي للدراسات الإيرانية (رصانة)، 30 أبريل 2016. https://2u.pw/XsCSCUB
([33]) Kevan Harris, “The Bazaar”, United States Institute of Peace, The Iran Primer. 11 Oct. 2010. https://2u.pw/Qph3JT6
([34]) ميثاق بارسا، مرجع سابق، ص154
([37]) بتصرف يوسف عزيزي، مرجع سابق.
([38]) ميثاق بارسا، مرجع سابق، ص316.
(*) تداعت العملة الإيرانية بقوة خلال تلك الفترة عقب فرض العقوبات الأوروبية المشددة في عام 2012، التي شملت حظرًا على شراء النفط الإيراني وعقوبات على البنك المركزي الإيراني وحظر استخدام إيران شبكة سويفت للتحويلات المالية الدولية، وارتفع سعر الدولار في إيران بحدة من 2200 تومان في سبتمبر 2012 إلى 4000 تومان في نوفمبر 2012.. الأمر الذي أضر بالمستوردين والتجار في البازار.
([39]) محمد السلمي، مجلة المجلة، “العملة الإيرانية .. تاريخ وأسباب وآثار الانهيار”، 14 نوفمبر 2012. تايخ الاطلاع 25/12/2023. الرابط: https://2u.pw/YSf6aG
([40]) للمزيد راجع: محمود حمدي أبو القاسم، المعهد الدولي للدرسات الإيرانية (رصانة)، “الاحتجاجات الفئوية والتعبئة الاجتماعية في إيران”، الطبعة الأولى أبريل 2019. ص63 و64 و118.
([41]) مهدي خلجي، مرجع سابق . ص170.
([43]) Kevan Harris, “Iran’s political economy under and after the sanctions” The Washington Post,, 23 April 2015. https://2u.pw/0gU5fa6