ظريف والشرق الأوسط كما تراه إيران.. رسائل ذات مغزى

https://rasanah-iiis.org/?p=36945

طرَحَ مساعدُ الرئيس الإيراني للشؤون الإستراتيجية محمد جواد ظريف -في مقال نشرته مجلة «فورين أفيرز» في الثاني من ديسمبر 2024م- رؤيةَ حكومة مسعود بزشكيان للأمن والاستقرار الإقليمي، أو على حدِّ تعبيره «الطريق إلى السلام كما تراه إيران». وقد تضمَّنت هذه الرؤية وجهةَ نظر إيران فيما يتعلَّق بالتعاون والتكامل الإقليمي ومواجهة التحدِّيات، ومعالجة الخلافات مع الولايات المتحدة والغرب، بما في ذلك معالجة القضية النووية، ووجهة نظر جديدة بشأن تسوية القضية الفلسطينية، وتَمثَّل ما قدَّمه ظريف من تصوُّرات رؤيةً مهمَّةً ومتقدِّمةً للغاية، مقارنةً بمواقف إيران الإقليمية الراسخة. والواضح أنَّ ظريف يطرحُ تصوُّرًا خرجَ من رحِم التفاعلات الداخلية بين جناحي السُلطة في إيران، ونتيجةً للصراع الراهن والضغوط التي يتعرَّض لها المشروع الإقليمي، الذي يتمسَّك به الجناح الأيديولوجي للنظام، كما جاء استباقًا لإدارة دونالد ترامب، التي لديها موقفٌ صارم من التعامل مع التحدِّيات التي باتت تمثِّلها إيران. والأهمّ من ذلك، أنَّ هذا الطرح يلتقي في جوانب منه مع الرؤيةِ السعودية للاستقرار الإقليمي، وهو ما يزيدُ من مساحة حالة الإجماع الإقليمي بشأن مستقبل المنطقة.

أولًا: الخلفية والسياق

يكتسب طرْح ظريف أهمِّيته من السياق واللحظة الفارِقة، التي تمُرّ بها إيران داخليًا وخارجيًا. فداخليًا، يمكن القول إنَّ الوضع الداخلي بلَغَ ذروته، في ظل التحدِّيات الاقتصادية والأوضاع المعيشية الصعبة، التي يواجهها الإيرانيون مع العقوبات والضغوط والعُزلة عن العالم الخارجي، التي تفرض بدورها ضغوطًا غير مسبوقة على النظام. كما تطال التحدِّيات بِنية النظام ككُلّ، بعدما نالت أكثر من أربعة عقود من فاعليته وكفاءته، وبات النظام أمام مرحلة انتقالية غاية في الصعوبة، لا سيّما في مرحلة ما بعد خامنئي، خصوصًا أنَّ مسألة الخلافة أصبحت غامضةً وشديدةَ التعقيد منذ رحيل رئيسي.

أمّا إقليميًا، فإنَّ طرْح ظريف جاء بينما المشروع الذي استثمرت فيه إيران موارد ضخمة على مدى أربع عقود، يواجه حالة من عدم اليقين، وتُوشِك إيران أن تخسر بعض من أذرعها الإقليمية، أو على أقلّ تقدير تفقد قُدراتهم على التأثير، كما هو جارٍ مع حزب الله في لبنان، والجماعات المسلَّحة في سوريا. ومن المُحتمَل أن تمتَدّ الحملة، التي تستهدف هذا المشروع والنفوذ الإيراني لإنهاء فاعلية عقيدة القتال خارج الحدود، التي تبنّاها الحرس الثوري لحماية حدود إيران، بما في ذلك المليشيات العراقية وجماعة الحوثي في اليمن. والأدهى من ذلك أنَّ حدود إيران وسيادتها باتت مُستباحةً أكثر من أيّ وقتٍ مضى، وهو ما يعنى أنَّ رهان الدفاع الأمامي لم يحقِّق مبتغاه في صيانة حدود إيران وسيادتها. وعلى الرغم من محاولة تحقيق التوازن بضربات مضادَّة لإسرائيل وأخرى غير مباشرة للولايات المتحدة، لكن لا تمتلك إيران القُدرة على الصمود في مسار التصعيد على المدى البعيد؛ نظرًا للخلل في موازين القُوى العسكرية والاقتصادية وقوَّة التحالفات الدولية.

وعلى الصعيد الدولي، فإنَّ عودة ترامب إلى سدَّة السُلطة، والعناصر المرشَّحة لتولِّي المسؤولية في إدارته، تُشير إلى نوايا شديدة العداء تجاه إيران، ورُبَّما سياسة أكثر تنسيقًا من إستراتيجية الضغوط القصوى، التي تابعها ترامب خلال ولايته الأولى، مع احتمال تنسيق أكبر مع الأطراف الأوروبية هذه المرَّة، بالنظر إلى دور إيران إلى جانب روسيا في الحرب على أوكرانيا، وإلى التطوُّر الذي وصَلَ إليه برنامجها النووي، حتى أصبحت أكثر من أيّ وقتٍ على مقربة من العتبة النووية، ناهيك عن النظرة السلبية من جانب الغرب إلى دورها في تهديد الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط وللممرّات البحرية الإستراتيجية بالمنطقة.

والحقيقة أنَّه منذ مقتل إبراهيم رئيسي، والسياسة الداخلية في إيران تتنازعها وجهتا نظر من داخل النظام، إحداهما «متشدِّدة» حبيسة إملاءات الأيديولوجيا، ولديها رغبة في مزيد من التحدِّي ومواجهة الواقع عبر سياسة راديكالية متحفِّظة، وذهَبَ أنصار هذا الاتّجاه إلى حدِّ المطالبة بتغيير عقيدة إيران النووية، وقد لقِيَ ذلك حالةً واسعةَ النطاق من الاستنكار والاستنفار الدولي، وقد ثبُت أنَّ خيارات هذا التيّار قد قادت إيران في الأخير إلى مأزقٍ تاريخي. وهناك تيّارٌ آخر واقعي لديه تصوُّرات عملية للخروج من الأزمة التاريخية، التي تمُرّ بها إيران داخليًا وخارجيًا. يمثِّل التيّار الأول الصقور من عناصر الحرس الثوري ورجال الدين وبعض البرلمانيين والمخلصين المحيطين بالمرشد في بعض المؤسَّسات، ويمثِّل التيار الثاني «الإصلاحيين»، وما يمكن وصفهم بتيّار الانفتاح والحوار.

يقعُ ظريف في قلب هذا التيّار الواقعي، بل إنَّه أحد منظِّريه وموجِّهي سياساته، منذ مشاركته في حكومة حسن روحاني كوزير للخارجية، فهو مهندس الاتفاق النووي 2015م، ونهْج التفاهم والحوار مع الغرب. والحقيقة أنَّ عودته مع حكومة بزشكيان كرجل ظل، تلعب دورًا مؤثِّرًا في رسْم السياسة الإستراتيجية الإيرانية على الصعيد الخارجي، إذ لم يكُن ذلك سوى عملية تمَّت هندستها بقيادة المرشد لرسم سياسة واقعية، يمكن من خلالها أن يتجاوز النظام مأزقه الراهن، لا سيّما بعد حرب غزة. فوجود ظريف كعنصر فاعِل في سياسة إيران الخارجية، هو نتاج حالة الإجماع التي خلقها المرشد من رحِم حالة التجاذب بين التيّارين، ويعوِّل عليه في أن يوجِّه سياسة فعّالة يحافظ بها النظام على بقائه، ويتفادى التعرُّض لخسائر قد تطيح بالنظام وتفقد البلاد هويّتها الدينية.

ثانيًا: رؤية شاملة للأمن الإقليمي

يقدِّم ظريف في مقالهِ وجهةَ نظر حول الأمن والاستقرار الإقليمي، تقوم على عدَّة ركائز، أهمّها:

1. تحقيق الاستقرار: وبحسب ظريف، يتحقَّق الاستقرار من خلال تحسين العلاقة مع دول الجوار، وخلْق نظام يعزِّز الاستقرار والثروة والأمن، والتكامل الاقتصادي، وحرِّية الملاحة، وحماية البيئة، والحوار بين الأديان. ويُشير ذلك إلى رؤية تتخطَّى حدود الأمن إلى التعاون الاقتصادي، بل والحوار الثقافي والحضاري؛ للتغلُّب على حاجز المذهبية، الذي هيمن على علاقة إيران بدول المنطقة خلال العقود الأخيرة.

2. ترتيبات جديدة للأمن الإقليمي: تقوم هذه الترتيبات على التقليل على الاعتماد على القُوى الأجنبية، ومعالجة الصراعات، من خلال آليات حلّ النزاعات، ومحاكاة «عملية هلسنكي» في المنطقة؛ من أجل خلْقِ أُسُسٍ جديدة للأمن والتعاون بين ضفّتي الخليج ودول المنطقة، على غرار التعاون بين شطري أوروبا الشرقي والغربي. ويقترح ظريف تفويض عام 1987م، وقرار مجلس الأمن 598، بخصوص إنهاء الحرب العراقية-الإيرانية كأساس قانوني لاتّخاذ التدابير، التي من شأنها أن تعزِّز الأمن والاستقرار في الخليج العربي.

3. دمْج إيران بدلًا عن اتفاقيات أبراهام: يرى ظريف أنَّ هذه الاتفاقيات ثبُت عدم جدواها في عْزل إيران ومحاصرتها، وبالتي يرى ضرورة التخلُّص منها. وبحسب ظريف، فإنَّ دمْج إيران هو ما يجب التعويل عليه، وأنَّ ذلك يمكن أن يتِم من خلال معالجة جذور الصراع، واحتواء إيران وقبولها كجزء من المشروع الإقليمي. ويخاطب ظريف دول المنطقة بقوله، إنَّ الجميع لديه مصلحة في معالجة الأسباب الكامنة وراء الاضطرابات الإقليمية.

4. تسوية القضية الفلسطينية: يرى ظريف أنَّها قضية محل إجماع إيراني مع الدول العربية، وهذه القضية يمكن أن تحفِّز هذا التعاون. وفي سياق ذلك، يعرض ظريف وجهة نظر متقدِّمة تختلف جذريًا مع الخطاب الإيراني الرسمي المعادي لإسرائيل. فعلى الرغم من أنَّ ظريف قد أكَّد على وقْف الاحتلال، وعدم قُدرة الاحتلال على القضاء على حركات المقاومة الشعبية كأمرٍ مُسلَّم به، فإنَّه يقدِّم إيران كلاعب بنَّاء في تسوية الصراع، والتوصُّل لحلٍّ دائم وديمقراطي للصراع، حلّ لا ينفي وجود اليهود على أراضي فلسطين، كما يتبنَّى النظام، حيث يطرح ظريف إجراء استفتاء يتمكَّن فيه كل من يعيش بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسِّط ​​ من المسلمين والمسيحيين واليهود والفلسطينيين، الذين طُرِدوا إلى الشتات في القرن العشرين (مع ذرِّيتهم)، من تحديد نظام حُكم قابل للاستمرار في المستقبل.

5. إطار للأمن الخليجي: يرى ظريف أنَّه من خلال التفاعل البنّاء مع إيران، والالتزام بالدبلوماسية متعدِّدة الأطراف، يمكن بناء إطار للأمن الإقليمي في الخليج العربي، وهذا الإطار الأمني -بحسب ظريف- سيقود إلى الحدِّ من التوتُّرات، ويعزِّز الرخاء والتنمية على المدى الطويل.

6. دور القُوى الخارجية: فيما يخُصّ العلاقة مع الولايات المتحدة، فإنَّ ظريف لا يرى جدوى من الضغط الغربي على إيران، وأنَّ هذه السياسة تأتي بنتائج عكسية، كما جرى بعد انسحاب ترامب من الاتفاق النووي في 2015م، حيث دخَلَ البرنامج النووي مرحلة الغموض، ويحمِّل ظريف ترامب المسؤوليةَ عن ذلك. ويرى ظريف أنَّه يجب تقليل الاعتماد على القُوى الخارجية في المنطقة، وعلى الرغم من التحدِّيات، فإنَّه يطرح إمكانية إحياء الاتفاق النووي، مع شرْط استفادة إيران من مزاياه.

ثالثًا: دلالات ورسائل

تحمل مقالةُ ظريف دلالات ورسائل مهمَّة، من أهمِّها:

1. رؤية أكثر شمولًا: طالما كانت مبادرات إيران الإقليمية مُجتزَأة، كما هو الحال في مبادرة «أمن هرمز»، أو ما سبقتها من مبادرات للحوار مع دول الخليج. لكن ما يطرحه ظريف، يبدو رؤيةً أكثر تكاملًا وشمولًا، وهي تشمل كافَّة الدول العربية، بل تطرح تصوُّرًا للقضية الأكثر تعقيدًا وهي القضية الفلسطينية -وإن كانت لا تتوافق مع الطرح العربي لحلِّ القضية من خلال المبادرة العربية- كما أنَّها تأتي في سياقٍ ضاغِط على إيران، وهو ما قد يجعلها مختلفةً من جهة عدم التناقض مع السلوك الفعلي على الأرض.

2. رغبة في الانفتاح: يبدو أنَّ هناك واقعيةً متنامية في تحديد سياسة إيران، وإدراكًا لخطورة اللحظة الراهنة، فرؤية ظريف تنسجم مع مبادرات عديدة قامت بها إيران على طريق الحوار والانفتاح. ويُشار إلى أنَّ إيران خلال الفترة الأخيرة، سبق أن استقبلت في نوفمبر 2024م مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرِّية رفائيل غروسي، وقدَّمت عرضًا من أجل التعاون، يتعلَّق بوقف تخصيب اليورانيوم، وعودة بعض المفِّتشين الدوليين إلى العمل في إيران، بل دخلت إيران في حوار مع الأطراف الأوروبية المشاركة في الاتفاق النووي. وقد تناول الجانبان النقاش حول الملف النووي، والعلاقات الإيرانية-الروسية، ونفوذ إيران في الشرق الأوسط، ومن ثمَّ فإنَّ مقال ظريف يعكس زَخَم سياسة الانفتاح والحوار، التي تقودها حكومة بزشكيان.

3. تغيُّر في النهج واستعداد لـ «ترامب 2»: في الواقع ما كان هذا الزخم ليتزايد لولا الضوء الأخضر، الذي منحه خامنئي لبزشكيان بالحوار مع «العدو» على حسب قوله، باعتبار ذلك ضرورة. وبالأساس، كان اختيار بزشكيان «الإصلاحي» عبر عملية انتخابية، اعتبرها الكثيرون مُهندَسة، بهدف احتواء الضغوطـ ورُبَّما الاستعداد المبِّكر لعودة ترامب المُحتمَلة إلى البيت الأبيض. ومن ثمَّ فإنَّ ظريف؛ العقل الإستراتيجي لحكومة بزشكيان، تقع على عاتقه مهمَّة بناء سياسة مرِنة قائمة على المشاركة الدبلوماسية والحوار بدلًا عن نهْج المواجهة والتحدِّي؛ وبالتالي اختبار نهْج قديم يساعد إيران في تفادي موجة التصعيد المُتوقَّعة، وامتصاص غضب ترامب وانتقامه واحتواء نهجه العدواني، ويفسح كل ذلك الطريق أمام تغيير مُحتَمل على الصعيد الدولي والإقليمي.

4. فُرصة للتغيير: من الصعب أن يكون ظريف قد كتَبَ مقالته دون استشارة داخلية ومؤسَّسية، بالنظر إلى موقعه الرسمي، ومن ثمَّ فإنَّ ما قدَّمه لا يعكس وجهة نظره وحسب، بل وجهة نظر الحكومة التي ينتمي إليها. وإذ صحَّ أنَّ هناك اتّجاه قوي يدعم ما طرحه ظريف، لا سيّما من الجِهات الأكثر تأثيرًا كالمرشد والحرس ومجلس الأمن القومي، فإنَّ هناك فُرصةً مؤكَّدة من أجل تحقيق اختراق كبير في الحاجز، الذي بنته إيران بينها وبين الإقليم، ورُبَّما كان هذا الحديث هو إشارة إلى الخارج والداخل، وأنَّه من هذا المنطلق من الممكن دمْج إيران واستيعابها، خصوصًا أنَّ الساحة الدولية تشهد نمطًا مركَّبًا من العلاقات التعاونية والتنافسية في مجالات مختلفة، ويمكن إدارتها لتحقيق المصالح المشتركة وخفْض التوتُّرات. بل إنَّ دولَ المنطقة متأثِّرة بنهج مستقِلّ في السياسة الخارجية، يدعم العمل الجماعي على ترتيبات جديدة تحِّقق مصالحها بالأساس، بدلًا عن هيمنة القُوى الدولية.

5. تطابُق مع رؤية السعودية: لا ينكر أحد قدرَ التأثير الإيجابي، الذي تركتهُ السياسة السعودية الجديدة في الإقليم، بما في ذلك التأثير على إيران نفسها، لا سيّما بعدما ظهَرَت فاعلية هذه السياسة في تحقيق مصالح المملكة، وتعزيز موقعها الإقليمي ومركزها العالمي كقوَّة ناشئة صاعدة. وقد كانت المملكة سبّاقةً في طرْح مبادرة شاملة من أجل الاستقرار الإقليمي، وقد بدأت هذا النهج بالمصالحة مع إيران، وتسوية الخلافات مع القُوى الإقليمية، وتصفير المشكلات والانفتاح على تلك القُوى، وتنويع الشراكات على الصعيد العالمي، وعدم الانخراط في محاور إقليمية متنازِعة، أو متابعة إملاءات القوى الكُبرى. وقد أثمر ذلك عن نتائج إيجابية صبَّت في دعْم خِطَّة التنمية و«رؤية 2030». وتجنَّبت السعودية التداعيات السلبية للصراع الإقليمي، وحمت نفسها من الاستقطاب، ولا شكَّ أن إيران التي ترى السعودية كمنافسٍ إقليمي قد تأثَّرت بهذا التوجُّه الرائد، ورُبَّما كان الحوار الذي أعقب المصالحة، قد خلَقَ وجهات نظر متقاربة حول الترتيبات الإقليمية ومستقبل المنطقة ونظامها. وهكذا، يمكن أن يقود الجانبان رؤيةً أكثر تنسيقًا من أجل خلْق واقع إقليمي جديد، يقوم على التعاون وعدم الاستقطاب، وتنويع المجالات، وإدارة النزاعات وتسويتها عبر آليات سِلْمية.

خلاصة

في الأخير، يمكن القول إنَّه ما كانت إيران لتخلُص إلى السماح بتقديم هذه الرؤية، لولا أنَّ مشروعها، الذي علَّقت عليه آمالًا عريضة في القيادة والهيمنة الإقليمية، قد تعرَّض لضربة كبيرة، وبات النظام في مواجهة تحدِّيات وتهديدات غير مسبوقة. وهو ما دفعها نحو الواقعية، والاستعانة بـ «داهية السياسة الخارجية» محمد جواد ظريف لتنسيق إستراتيجيتها؛ للخروج من المأزق الراهن، بعدما ثبُت قصور وجهة نظر العناصر «المحافظة» و«الراديكالية»، التي كانت تقود النظام والبلاد إلى الهاوية.

والواقع أنَّه قد يكون من المناسب عدم تفويت الفُرصة الراهنة، من أجل جذْب إيران، ومساعدتها على تجاوُز قيود الأيدولوجيا، وتفكيك حالة العداء والتدخُّل التي فرضتها على الإقليم والمنطقة. والسعودية أكثر من غيرها، هي القادرة على أن تُبلوِر الواقعَ الجديد؛ من أجل خلْق شرق أوسطٍ جديد أكثر أمنًا واستقرارًا؛ يمكن أن يستوعب إيران، ولطالما أكَّدت القيادة السعودية على أنَّها لا تعارض أن تكون إيران قَّوة إقليمية فاعِلة ومشارِكة، لكنَّها تعارضها كقوَّةِ تدخُّلٍ ودعْمٍ للفوضى.


الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر كاتبها، ولاتعكس بالضرورة رأي المعهد

د. محمود حمدي أبو القاسم
د. محمود حمدي أبو القاسم
مدير تحرير مجلة الدراسات الإيرانية