جولة ترامب الخليجية تعكس المكانة والنفوذ المتنامي للسعودية ودول الخليج

https://rasanah-iiis.org/?p=37686

بواسطةد.محمد زاهد

حظيت زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى الخليج باهتمام واسع، وأثارت تساؤلات المراقبين حول تداعيات هذه الجولة الخارجية الأولى، ومآلاتها على العلاقات الأمريكية-الخليجية والسلام والاستقرار الإقليميين. يرى البعض، أنَّ الزيارة اقتصادية بحتة، تهدف إلى توقيع صفقات ضخمة مع دول الخليج «الثرية». غير أن هذا التحليل، على الرغم من صِحته إلى حد ما، أغفل نُقطة مهمة؛ وهي أنَّ دول الخليج تتولى الآن أدوارًا ومواقع رئيسة في الشؤون الإقليمية والعالمية. وفي الآونة الأخيرة، سَطع نجم دول الخليج تحت قيادة قادة طموحين عازمين على تحويل دولهم وتوسيع نطاق هذا التحول ليشمل المنطقة برمتها. لذلك ولتقديم تحليلٍ دقيق لأول زيارة خارجية لترامب، لا بد من وضع الزيارة في سياق ديناميات الخليج المتغيرة؛ فقد أصبحت دول الخليج الآن في صُلب المنافسة العالمية، حيث تتنافس قوى مثل الولايات المتحدة والصين وروسيا على جذبها لجانبها. ولكن الأهم من كُل هذا أنَّ دول الخليج تبنت سياسة خارجية جديدة تقوم على البراغماتية والتنويع في الشراكات، وهذه السياسة مُتعددة الاتجاهات، تسعى لتحقيق التوازن بين المحاور العالمية دون المساس بمصالحها الوطنية والإستراتيجية.

كانت المملكة المحطة الأولى لجولة ترامب، وشهدت توقيع صفقاتٍ اقتصاديةٍ شاملة، واتفاقيات في قطاع الدفاع والأمن. تجدر الإشارة هُنا إلى أهمية المملكة في المُساعدة على حَل وتسوية مُختلف القضايا الإقليمية، سواء في الملف النووي الإيراني أو اليمن أو سوريا. لذلك، لم يكن اختيار ترامب الرياض كوجهة أولى لزيارته الخارجية مُفاجئًا، لا سيما أنَّ سياسة القيادة السعودية تقومُ على رؤيةٍ إقليميةٍ تسعى نحو إحلال السلام والاستقرار والدفع نحو التعايش. يتلاقى هذا مع رغبة ترامب في إنهاء الفوضى والأزمات في الشرق الأوسط، مما سيُمكن إدارته من تحويل جُل اهتمامها نحو تحركات الصين في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. ويُدرك ترامب تمامًا أنَّ وليَّ العهد الأمير محمد بن سلمان قائدٌ ذو رؤية ثاقبة، يسعى إلى إحداث تغييرات جذرية في المملكة والمنطقة، ومستعدٌّ للتوسط في الأزمات لتسوية النزاعات في المنطقة.

ويتماشى هذا مع رؤية ترامب للسياسة الخارجية المتمثلة في اتباع نهج عدم التدخُل في الأزمات والصِراعات، وإفساح المجال للجهات الإقليمية الفاعلة لتحمّل المسؤولية، بدلًا من الاعتماد على القوة الصلبة الأمريكية ومظلتها الأمنية. وفي هذا السياق، يُذكر أن لولي العهد دورًا حاسمًا في رفع ترامب للعقوبات عن الإدارة السورية الجديدة. تُبرز هذه التطورات المكانة والنفوذ المتزايدين لولي العهد والخليج في الجغرافيا السياسية الإقليمية. إضافة إلى ذلك، وعلى النقيض من إدارتي أوباما وبايدن، يبدو أن ترامب يصغى باهتمام إلى رأي السعودية والخليج فيما يتعلق بالمحادثات النووية بين واشنطن وطهران؛ إذ ترغب دول الخليج في اتفاق نووي يشمل القضايا الخلافية العالقة، وعلى رأسها برنامج الصواريخ الإيراني ودعم إيران لأذرعها الإقليمية، التي تسببت في فوضى بالمنطقة.

واصلت المملكة تعزيز علاقاتها مع الولايات المتحدة عبر عقد الاتفاقيات والدخول في برامج ومُبادرات متنوعة، لكنها لم تتخلَّ عن شراكاتها مع دول أخرى مثل الصين وروسيا؛ إذ تهدف المملكة تحت رؤية 2030، إلى تنويع اقتصادها وشراكاتها، مما يستلزم إقامة وتعزيز العلاقات مع الدول النافذة. حتى الآن، أظهرت المملكة بقيادة ولي العهد حنكة كبيرة في التحرك بالساحة الجيوسياسية المتقلبة والتنافس الدائر بين القوى العالمية. فلم تتخلَّ المملكة عن هذه العلاقات والشراكات، ولم تُدر ظهرها عن الجنوب العالمي، بل أشارت في الوقت نفسه إلى عزمها أن تكون جسرًا بين شمال العالم وجنوبه، والمساعدة في التعامل مع القضايا والأزمات الدولية. 

ولا شيء يُعيق صعود المملكة، إذ تُسهم اليوم في عِدة قطاعات حيوية مثل التكنولوجيا، والذكاء الاصطناعي، والاقتصاد الأخضر والابتكار. ولم يعُد تصنيف دول الخليج كدول غنية بالنفط فحسب يعكس الواقع، فقد أصبحت في طليعة الابتكار، وهو ما يتضح في سعي القوى العالمية لإقامة شراكات معها. على صعيد آخر، شكلت زيارة ترامب تحولًا في المحاور الإقليمية وديناميات القوة، ووجهت رسالة لإيران وإسرائيل بضرورة تبني سياسات ورؤى تقدمية على غِرار المملكة ودول الخليج، بدلًا من التمسُك بالعزلة وإثارة الصراعات. ربما يشهد الشرق الأوسط «أوروبا الجديدة» رغم ما يعانيه من فوضى. وفي طريق هذا المستقبل، لن تتحقق التحركات إلا بما يخدم المصالح الإقليمية ويلبي طموحات شعوب المنطقة. في هذا السياق، تُعد دول الخليج، وخاصة المملكة، مِثالًا جديرًا بأن تحتذي به الحكومات للمُضي قُدمًا نحو تنمية اجتماعية واقتصادية وسياسية.


الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر كاتبها، ولاتعكس بالضرورة رأي المعهد

د.محمد زاهد
د.محمد زاهد
باحث وممثل اتصال بالمعهد الدولي للدراسات الإيرانية