الأوتاد الاستراتيجية الإيرانية شمال الخليج

https://rasanah-iiis.org/?p=1354

بواسطةد. ظافر محمد العجمي

عند إبعاد المجهر للخلف، كي تظهر الصورة الأوسع للمشهد الإيراني، يتضح لنا أن اهتمام طهران غير منصب فقط على جنوب الخليج العربي كما يعتقد البعض، بل وعلى شماله أيضاً.ورغم تصريحات مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي بأن ضمان أمن منطقة الخليج ينبغي أن يكون بيد دولها[1]، ورغم سعي إيران إلى إظهار قوتها الإقليمية، وقدرتها على تنفيذ تهديدها الدائم بإغلاق مضيق هرمز كما يفعل قادة الحرس الثوري عند كل مناورة، ورغم إطلاق التصريحات العدائية ضد مملكة البحرين، سواء عبر مسؤوليها أو أتباعها في المنطقة، ورغم زيارة الرئيس محمود نجاد الاستفزازية لجزيرة أبو موسى الإماراتية المحتلة، رغم ذلك كله نعتقد أن الأمر لا يعدو أن يكون تحركات ومصطلحات ذرائعية تصكها وتوظفها طهران للتغطية على هدفها النهائي، وهو الهيمنة الكاملة على الخليج، جنوبه وشماله.ولكون جنوب الخليج يضم مضيق هرمز، وهو قصبة تنفس جهاز تزويد العالم بالطاقة، فقد سلطت الأضواء على الأنشطة الإيرانية فيه، وفي الأسطر القادمة سنلقي الضوء على شمال الخليج العربي والأوتاد الاستراتيجية الإيرانية التي لم تتوقف طهران عن دقها، وحيز المناورة لدول الخليج لإيقاف الخطط الإيرانية هناك.

الأوتاد الاستراتيجية الإيرانية

دقت طهران أوتادها في الجزر العربية الثلاث المحتلة، لما تتمتع به من مميزات استراتيجية مهمة، فالجزر صمام يشرف على امتداد الطريق الضيق الذي يعبر الخليج العربي نحو مضيق هرمز، ومنه إلى خليج عُمان. كما أن عدداً من حقول النفط والغاز البحرية تقع على مقربة من الجزر الثلاث، مما يعطيها أهمية استثنائية [2].أما الوتد الثاني ففي مضيق هرمز، حيث لم يتوقف الحرس الثوري الإيراني منذ ثلاثة عقود عن إقامة مناورات عسكرية بحرية واسعة في المضيق، وتستمر أياماً عدة، منطلقة من جزيرة لارك عند مدخل المضيق، ومعكرة السلم البحري جراء الرمايات بالذخيرة الحية وزرع الألغام البحرية، وإطلاق صواريخ بالستية، ومحاكاة استهداف سفن عدو افتراضي، ثم السيطرة على المضيق بإغراق سفن لإغلاقه.ويعد شمال الخليج العربي (الأحواز– البصرة – الكويت – الأحساء) أكبر حوض نفطي في العالم بإنتاجه واحتياطيه، وهو حوض عربي الوجه واليد واللسان، ففي شمال الخليج العربي، يسكن العرب في البصرة والكويت والأحساء، وفي العديد من مدن عربستان التي أهمها الأحواز والمحمرة. ويعيش شمال الخليج حالياً حالة من الصراع على النفوذ بين جبهتين، الأولى دول الخليج العربي، تدعمها بعض الضمانات الغربية الهشة، والثانية إيران. وهذا الصراع أخذ أشكالاً عدة، منها الصراع السياسي والاقتصادي والعسكري. وتبنت إيران استراتيجية خاصة تجاه الخليج العربي، مفادها أن أمن الخليج جزء من الأمن القومي الإيراني، وينبغي الحفاظ عليه من أي تدخل أجنبي، وهي تعتبر الوجود العسكري الغربي في منطقة الخليج العربي تهديداً لأمنها[3]. وفي ظل هذه التفاعلات، بدأت إيران في دق أوتاد استراتيجيته خاصة بها، من خلال مجموعة مشاريع استراتيجية ضخمة طويلة الأمد في شمال الخليج كالتالي:

 شط العرب

تشغل إيران مكانة بارزة في المعادلة الإقليمية والدولية، بوصفها نقطة صراع بين القوى العظمى، بناء على نظرية قلب الأرض “heart land” التي وضعها ماكندر “Mackinder”، وتقول إن من يسيطر على مناطق الساحل، يسيطر على مناطق الظهير، وبالتالي السيطرة على قلب العالم. فالأهمية الأصلية هي لسواحل الخليج العربي وخليج عمان وبحر العرب، وبالتالي أتت أهمية منطقة الظهير الإيرانية[4]. وإذا كانت إيران حققت نجاحات في فرض إرادتها على مضيق هرمز، وهو منفذ الخليج العربي الجنوبي؛ فإن طموحاتها في السيطرة على منفذه الشمالي، وهو نهر شط العرب، قديمة قدم حضارة النهرين اللذين يصبان فيه. ويبلغ طول الشط نحو 200 -204 كلم من بدايته في القرنة إلى مصبه في الخليج في رأس البيشة جنوب الفاو، أما عرضه فمتفاوت، فهو عند المصب يبلغ أكثر من كيلومترين، في حين يبلغ عند البصرة حوالي الكيلومتر الواحد[5].ورغم تراجع الخلافات الإيرانية – العراقية حول نهر شط العرب إبان الملكيات الهاشمية والبهلوية المتدثرة بالحكم البريطاني، ثم تحت عمامة الهدنة المذهبية الراهنة، إلا أن ما بين العراق وإيران يبقى أطول حقد دولي تاريخي موثق. فلتأمين تحرك ناقلات النفط الإيراني من مصافي عبدان، لم يقتنع الشاه محمد رضا بهلوي بـ16 كلم متر منحت له إبان حكم البريطانيين، فأعلن عام 1970 إلغاء معاهدة 1937 من طرف واحد بعد أن وضعت الولايات المتحدة يدها على أكثر من 80% من النفط الإيراني، وظهرت حاجتها أيضاً لشط العرب. وقامت طهران بتحريض أكراد العراق ضد الجيش العراقي، فاضطر العراق إلى إبرام اتفاقية الجزائر، وقدم نصف شط العرب مقابل وقف الدعم الإيراني للأكراد[6].ورغم أن كل شط العرب حتى 1975 كان نهراً داخلياً للعراق، إلا أن العراق بموجب اتفاقية الجزائر تنازل عن الشاطئ الشرقي، وأصبحت الملاحة مشتركة.

وبعد سقوط البعث، وفي ظل ظروف سيادية غير متكافئة، وتحت إدارة حكومات طارئة مؤقتة تحتمي بالمنطقة الخضراء لتمارس سوء الإدارة والفساد، استغلت طهران الفرصة لتمارس تغيير جغرافية شط العرب المحتل، ليتساوى مع ما تقوم به في الجزر الإماراتية المحتلة، إذ أعلن قائد قوات حرس الحدود الإيراني العميد قاسم رضائي في أبريل 2016 أن مناورات ستنفذ قريباً في نهر شط العرب “أروند”، ومصبه شمال الخليج، وسيتم تسيير دوريات بحرية  إيرانية، وكأن ملكية إيران منفردة للشط، حيث تجاوز رضائي حقيقة أن اتفاقية الجزائر كانت سبب حرب السنوات الثماني قبل أن يتراجع نظام صدام ويعلن التزامه بها، بعيد غزو الكويت 1990، وسيكون التدخل الحالي بذوراً لحروب قادمة هي جزء من قدر هذا المصب المائي[7].

 تفريس الأحواز

-كشفت دراسات عن أسرار الجفاف الذي ضرب منطقة الأنهر الأحوازية بأنه في إطار مخطط إيراني عمره 12 عاماً، يستهدف التأثير على البيئة العربية، ودفع المزارعين الأحواز إلى هجر المنطقة بعدما تم قطع المياه عن أراضيهم الزراعية الخصبة، بل وتعمل طهران على حرف أكبر مجرى لمصدر الحياة في الأحواز المتمثل في نهر قارون إلى بعض المدن الإيرانية كـ “إصفهان، وشهركرد، ورفسنجان” لدعم مشاريع زراعة الفستق والزعفران، والتي تمثل أهم مصادر الدخل للعديد من القيادات في النظام الإيراني. فضلاً عن إعلان إيران عزمها إقامة عدد من الشركات الضخمة لتعبئة المياه المعدنية، وإعلانها الوصول للمراحل النهائية لمشروع سد “بختياري” في منطقة الأحواز، وهو أعلى سد إسمنتي في العالم، مما أدى لجفاف المنطقة الشمالية للخليج العربي[8]، في مقابل ازدهار زراعي واقتصادي وصناعي إيراني، وحصول طهران على ورقة ضغط أمنية تهدد الأمن القومي العربي في شمال الخليج. كما أن هذا السد والطرق التي فوقه سيكسبان الحرس الثوري سرعة التحرك العسكري باتجاه الأحواز.كما قامت طهران بعملية استيطان إيراني في الأحواز بتجمعات سكانية غير عربية، تحتوي على بنية تحتية خدماتية وأمنية متكاملة، وتستوعب أعداداً ضخمة من الإيرانيين الذين يتم جلبهم من خارج الأحواز. وكان الاستيطان الإيراني في الأحواز السبب الأساسي وراء اندلاع انتفاضة أبريل عام 2005م في المنطقة، حيث سرب ناشطون وثيقة تدعى “المشروع الأمني الشامل لمحافظة خوزستان”، وهي عبارة عن خطة أمنية شاملة تهدف لإجهاض الحراك العربي في الإقليم الأهوازي بمختلف الطرق، ومنها قمع الحركات السياسية، والاستمرار في مخطط التغيير الديمغرافي، وتهجير العرب من مناطق سكناهم[9].وفي أكتوبر 2008 وحدها تم توثيق تهجير 500 عائلة أحوازية من منطقة الشعيبية، وجلب مستوطنين إيرانيين لتفريس الأحواز[10].ولفرض الثقافة الفارسية، تم اعتبار التحدث باللغة العربية في الأماكن العامة على رأس المحرمات، تحت طائلة العقاب، كما قررت إيران أن تكون مناهج الدراسة في المدارس باللغة الفارسية فقط، ولا يجوز التحدث بأي لغة أخرى، ومُنع الأحوازيين من تسمية مواليدهم بأسماء عربية، ومنع لبس الزي العربي، واستبدل باللبس البهلوي الفارسي[11]. كما صدرت تعليمات بتأسيس قنوات ووسائل إعلام باللغة العربية ذريعة مواجهة التكفيريين والوهابية في الإقليم.

قطار طروادة الفارسي

منذ تأسيسها، امتهن أغلب سكان الكويت الأعمال البحرية، الأمر الذي ساعد على تحويل الكويت إلى مركز تجاري في شمال الخليج العربي، بل وميناء رئيسي لكل من شبه الجزيرة العربية وبلاد الرافدين؛ وما كان إنشاء ميناء مبارك الكبير شرق جزيرة بوبيان الواقعة شمال الكويت إلا استمراراً لإرث الكويت التجاري البحري، حيث سيضم الميناء 60 رصيفاً، ليكون واحداً من أكبر الموانئ في الخليج العربي. وسيكون بوابة الكويت للانفتاح على العالم تجارياً واقتصادياً. وحال الشروع في بناء الميناء مارس 2011 ثارت احتجاجات إعلامية وبرلمانية عراقية تزعمها وزير النقل هادي العامري، من التحالف الوطني مع 15 عضواً آخر قريبين لإيران، بحجة أن ميناء مبارك عائق بحري سيخنق منفذ العراق على مياه الخليج، وسيفقد ميناء الفاو الكبير العراقي قبالته أية جدوى [12].لكن حقيقة الأمر أن ميناء مبارك الكبير قلق إيراني أكثر منه قلقاً عراقياً، فالأموال التي رصدت لميناء الفاو الكبير استنفدها وبددها الفساد القابع في المنطقة الخضراء ببغداد. فإيران لا تعجبها فكرة الميناء الكويتي، وتراها تكريساً للوجود الغربي في الكويت، وقاعدة لوجستية للجيش الأمريكي في منطقة شمال الخليج الغنية بالنفط. وبالتالي فإن إيران هي من حرضت بعض الأحزاب العراقية الموالية لها على افتعال مثل هذه الزوبعة الإعلامية والسياسية، لأن لها مشاريع لا يسهل نجاحها بوجود كتلة اقتصادية ضخمة بحجم ميناء مبارك الكبير، ومن تلك المشاريع عزم إيران ربط مراكزها الإنتاجية بشمال الخليج، عبر إنشاء سكة حديد تربط الوسط بالخليج، ثم ربطها بمشروع سكة حديد المحمّرة – بغداد – دمشق.وفي مشروع إيران لربط شمال الخليج بمراكز إنتاج السلع في وسط  إيران، يجري إنشاء سكة حديد طولها 490 كلم، تتضمن 8 محطات “بافق، ويزد، ونظر آباد، وميبد، وأردكان، وسيستان، وأصفهان، وزين شهر”. وليتم افتتاح المشروع صيف 2017 بهدف تقليص المسافة الزمنية لقطارات الشحن من 18 إلى 12 ساعة. إضافة إلى توظيف استثمارات بـ25 تريليون ريال، واسترجاع الاستثمارات في غضون 6 سنوات. ورفع طاقة الحمل المحوري من 25 إلى 30 طناً، في سابقة هي الأولى بمنطقة الشرق الأوسط[13].وقد وجدت طهران أن الانتقال من الهامش إلى مركز الأحداث في شمال الخليج يتطلب ربط هذه السكة الداخلية ببعد خارجي، لذا ظهر للإعلام مشروع سكة حديد المحمّرة – بغداد – دمشق متكاملاً في سبتمبر 2010م، وهو مشروع بدأ التخطيط له عقب الاحتلال الأمريكي للعراق 2003م، ومن خلاله ستلتحم سكك الحديد في سوريا وإيران عبر سكك الحديد العراقية. فالمشروع يمهد لوحدة جغرافية محورها إيران، وتشمل الهلال العربي الخصيب من الشام وحتى شمال الخليج العربي.

ويذهب البعض إلى أن للخط مخاطر على الأمن القومي العربي؛ فالخط كحصان طروادة إيراني لوضع بغداد بين كماشة النظامين الإيراني والسوري، وسكة الحديد هذه التفاف على العقوبات الدولية، وهذا ما حدث بالفعل، إذ حولت إيران العراق إلى سوق ضخم للمنتجات الإيرانية بغض النظر عن جودتها، بل إن بعض المنتجات يتم تصديرها للعراق ولا تباع في الأسواق الداخلية بسبب رداءة المنتج، وعدم مطابقته لأدنى معايير الجودة[14].وبهذا الخط ستكون العراق طرفاً رئيساً في إعادة تأهيل الاقتصاد السوري، ولتصبح إيران منطقة ربط بين الشام وآسيا الوسطى، والخط يمكن أن يكون تمويهاً لنقل الجنود تحت غطاء نقل ملايين الزوار الإيرانيين لكربلاء، خصوصاً أن “شركة خاتم الأنبياء” إحدى شركات الحرس الثوري ربحت صفقة الخط، ووصفت طهران المخطط بالمشروع الاستراتيجي وبالحلم القديم الذي عطّل صدام تنفيذه[15].

إنتاج المزيد من الميليشيات شمال الخليج

لم تكن مشكلتنا مع إيران يوماً في إنتاجها المزيد من المفاعلات النووية، بل في إنتاج المزيد من الميليشيات، حيث ظهر الحشد الشعبي بالعراق – وهو شكل من أشكال الأذرع العسكرية الإيرانية – بإيحاءات من طهران. ويدعم خروجه ظرف طارئ سهل ظهور فتوى “الجهاد الكفائي”، التي أطلقتها مرجعية النجف الأشرف، بعد سيطرة تنظيم داعش على مساحات واسعة من العراق. ولا ينكر أحد في العراق الدور الإيراني في ولادة الحشد الشعبي وإرضاعه، فالدعم الإيراني للحشد شمل الأسلحة والخبرات العسكرية، كما اعترف بذلك نوري المالكي بأنه لولا الدعم الإيراني لكان الوضع في العراق صعباً جداً؛ وكان الدعم الإيرانيّ جدياً وسريعاً، حيث سحب الحرس الثوري السلاح للحشد من مخازنه[16]. وفي ظهور الحشد كذراع إيرانية تأكيد لاستراتيجية أخذت بوادرها في الظهور شمال الخليج العربي، حيث صرح علي يونسي مستشار الرئيس الإيراني حسن روحاني قائلاً: “إيران اليوم أصبحت إمبراطورية كما كانت عبر التاريخ وعاصمتها بغداد حالياً، وهي مركز حضارتنا وثقافتنا وهويتنا اليوم كما في الماضي”[17]. ومن بغداد ستبدأ الخطوات الأخرى القادمة ممتطية الحشد الشعبي، ومنها استعداد الحرس الثوري الإيراني للتحرك باتجاه الكويت والمملكة العربية السعودية، حيث تجري حالياً استعدادات لبناء قواعد ومعسكرات قرب الحدود مع المملكة تحت إشراف وتوجيه مباشر من الحرس الثوري الإيراني.كما أن من الخطوات الأخرى زج آلاف المنتسبين في هذه القواعد والمعسكرات، من ميليشيات يشرف عليها فيلق القدس قاسم سليماني من البحرين ولبنان وأفغانستان بل ومن السعودية، وهم الذين ظهروا مشاركين في الهجوم على الفلوجة، محتمين براجمات صواريخ تحمل صورة “نمر النمر”. أما الخطو الثالثة فستكون شرعنة هذه الميليشيات بتأسيس الحرس الثوري العراقي، والزج به ضد دول الجوار، بعد أن صار للحرس الثوري الإيراني وجود مباشر ورسمي في العراق[18].

أخيرا ً

فإن الخلاصات الأساسية التي يمكن الوصول إليها، هي أنه إذا كانت العلاقات الخليجية – الإيرانية في جنوب الخليج مرة بطعم النووي ونكهة اليورانيوم، فهي ليست بطعم مستساغ في شمال الخليج. وستكون أشد مرارة حين تنتهي طهران من مشاريعها، و”تطويع” شمال الخليج بالمعنى الحاد للعبارة. ولكن هل بدأت الجبهة الخليجية بالتجوف من الداخل وآيلة للانهيار بشكل لا براء منه؟في تقديرنا أن هناك حيزاً للمناورة الخليجية؛ ففي ما يخص تواصل إنتاج المزيد من الميليشيات الموالية لطهران في شمال الخليج، يمكننا بجهد استخباري محكم، ودبلوماسية يحركها سفراء زادهم الاستراتيجيا لا مهارات العلاقات العامة، يمكننا تغيير خريطة الهياكل العسكرية في العراق. حيث كان الحرس الثوري حاضراً في سياقات تشكل تلك الهياكل، ونجح قاسم سليماني في خلق نقطة التحوُّل والمسار المستقبلي للعسكرية العراقية.أما نقطة ضعف المنظومات التي أقامها سليماني، فتكمن في تبنيها العقيدة العسكرية الإيرانية التي لا تتعدى كونها دفاعية ومصممة لإعاقة أي احتلال لإيران وفرض حل دبلوماسي لا يناسب مصالحها.فالميليشيات العراقية الموالية لإيران تفتقد الروح التعرضية أو المبادرة بالهجوم، وانتكاسات وطول فترة اقتحام الفلوجة خير دليل على ذلك. وعلينا أن نبدأ بتفكيك التحالفات الإيرانية العشائرية السنية التي تمت بدعاوى حرب الإرهاب، ثم إعادة تركيبها كغريم لطهران. كما يمكن الولوج إلى عمق تحالف ميليشيات الحشد الشعبي نفسه مع سليماني، فهي كانت نتيجة علاقة غير متكافئة بين ثقافتين متناقضتين، فقاسم سليماني ينتمي إلى ثقافة قومية فارسية عقائدية إمامية، تستند إلى الإيمان المطلق بثوابت القومية والعقيدة، ولا يمكن فصل إحداهما عن الأخرى. بينما تعلمت فصائل الحشد منذ أيام الشتات في عصر طغيان البعث الثقافة البراغماتية والمنهج التجريبي المصلحي، فالفرق الفكري هو الثغرة لتؤسس الأصابع الخليجية فيها لحظات التحريض .

وامتداداً لنفس النهج، يمكننا تطوير واستثمار مبادرات لإعادة صنع عروبة العراق، حيث كان ترك بغداد في يد المرضعة الفارسية مدة طويلة غباء استراتيجياً، تشكل بفعل غياب الخطائين التوابين استراتيجياً. ولعله آن الأوان لعودة ابنة الرشيد لحضن أمها العربية. حتى لا يصبح العرق مثل الأحواز ويتم تذويب عروبته بحجة تبعيته لولاية الفقيه، فالمذهبية عابرة للقوميات في الفكر الإيراني. وما دمنا في مرحلة إعادة تدوير لمياه آسنة، يجب دعم حق الأحوازيين في الاحتفاظ بهويتهم. فقد استنفدت دول الخليج حصتها من اللامبالاة. وفي تقديرنا أن امتداد الزمن العسكري والتمرد المسلح لحل مشكلة عربستان غير واقعي لضمور الروح الثورية المسلحة بين الأحوازيين أنفسهم. والحل في تقديرنا هو اعتماد تقرب غير تحريضي، كما يفعل العرب مع فلسطينيي الداخل، بنشر توجيهات حازمة بتحريم بيعهم لأراضيهم، وبيوتهم لغير العرب، وإقامة مراكز لحفظ تراث الأحواز التاريخي، وتنشيط المرجعية والحسينية العروبية، ورفع المستوى التعليمي، ومحو الأمية والمستوى الصحي، والوعي الثقافي، لضمان عدم ذوبان الجنس العربي.لقد كان شط العرب نهراً داخلياً للعراق، ولم تظهر تلك الخريطة المثخنة بجراح الحروب إلا نتاجاً للموقف السلبي من حركة التاريخ لتحقيق مكاسب آنية مرة للتفرغ لحرب الأكراد ومرة لإرضاء الولي الفقيه، حتى أصبح شط العرب مكباً للنفايات وميداناً لمناورات زوارق خفر السواحل الإيرانية، ولعل جذب نظر العالم للكوارث البيئية فيه خير مدخل لاستعادته لواجهة الأحداث، وإن لم يكن فلتدويله، بدل السيطرة الإيرانية الكاملة بتواطؤ مع صانع القرار والمشرع العراقي الفاسد في المنطقة الخضراء، حينها لن يكون ميناء مبارك الكبير الكويتي خطراً على ازدهار ميناء الفاو أو الملاحة في شط العرب والبصرة، بل مكمل لكتلة اقتصادية عربية ناجحة في شمال الخليج العربي.

[1]
[1] كريم مجدي ماذا يحدث حالياً عند مضيق هرمز؟ موقع ساسة بوست.22مايو2015م. https://goo.gl/R7wMAh
[2]
[2] توماس ماتيرالجزر الثلاث المحتلة لدولة الإمارات العربية المتحدة:طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى. مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية. 2005م. https://tinyurl.com/z8ycxn5
[3]
[3] . إياد عايد والي البديري. الدور الاستراتيجي لإيران في منطقة الخليج العربي. مجلة القادسية للعلوم الإنسانية المجلد الحادي عشر : العدد 3 /2008م.ص358
[4]
[4] .  !https://goo.gl/w26bjn  .Bhimasen Hantal.Mackinder’s Heartland Theory – Explained
[5]
[5] . د. خيون العكيلي. تدهور نوعية مياه شط العرب.. المشكلة والحل. موقع الصباح الجديد. 8 سبتمبر 2015مhttps://www.newsabah.com/wp/newspaper/60329
[6]
[6] . د. عبد الله الأشعل. القضايا القانونية والسياسية في العراق المحتل. آفاق معرفة متجددة.4 يوليو2014م. https://goo.gl/Y7taAm
[7]
[7] . ظافر العجمي. شط العرب المحتل. صحيفة العرب القطرية. 25 مايو 2016م. https://tinyurl.com/h3rz7de
[8]
[8] . تفاصيل المخطط الإيراني لتجفيف شط العرب والأنهر الأحوازية. شبكة الدفاع عن السنة .14 سبتمبر 2009م. https://goo.gl/RntP6l
[9]
[9] . المشروع الأمني الشامل لخوزستان يهدف إلى تهجير عرب الأهواز. العربية نت.7 أبريل 2016م https://tinyurl.com/gu8xfux
[10]
[10] . One dead in Ahwaz clash.alarabiya.16 April 2011  https://goo.gl/Mxv3aD
[11]
[11] . حمد سالم المري. الأحواز العرب المنسية. الوطن الكويتية. 9 مارس 2016م https://alwatan.kuwait.tt/articledetails.aspx?id=471506&yearquarter=20161
[12]
[12] . عبد الرحمن الماجدي. ميناء مبارك الكبير: أزمة جديدة تدخل أروقة البرلمان العراقي. صحيفة إيلاف الإلكترونية.5 سبتمبر 2011م. https://elaph.com/Web/news/2011/9/680874.html
[13]
[13] . إنشاء خط سككي يربط الخليج الفارسي بالمراكز الإنتاجية وسط  إيران. موقع وكالة أنباء فارس 4 مايو 2016.  https://ar.farsnews.com/economy/news/13950215000611
[14]
[14] . محمد السلمي. الانتقام الإيراني من العراق. الوطن السعودية.8 يونيو 2016م.  https://www.alwatan.com.sa/Articles/Detail.aspx?ArticleId=30860
[15]
[15] . خالد الزرقاني. مخاطر خط حديد المحمّرة - بغداد - دمشق على الأمن القومي العربي. شبكة البصرة.22 أكتوبر 2010. https://www.albasrah.net/ar_articles_2010/1010/zrqani_221010.htm
[16]
[16] . المالكي: الحشد الشعبي والدعم الإيراني أوقفا انهيار الجيش العراقي. راديو إيران. 25 نوفمبر 2014.  https://tinyurl.com/hak6ekc
[17]
[17] . محمد السلمي. الانتقام الإيراني من العراق. الوطن السعودية.8 يونيو 2016م.  https://www.alwatan.com.sa/Articles/Detail.aspx?ArticleId=30860
[18]
[18] . مرجع شيعي: إيران تستعد لإقامة قواعد عسكرية بالعراق قرب حدود السعودية. وكالة (آكي) الإيطالية للأنباء 9 يونيو 2016.  https://www.adnki.net/AKI/?p=6583
د. ظافر محمد العجمي
د. ظافر محمد العجمي
المدير التنفيذي لمجموعة مراقبة الخليج