يساور الاتحاد الأوروبي القلق جراء التوتُّرات المتصاعدة في شمال كوسوفو، إذ يدرس الاتحاد مخاطر احتمالية تدخُّل روسيا في الصراع الدائر بين كوسوفو وصربيا، في ظل حربها مع أوكرانيا، لكن يبقى نفوذ الاتحاد الأوروبي محدودًا بسبب الافتقار إلى مسار معتمَدٍ بشأن حصول كلا البلدين على عضوية كاملة في الاتحاد الأوروبي، أمّا الدول التي تتمتع بقدر أكبر من النفوذ على صربيا، فهي ألمانيا، إذ وصل حجم التجارة الثنائية إلى 7.5 مليار يورو في عام 2022م، وإيطاليا التي وصل فيها حجم التجارة الثنائية إلى 4.6 مليار يورو في عام 2022م.
على ما يبدو أنَّ هذه العَلاقات الاقتصادية أكثر أهمية من متطلَّبات الاتحاد الأوروبي، لتنفيذ الاتفاق نحو تطبيع العلاقات بين كوسوفو وصربيا الموقَّع في مارس 2023م، الذي يسمح بأن تصبح هاتان الدولتان عضوين كاملين في الاتحاد الأوروبي.
في أعقاب الاشتباكات العنيفة بين شرطة كوسوفو والمسلحين من صرب كوسوفو في 24 سبتمبر 2023م، التي أعقبتها تحرُّكات القوات الصربية وقوات «الناتو»، حذَّر الاتحاد الأوروبي كوسوفو وصربيا من عواقب عدم تنفيذ اتفاق التطبيع.
وفي هذا الصدد، علينا أن نأخذ في الحسبان أنَّ المحادثات الأخيرة بين كوسوفو وصربيا عالِقة.
وبالعودة إلى الماضي، حصلت صربيا على وضع المرشَّح للعضوية في الاتحاد الأوروبي في 1 مارس 2012م، وعُقِد أول مؤتمر على مستوى الحكومات بين بروكسل وبلغراد في 14 يناير 2014م، لكن لا ترى بلغراد أنَّ هذه العملية ستُفضي في النهاية إلى حصولها على عضوية كاملة بالاتحاد في فترة قصيرة، على الرغم من تفاؤلها في البداية، عندما بدأت المحادثات قبل عشر سنوات.
المفارقة في هذا الجمود بالمحادثات حول العضوية أنَّ الحرب بين روسيا وأوكرانيا لا تزال دائرة، وبالتالي لدى الاتحاد الأوروبي مصلحة، ولو لفترة قصيرة، ليتجنَّب من خلالها نشوب أزمة جديدة في البلقان.
لهذا السبب، وعلى الرغم من فشل جهود الوساطة، التي بذلها الأوروبيون مؤخرًا، يبقى وقف التصعيد وتطبيع العلاقات على رأس الأولويات لدى بروكسل. وهذا ما عبَّر عنه مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، في بيان نُشِر بعد لقائه رئيس وزراء كوسوفو ألبين كورتي، والرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش، في 14 سبتمبر 2023م، قائلًا: «اليوم، نحثّ مجدَّدًا كلا الطرفين لأخذ إجراءات فورية لوقف التصعيد في شمال كوسوفو لتجنُّب مزيد من زعزعة الاستقرار، وللتمكين فورًا من إقامة انتخابات محلِّية مبكِّرة، وذلك تماشيًا مع الطلبات التي قدَّمها الاتحاد الأوروبي والمجتمع الدولي».
يمكن فهم هذا الإلحاح في سياق هذه التسوية الدبلوماسية، التي تتمثَّل في اعتراف صربيا باستقلال كوسوفو، مقابل تشكيل كيان يمثِّل مصالح الصربيين القاطنين في كوسوفو، «دون مزيد من التأخير أو شروط مسبقة».
أتت الأزمة في كوسوفو نتيجة الصراعات المُهلِكة الناجمة عن انفصال يوغسلافيا في تسعينيات القرن العشرين، فلا تزال ذكرى قمع الألبانيين في كوسوفو على يد الكوسوفيين وما شمِله من هجمات واعتداءات مسلحة ماثلة إلى اليوم.
دفع التدخل العسكري، الذي شنَّه الاتحاد الأوروبي عام 1999م إلى نزوح عديد من الصرب إلى شمال كوسوفو، وحتى إلى خروجهم خارج البلاد، وعلى النقيض، ذهب الألبان-الكوسوفيون بسبب مخاوف أمنية إلى جنوب كوسوفو، لهذا معظم سكان شمال كوسوفو من الصرب.
إنَّ إيجاد حلٍّ لأزمة شمال كوسوفو لن يحسِّن فقط من حُكم الدولة الكوسوفية، بل سيدفع إيجابًا نحو الحفاظ على استتباب الأمن في هذه المنطقة، لا سيِّما أنَّ فشل الوساطة في سبتمبر 2023م عرَّض استقرار هذه المنطقة للخطر، خصوصًا أن كوسوفو كانت هي من رفضت رسميًّا مقترح الاتحاد الأوروبي، فلا يمكن قلْب هذا الإحباط الأوروبي وفشله في وقف التصعيد إلّا من خلال احتمالية إعطاء العضوية الكاملة في الاتحاد لكلا البلدين.
أمَّا الخِيار الآخر، فيتمثَّل في استخدام الاتحاد الأوروبي عامّةً، وألمانيا وإيطاليا خصوصًا، النفوذ الاقتصادي للضغط على عملية صُنع القرار في كلا البلدين.. هذا من شأنه أن يدفع صربيا وكوسوفو لاختيار مسار التنمية الاقتصادية، بدلًا من استكمال حسابات أمنية محصِّلتُها صفر، أي لن تعود بالفائدة على أيِّ طرف منهما.
الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر كاتبها، ولاتعكس بالضرورة رأي المعهد