التداعيات الأمنية لسقوط نظام الأسد على روسيا

https://rasanah-iiis.org/?p=37116

دخلت روسيا مع معادلتها الأمنية في الشرق الأوسط في مرحلةٍ ضبابيةٍ جديدةٍ بعد سقوط نظام «الأسد»، لاسيما أنها كانت من أهم داعمي هذا النظام واعتمدت عليه حَلِيفًا لها في الاستراتيجيات الاستخباراتية والجيوسياسية لحماية مصالحها، وبدوره خدم نظام «الأسد» روسيا في عِدة مناحي: منها أنه جعل سوريا بوابًة لنفوذ روسيا الإقليمي، ومنطقًة لقواعدها العسكرية في المنطقة (القاعدة البحرية في طرطوس وقاعدة حميميم)، «للمزيد حول هذا الموضوع يمكنكم الاطلاع على تحليل مرصد رصانة السابق حيث سلَّطنا الضوء  على الأهمية الاستراتيجية للوجود العسكري الروسي في سوريا».

وفي ظل انهيار السلطة المركزية في سوريا، قد تستغل «الفصائل المتطرفة» الفوضى الحالية لإعادة تنظيم صفوفها وتوسعها، وهذا بدوره يُشكل خطرًا على روسيا وخصوصًا تدفق «المقاتلين» من شمال القوقاز إلى سوريا، إذ تُشير الإحصاءات إلى أن قرابة الـــ7000 مواطن روسي، معظمهم من أصول شيشانية وداغستانية انضموا لجماعاتٍ متطرفةٍ منذ بدء الحرب الأهلية في سوريا، ورغم أن حملات «التحالف» لمحاربة «داعش» تمكنت من تقليص هذا العدد، إلا أنه قد يُشكل من تبقى من هؤلاء المقاتلين خطرًا كامنًا؛ فعدم معرفة مصيرهم تُثير مخاوف من عودة بعضهم إلى روسيا مع خبرتهم القتالية وأفكارهم المتطرفة. وهذا يزيد من مخاطر وقوع حوادث أمنية محلية مثل شن الهجمات أو تعزيز التطرف في الفئات الضعيفة داخل روسيا، وقد شهدت موسكو بالفعل هجمات إرهابية كبيرة في عام 2024م، منها هجوم قاعة كروكوس سيتي الذي أسفر إصابة 145 شخصًا وهجوم آخر في مدينة «دربند» في داغستان، والذي استهدف الشرطة وأفراد الأمن وكنيسة أرثوذكسية، حيث أسفر عن مقتل 20 شخصًا وجرح 46 آخرين. لذا نظرًا لقرب سوريا من القوقاز وآسيا الوسطى، تزداد احتمالية أنشطة المتطرفين العابرة للحدود، خصوصًا في دول ذات حُكم ضعيف وحدود سهلة الاختراق. ويبقى نطاق ووقت هذه الهجمات تكهنات، لكن ما يُثير قلق روسيا أمنيًا؛ هو احتمالية أن تُصبح سوريًا قاعدة لنشر «التطرف»، وفي هذا الصدد رد الحاكم الفعلي لسوريا أحمد الشرع على هذه المخاوف، مؤكدًا أن «بلاده بعيدة عن الحرب ولا تُشكل تهديدًا لجيرانها ولا للغرب».

ولا يزال مصير القواعد العسكرية الروسية في سوريا مُبهمًا، لكن تُشير التقارير إلى أن موسكو دخلت الآن في مفاوضات مباشرة مع «هيئة تحرير الشام»، وفي حال توصلت إلى اتفاق مع «الهيئة» قد تستطيع الحِفاظ على قاعدتيها، والحِفاظ على موطئ قدمها الاستراتيجي بعد سقوط «الأسد». وهذا ما يعكسه تصريح الشرع، إذ قال: إن «العلاقات السورية-الروسية استراتيجية وطويلة الأمد»، وأعرب عن رغبته في الحفاظ على العلاقات بين البلدين مُستقبلًا، مُلمحًا إلى إمكانية بقاء الوجود العسكري الروسي في سوريا. وعلى جانب آخر، يتقاطع النفوذ التركي ما بعد «الأسد»، مُباشرةً مع المخاوف الأمنية الروسية، ونظرًا لكونها قوًة إقليميًة ذات نفوذٍ كبيرٍ على «هيئة تحرير الشام»، ستُشكل تحرُكات تركيا توازن القوى المستقبلي في سوريا. وقد يتوسع طموحها القديم لإنشاء منطقة عازلة في شمال سوريا لكبح الحكم الذاتي الكردي بعد سقوط «الأسد»، مما قد يُعزز الاتجاه نحو تقسيم سوريا. ومن ناحية أخرى، يُعقد دعم تركيا ونفوذها على «هيئة تحرير الشام» جهود موسكو لتأمين مصالحها العسكرية والاستراتيجية، لكن قد تُسهل وساطة تركيا مفاوضات روسيا مع «هيئة تحرير الشام»، مما قد يسمح لروسيا بالاحتفاظ بقواعدها العسكرية على الرغم من تغيير النظام. وبالنظر إلى الديناميات المتطورة بين روسيا وتركيا، يتبين أن علاقتهما مُعقدة تجمع بين التعاون والمنافسة، وستُحدد هذه الديناميات شكل حضور البلدين في المشهد ما بعد «الأسد»، وبالتالي سيكون لها ارتداداتها على استراتيجية موسكو الإقليمية وأهدافها الأمنية.

قد يرى البعض أن سقوط «الأسد» لا يُشكل مخاطر أمنية جسيمة على روسيا، لأن جُل اهتمامها سيبقى مُنصبًا على الحرب في أوكرانيا، ويرى آخرون أن من الأفضل لروسيا أن تُحول مواردها من البحر الأبيض المتوسط ​​إلى أوكرانيا، الجدير بالذكر هنا؛ أن الوجود الروسي في سوريا لا يتعلق بمعالجة المخاوف الأمنية المباشرة بقدر ما يتعلق بالحِفاظ على البنية التحتية العسكرية وفرض النفوذ في المنطقة؛ إذ تُشكل القاعدة البحرية في «طرطوس» والقاعدة الجوية في «حميميم» أهميًة بالغًة لفرض القوة في البحر الأبيض المتوسط ​​ودعم عملياتها في أفريقيا. وحتى بدون «الأسد»، تبقى الأهداف الأساسية لروسيا قابلة للتحقيق طالما أنها تضمن استمرار الحفاظ على هذه القواعد من خلال المفاوضات مع القيادة السورية الجديدة.

خلاصة القول، يفرض سقوط نظام «الأسد» تحديات على روسيا، لاسيما استغلال «الجماعات المتطرفة» الفراغ في السلطة في سوريا، وهذا يُشكل مخاطر على الأمن الداخلي الروسي، في ظل مخاوف موسكو من عودة المقاتلين والأنشطة عبر الحدود التي قد تنسحب على القوقاز وآسيا الوسطى. أما غياب «الأسد» فلا يُؤثر مباشرًة على الهدف الاستراتيجي الأهم لروسيا، وهو الحرب في أوكرانيا؛ إذ يُمكن لروسيا أن تُخفف حدة المخاطر الأمنية التي ناقشناها آنفًا مع الحفاظ على موطئ قدمها العسكري في سوريا من خلال الدخول في مفاوضات مع «هيئة تحرير الشام».

المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
إدارة التحرير