إيران تأمل في بدء مرحلةٍ جديدة من المحادثات مع إدارة بايدن

https://rasanah-iiis.org/?p=22949

بفوز جو بايدن في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، سوف تبدأ واشنطن في صياغة سياسةٍ جديدة تجاهَ إيران. ودَعت طهرانُ الإدارةَ الأمريكية المقبلة إلى العودة إلى الاتفاق النووي، المعروف باسم «خطَّة العمل الشاملة المشتركة» التي أُبرمت في عام 2015م.

وكانت إدارةُ الرئيس دونالد ترامب قد انسحبت من الاتفاق في مايو 2018م، وفرَضت قائمةً طويلة من العقوبات على إيران بسبب برنامجها النووي، وبرنامجها للصواريخ البالستية، وعملياتها في جميع أنحاء الشرق الأوسط ضدّ الولاياتِ المتحدة وحُلفائها.

وقال الرئيس المنتخب جو بايدن إنَّ «انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي جعَل إيران تقتربُ أكثر من تطوير قنبلةٍ نووية»، مضيفًا أنَّه يُريد التعاون مع حُلفاء واشنطن الأوروبيين، فيما يتعلَّق بسياستِه تجاهَ إيران؛ ومع ذلك، فقد يكون التراجُع عن سياسة ترامب تجاه إيران أصعَب ممَّا يأملُ بايدن، وفقًا لتقريرٍ جديد من «أكسيوس». ومؤخرًا، فرَض الرئيسُ ترامب سيلًا من العقوبات الجديدة على إيران، وقد حذَّر وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو من أنَّ الولايات المتحدة ستُعاقب أيّ كيانٍ يتعاملُ مع إيران. كما شدَّدت الولاياتُ المتحدة من نظامِ العقوبات في الأيّام الأخيرة؛ لمعاقبةِ شبكات الشراء الإيرانية غير المشروعة.

ومن المتوقَّع أن تستمرّ العقوبات الأمريكية التي تستهدفُ انتهاكاتِ حقوق الإنسان الإيرانية وبرنامج الصواريخ البالستية؛ لكن ليس بالضرورة أن تُصعِّب هذه العقوبات إحياءَ الاتفاق النووي، لا سيما أنَّه لا يزالُ بإمكان بايدن إلغاءُ العديدِ من أوامر ترامب التنفيذية، التي تمّ تطبيقُها للضغط على إيران؛ ومع ذلك، فإنَّه لا يُوجَد عددٌ واضحٌ من الأوامر التنفيذية التي تستهدفُ إيران، والتي قد يُلغيها بايدن. لكن ما هو واضحٌ أنَّ العقوبات الأمريكية التي تستهدفُ البرنامج النووي الإيراني، والتي فرَضت إدارةُ ترامب الكثير منها، ستجعلُ احتمالَ استئناف المحادثات مع إيران أكثرَ صعوبةً في ظلِّ إدارة بايدن. ووفقًا للتقارير الأخيرة الصادرة عن الوكالة الدولية للطاقة الذرِّية، استَأنفت إيران تخصيبَ اليورانيوم وتجاوزت المستوى المسموح به والمُتّفق عليه بموجب خُطَّة العمل الشاملة المشتركة؛ وهنالك مخاوفُ مِن أنَّ اليورانيوم عالي الجودة، سيُمكِّن إيران من تطوير سلاحٍ نووي بشكلٍ أسرع. وحتّى الآن، لم تُشِر إيران إلى أنَّها ستُبطِئ برنامجها لتخصيب اليورانيوم أم لا؛ ما يجعل الوضعَ أكثرَ صعوبةً وتعقيدًا، وهذا من شأنه أن يُصعِّب الأمرَ أكثر على بايدن للحصولِ على موافقةِ مجلس الشيوخ الأمريكي لإبرام صفقةٍ جديدة مع إيران؛ لا سيما أنَّ كبار الديمقراطيين في مجلس الشيوخ، فضلًا عَن الجمهوريين، لديهم تحفُّظاتٌ شديدة فيما يخُصُّ برنامجَ التخصيب الإيراني. ويتّفقُ معظمُ أعضاءِ الكونجرس الأمريكي على أنَّ العقوباتِ الأمريكية خلالَ عهد ترامب قد خنَقت إيران اقتصاديًا، وأن َّتبديدَ إدارة بايدن لهذا الإنجاز، دونَ تقليصِ برنامجِ إيران النووي، سيكون قرارًا في غايةِ الصعوبة.

وقال المبعوث الخاص لوزارة الخارجية الأمريكية إلى إيران، إليوت أبرامز، والذي قام بجولة سريعة في الشرق الأوسط لمناقشةِ ملفِّ إيران إنَّ «واشنطن تنوي التباحُث مع إيران بغضّ النظر عن الرئيس الأمريكي المقبل».

ولكي تتواصَل واشنطن مع طهران، فمن المُتوقَّع أن تتّخذَ الولايات المتحدة بعضَ الخطوات الإيجابية لتحسين العلاقات بينهما؛ وتقول إيران إنَّها تريد من الحكومة الأمريكية الجديدة الوفاءَ بالتزاماتها بموجبِ خُطَّة العمل الشاملة المشتركة، والعودةَ إلى الاتفاقية السابقة .

ولتعود للاتفاق النووي، فقد تُقرِّر واشنطن رفعَ بعض العقوبات المُشدَّدة المفروضةِ على إيران خلالَ فترة ترامب، ويعتقدُ مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق جون بولتون أنَّ إدارة بايدن يُمكنها أن تُزيل هذه العقوبات بسرعة.

وقال بايدن إنَّه يعتزمُ تبنِّي طريقةٍ أكثرَ ذكاءً ليكون صارمًا مع إيران، على الرغم من أنَّ عددًا من قادة العالم حذَّروه من العودة إلى الاتفاق النووي دون إجراء تغييراتٍ عليه؛ ويجب أن تتناولَ هذه التغييرات برنامجَ إيران للصواريخ البالستية، بالإضافةِ إلى برنامجِها لتخصيبِ اليورانيوم، وتشملُ هذه التغييرات كذلك سلوكَ إيران العدواني في المنطقة، والذي يتعلَّق بتدخُّلاتها في الشؤون الداخلية لدولِ الجوار.

لكن رغمَ العقبات، يأملُ الرئيسُ الإيراني حسن روحاني في أنْ تُستأنف المحادثات مع واشنطن، ويقول إنَّه إذا كانت الظروف مواتيةً لرفع العقوبات، فإنَّ طهران ستنتهزُ هذه الفُرصة للتحدُّث مع واشنطن. كما أكَّد الرئيس روحاني أنَّه ليس لأيّ أحدٍ -في إشارةٍ إلى المتشدِّدين في إيران- الحقُّ في إضاعةِ هذه الفُرصة. يحرص المُتشدُّدون في إيران على منعِ روحاني من أنْ ينجحَ في أيّ محادثاتٍ مُستقبلية مع واشنطن. ولعلَّ عدمَ الرغبة في نجاحِ روحاني أمرٌ مفهوم، بالنَّظر إلى محاولاتِ المتشدِّدين المستمرّة لتقويضِ حكومة روحاني. بالإضافة إلى ذلك، لم يتبقَّ لروحاني سوى بضعةُ أشهرٍ أُخرى في المنصب، قَبلَ أنْ تنتخبَ إيران رئيسًا جديدًا في عام 2021م. وهناك آخرون في إيران متشائمون أيضًا من احتماليةِ إجراءِ محادثاتٍ مَع واشنطن، ولَقد حذَّر الكثيرون من أنَّ روحاني يجبُ أن يتوقَّع أيّامًا صعبة، إذا سعى بايدن إلى إحياء العلاقات عبر الأطلسي، وقد ينتهي به الأمر بفرضِ مزيدٍ من الضغطِ الجماعي على إيران بمساعدةِ حُلفاء واشنطن الأوروبيين.

إذا حدَث هذا، فقد يكون بايدن أكثرَ نجاحًا من ترامب في بناءِ تحالُفٍ عالمي ضدّ إيران، ورُبّما يكون ذلك سببًا وجيهًا لطهران لتقديم تنازُلاتٍ لإدارة بايدن؛ لكي تمنعَ مِثل هذا السيناريو من التبلوُر ضدّها. وفي النهاية، فإنَّ إيران تحتاجُ بشدَّة إلى دعم الأوروبيين لفتح قنواتٍ تجارية، والحفاظِ على خُطَّة العمل الشاملة المشتركة.

قد يؤدِّي احتمال تشكيلِ تحالُفٌ عالمي أقوى ضدّ إيران إلى ظهورِ أصواتٍ أكثرَ اعتدالاً في طهران، تُفضِّل إجراء محادثاتٍ جديدة مع واشنطن، حتّى من بين الفصائل المتشدِّدة؛ وقال رئيس تحرير «كيهان» حسين شريعتمداري إنَّ على إيران أن تضَع شروطًا قَبل استئناف المحادثات؛ وتشملُ هذه الشروط على أن ترفعَ الولاياتُ المتحدة التجميدَ عن أُصول إيران في الخارج، ودفعَ تعويضاتٍ لإيران عن الخسائر المالية التي تكبَّدتها مُنذ انسحابِ إدارةِ ترامب من خُطَّة العمل الشاملة المشتركة. وقال المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي إنَّه لا يزالُ منفتحًا على أيّ خيارٍ يُمكن أن يؤدِّي إلى رفعِ العقوبات عن إيران، بينما أصرَّ أيضًا على أنَّ سياسات إيران لن تتغيَّر مع التغيير في البيت الأبيض.

من الواضح أنَّ إيران تُبقي خياراتها مفتوحة، وهي تُراقب إسدالَ الستار على فترة ترامب والانتقال إلى عهد إدارة بايدن؛ ولعلَّهُ من غير الممكن لبايدن أن يعكسِ كُلّ ما فعلهُ ترامب تجاهَ إيران، لكن يبدو أنَّ طهران تعتقدُ أنَّه مِن الممكن لها أن تبدأ محادثاتٍ مع واشنطن؛ وقد أصبحت الكُرة الآن في الملعب الأمريكي، وستحتاجُ إدارةُ بايدن إلى أنْ تُقرِّر ما إذا كانت ستستأنفُ المحادثات أم لا، وهل ستضعُ واشنطن شروطًا مسبقة أم لا؟

المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
إدارة التحرير