اتحاد المشرعين الأمريكيين لتمويل حروب باردة جديدة

https://rasanah-iiis.org/?p=34950

بواسطةنويد أحمد

في اتفاق ثنائي نادر بين الحزبين، أقرَّ مجلس الشيوخ الأمريكي في 18 أبريل حزمةً تشريعية بقيمة 95 مليار دولار كمساعدات لثلاث مناطق متوتِّرة (اثنتان منها تُعَدُّ مناطق حروب؛ أوكرانيا وإسرائيل)، إذ وقَّع عليها الرئيس الأمريكي جو بايدن لتُصبح نافذةً بعد يومين من توقيعه. وركَّزت وسائل الإعلام الغربية في تغطيتها الحدثَ على المساعدات التي تبلغ قيمتها 61 مليار دولار لأوكرانيا، لكن لم تولِ اهتمامًا كبيرًا للدعم، الذي يزيد عن 26 مليار دولار لإسرائيل، والدعم الذي يزيد عن 8 مليارات دولار لتايوان. وأقرَّ مجلس الشيوخ أيضًا حظْر تطبيق الـــ «تيك توك»، وأقرَّ كذلك نقْل الأُصول الروسية في الولايات المتحدة إلى صندوق الدعم الأوكراني. وعلى الرغم من الاستقطاب الحاد بين الحزبين قُبيل الدخول في المنافسة الانتخابية المُحتدَمة، يبدو أنَّ الحزبين متّفقان على شكل النظام العالمي، الذي تسعى واشنطن للحفاظ عليه لمصالحها.

في نهاية عام 2023م، كان لروسيا اليد العُليا في حربها الدائرة مع أوكرانيا، لا سيّما بعدما واجهت قوّات الدفاع الجوِّي والقوّات البرِّية الأوكرانية نقصًا حادًا في الذخيرة. وعلى الرغم من أنَّ القوات البرِّية الروسية لم تحقِّق تقدُّمًا كبيرًا، إلّا أنَّ جنودها تمكَّنوا من الاحتفاظ بما سيطروا عليه من مناطق. وقد سعت أوكرانيا جاهدةً لتأمين مناطقها الحضرية، وكذلك حماية البنية التحتية المدنية من قصْف الصواريخ الروسية. وفي هذا السياق، جاء التشريع الأمريكي بمثابة صدمة للكرملين، الذي راهن على أمثال النائبة عن الحزب الجمهوري مارجوري تايلور غرين؛ لمنع رئيس مجلس النوّاب مايك جونسون من تقديم مشاريع القوانين المذكورة. وشمِلَت حزمة المساعدات الجديدة، التي ستُرسل في منتصف صيف هذا العام، على تأمين دفاعات جوِّية، وقذائف مدفعية، وعربات مدرَّعة، وخدمات التدريب؛ لبثّ الروح في القوّات الأوكرانية المُحبَطة لاستعادة قوّتهم، هذا إلى جانب عدد قليل من طائرات «إف-16»، التي سبق أن تبرَّعت بها دولٌ مختلفة العام الماضي، ومن المقرَّر أن تصِل أوكرانيا في مايو 2024م. وخُصِّص أكثر من ثُلث الـ 61 مليار دولار، على تجديد أنظمة الأسلحة التي حصلت عليها من الجيش الأمريكي، بينما خُصِّص أكثر من 9 مليارات دولار لتقديم المساعدات الاقتصادية لأوكرانيا، على شكل «قروض قابلة للإعفاء». وسيتعيَّن على إدارة بايدن تقديم خطَّة وإستراتيجية لعدَّة سنوات قادمة للكونجرس في غضون 45 يومًا، تُوضّح فيها «أهدافًا محدَّدة وقابلة للتحقيق».

وبسبب مخاوفها من إعادة انتخاب دونالد ترامب، تسارِع الإدارة الأمريكية الحالية في تعزيز القوّات المسلَّحة الأوكرانية. وفي هذا الصدد، سيكون لقمَّة حلف شمال الأطلسي في واشنطن، التي ستُعقَد في يوليو المقبل، دورٌ فعّال في وضع إستراتيجية وخطَّة لتوفير الأسلحة لعام 2025م. وفي هذا الأثناء، نشهد عودة الصناعات العسكرية في الولايات المتحدة وأوروبا إلى كامل طاقتها، ليس فقط لتلبية متطلَّبات ساحة المعركة، لكن أيضًا لتجديد مخزونات الأسلحة للدول الأعضاء في حلف الناتو. أمّا أوكرانيا، فيعاني جيشها من نقصٍ في القوَّة البشرية، ويواجه مشاكل تتعلَّق بالقيادة والتنسيق؛ لذا سيكون تدريب الضُبّاط والمجنَّدين الشباب على الحرب المشتركة مهمَّةً صعبة لحُلفاء أوكرانيا.

وعلى الرغم من استخدامها المُفرَط للقوَّة واستمرارها في ارتكاب المجازر في غزة، ستحصل إسرائيل على 26 مليار دولار من المساعدات؛ خُصِّص منها 1 مليار دولار للمساعدات الإنسانية. وقال الرئيس بايدن: إنَّ على إسرائيل ضمان وصول المساعدات الإنسانية للفلسطينيين في غزة «دون تأخير»، كما نصَّ القانون. وخُصِّص حوالي 4 مليارات دولار لتجديد أنظمة الدفاع الصاروخي الإسرائيلية، إلى جانب 2.4 مليار دولار إضافية للعمليات العسكرية الأمريكية الحالية في المنطقة. ومع ذلك، لا يزال المأزق الذي تواجههُ إدارة بايدن، يضعها في موقفٍ محيِّر، فهي تعارض حرب إسرائيل على غزة، لكنَّها في نفس الوقت تضاعف من مساعداتها العسكرية لإسرائيل، إلى جانب الدعم السياسي في المنتديات متعدِّدة الأطراف، مثل الأُمم المتحدة. وقد تردَّدت في مجلس النوّاب أصواتٌ تنتقدُ إسرائيل، إذ صوَّت 37 ديمقراطيًا و21 جمهوريًا ضّد المساعدات لإسرائيل. وقالت الكُتلة التقدُّمية بمجلس النوّاب الأمريكي في بيانٍ مشترك لها: إنَّنا نجعل أنفسنا متواطئين في هذه المأساة»، مضيفين: «إنَّ أصواتنا المعارضة لمشروع القانون 8034 في مجلس النوّاب، كانت أصواتًا ضد توريد مزيدٍ من الأسلحة الهجومية، التي يمكن أن تؤدِّي إلى مقتل المزيدِ من المدنيين في رفح، وأماكن أخرى».

وفي إطار سعيها لاحتواء الصين وتعزيز قوَّة تايوان، خصَّصت الولايات المتحدة 8 مليارات دولار، سيُستخدَم رُبعها لتجديد أنظمة الأسلحة والذخيرة. وصرَّحت المتحدِّثة باسم مكتب شؤون تايوان التابع لمجلس الدولة الصيني، تشو فنغ ليان، أنَّ بلادها تعارض وبشدَّة إدراجَ محتوى متعلِّق بتايوان في مشروع قانون الكونجرس الأمريكي، مضيفةً أنَّها بذلك «ترسل إشارةً خاطئةً إلى القوّات الانفصالية التايوانية. ندعو الولايات المتحدة إلى اتّخاذ إجراءات ملموسة للوفاء بالتزامها بعدم دعم استقلال تايوان، والتوُّقف عن تسليح الجزيرة بأيّ شكلٍ من الأشكال». وقال رئيس تايوان المُنتخَب لاي تشينغ-تي: إنَّ «التمويل سيعزِّز الردع ضدّ الاستبداد، لدى حُلفاء غرب المحيط الهادئ». وأعرب عن أمله في أن تساعد المساعدات الأمريكية، في «ضمان السلام والاستقرار عبر مضيق تايوان وتعزيز الثقة في المنطقة». وأشار أيضًا إلى أنَّ تايوان «مصمِّمة على حماية الديمقراطية وحماية وطننا أيضًا»، في مواجهة «التوسُّعية الاستبدادية» هذه. 

يمتَدّ التشريع ذو التأثير بعيد المدى إلى تطبيق التواصل الاجتماعي الصيني الــ«تيك توك»، وذلك من خلال العمل على سحْب أو حظْر التطبيق في الولايات المتحدة. وأعربت شركة «بايت دانس» (المالكة للتطبيق)، عن عزمها الطعن في التشريع. وفي حال فشلت في تلك المهمَّة، سيختفي التطبيق من متاجر تطبيقات أبل وجوجل، ويُمنَع أيضًا من خدمات الاستضافة على الإنترنت.

كما يسمح التشريع للولايات المتحدة بمصادرة ونقل أُصولٍ روسية، تبلغ قيمتها حوالي 5 مليارات دولار، إلى صندوق الدعم الأوكراني. وسوف تُنَفَّذ عمليات المصادرة، بموجب «قانون إعادة بناء الرخاء الاقتصادي والفُرَص للأوكرانيين» (أو ما يُعرَف بقانون «ريبو»)، التي دُمجت في مشروع قانون المساعدات. وترغب الولايات المتحدة في مشاركة مجموعة الدول السبع ودول الاتحاد الأوروبي في هذا القرار، قبل نقْل الأُصول الروسية إلى صندوق الدعم الأوكراني. الجدير بالذكر أنَّ هناك في الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين أصول روسية بقيمة 300 مليار دولار، لا تستطيع موسكو الوصول إليها، وذلك منذ نشوب الحرب في أوكرانيا. وستتمكَّن الولايات المتحدة الآن من تحويل أُصولٍ روسية مجمَّدة بقيمة 5 مليارات دولار، من أراضيها إلى كييف.

تواصل الولايات المتحدة التزامها تجاه أوكرانيا، بينما ترسل أسلحةً متطوِّرة بمبالغ ضخمة إلى إسرائيل؛ الأمر الذي يعكس تجاهل واشنطن للسلام والاستقرار في الشرق الأوسط. ولن تقود سياسة التدمير الذاتي، التي ينتهجها بايدن، إلى تقلُّباتٍ طويلة الأمد في الشرق الأوسط فحسب، بل قد يواجهُ الحزب الديمقراطي عواقب وخيمة في الولايات المتأرجِحة، مثل ميشيغان، في نوفمبر المقبل. ومن المرجَّح ألّا يشارك الناخبون المسلمون والعرب -الذين يصوِّتون عادةً للديمقراطيين- في الانتخابات المقبلة. رُبَّما لم تكُن هذه القضية مصدر قلقٍ كبير لبايدن، لو أنَّه لم يحصل على أدنى مستوى لاستطلاعات الرأي بين جميع الرؤساء الأمريكيين. وعلى العكس من ذلك، لم يكُن الجمهوريون ليصوِّتوا لصالح أوكرانيا، لو لم يشمل التشريع تايوان وإسرائيل. وسوف يقوِّض قرار الولايات المتحدة إرسال أسلحة إلى تايوان، مسارَ الحوار الحسّاس، الذي تنتهجهُ إدارة بايدن مع الصين.

لا تدعُ الحزمةُ الأخيرة من مشاريع قوانين المساعدات الدفاعية مجالًا للشك، في أنَّ الولايات المتحدة تستعِدّ لحربٍ باردةٍ جديدة مع الصين، ومع العالم الإسلامي. ولا يمكن للاقتصاد العالمي وللبيئة الدولية بعد الآن، تحمُّل مزيدٍ من التوتُّرات والصراعات. وبينما تَظهرُ علامات الإرهاق على حُلفاء الولايات المتحدة في أوروبا، لا تزال روسيا تحافظ على مكانتها كقوَّة هجومية منذ أكثر من عقْد، ودون توقُّف. أمّا الولايات المتحدة، فقد أصبحت بعيدةً كلَّ البُعد عن مكانتها كقوَّةٍ عُظمى كما كانت عليه في الماضي، لا سيّما مع ما تشهدُه من تدهورٍ داخلي وصعودٍ للقُوى والكُتَل التعديلية على الساحة الدولية.


الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر كاتبها، ولاتعكس بالضرورة رأي المعهد

نويد أحمد
نويد أحمد
باحث في الشؤون الاستراتيجية