التحالف الإقليمي قد يملأ فراغ الانسحاب الأمريكي

https://rasanah-iiis.org/?p=26657

بواسطةد.محمد بن صقر السلمي

لقد حقّق الانسحاب الأمريكي من الشرق الأوسط هدفًا رئيسًا للقوى المتطرفة والإرهابية وداعميها. لطالما دعت «القاعدة» و «داعش» والجماعات الإرهابية الأخرى إلى إخراج من يصفونهم بـِ «الكفار» من شبه الجزيرة العربية. كما تحاول إيران وميليشياتها في جميع أنحاء المنطقة تحقيقَ نفس الهدف، بالإضافة إلى ما يسمى بـِ «محور المقاومة» الذي يهدف إلى طرد الأمريكيين والغربيين بشكلٍ عام من المنطقة. سيعزّز خروج الولايات المتحدة من أفغانستان ووصول «طالبان» إلى السلطة مرةً أخرى، وجود الجماعات الإرهابية في البلاد التي لن تقتصر عمليّاتها على المنطقة، حيث من المحتمل أن يستهدفوا مصالح الولايات المتحدة في الداخل والخارج. قد تدفعُ هذه النتيجة واشنطن إلى إعادة النظر في حساباتها، ربما في ظل إدارة جمهورية في المستقبل، لكن لا يمكنُ للمرء أن يفترض أنَّ الولايات المتحدة ستكون قادرةً على استعادة سيطرتها على المنطقة بسهولة. سيكون من الصعب عليها استعادة الوصول إلى الموانئ والقواعد والمطارات المهجورة التي خلّفتها القوات الأمريكية واستعادة ثقة الشركاء الإقليميّين في دورها وقيادتها.

سيؤثّرُ انعدام الأمن الإقليمي في الوقت نفسه على الملاحة البحرية وتدفّق الطاقة إلى الأسواق العالمية، إذ سيؤثّرُ الأخير على أسعار النّفط ويؤذي الولايات المتحدة بشكلٍ مباشر حتّى لو كانت تمتلك احتياطيّات نفطية، وقد رأينا بالفعل إدارة جو بايدن غاضبةً من ارتفاع أسعار الطاقة في وقتٍ لا تزال فيه الولايات المتحدة تتمتّعُ بمستوى معيّن من الوجود في المنطقة. إذن، كيف سيكون الوضع إذا انسحبت الولايات المتحدة من المنطقة بالكامل؟

ربما ستعتمدُ واشنطن على القوى الإقليميّة بشكلٍ أكبر، خاصّة إسرائيل وتركيا ومصر. وقد اعتمدت الولايات المتحدة في الآونة الأخيرة على قطر والإمارات لأغراضٍ محدّدة. كما ستبقى العلاقات السعودية-الأمريكية ذات أهميَّة خاصة، بالنظر إلى المكانة الخاصة للمملكة في العالم الإسلامي ودورها الحيوي في عمليَّات الإمداد النّفطي.

من الصعب قياس تأثير انسحاب واشنطن من المنطقة عند أخذ كُل ما سبق في عين الاعتبار. من المرجح أن يؤدي الانسحاب الأمريكي إلى فراغٍ في السلطة ويشجّع القوى العالميّة الأخرى، مثل الصين وروسيا، على ملئه بنفوذهم أو إلى تدخّل القوى الإقليميّة ومحاولة ممارسة هيمنتها في المنطقة.

بالنظر إلى عقد الدورة الثامنة عشرة لمجلس الدفاع المشترك لمجلس التعاون الخليجي يوم الإثنين (22 نوفمبر 2021م)، يجب على دول الخليج وضعُ إستراتيجية شاملة ومتماسكة لملء جزءٍ كبيرٍ من الفراغ الذي خلّفه الانسحاب الأمريكي من المنطقة. كما يجب أن تركّز هذه الإستراتيجية على العديد من الأُسُس التي تشمل: توحيد الجهود داخل الخليج وإقامة شراكاتٍ سياسيّة واقتصاديّة وإستراتيجيّة وعسكريّة لمواجهة التحديات والتهديدات والاعتماد على الذات وتعزيز الشراكة الإستراتيجية بين دول الخليج وأعضاء الاتحاد الأوروبي ومناطق أخرى ونبذ الخلافات العربية البينيّة ومكافحة الإرهاب والتطرف.

هناك تحالفٌ جديد محتمل أوسع بالإضافة إلى كُتلة دول مجلس التعاون الخليجي، يضمُ دولَ مجلس التعاون الخليجي ومصر وتركيا، بينما تظهرُ أنقرة علاماتٍ على تقليص دعمها للإخوان المسلمين. لقد رأينا دلائل على هذا الفهم رغم أنه من السابق لأوانه الحُكم على النتيجة.

تتردّد باكستان في غضون ذلك بالانضمام إلى مثل هذه التحالفات. عادًة ما تلمحُ إسلام آباد إلى أنّها غير راضية عن العلاقات المتنامية بين دول الخليج والهند، لكن دول المنطقة تقفُ مع باكستان في قضية كشمير.

تواصل المملكة العربية السعودية تقديم الدعم المالي لباكستان. ونتيجةً لذلك؛ وجدت إسلام آباد في الرياض صديقًا تلجأ إليه خلال المصاعب التي تمرُ بها.

كما تستضيفُ المملكة أكبر جالية باكستانية في الخليج، مِمَّا يساهم بشكلٍ كبير في الاقتصاد الباكستاني، حيث تمثّل الأموال المرسَلة من المملكة العربية السعودية ما يقرب من 40% من إجمالي التحويلات الماليّة الباكستانية. لذلك؛ هناك احتمال أن تردّ إسلام آباد الجميل وتنضمّ إلى هذا التحالف الإقليمي الناشئ.

يمكنُ للدول الأوروبية مثل ألمانيا وفرنسا وبريطانيا التدخل إلى جانب هذا التحالف لملء الفراغ الناتج عن الانسحاب الأمريكي، خاصّة وأنَّ معظم هذه الدول تمتلك روابط تاريخية مهمَّة بالمنطقة. كما أنَّ هناك فرصًا استثمارية واقتصادية كبيرة في الدول التي ستشكّل التحالف، مِمَّا قد يؤدي إلى تقليل حاجة الدول الأوروبية إلى السوق الإيرانية.

في الختام، لعبت المنطقة دورًا حيويًا في التغيرات والديناميكيات الجيوسياسية العالميّة منذ فترة طويلة، حيث تمتلك جميع الوسائل والموارد لِلَعب دور مؤثّر في المستقبل على جميع المستويات، لكن بالنظر إلى الغزو الأمريكي للعراق وأفغانستان، ودعمها لما يسمى بـ «الربيع العربي» وتوقيع الاتفاق النووي الإيراني المشؤوم ومساهمتها في تغيير ميزان القوى في المنطقة وتمكين الجهات الفاعلة غير الحكومية بشكلٍ مباشر أو غير مباشر، يتعيّنُ على الولايات المتحدة إصلاح المشكلات التي خلّفتها قبل أن تنسحب بالكامل.

المصدر: Arab News


الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر كاتبها، ولاتعكس بالضرورة رأي المعهد 

د.محمد بن صقر السلمي
د.محمد بن صقر السلمي
مؤسس ورئيس المعهد الدولي للدراسات الإيرانية