العلاقات الباكستانية-الإيرانية.. مجرد خطابات أم تبادل للمنافع؟

https://rasanah-iiis.org/?p=32102

جاءت زيارة رئيس أركان الجيش الباكستاني الحالي عاصم منير إلى إيران (استمرت يومين في منتصف شهر يوليو الماضي) على خلفية تصاعد عمليات تسلل المسلحين «البلوش» وعمليات التهريب. وصرَّحت مديرية الإعلام العسكري الباكستاني: «اتّفق القادة العسكريون من كِلا الجانبين على أن الإرهاب يُمثل تهديدًا مشتركًا للمنطقة بوجهٍ عام، ولكلٍ من البلدين على وجه الخصوص»، والتقى قائد الجيش الباكستاني بنظيره الإيراني محمد حسين باقري، بالإضافة إلى لقائه بالرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته حسين أمير عبد اللهيان.

ومن جانبها، أبدت وسائل الإعلام الإيرانية تفاؤُلًا بهذه الزيارة؛ فقد عَرضت لقاءات الضيف الباكستاني مع نظيره الإيراني ومع الرئيس رئيسي على أنها علامة على تعزيز التعاون الدفاعي. وأكد رئيسي على تحويل الحدود بين البلدين إلى منطقة اقتصادية آمنة من خلال تجارة الطاقة والأسواق الحدودية. ومع ذلك، فإن الوضع على الأرض أبعد ما يكون عن الهدوء.

في 12 يوليو الماضي قُتل 12 جنديًا من الجيش الباكستاني في هجمات على يد متشددين مشتبه بهم في إقليم بلوشستان المُضطرب، شملت إحدى قواعد الجيش الباكستاني. وقَتل المهاجمون المسلحون الذين كانوا يحملون البنادق والقنابل اليدوية والصواريخ، 9 من الجنود الباكستانيين. وفي حادثة أخرى قُتل 3 جنود باكستانيين و5 مسلحين من البلوش في عملية تبادل لإطلاق النار في مقاطعة «زوب» في نفس الإقليم.

وفي 08 يوليو الماضي، قُتل ضابط شرطة في هجوم شنَّه 4 مسلحين في منطقة «وزاهدان» الإيرانية في «سيستان بلوشستان» المُتاخمة لباكستان وأفغانستان. وقُتل المهاجمون الأربعة حسبما أفاد به بيانٌ صادرٌ من الحرس الثوري الإيراني. ويُزعُم أن المسلحين ينتمون إلى ما يسمى «جيش العدل»، وهي جماعة سنية متشددة تَنشط على طول الحدود الباكستانية مع أفغانستان وإيران.

في أبريل الماضي، ألقت باكستان القبض على «جولزار إمام»، المعروف أيضًا باسم شامباي، مؤسس جيش البلوش الوطني، إذ اعترف هذا الزعيم رفيع المستوى بتخطيط هجماتٍ تستهدف القوات المسلحة الباكستانية من إيران وأفغانستان.

تعتقد إسلام أباد أن ساحل مكران الإيراني هو موطن لشبكة تجسس هندية تُمول وتدرب المقاتلين وهي التي تدبر الهجمات على القوات المسلحة الباكستانية في بلوشستان؛ ففي عام 2017م، أعلنت باكستان أنها ألقت القبض على مواطن هندي يُدعى كولبوشان ياداف، وعندما أُلقي القبض عليه، كشفت عمليات تفتيشه عن جواز سفر مزور عرَّفه على أنه «حسين مبارك باطل»، واحتوى على تأشيرة إيرانية سارية المفعول. ويقف بصورة رئيسة وراء رفع إسلام أباد لوتيرة الاتصالات العسكرية مع طهران لِقلقها إزاء الأنشطة الهندية في المنطقة.

وُيصور كِلا الجانبين علاقاتهما على أنها تقوم على حُسن النية والتعاون المُتزايد، ولكن على أرض الواقع، لا يُجري الجيشان المتجاوران تدريبات ضخمة ولا يقتنيان مُعدات عسكرية من بعضهم. وفي يونيو الماضي، قاد العميد البحري آريا شفقات رودساري، قائد جامعة الإمام الخميني البحرية في نوشهر، وفدًا لحضور حفل تخرج البحرية الباكستانية. وفي الوقت الذي لا تحظى فيه مثل هذه الزيارات سوى بالقليل من التغطية الإعلامية في باكستان، إلا أنها تحظى بتغطية إعلامية إيرانية كبيرة، من أجل الاستهلاك الإعلامي ولتضخيم تعاون القوات المسلحة الإيرانية المتزايد مع نظرائها.

ثمة قضيةٌ شائكةٌ أخرى متعلقةٌ بالحدود؛ وهي عمليات التهريب الضخمة للبترول والبضائع إلى باكستان، حيث يَجري تهريب الأجهزة الإلكترونية والعُملات الأجنبية خاصًة الدولار الأمريكي والجنيه الإسترليني إلى إيران. وتُمارس طهران الضغط على إسلام أباد لإضِفاء الطابع الرسمي على هذا «النشاط التجاري» من خلال إنشاء أسواق للمناطق المجاورة. وبالتزامن مع مذكرة التفاهم التي أُبرمت في أبريل 2021م، افتتحت إيران وباكستان سوقًا حِدوديًا مُشتركًا بالإضافة إلى خط لنقل الكهرباء في 18 مايو 2023م. ولكن منذ افتتاح أول سوق من هذا القبيل، لم يلُاحظ أي انخفاض في عمليات التهريب. وسوف يُفتتح ما مجمله 6 أسواق حدودية أخرى.

تستند العلاقات الباكستانية-الإيرانية على إجراءات صعبة لتحقيق التوازن، فما زالت تسير في فلك الخطابات أكثر من تَسيِيرها منافع متبادلة، ولا يزال التعاون التجاري والعسكري الثنائي عند الحد الأدنى. وقد أثارت شدة تجنيد الحرس الثوري الإيراني للشيعة الباكستانيين من أجل الالتحاق بلواء «زينبيون» للقتال من أجل الحفاظ على النظام السوري غضبَ إسلام أباد، لكنها امتنعت عن توجيه انتقاد علني إلى طهران للكف عن مثل تلك الأعمال. وتشعر إيران بالقلق من الدَعم الخارجي للمُسلحين البلوش والسنة في سيستان بلوشستان مما يجعلها مُستاءةً من باكستان، ومع ذلك يسعى الجاران (الباكستاني والإيراني) إلى الحِفاظ على علاقة عمل تحت ذريعة التعاون الثنائي، ولا تزال سياساتهما الخارجية والأمنية بعيدةً كل البُعد من أن تكون متوافقة.

ثمة قضية أخرى عالقة وهي خط أنابيب الغاز بين إيران وباكستان، والذي افتتحه الرئيس الباكستاني آنذاك «آصف علي زرداري» ونظيره الإيراني «محمود أحمدي نجاد» في مارس 2013م. ووفقًا للاتفاقية، كان من المقرر الانتهاء من خط الأنابيب بحلول ديسمبر 2014م، وذلك من أجل توريد 750 مليون قدم مُكعب من الغاز يوميًا لباكستان، ولكن لم يتم إنشاء خط الأنابيب البالغ طوله 781 كيلومترًا على الجانب الباكستاني جرّاء العقوبات العِقابية. وبسبب ذلك، وبالإضافة إلى القضايا المُتعلقة بمعادلة التسعير، يُطلب من باكستان أن تدفع لإيران غرامة قدرها 1 مليار دولار عن كل عام منذ 2014م، والتي بلغت 19 مليار دولار في عام 2023م. وقد وافقت الحكومة الباكستانية على الشرط الجزائي آنذاك دون إيلاء الاعتبار الواجب في حال لم يُكن هناك تواطؤ، ونظرت إسلام أباد إلى صفقة خط أنابيب الغاز لفترة طويلة على أنها سرقة، بينما تقول طهران إنها «عوملت على نحو غير منصف».

قد لا تستطيع إيران وباكستان إحراز تحسُن ملمُوس في علاقاتهما حتى تنتهي العقوبات المفروضة على برنامج طهران النووي، وحتى تُوقِف طهران تدخُلها في الدول ذات السيادة. وحتى ذلك الحين، تخدم الزيارات على مستوى رؤساء الوزارات أو القيادات العسكرية الرفيعة، المصالح المشتركة من أجل الإبقاء على الحد الأدنى من العلاقات السليمة.

المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
إدارة التحرير