اللاجئون والمهاجرون الأفغان أمام مستقبلٍ قاتم في إيران

https://rasanah-iiis.org/?p=26525

أصبحت إيران -في أعقاب استيلاء حركة طالبان على السُلطة في أفغانستان- ثاني وجهة للاجئين والمهاجرين الأفغان، بعد باكستان.  وبعد أن عبر آلاف الأفغان حدود بلادهم إلى إيران، فرضت الأخيرة إجراءات للحدّ من تدفُّقهم إليها. وذكرت منظَّمة «هيومن رايتس ووتش» أنَّ إيران انتهكت أغلب التزاماتها القانونية، وأساءت معاملة الأفغان القادمين إليها، فيما تُصِرّ الحكومة الإيرانية على رفض استيعاب موجة اللاجئين الأفغان الجديدة؛ لأنَّها تريد منهم المغادرة. وحتَّى الآن، طردت إيران -بموجب قانون تنظيم إقامة الأجانب الذي صاغته عام 2012م- ما يقارب 6.1 مليون أجنبي غير شرعي، معظمهم من الأفغان. كما يُحرَم الأفغان من حقوقهم الأساسية، ويُحظَر الزواج بينهم وبين الإيرانيين. ويتعرَّض المهاجرون الأفغان في إيران لمخاطر مهنيّة قاتلة، وكثيرًا ما يعملون ولا يستلمون أجورهم، ويتعرَّضون للأذى على يد الأجهزة الأمنية الإيرانية، كما لا يستطيع الأفغان المتزوِّجون من إيرانيات الحصول على الجنسية الإيرانية، ويواجه أطفالهم عقبات كبيرة في هذا الشأن.

وتعيش المرأة الأفغانية حياةً هامشية في إيران، وتواجه عقوبات شديدة، في حال انتهاكها للقوانين الإيرانية، على الرغم من دورها الحاسم في مختلف القطاعات الاقتصادية الإيرانية. وتحذِّر الأُمم المتحدة من موجة جديدة من اللاجئين والمهاجرين الأفغان، في الوقت الذي تواجه فيه إيران تحديًا خطيرًا آخر، يتمثَّل في إرسال تركيا للمهاجرين الأفغان على حدودها المشتركة إلى إيران. كما حذَّرت الأُمم المتحدة من أنَّ العقوبات المفروضة على إيران، ورُبَّما على «طالبان»، تُعيق وصول المساعدات الإنسانية إلى الشعب الأفغاني. وكانت إيران تأمل بأن تُساهم مشاركتها مؤخَّرًا في مؤتمر فيينا للهجرة في الضغط على الدول الأوروبية؛ لتحمُّل قدرٍ أكبر من المسؤولية تجاه أزمة أفغانستان الإنسانية واللاجئين الأفغان، إذ دعا سفير إيران لدى بلجيكا غلام حسين دهقاني الغربَ للعب دورٍ أكثر فاعلية في هذا الشأن، كما ناقشت إيران مع أستراليا إمكانية إعادة توطين الأفغان في أراضيها.

وعلى الرغم من المستقبل القاتم الذي يواجه الأفغان؛ بسبب التطوُّرات السياسية الداخلية الحالية، إلَّا أنَّ إيران تغلق أبوابها أمامهم، إذ حذَّر صندوق النقد الدولي من أن تقلُّص الاقتصاد الأفغاني سيُجبِر الأفغان على مغادرة بلادهم في موجة جديدة.

وتتوقَّع الأُمم المتحدة أن يبحث نصف مليون أفغاني عن ملاذ في الدول المجاورة، مثل إيران، بحلول نهاية هذا العام. فيما وجَّهت الحكومة الإيرانية مقاطعاتها الحدودية -مثل خراسان الجنوبية وسيستان وبلوشستان وخراسان رضوي- بإعادة الأفغان إلى بلادهم، إذا دخلوا الأراضي الإيرانية. كما دعا وزير الداخلية الإيراني أحمد وحيدي الأفغان إلى عدم السفر إلى إيران؛ لعجز بلاده عن استيعابهم. وسرًّا تخشى الحكومة الإيرانية من أن يؤدِّي تدفُّق الأفغان إليها إلى وجود إرهابيين على أراضيها.

ويُحتمَل خلال الفترة المقبلة أن تربط إيران طريقة تعامُلها مع الأفغان بسلوك حكومة «طالبان» تجاه إيران، وفي أحسن الأحوال ستكون حقوق الأفغان ثانويةً بالنسبة للحكومة الإيرانية. على سبيل المثال وصفَ أمين توكلي زاده -وهو مسؤول في بلدية طهران– ما يزيد عن 1.2 مليون أفغاني يقيمون بشكل غير قانوني في محافظة طهران بـ «اللاجئين المفروضين»، وقال: إنَّه يتعيَّن عليهم العودة إلى أفغانستان؛ لأنَّ إيران غير مُلزَمة بقبول المهاجرين غير الشرعيين، وأكَّد أنَّ الأفغان القادمين إلى إيران مؤخَّرًا غير شرعيين، ويجب إجبارهم على مغادرة البلاد.

ووفقًا لتصريحات المسؤولين الإيرانيين، فإنَّ إيران تستضيف بالفعل عددًا كبيرًا من اللاجئين الأفغان، وتملك الحقّ القانوني في طرد اللاجئين الجُدُد، إذ تُشير معظم الإحصاءات إلى وجود 800 ألف أفغاني مسجَّل في إيران، و970 ألف مهاجر أجنبي غير مسجَّل، معظمهم أفغان، و1.25 مليون أجنبي غير شرعي، معظمهم أفغان أيضًا. أمّا الإحصاءات الإيرانية الرسمية، فتُقدِّرُ عددَ اللاجئين المسجَّلين القادمين من أفغانستان بـ 840 ألفًا، ومن المُحتمَل أن يكون هناك 2.3 مليون لاجئ أفغاني غير مسجَّل أيضًا في إيران. والأهمّ من الإحصاءات، هو أنَّ معظمهم يتعرَّض لسوء المعاملة على يد السُلطات الإيرانية. وبحسب مصادر إيرانية، غادر 364 ألف مهاجر أفغاني إيران في الفترة من يناير إلى أبريل 2021م؛ بسبب ما واجهوه من سوء معاملة، فيما ذكرت إيران -مدافعةً عن نفسها- أنَّ المهاجرين الأفغان المذكورين أعلاه لا يملكون الوثائق القانونية للبقاء في إيران، وأنَّ 161 ألف أفغاني غادروا طواعيةً؛ لأنَّهم واجهوا فرص عمل سيِّئة في أسواق البلاد المتعثِّرة والخاضعة للعقوبات. وفي نفس الفترة المذكورة في عام 2020م، غادر270 ألف أفغاني إيران.

ومؤخَّرًا، تداولت وسائل التواصُل الاجتماعي مقطع فيديو ظهر فيه ضابط شرطة إيراني يصفع امرأةً أفغانية؛ ما اضطرَّ السفارة الأفغانية في طهران لمتابعة الحادثة. وعلى مرَّ السنين، أدَّى إطلاق النار على الحدود المشتركة إلى جرح وقتل العديد من الأفغان، بل إنَّ قوّات الأمن الإيرانية ألقت عددًا من المهاجرين الأفغان بقوَّة في نهر حدودي؛ بهدف إغراقهم، وأُطلِق النار على آخرين في سيّاراتهم التي كانت مُضرَمة بالنيران، غير أنَّ إيران نفت هذه الواقعة، وقالت إنَّ الصور ومقاطع الفيديو المُلتقطة مزيَّفة. كما اقترح البرلمان الإيراني، العام الماضي، مشروع قانون لتنظيم الرعايا الأجانب غير الشرعيين وإصدار عقوبات على المهاجرين غير الشرعيين بالسجن لفترات طويلة، وإطلاق النار على سيّاراتهم.  ومن المرجَّح أن تؤدِّي تصرُّفات إيران تجاه الأفغان إلى تفاقُم محنتهم، وإلى رفع مستوى التوتُّرات داخل أفغانستان، حين يضطرّ عديدٌ من الأفغان للعودة إلى بلادهم، وكذلك زعزعة استقرار ممرّات اللاجئين، التي تربط أفغانستان -عبر إيران- بتركيا وأوروبا. 

المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
إدارة التحرير