مؤامرة اغتيال بولتون تُلاحق طهران من جديد

https://rasanah-iiis.org/?p=28836

كشفت شكوى جنائية ولائحة اتهام صادرة من وزارة العدل الأمريكية، في أوائل أغسطس 2022م، النقاب عن شبكة إجرامية مدعومة من إيران، كانت تعتزم العبث بالأمن الداخلي للولايات المتحدة. وخطَّطت هذه الشبكة الإجرامية لاغتيال مسؤولين أمريكيين سابقين؛ انتقامًا لمقتل قائد «فيلق القدس» السابق قاسم سليماني، الذي لقي حتفه في ضربة أمريكية في العراق مطلع عام 2020م. وسبق أن أدرجت الولايات المتحدة «فيلق القدس» على لائحتها السوداء لـ«المنظمات الإرهابية»، بعد تورُّطه في مقتل موظفين عاملين أمريكيين في العراق.

وأعلنت وزارة العدل الأمريكية أن مكتب التحقيقات الفيدرالي يطارد إيرانيًا يُدعى شهرام بورصافي، يبلغ من العمر 45 عامًا، بتهمة التآمر لاغتيال مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق جون بولتون.

ولعب بولتون دورًا محوريًا في اتخاذ قرار انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015م، وذلك في مايو 2018م، إلا أنه بادر بتقديم استقالته لاحقًا من إدارة ترامب؛ لكيلا يُطرَد وهو على رأس عمله في سبتمبر 2019م. وجاءت هذه الاستقالة قبل مدة طويلة من مقتل سليماني. وفي يونيو من 2022م، أدانت إيران اعتراف بولتون بمحاولة التخطيط لانقلابات في دول أخرى. وكان بولتون قد حذَّر إيران في وقتٍ سابق من عام 2018م قائلًا: «سنلاحقكم»، عندما طلب منها تغيير سلوكها، وإبطاء وتيرة تطوير برنامجها النووي، والحد من عملياتها الإرهابية.

ووفقًا للمصادر الأمريكية، فإن بورصافي المعروف أيضًا باسم مهدي رضائي، عضو في الحرس الثوري الإيراني، الذي يعمل تحت مظلته «فيلق القدس». وقد كان بورصافي متواجدًا في إيران عند الكشف عن مؤامرة اغتيال بولتون، ويُعتقَد أن بورصافي حاول دفع 300 ألف دولار لأفراد في الولايات المتحدة في نوفمبر 2021م؛ لتنفيذ عملية الاغتيال في واشنطن العاصمة أو في ماريلاند.

وطلب بورصافي من أحد الأشخاص، الذين التقى بهم عبر الإنترنت التقاط صور لبولتون؛ بذريعة استخدامها في كتاب، وذلك قبل اتصاله مع شخص آخر كان سينفِّذ عملية الاغتيال. ووصفت الولايات المتحدة بورصافي بأنه إرهابي مبتدئ غير قادر على تطبيق المبادئ الأساسية لعمليات التجسس؛ فقد كشف عن هويته من خلال الجهة التي اتصل معها. وحسب ما أفاد به التقرير، فإن الشخص الذي تواصل بورصافي معه في الولايات المتحدة، كان أحد عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي؛ الأمر الذي مكَّن الوكالة من متابعة خيوط العملية على مدى عدة أشهر.

وعلى الرغم من أن إيران نفت مزاعم تورُّطها في مؤامرة الاغتيال، إلا أن بعض المواقع الإخبارية الإيرانية، أكدت صحة الخبر، بأن ما زعمته الولايات المتحدة حول الكشف عن مؤامرة لاغتيال بولتون يثبت تورُّط مواطن إيراني يُدعى مهدي رضائي، لكنها لم تُورِد مزيدًا من التفاصيل في هذا الصدد. وحذَّرت وزارة الخارجية الإيرانية الولايات المتحدة من اتخاذ أي إجراء ضد المواطنين الإيرانيين، بذريعة تُهم لا أساس لها من الصحة، كما وصفت الوزارة الادعاءات الأمريكية مجرد «نسج روايات» دون أية أدلَّة موثوقة، ووصفت بولتون بأنه «شخص مفلس»؛ للدلالة على عدم أهميته لإيران.

ظهرت أدلَّة في أغسطس الجاري تشير إلى أن إيران عرضت، حسب ما أفادت به التقارير، مكافأة قدرها مليون دولار لاغتيال وزير الخارجية الأمريكي السابق مايك بومبيو. وأبلغت وزارة العدل الأمريكية بومبيو، بأنه كان الهدف الثاني في مؤامرة اغتيال إيرانية تنفِّذها إيران عبر الحدود. وأصدر المركز الوطني لمكافحة الإرهاب الأمريكي تحذيرًا من أن إيران تعُد العُدَّة لانتقام قاسٍ من الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، وقائد القيادة المركزية الأمريكية السابق الجنرال كينيث ماكنزي، والمبعوث السابق الخاص لوزارة الخارجية الأمريكية للشؤون الإيرانية برايان هوك.

وبحسب ما صرح به بولتون، بأن المؤامرة الأخيرة لقتل الكاتب سلمان رشدي على الأراضي الأمريكية والتي نفِّذت على يد رجل واحد في منتصف أغسطس الجاري لها صلة بالحرس الثوري الإيراني، وقد تعرض المؤلف للطعن مراتٍ  عديدة على المسرح، أمام حشد جماهيري عام في شمال ولاية نيويورك، ولم يُبدِ هادي مطر ، الذي هاجم الروائي أية علامة ندم لولائه  لزعماء الدين في إيران؛ فقد تبيَّن أنه تعرض لعملية غسيل دماغ لأول مرة في رحلة إلى لبنان في عام 2018م.

وأشادت الصحف الإيرانية «المتشددة» صراحةً بمؤامرة قتل رشدي، بينما ألقت طهران باللائمة في حادثة الطعن على الكاتب، وعلى مؤيديه. وكان المؤلف مُدرَجًا على قائمة الموت الإيرانية لنشره كتاب «آيات شيطانية» عام 1988م، وأصدر المرشد الأعلى الإيراني آنذاك الخميني فتوى تدعو لاغتياله. ووصف المرشد الأعلى الحالي آية الله خامنئي فتوى المرشد السابق عام 2019م، بأنها غير قابلة للنقض.

ليس من المستغرب إذًا أن ينتقد بولتون بشدة إدارة بايدن؛ لالتزامها الصمت حول مؤامرة اغتياله. وأبلغت وزارة العدل الأمريكية بولتون بمؤامرة الاغتيال، قبل الإعلان عن المؤامرة بوقتٍ طويل. ولطالما اعتقد بولتون أن التفاوض مع إيران سوف يزيد من أنشطة إيران الإرهابية، وأن التفاوض معها قد يعني تقاعس الولايات المتحدة، لاسيّما عند الحاجة لسياسات أشد صرامة لتغيير سلوك طهران.

وتستهدف جهود بايدن لإعادة إحياء الإتفاق النووي الإيراني تخفيف حدة التوترات مع طهران، إلا أن ذلك الإتفاق لا يقدم أية ضمانات بأن حدة النزعة العدائية الإيرانية تجاه الولايات المتحدة سوف تقِل وتيرتها. والأهم من ذلك، أن إيران لا تزال تتصرف بشكل متزايد كدولة معادية؛ من أجل إثارة حالة من الهلع، وإجبار واشنطن على إحياء الاتفاق النووي. ونتيجة لذلك، يمضي العديد من أعضاء الكونجرس الجمهوريين باتخاذ بعض الإجراءات؛ لمنع إحياء الاتفاق النووي، ووقف برنامج إيران النووي. ويعتقد هؤلاء الأعضاء أن هذا النهج خطوة في الاتجاه الصحيح؛ لأنهم يعتقدون أن العداء الإيراني الحالي ينبع من ضعف طهران، وليس من قوتها.

المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
إدارة التحرير