نهضة اقتصاد الثورة الإيرانية.. دراسة المسبِّبات الهيكلية للإخفاق

https://rasanah-iiis.org/?p=22060

بواسطةأحمد شمس الدين ليلة

مقدِّمة

يتساءل الكثيرون، ومنهم الإيرانيُّون أنفسهم، عن أسباب تأخُّر نهضة الاقتصاد الإيراني، عقب أربعة عقود من قيام ثورةٍ أعلت من شأن الآمال والطموحات الاقتصادية، كما يجري التساؤل عن أسباب تدنِّي دُخول عامَّة الإيرانيين ومستوى معيشة غالبيتهم، وتأخُّر اقتصادهم مقارنةً بدولٍ نفطية مثلهم، على الرغم من اكتشاف النفط بإيران قبل كثيرٍ من دول الشرق الأوسط، وامتلاك الدولة الإيرانية لثرواتٍ طبيعيةٍ وبشريةٍ متنوِّعة، وإرثٍ صناعيٍ وتكنولوجي خلَّفه نظام الشاه الرأسمالي، علاوةً على تميُّز موقعها الجغرافي وجودة تربتها الزراعية.

بالطبع حدثت تطوُّراتٌ إيجابية في حياة بعض الإيرانيين ما بعد الثورة، ظهر أبرزُها على المستوى الاجتماعي للطبقات المُعدَمة والريفية، بعد تحوُّل تركيز الدولة من التحيُّز لصالح النُّخب والحضر، كما كان في عهد الشاه، إلى التحيُّز الشعبوي والريفي، والتوسُّع في إيصال الخدمات الأساسية، كالكهرباء والماء والتعليم إلى الريف المُعدَم في بداية عهد الجمهورية الجديدة، بمساعدةِ طفرة أسعار النفط في ذلك الوقت([1]). لكن مع مرور السنوات تخلَّف مستوى تلك الخدمات في الريف؛ ما شجَّع على الهجرة الداخلية للحضر([2]).

وعلى الرغم من امتلاك المقدرات الطبيعية والبشرية، لم تكُن هناك نهضةٌ قائمة على إستراتيجيةٍ محدَّدة لإعادة تنظيم وبناء الاقتصاد وفق نموذجٍ اقتصاديٍ صريح، فوجد الإيراني الذي وُلِد بعد الثورة وأصبح اليوم في سنّ الشباب فُرَصًا أفضل للتعليم، لكن دون وظائف كافية بعد التخرُّج، في ظلّ وجود عاطلٍ على الأقلّ من بين كُلّ ثلاثة من حاملي الشهادات العُليا، وإذا وجد وظيفةً فدخلها محدودٌ لا يكفي متطلَّبات الحياة الأساسية، مع تراجع القوّة الشرائية لدخلِه، والارتفاع المستمرّ في الأسعار، الذي كثيرًا ما يتخطَّى 40%. أمّا عن أحوال الفقراء، فبعدما تحسَّنت أوضاعُهم وتراجعت معدَّلات الفقر بالمجتمع خلال العقد الثالث من عُمر الثورة، ما لبثت أن ارتفعت لأكثر ممّا كانت عليه في السبعينات ما قبل الثورة، وأصبح الفقرُ يهدِّد أكثر من 50% من الأُسر الإيرانية، مع كُلّ ما تمتلكُه الدولة الإيرانية من مقدرات.

كما لا يزال الاقتصاد الإيراني رهينةَ الاعتماد على القطاعات الأولية المتمثِّلة في النفط والغاز والزراعة، بينما يعاني قطاع الصناعة من التقادُم، ويحتاج لاستثماراتٍ ضخمة للتطوير، في حين اتّصف النمو الاقتصادي بالتذبذُب الحادّ، ولم يتخطَّ المتوسِّط السنوي لنمو اقتصاد إيران خلال الأربعين عامًا المُنصرمة 1.8%، وهو معدَّلٌ أقلُّ بكثير من نظيره في دولٍ إقليمية تتقارب مع إيران في حجم السُكَّان؛ كتركيا أو مصر، ولا تمتلك وفرةً في موارد الطاقة كإيران.

 أمّا نصيب الإيراني من الناتج المحلِّي الإجمالي بالأسعار الثابتة؛ فكان أقلّ من 7 آلاف دولار في العام حتّى عام 2017([3])، وهو بذلك أقلّ من نصف المتوسِّط العالمي، بل أقلّ ممّا كان عليه نصيبُ الإيراني من الناتج في عام 1978م، أي قبل قيام الثورة بعامٍ واحد؛ وإذا ما أخذنا في الاعتبار التضخُّم الحاد وتغييرات أسعار الصرف خلال آخر عامين؛ فسيكون نصيبُ الإيراني من الناتج المحلِّي أقلّ كثيرًا.

ويعزو بعض الإيرانيين تأخُّر النهضة الاقتصادية للنمو السُكَّاني الكبير، الذي شهدته البلاد بعد ثورة رجال الدين في عام 1979، وأسفر هذا النمو عن مضاعفة عدد سُكَّان إيران خلال أربعين عامًا من 37 مليونًا عام 1979 إلى قرابة 84 مليونًا في 2020 ([4]وآخرون يرون السبب في العداء الغربي لأفكار ومبادىء الثورة الإسلامية الإيرانية، وتحديدًا الولايات المتحدة الأمريكية، التي قادت سلسلةَ عقوباتٍ دولية ضدّ إيران مُنذ قيام الثورة.

وقد يكون فيما سبق جانبٌ من الصواب، خاصّةً فيما يتعلَّق بآثار العقوبات على الاقتصاد الإيراني، لكن التجارب التاريخية أظهرت أنّ النمو السُكَّاني الكبير أو حتّى وجود العقوبات الدولية، قد يكون دافعًا ومحفِّزًا قويًّا للنهضة الاقتصادية في كثيرٍ من الأحيان، إذا ما توافرت الإرادة القوية والمناخ المناسب لتحقُّق تلك النهضة؛ ونماذجٌ كالصين أو اليابان أو كوريا الجنوبية أو ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية، لا تزال شاهدةً على إمكانية تحويل العقبات والتحدِّيات إلى فُرَصٍ واعدة.

ولا يستطيع أحدٌ أن يُنكر دور سلاسل العقوبات الاقتصادية التي تعرَّضت لها إيران الثورة -ولا تزال- في عرقلةِ التنمية الاقتصادية والنمو المُستدام، لكن الشواهد أثبتت أنّها ليست السببَ الرئيس لتدهوُر الوضع الاقتصادي والمعيشي للإيرانيين في الوقت الراهن. لذا فعندما نتحدَّث عن إخفاق النموذج الإيراني في تحقيق نهضة الإنسان والمرتبط بنهضة الاقتصاد، فإنّنا ننطلق من واقع مؤشِّراتٍ وحقائق واضحة، لا مجرَّد افتراضياتٍ خيالية.

 لذلك، فإنّ البحث الحالي هو محاولةٌ جادَّة قابلة لمزيدٍ من البحث والتطوير، من أجل الوصول إلى مسبِّبات هذا الإخفاق، القديمةِ منها أو الحديثة.

وتتجلّى أهمية البحث: في نُدرة موضوعه وحاجةِ المكتبة العربية له، بعد مراجعة الأدبيات السابقة ونشر آخرها في عام 1990(*)؛ وسيُغطي البحث فترةً زمنية قدرُها أربعةَ عقود، مُنذ قيام الثورة الإيرانية حتى منتصف عام 2020، وستكون الفرضية الأساسية للبحث: وجودُ مجموعةٍ من الاختلالات الهيكلية التي عرقلت نهضةَ المجتمع والاقتصاد الإيراني طوال أربعين عامًا من عُمر الثورة، والتي لم تكُن مرتبطةً كليًا بالعقوبات الخارجية، وبقاءُ تلك الاختلالات سيظلُّ العقبة الرئيسية أمام تطوير الاقتصاد، حتى لو رفِعت العقوبات مستقبلًا، وسيتبعُ البحث منهجيةَ التحليل الاستقرائي بدلالةِ الوقائع التاريخية، والبيانات الإحصائية، ومستعينًا بأدوات التحليل الاقتصادي، من أجل إثبات الفرضية.

وتوزَّع البحث على أربعة مباحث رئيسية؛ تناول المبحث الأول: ترسيخ العدائية تجاه الغرب وتعظيم هيمنة الدولة الاقتصادية، والثاني: تذبذُب السياسات والخُطط الاقتصادية، والثالث: التضخُّم المُزمن وتقلُّب الأداء الاقتصادي، والرابع: اختلالات هياكل الموزانة العامة، ثم الخاتمة والملخَّص. على أن يتم استكمال نشر ثلاثة مباحث أُخرى في النُسخة الورقية من سلسلة «قضايا إيرانية» على النحو الآتي: المبحثُ الخامس: أدلجةُ وتسييس المصالح الاقتصادية، والسادس: الفشلُ في تقليل الفجوة بين الدخول، والسابع والأخير: انتشارُ كلٌّ من الفساد الكبير والصغير.

مدخل نظري

لعلّه من الضروري في البداية توضيح بعض المفاهيم النظرية باختصار، كالاختلالات الهيكلية والنهضة الاقتصادية المقصودة؛ ويوضِّح لنا المعجم العربي أن الهيكلية اصطلاحًا تعني: نظام إداري أو مجموعة قواعد تقيِّد أمرًا أو شيئًا ما، كما يعني الفعل «هيكل»: النمو والاستطالة ([5])، ونقصد بها هُنا تلك التشوُّهات العميقة المتجذِّرة في النظام السياسي والاقتصادي والإداري لإيران، منذ قيام الثورة، والتي شكَّلت عقبةً أمام تحقيق النهضة بمعناها الشامل، أي تنمية الاقتصاد والبشر سويًّا، والنهضة اصطلاحًا تعني([6]): الوثبة في سبيل التقدُّم الاجتماعي أو الاقتصادي أو غيره والتقدُّم والتجديد والارتفاع.

فالهيكل يتناول الاتّجاهات طويلةَ الأجل في تطوُّر ظاهرةٍ معيَّنة، وكلمة اختلال في الاقتصاد تعني حالة عدم استقرار العلاقة بين المتغيِّرات الاقتصادية وفق الِنسب أو المستويات التي تحدِّدها النظرية الاقتصادية؛ أمّا الاختلال الهيكلي: فيعني اختلالَ العناصر المكوِّنة للهيكل الاقتصادي إلى المستوى الذي يؤثِّر فيه على النمو واستقراره([7]).

 بعضٌ من تلك الاختلالات الهيكلية قد يكون فكريًّا وأيديولوجيًّا، مثل غلبةِ الفكر العدائي تجاه الآخر، أو النظرة الدونية إزاء القوميات غير الفارسية ([8] وسيطرة هواجس المؤامرة عند قادة النظام الإيراني في تعامُلاتهم مع العالم الخارجي، وبعضها تشوُّهاتٌ إدارية كالفساد والبيرقراطية، وبعضها اقتصادي كتِلك المتعلِّقة بإدارة الموارد والنفقات، وتوزيع الثروة، والتوجُّه الاقتصادي للدولة والنُّخب الحاكمة.

أولًا: ترسيخ العدائية تجاه الغرب وتعظيم الهيمنة الاقتصادية للدولة

كان عداء النظام للغرب وكُلّ ما يمثِّله من أفكار واضحًا منذ اليوم الأوّل للثورة الإيرانية عام 1979م، واستمرّ هذا الاتّجاه ملتصقًا بالنظام الإيراني طويلًا، حتّى لو ظهر على السطح عكس ذلك في بعض المراحل الزمنية اللاحقة، الأمر الذي أبقى إيران مُحتجَزةً لسنواتٍ طويلة في النقاش حول فوائد ومضار العولمة والتعاون مع الغرب، أو فتح الأبواب للتجارة الدولية والاستثمارات الأجنبية، في وقتٍ كانت نماذجُ مشابهة في بلدانٍ نامية كالصين والبرازيل تجني ثمارَ هذا التعاون، وتسبِق إيران بمراحل على المستوى الاقتصادي.

وكانت هناك مجموعةٌ من الأسباب التي غذَّت تلك التوجُّهات، وتسبَّبت في العُزلة الدولية للجمهورية الجديدة، ورسَّخت هيمنة الدولة على الاقتصاد؛ أبرزُها: أفكار وتوجُّهات المرشد ورجال الدين، وسيطرة النُّخب الشعبوية على كتابة أوّل دستورٍ للبلاد، ووضع مواد دستورية طاردة للأجانب ومعزِّزة لسيطرة المؤسَّسات الثورية على الاقتصاد، ومناهضةُ المحاولات الإصلاحية بعد الحرب العراقية – الإيرانية، وزرعُ العراقيل الطاردة للاستثمارات المحلِّية والأجنبية، كما سيلي تفصيلُه:

1. التوجُّهات الاقتصادية للخميني وبعض رجال الدين

كان لمؤسِّس النظام الإيراني روح الله الخميني مقولةٌ مشهورة أصبحت فيما بعد الأساسَ الذي يبني عليه النظام الإيراني سياساته المُناهضة للغرب، جاء فيها([9]) «علينا أن نكون حذرين، ونُحلِّل ما يفعله أعداؤنا، دعونا نرى ما يهتّمون به كثيرًا، ومن خلال ذلك علينا أن نفهم أنّ ما يُصرُّون عليه هو ما لن يكون في مصلحة المسلمين والإنسانية. نحن بحاجةٍ لمعرفة ما يريدون من أقوالهم وأفعالهم، وما يتعيَّن علينا القيام به هو: أيًّا كان المسارُ الذي يختارونه، علينا أن نختار المسارَ المعاكس له».

كرَّس المؤسِّس والمرشد الأوّل للثورة الخميني (1902-1989م)، في خطاباته الثورية قبل وبعد الثورة، تبنِّي أفكار الاستقلال الاقتصادي، باعتماد النمو الاقتصادي على الموارد الذاتية فقط، دونَ أيّ تعاوُنٍ مع الأجانب، مع ضرورة مقاومة الغرب بكُلّ ما يمثِّله من قِيَم ومفاهيم وأفكار تُمثِّل انخراطًا في العولمة الاقتصادية؛ ما سيُهدِّد استقلال إيران، لا على المستوى الاقتصادي فحسب، بل على كافَّة المستويات، خاصّةً السياسية والثقافية.

  كما لعبت أفكارُ بعض رجال الدين الشيعة دورًا مهمًّا، في تكوين الرؤية الاقتصادية للمرشد. وكان لكتاب «اقتصادنا» لرجل الدين الشيعي العراقي محمد باقر الصدر، تأثيرٌ مهمّ على فِكر الخميني الاقتصادي قَبل قيام الثورة ([10])، إذ دعا الصدر لنظامٍ اقتصادي تُهيمن عليه الدولة فقط، وينظر للغرب وما يمثِّله من عولمةٍ ورأسمالية على أنّهما عوامُل مُهدِّدة للثقافة الإسلامية.

 وكان الاقتصادي المُقيم في باريس وأوّل رئيسٍ للجمهورية الإيرانية بعد الثورة، أبو الحسن بني صدر، من أبرز المؤيِّدين لأفكار رجلُ الدين باقر الصدر الاقتصادية، وظهر ذلك عند تأليفه لكتابٍ أطلق عليه «الاقتصاد التوحيدي»، كان له تأثيرٌ في الأفكار الاقتصادية الثورية، المتماشية مع لغة اليسار الاقتصادي السائدة ما قَبل الثورة، والداعِمة لاقتصادٍ إسلاميٍ معادٍ لأفكارِ وتوجُّهات الغرب؛ وظهرت هذه التوجُّهات في شعارات التظاهُرات قَبل الثورة، مِثل «لا شيوعية ولا إمبريالية.. فقط قيادة إسلامية»؛ لذا لاقت أفكار أبو الحسن إعجابَ كثيرٍ من رجالِ الدين الإيرانيين، وعلى رأسهم الخميني نفسه، وصادَق عليها وفتح لها مجالَ التطبيق، بعدما عاد من منفاه بفرنسا عقِب رحيل الشاه.

2.  هيمنة النُّخب الشعبوية على الجمعية التأسيسية لأوّل دستور

أمّا العامل الثاني المُؤثِّر في تشكيل اتّجاهٍ معادٍ لتوجُّهات وأفكار الغرب، وساهم في تعزيز عُزلة إيران، فكان هيمنة النُّخب الشعبوية والمُتشدِّدين على الجمعية التأسيسية للدستور، التي شكَّلها الخميني عام 1979م لمراجعةِ مسوَّدة أوّل دستورٍ لإيران ما بعد الثورة، في مقابل تمثيلٍ ضعيف للنُّخب المعتدلة، وحرمان النُّخب المُتعلِّمة تعليمًا «غربيًّا» من المُساهمة في كتابة الدستور، وعلى رأسِهم المُنتمين للمدارس الاقتصادية الأوروبية الأمريكية؛ وتُنسَب للخميني مقولة: «إنّ هؤلاء الميّالين لمدارس الفِكر الأوروبية، الغربية أو الشرقية، أو المتأثرِّين بآرائهم المُنحرفة، لن يشاركوا في صياغة الدستور» ([11]).

 وكانت النُّخب الشعبوية تفضِّل تحجيمَ دخول رأس المال الأجنبي لتحقيق الاستقلال الاقتصادي، بل وحتّى تحجيم حقوق الملكية الخاصّة، في مقابل خلق مؤسَّساتٍ ثوريةٍ عامّة، وكانت تلك النُّخب -مثلها مثل الخميني- مدفوعةً ببعض التجارُب التاريخية السلبية التي مرَّت ببلادِهم مع القوى الأجنبية، كاستغلال موارد النفط الإيراني، أو احتكار الثروات والموارد من قِبل بعض الشركات البريطانية أو الروسية أو الأمريكية، قَبل أن يقوم الشاه محمد رضا بهلوي بإنهاء سيطرة الشركات العالمية على استخراج وبيع وتسويق النفط الإيراني عام 1973م،بعد فشل حركة التأميم التي قام بها مصدَّق في تحقيق هذا الهدف ([12]).

3. وضع مواد دستورية طاردة للأجانب ومؤسَّسة لهيمنة المؤسَّسات الثورية على الاقتصاد

تمكَّنت تلك النُّخب بهذا الفكر «الثوري» من تأسيس نظامٍ اقتصادي تلعبُ الدولةُ فيه الدور الأساس، وتحظُر أيّ دورٍ للغرب، وتؤسِّس لقيام مؤسَّساتِ أعمالٍ ثورية شبهُ حكومية كالتعاونيات أو ما يُطلق عليها «البونيادات»، تعمل تحت إشراف المؤسَّسة الدينية، وأُخرى تابعة لفيالق الحرس الثوري، والترويج لها باعتبارها الوسيلةَ المُثلى لتحقيقِ العدالة الاجتماعية وتلبيةِ حاجات المستضعفين والفقراء، من خلال إعادة ضخّ جزءٍ من الأرباح داخلَ المجتمع، بدلًا من استغلال القطاع الخاصّ وسيطرة الأجانب على موارد البلاد.

ونتَج عن ذلك وضعُ بعض المواد الدستورية الخاصّة: كتلك التي تحظُر تواجُد الخُبراء الأجانب في البلاد إلّا للضرورة القصوى، وبعد موافقة مجلس الشورى الإسلامي، كما جاء في المادَّة 82، وكذلك المادَّة 42 التي تنُصّ على الحيلولة بكافّة الطُرق دون وقوع الاقتصاد تحت السيطرة الأجنبية وضرورةِ التحرُّر من التبعية الأجنبية، وفق تلك المادَّة من دستور إيران الصادر عام 1982م -قبل أن يتمّ تخفيف حدَّة المادَّة لاحقًا في تعديلات دستور عام 1989م-. وهنالك المادَّة 153 التي تحظُر أيّ اتفاقٍ أو معاهدة ينجُم عنها سيطرةٌ أجنبية على الموارد الطبيعية والاقتصاد والجيش والثقافة في البلاد ([13])؛ وبهذا رسَّخت مثل تلك المواد لروحِ الشكّ والحذرِ في الغرب منذ السنوات الأولى للثورة، ولا تزال أغلبُ تلك المواد موجودةً في الدستور الحالي.

      ووسَّعت المادَّة 44 من الدستور من دورِ الدولة في الاقتصاد، ليشمل كُلّ الصناعات الكُبرى في إيران بمساعدة القطاع التعاوني، ومن ثم َّيأتي دورُ القطاع الخاصّ مُكمِّلًا لهما، وتنُصّ المادَّة 44 على الآتي:

  • يشمل القطاعُ الحكومي: كافَّة الصناعات الكُبرى، والصناعات الأُم، والتجارة الخارجية، والمناجم الكبيرة، والعمل المصرفي، والتأمين، وقطاع الطاقة، والسدود وشبكات الري الكبيرة، والإذاعة والتلفزيون، والبريد والبرق والهاتف، والنقل الجوِّي والبحري، والطُرُق، والسكك الحديد وما شابهها، وتُعَدّ جميعُها ملكيةً عامّة، وحقُّ التصرُّف فيها للدولة. 
  • يشمل القطاعُ التعاوني: الشركات والمؤسَّسات التعاونية للإنتاج والتوزيع، والتي تؤسَّس في المدن والقرى وفق القواعد الإسلامية.
  • يشمل القطاعُ الخاصّ: جانبًا من الزراعة وتربية المواشي والدواجن والتجارة والخدمات؛ ما يُعَدّ مُتمِّمًا للنشاط الاقتصادي الحكومي والتعاوني([14]).

       وبذلك أسَّس الخميني وجماعتُه المسيطرة على كتابة الدستور لهيمنةِ الدولة على النشاط الاقتصادي، وحظر أيّ تواجُدٍ غربي في البلاد، وإضعافِ الثقة في القطاع الخاصّ، فيما عدا دعمٌ انتقائي لبعض رجال البازار، وأصبح تحقيق الاستقلال الاقتصادي عن الخارج أحد أبرز الشعارات السائدة، وأهمّ الأهداف الثورية للنظام.

4.  مناهضة المحاولات الإصلاحية بعد الحرب العراقية

استمرَّت عُزلة الاقتصاد الإيراني عن الخارج، وتحديدًا العالم الغربي لمدَّة 8 سنوات بعد قيام الثورة، إلى أن ألحَّت الحاجةُ لإعادة إعمار ما دمَّرته الحرب مع العراق، فسمح الخميني ببعض المرونة «المحدودة» في التعامُل مع الغرب قبل وفاته في عام 1989م؛ وتجلَّى ذلك في الخطَّة الخمسية الأولى (1990-1995) والسماح بإنشاء بضعة مناطق حُرَّة في عهد الرئيس هاشمي رفسنجاني (1989-1997)، بهدف إعادة إعمار ما دمَّرته الحرب من بُنية تحتية أو إنتاجية، وتوفير ما يحتاج إليه المجتمع من منتجاتٍ وبضائع استهلاكية.

 لكن بعد بضعة سنين من المرونة «المحدودة»، قُوبِل تزايُد رأس المال الأجنبي في إيران بمعارضة النُّخب الراديكالية وأصحاب النفوذ الاقتصادي الجُدُد؛ كالحرس الثوري وبعض التجاريين المنتفعين من العُزلة، خشيةَ منافسة رأس المال الأجنبي لهم، والرغبة في مقاومة العولمة والحفاظ على الاستقلال الاقتصادي وفق رؤية الثورة الإيرانية؛ ومع تأييد المرشد الثاني للثورة علي خامنئي (1989 – حتّى الآن) لهذه المعارضة، فما كان من الرئيس رفسنجاني إلّا الاستجابة -مضطرًّا- لهذا التوجُّه في دورته الانتخابية الثانية، وتجلَّى ذلك بوضوح في الخطَّة الخمسية الثانية (1996-2000)، فتمّ تقليصُ الاعتماد على الاستثمارات الأجنبية، بدايةً من عام 1996م (انظر شكل رقم 1).

شكل رقم (1) : نصيب الاستثمار الأجنبي المباشر في إيران كنسبة من الناتج المحلِّي الإجمالي (1997-2017)

.Source: ceicdata.com, Accessed: February 2020

  واستغرقت إيران الثورة حوالي 20 عامًا لمجرَّد إدراك دور الاستثمار الأجنبي في تحفيز النمو الاقتصادي، ولا نتحدَّث عن فتح ٍكاملٍ للأبواب بل مجرَّد السماح الحذِر للبعض وفق شروطٍ مُسبقة، بعدما نصح مركز أبحاث البرلمان الإيراني في عام 1999 بضرورة السماح للاستثمارات الأجنبية بالتواجُد، نظرًا لحاجة البلاد لنقل التكنولوجيا والخبرات، وخلو الخطّتين الخمسيتين الأولى والثانية من أي دورٍ يُذكَر للاستثمار الأجنبي في هذا الصدد، وكان هذا خلال عهد تولِّي محمد خاتمي رئاسة البلاد (1997-2005).

ومع ذلك، رفض مجلس صيانة الدستور تمريرَ مشروع قانون جذبِ وحمايةِ الاستثمار الأجنبي 3 مرات بين عامي 2001 و 2002، بحُجَّة أنّ المشروع لم يتضمَّن أيّ شبكات أمان للتعامُل مع احتماليةِ عملِ المستثمرين الأجانب كعُملاء وجواسيس للغرب، وإسرائيل تحديدًا؛ واستمرّ هذا الجِدال إلى أن مرَّر هاشمي رفسنجاني القرار أواخر عام 2002م، بعدما أصبح رئيسًا لمجمع تشخيص مصلحة النظام([15]).

ومثلما حدث من قبل مع محاولات الرئيس رفسنجاني الإصلاحية، تكرَّر نفس السيناريو مع محاولات الإصلاح الاقتصادي والتعاون مع الغرب التي تبنَّتها إدارة خاتمي، لدرجة تدخُّل بعض النُّخب النافِذة كالحرس والجهات العُليا كمجمعِ تشخيص مصلحة النظام، لفسخ عقودِ استثمار بعضها اكتمل تنفيذُها أو شارف على الاكتمال، كانت قد وقَّعتها الحكومة مع شُركاءٍ أجانب، مثلما حدث مع شركة «تاف TAV» التركية عقِب افتتاح مطار الإمام الخميني في طهران عام 2005م، بعد أن قامت الشركة بتنفيذ أعمال المطار عمليًّا ([16]).

 وحديثًا يقف مجمع تشخيص مصلحة النظام أمام محاولات الرئيس حسن روحاني، منذ تولِّيه الرئاسة، لقبول إيران بقواعد الشفافية المصرفية، التي تضعُها مجموعة العمل المالي الدولي ((FATF؛ ما أسفرَ عن إعادة إدراج المجموعةِ لإيران على لائحتها السوداء في 21 فبراير 2020؛ الأمر الذي يؤثِّر بالسلب على العمليات المصرفية وتوسُّع التجارة الإيرانية بالخارج.

5.  نمو العراقيل الطاردة للاستثمار المحلِّي والأجنبي مع مرور الزمن

كنتيجةٍ طبيعية للحذر الزائد والشكّ في كُلّ ما هو غربي مع قيام الثورة، نمت العراقيل التي جعلت من الاقتصاد الإيراني على مدى أربعين عامًا بيئةً طاردة للاستثمارات الأجنبية، بعدما أدركت إيران أهمِّيته وسعت في جذبِه في بعض الأوقات، عراقيلٌ مثل اشتراط وجود شُركاء إيرانيين مع المستثمر الأجنبي الراغب بالعمل في إيران.

 والأدهى ذهابُ نصيبٍ من هذه الشراكة لصالح شركاتٍ تابعة للحرس الثوري في الخفاء؛ ما أخاف كثيرًا من المستثمرين الأجانب بالتورُّط في عملياتٍ مشبوهة، ومواجهة العقوبات الدولية؛ وقاد ذلك إلى تذبذُب مساهمة الاستثمار الأجنبي المباشر كنسبةٍ من الناتج المحلِّي الإيراني من عامٍ إلى آخر (راجع شكل 1)، وانحسرت في مجالاتٍ محدودة كصناعة النفط والبتروكيماويات أو السيّارات. علاوةً على ضُعف حصيلة الاستثمارات، والتي تراوحت ما بين الصفر بنهاية التسعينات، وبين قرابة 4 مليارات دولار كأقصى قيمةٍ مسجَّلةٍ له في عام 2011([17]).

  كما نمت عراقيلٌ بيرقراطية، مثل كثرة القوانين أو الاشتراطات المتعمَّدة لتنفير المستثمر الأجنبي من العمل، منها على سبيل المثال لا الحصر: حظر ملكية المستثمر الأجنبي للعقار في إيران، والاحتكام لمحاكم محلِّية فقط لا دولية في حال النزاع التجاري، واشتراط بعض الاشتراطات النظرية لدخول المستثمر دون توضيح آليات تنفيذها مثل «ألّا يُهدِّد الاستثمارُ الأمنَ القومي والمصالحَ العامّة أو يُوقِع الفوضى في البلاد»([18])؛ ما أدّى لنفور غالبيةِ المستثمرين وقلقِهم من العمل في بيئة الأعمال الإيرانية، ولضياع فُرَصٍ تنموية ونقل خبراتٍ وتكنولوجيا وتشغيلِ عمالةٍ إيرانية.

ثانيًا: تذبذُب التوجُّهات والخُطط الاقتصادية

وضعت إيران أول خطَّة خمسية للمستقبل عام 1990، وكانت تلك هي الخطَّة الخمسية الأولى التي يتمّ اعتمادُها في تاريخ الجمهورية؛ ومنذ ذلك التاريخ، تمّ وضع 6 خُططٍ خمسية حتّى الآن، يضع خطوطها العريضة المرشد، ويُعزِّزها مكتب رئيس الجمهورية، ثمّ يُصادق عليها البرلمان الإيراني.

وكان من المُلاحظ سرعة تذبذُب السياسات والخطط الاقتصادية العامّة للبلاد، وعدم ثباتها على خطٍّ ومسارٍ واضح، فدفع الشعبُ والاقتصادُ مقابلَ هذا التذبذُب ثمنًا باهظًا، كما سيلي تفصيلُه:

1- تبايُن التوجُّهات الاقتصادية لمكتب الإرشاد ما بين الانفتاح والعُزلة 

 قبل أوّل خطَّةٍ خمسية عام 1990م، كانت هناك خطَّةٌ تنموية وضعتها هيئة التخطيط والموزانة عام 1981م في عهد الحكومة الانتقالية برئاسة مهدي بازرجان ذات التوجُّهات الليبرالية، لكنّها قُوبِلت بالرفض، نظرًا لوضعِها من قِبل تكنوقراط ممَّن تمّ وصفُهم بأصحاب «التعليم الاقتصادي الغربي»، الذين رأوا أنّ تحقيقَ الاستقلال الاقتصادي والاكتفاءَ الذاتي لإيران الثورة لا يجبُ أن يقودَ إلى الاقتصادِ المُغلَق المعزول عن العالم، وتمّ طردُهم من الهيئة ووصفُهم بالعناصر «غير الثورية»، ثمّ عرقلت الحرب مع العراق وضعَ الخطَّة لمدَّة ثماني سنوات حتّى نهاية الحرب عام 1989م.

رغم ذلك، تحوَّلت السياسة الاقتصادية قليلًا خلال وبعد الحرب مع العراق تجاه السماح ببعض التعامُل الخارجي لاستيراد الضروريات، حتّى بلغت مساهمة الواردات في الناتج المحلِّي الإجمالي خلال عامي 1983 و1988م نسبةَ 50% و 24 % على التوالي.

استمرّ تخبُّط السياسات الاقتصادية ما بين محاولات الانفتاح تارة والرجوع للعُزلة تارةً أُخرى، وما بين الإصلاح ومناهضة الإصلاح منذ عهد المرشد الخميني وبني صدر، إلى عهد المرشد الحالي علي خامنئي والرئيس حسن روحاني، إذ يأتي رئيسٌ يتبنَّى سياساتٍ إصلاحية ثمّ يعقُبه آخر بسياساتٍ شعبوية (أحمدي نجاد مثالًا)، بل إنّ السياسة الاقتصادية للرئيس الواحد قد تتغيَّر من فترةٍ رئاسيةٍ لأُخرى (رفسنجاني مثالًا – انظر المحور الأول).

كما طال تذبذُب التوجُّهات الاقتصادية مرشديْ الثورة نفسهما، إذ رسَّخ المرشد الأوّل الخميني في حياته لدورٍ قويٍ للدولة في إدارة وتملُّك مفاصل الاقتصاد، وفق المادَّة 44 من الدستور كما سبق وذكرنا في مباحثَ سابقة، وعارض توسُّع القطاع الخاصّ المحلِّي أو تواجُد رأس المال الأجنبي في إيران، لكنّه قُبيل وفاته وتحت وطأةِ الضغوط الاقتصادية نتيجةَ ثماني سنواتٍ من الحرب، وافق على التعامُل المحدود مع العالم الخارجي والاستثمارات الأجنبية وبشروطٍ معقدة (راجع المبحث الأول).

ثمّ تولَّى الإرشاد المرشد الحالي آية الله علي خامنئي في يونيو 1989م، وفتح المجال لتوجُّهات رفسنجاني الاقتصادية الإصلاحية خلال سنوات رئاسته الأربع الأولى، قَبل أن يدعم معارضي تلك التوجُّهات من المُتشدِّدين في وقتٍ لاحق. ثمّ خفَّف الخِناق مرَّةً أُخرى، تزامنًا مع محاولات الرئيس محمد خاتمي الانفتاحية وتحسين صورة إيران في الخارج، فسمَح له بالحوار مع العالم وبمزيدٍ من التواجُد الأجنبي الاستثماري، وقَبِلَ بتقليل دور الدولة في الاقتصاد لصالح القطاع الخاصّ -شكليًّا- عندما سمح بإعادة تفسير المادَّة 44 من الدستور في يونيو 2005م، التي وُضِعت في عهد الخميني.

وسمحت هذه المادَّة المعدَّلة بخصخصة بعض الشركات العامَّة، وتقييد توسُّع القطاع العام مستقبلًا، مع تخلِّيه عن أيّ أنشطةٍ اقتصادية خارج نِطاق المادَّة 44 (سبق تفصيل المادَّة في المبحث الأول)، لصالح القطاع الخاصّ أو التعاوني بنسبة 20% سنويًّا على الأقلّ([19]). لكن في الواقع العملي، ساعدَ هذا التعديل شركات الحرس الثوري في الاستحواذ على ملكية كُبريات الشركات العامّة، كشركة الاتصالات الإيرانية العامّة.

ولم يلبث أن عاد خامنئي ذاته وشكَّك في جدوى التعاون الاقتصادي والثقة في العالم الغربي، خاصّةً أمريكا وبعض دول أوروبا كبريطانيا وفرنسا، عندما تمّ فرضُ عقوباتٍ اقتصادية أوروبية وأمريكية على إيران في عامي 2012 و2018م، وطالب في خطاباتِه المُتتالية في مناسباتٍ كرأس السنة الإيرانية، بضرورةِ التكيُّف مع العُزلة، وتبنِّي سياسات «الاقتصاد المقاوم»، لتنقلب سياسةُ المرشد مرَّةً أُخرى لصالح دعم العُزلة والاكتفاء الذاتي، التي تصُبُّ في صالح الكيانات الاقتصادية الكُبرى في البلاد، المدعومة من النظام لا القطاع الخاصّ الضعيف.

وقبل وفاتِه، تركَ المرشد الأوّل الخميني وصيةً مهمَّة فيما يتعلَّق برؤيته لإدراة الاقتصاد الإيراني، والمنشورة في عام 1989م قال فيها: «إنّ الإسلام لا يؤيِّد الظُلم والرأسمالية غير المُقيَّدة التي تسلِب الجماهير، ولا يؤيِّد النظام الماركسي اللينيني الذي يُعارض الملكية الخاصّة، لكنّ الإسلام يعترفُ بالملكية الخاصّة ويحترمها في شكلٍ محدودٍ من الإنتاج والاستهلاك» ([20]).

وتكشف لنا هذه الوصية المهمّة عن أمرين في غاية الأهمِّية:

أ. ظهار التفضيلات/ السِمات الأساسية لإدارة الاقتصاد الإيراني، كما رآها المؤسِّس، والتي تميلُ إلى دورٍ قويٍ للدولة بمؤسَّساتها وشركاتها في إدارة الاقتصاد، والخوف من نمو القطاع الخاصّ، وإمكانية التدخُّل لتقييد نموه، سواء في الامتلاك أو الإنتاج أو الاستهلاك.

ب. دم اتّضاح الرؤية فيما يتعلَّق بتحديد هويّة النموذج أو النظام الاقتصادي المُتّبع أو تطبيق مبادئه المُتعارف عليها. فلا هو طبَّق مبادئ النظام الرأسمالي كتقييد دورِ الدولة وتعظيمِ الملكية الخاصّة، أو مبادئ الاشتراكية بالاقتصار على دور الدولةِ فقط، أو حتّى مبادئ الاقتصاد الإسلامي الذي يدعم الحرية الاقتصادية ولا يُقيِّد الملكية الخاصة بشكلٍ محدَّدٍ من الإنتاج، أو الاستهلاك، بل على العكس يُشجِّع نمو الملكية والإنتاج الخاصّ والعام؛ ولعلَّ حديث النبي محمد صلى الله عليه وسلم شاهدًا، عندما رفض وضع سقفٍ ثابتٍ للأسعار بعدما طُلِب منه التدخُّل لوقف الغلاء في المدينة المنورة، الأمرُ الذي كان سيُؤثِّر على حجم الإنتاج والاستهلاك إذا ما وافق.   

 2. عدم اتّساق السياسات الاقتصادية للحكومات المُتتابعة

 يتّضحُ من متابعة نتائج الأداء الاقتصادي للحكومات المُتعاقبة على مدى عُمر الثورة الإيرانية، عدمَ اتّصالِ السياسات والأهداف الاقتصادية البعيدة عبر الحكومات المُتتالية، إذ تأتي كُلّ حكومةٍ بسياساتٍ منفصلة أو حتّى متناقضة مع الحكومة السابقة لها، مع تركيز اهتمام أغلب الحكومات على مُجريات الوضع القائم، بدلًا من وضع خُططٍ واضحة لتحقيق أهدافٍ اقتصاديةٍ إستراتيجية، أهدافٌ مثل رفعِ واستدامةِ النمو الاقتصادي وزيادةِ نصيب المواطن الإيراني منه بالاعتماد على مصادر نموٍ مستقرَّة لا متذبذبة كالنفط، أو تحقيق حدودٍ معينة لمعدَّلات البطالة ولمعدَّلات التضخُّم، مع الالتزام بأُطُرٍ وضوابط واضحة تحكُم استخدام الحكومات للسياسات المالية والنقدية.

وكان اتّباعُ السياسات المالية والنقدية الآنية أو الوقتية، سِمةً مشتركة بين غالبية الحكومات. أي دونَ النظرِ للأثار بعيدةِ المدى لسياستِهم في كثيرٍ من الإحيان، في مقابل السعي لحلّ الأزمات الراهنة؛ على سبيل التوضيح تعرَّضت أغلب الحكومات الإيرانية لعُجوزاتٍ ماليةٍ متكرِّرة، خاصّةً في أوقات انخفاض الأسعار العالمية للنفط، فكانت تضغط على البنك المركزي الإيراني إما للاقتراض، أو لطبع الأوراق النقدية دونَ ضوابط حاكمة، في حين أنّ المُفترض في الأصل استقلاليةُ البنك المركزي في إدارة السياسة النقدية للبلاد بعيدًا عن الضغوط السياسية.

 كُلّ ذلك، من أجل إيجاد حلولٍ تمويلية لأزماتٍ ماليةٍ آنية، بصرفِ النظرِ عن آثارها بعيدةِ المدى؛ فأصبحت المحصِّلة النهائية تزايُد نفقات الموازنات المالية المُتتابعة بين حكومةٍ وأُخرى، لصالح تشجيع الاستهلاك لا الإنتاج، مع عدم تنمية منابِع مستقرَّة للإيرادات كالضرائب، وتزايُد عجز الموزانة وترحيلِه للحكومات التالية، بجانب التسبُّب في نمو السيولة بشكلٍ مُفرط، وهو ما أسفرَ عن موجاتٍ متتالية من التضخُّم أرهقت كاهلَ الإيرانيين لعقود، كما سنُوضِّح أكثر في المبحث التالي. 

 ثالثًا: التضخُّم المزمن وتقلُّب الأداء الاقتصادي

إذا ما قدَّرنا المتوسِّط السنوي لمعدَّل التضخُّم في إيران خلال الثلاثين عامًا الأخيرة، سنجدُه حوالي 21% سنويًّا ([21])، وهو معدَّلٌ مرتفع مقارنةً بمتوسِّط تضخُّمٍ سنوي بحوالي 8% لدولِ الشرق الأوسط وشمال أفريقيا خلال نفس الفترة (انظر شكل 3). الأمر الذي ساهم في إرهاق كاهل غالبية الأُسر الإيرانية بالنفقات المعيشية المتزايدة طوال الثلاثة عقودٍ المُنصرمة، وبجانب دور العقوبات الاقتصادية في هذا الأمر، كان لطبيعة السياسات الاقتصادية الإيرانية المُـتّبعة الدورَ الأكبر، كما سنُوضِّح فيما يلي.

1. أثر العقوبات الاقتصادية المتتالية على قيمة العُملة ومعدَّل التضخُّم

يوثِّر في التضخُّم عدة عوامل كالعرض والطلب على السِلع والخدمات، وحجمُ السيولة، وأسعارُ صرف العُملات الأجنبية، ووضعُ الميزان التجاري والسياسات النقدية في البلاد، وأغلبُها عوامل تأثَّرت سلبًا بالخلاف الإيراني مع المجتمع الدولي، وما استتبعهُ من سلاسل عقوباتٍ متتابعة(*)، لكنّ العقوبات الأخيرة كان أثرُها هو الأقوى على تراجُع قيمة العُملة المحلِّية، وزيادة أسعار الصرف الأجنبي، والذي أثَّر بدوره على معدَّلات التضخُّم.

وظلّ سعر العُملة المحلِّية مستقرًّا نسبيًا لسنوات بدعمٍ مباشر من الحكومة له، ولم ينهار إلّا في الأعوام الثلاثة الأخيرة (انظر شكل2)، مع زيادة عجز الموازنة، وعدم قُدرة الحكومة على مواصلةِ دعم العُملة.

ففي عام 2019م سجَّل مؤشِّر أسعار المستهلكين ارتفاعًا بـ 42% خلال الإثنى عشر شهرًا المُنتهية في 22 أكتوبر 2019، مقارنةً بنفس الفترة من العام السابق، وفق مركز الإحصاء الإيراني، في حين سجَّل مؤشِّر أسعار المستهلكين لمجموعةِ الغذاء والشراب ارتفاعًا بـ 61% خلال نفس الفترة ([22])، ومن المعلوم أنّ الغذاء هو المكوِّن الأكبر في إنفاقِ الطبقاتِ الفقيرة، لذا فإنّ أيّ تغيُّرٍ في أسعاره يؤثِّر بشدَّة على حياتهم ومستوى معيشتِهم.

شكل رقم (2): سعر صرف الدولار الأمريكي في السوق الحُرّة مقابل الريال الإيراني (2013- 2020)

Source: BONBAST.com – live exchange rates in Iran’s free market

 

وبالرغم من دور الحصار الاقتصادي والعقوبات الدولية المتكرِّرة التي مرَّت بها إيران في خلق حالة التضخُّم المزمن، لكن هذا لم يُعفِ الحكومات المتعاقبة من مسؤوليتها في رسم سياساتٍ كفؤة تُقلِّل من تكرار الارتفاعات الحادَّة المتكرِّرة (أعوام 1995، 2013، 2019) في الأسعار، على مدى أربعة عقود (انظر شكل3).

شكل رقم (3): معدَّلات التضخُّم في إيران مقارنةً بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا (1990-2020)

 . Source: World Economic Outlook, IMF, April 2020

 وكثيرًا ما كانت تُفرِّط الحكومات الإيرانية في ضخّ السيولة النقدية دون ضوابط تراعي معدَّلات النمو الاقتصادي السائدة؛ ما أسفرَ عن موجاتٍ تضخُّمية خارجة عن السيطرة من وقتٍ لآخر، دفع ثمنها الشعب من ناحية، وازدادت تكلُفة الإنفاق العام الحكومي من ناحيةٍ أخرى، وأسفرَ ذلك عن زيادة عجز الموزانة، ومن ثمَّ أصبحت الحكومة تدورُ في دائرةٍ مُفرَّغة من التضخُّم والعجز المُتنامي، ثمّ الاستدانة لسدّ العجز، وهكذا دواليك؛ وسيوضِّح العنصر التالي مزيدًا من التفاصيل حول دور نموِ السيولة المُطرد في تعزيز معدَّلات التضخُّم المُرتفعة.

2. دور نمو السيولة المطّرد وتفضيلات المستثمر الإيراني في تغذية التضخُّم

تُعَدّ الفجوة الكبيرة بين نمو حجم السيولة النقدية، وبين نمو حجم الإنتاج أو المعروض من السِلع والخدمات، من العوامل الحاسمة في معاناة المجتمع الإيراني، من ظاهرة التضخُّم المرتفع على مدى أربعين عامًا. ففي عهد أحمدي نجاد مثلًا، ساهمت بعض سياسته الشعبوية وإعلاء شعاراتٍ كـ «إحضار أموال النفط إلى مائدة عشاء كُلّ إيراني»، في تعزيز النمو المُفرِط للسيولة، الأمرُ الذي غذَّى معدَّلات التضخُّم الرسمية، حتّى فاقت 35% في عام 2013 -بالتزامُن مع تداعيات العقوبات- عند نهاية ولايته الثانية.

وحتّى مع اختلاف التوجُّهات الاقتصادية للرئيس حسن روحاني عن سابِقه محمود أحمدي نجاد، إلّا أنّ مشكلة نمو السيولة تجدَّدت مرَّةً أُخرى لمواجهة العجز المالي المُتزايد في الموزانة العامّة للدولة، فنمت السيولة بمعدَّلٍ سنوي يُقدَّر بـ 23% سنويًّا خلال أوّل أربع سنوات، منذ تولِّي روحاني الحُكم في 2013 ([23])، بينما لم يتعَدّ المتوسِّط السنوي لنمو الناتج المحلِّي الإجمالي 0.5% خلال نفس الفترة، وفق حساباتنا ([24])، وعزَّز ذلك من ارتفاع التضخُّم، بعد أن أصبحت الفجوة بين نمو السيولة ونمو الاقتصاد غير متناسبة على الإطلاق.

ويرى  مسعود نيلي الأستاذ الجامعي الإيراني والمستشار الاقتصادي السابق للرئيس روحاني، أنّ ضخّ مئات المليارات من الدولارات من أموال النفط إلى الاقتصاد الإيراني منذ الثمانينات بمبالغ وصلت إلى 200 مليار دولار في بعض السنوات، ساعدَ في تحسين حياة الناس، على المستوى الصحِّي والتعليمي، لكن تضخَّمت السيولة الموجودة في الاقتصاد دون إنتاجٍ موازٍ، وزادت النفقات دون خلق موارد مستدامة؛ ومع الزمن زادت نفقات الحكومة مع تضخُّم النمو السُكَّاني، وتقلَّصت الموارد الحكومية، خاصّةً في سنوات تراجُع أسعار النفط، فازداد عجزُ الموازنة، وكانت تلجأ الحكومات الإيرانية إلى البنك المركزي للاقتراض أو طبع النقود([25])، ومع هذا لم يقف نمو العجز، بل استمرّ، وصاحبه ارتفاعٌ لمعدَّلات التضخُّم .

من ناحيةٍ أخرى، تعكس تلك الفجوة الكبيرة بين نمو السيولة ونمو الاقتصاد الدورَ الهشّ للقطاع الخاصّ الإيراني، وفشل الإدارة النقدية للبلاد في احتواء التضخُّم، ودفع عجلة الاستثمار الخاصّ، وإحداث التوازُن المطلوب فيما بين حجم الطلب والإنتاج المحلِّي.

كما كان لطبيعة المستثمرين الإيرانيين دورٌ حاسم في تغذية ظاهرة التضخُّم المُزمن، وإضعاف جانب العرض والإنتاج، نظرًا لتفضيل غالبية المستثمرين الإيرانيين العملَ في المجالات سريعة الأرباح وسريعة التسييل([26])، وربما للتمكُّن من إخراج رأس المال من البلاد بأسرع ما يمكن وقت الحاجة، وهو أمرٌ يعكس ضعف الثقة باستقرار الاقتصاد في ذات الوقت.

 لذلك نجدُهم يفضِّلون العمل في قطاعاتٍ مثل السمسرة والخدمات، ويبتعدون عن المشروعات الإنتاجية التي تتطلَّب استقرارًا اقتصاديًا، ووقتًا لجني الأرباح؛ وكنتيجةٍ طبيعية لهذا التوجُّه، نلاحظ تراجُع نصيب كلًّا من الزراعة والصناعات التحويلية في الناتج المحلِّي الإجمالي الإيراني خلال السنوات الأخيرة من 26% عام 2014، إلى حوالي 21% حتّى منتصف عام 2018([27])، وفي المقابل زادت مساهمة قطاع الخدمات من 51% إلى 54% خلال نفس الفترة، ووصلت إلى 56% في عام 2017.

3. عدم استقرار معدَّلات النمو ومؤشِّرات الأداء الاقتصادي

يتّصف معدَّل نمو الناتج المحلِّي الإجمالي الحقيقي لاقتصاد إيران بعدم الاستقرار، والتذبذُب الحادّ ما بين الانتعاش تارة والانكماش الحادّ تارةً أخرى خلال الأربعة عقود المنصرمة، على العكس من تحقيقه لمعدَّلات نموٍ مرتفعة في الستينات والسبعينات. إذ تذبذب النمو ما بين موجبٍ وناقص 18% منذ عام 1980م (انظر شكل4)، نتيجةً لمجموعة من العوامل:

أ.  زيادة الاعتماد على القطاعات الأولية المتقلِّبة، سواء صادرات الطاقة متقلِّبة الأسعار، أو النمو الزراعي المُتحكِّم فيه تقلُّب الطقس، وتعتمد الزراعة في إيران بنسبةٍ كبيرة على الأمطار لا الزراعة المروية بانتظام ([28]).

ب. الاضطرابات الجيوسياسية والأزمات الخارجية التي تورَّط فيها النظام الإيراني، سواء كانت حروبًا، أو نزاعاتٍ مسلَّحة مفتعلة، أو عقوباتٍ دولية.

ج.   الإبقاء القسري لسعر الصرف المنخفض؛ ما شجَّع الواردات الرخيصة وثبَّط الإنتاج المحلِّي وزادَ من معدَّلات البطالة.

لذا لم يزِد المتوسِّط السنوي لنمو اقتصاد إيران خلال أربعين عامًا عن (1.8%)، وهو معدَّلٌ أقلّ من نظيره بالنسبة للاقتصادات النامية (4.5%)([29] وأقلّ عن متوسِّط النمو الاقتصادي لدولٍ إقليمية تتقارب مع إيران في حجم السكان كمصر (4.6%) وتركيا (4.2%)، وفق حساباتنا ([30]. أمّا معدَّلات البطالة فسجَّلت 35% من القوى العاملة في الفئة العمرية (25-29)، في تعداد عام 16/2017.

وعلى النقيض حقَّقت إيران معدَّلات نموٍ اقتصاديٍ عالٍ في الستينات والسبعينات، بل كانت من بين أعلى المعدَّلات في العالم (اقتربت من 10%) تزامنًا مع تزايُد نصيب الفرد من الناتج المحلِّي ومعدَّلاتٍ معتدلة من التضخُّم ([31]).

لذلك ليس من المستغرب أن يكون نصيب الفرد الإيراني من الناتج المحلِّي الإجمالي البالغ 7936 دولارًا بالأسعار الثابتة في عام 1978 -أيّ قبل الثورة بعامٍ واحد-، أكثر ممّا كان عليه نصيب الفرد في عام 2017، والذي بلغ 6948 دولارًا ([32]).

شكل رقم (4): معدَّل النمو الحقيقي للاقتصاد الإيراني والاقتصادات النامية (1980-2020)

.Source: World Economic Outlook, IMF, April 2020

وفي العاميين الأخيرين تعرَّض الاقتصاد الإيراني لصدماتٍ قوية منذ فرضِ العقوبات الأمريكية منتصف عام 2018؛ ما أسفر عن: 

أ. انكماش حادّ (-8%، و -6% في عامي 2019م و 2020م على التوالي وفق تقديرات صندوق النقد الدولي).

ب. تراجُع حاد بقيمة العُملة المحلِّية في السوق الحُرَّة من 4300 تومان/دولار في يناير 2018 إلى 25500 تومان كأقصى سعرٍ في منتصف يوليو 2020.

ج. اشتعال التضخُّم حتّى قارب الـ 50% وفق الإحصاءات الرسمية.

د. تزايُد عجز الموازنة والسحب من صندوق الثروة السيادي.

هـ. هروب الاستثمارات الأجنبية وتزايُد البطالة.

و. تزامُن تأثير العقوبات الأمريكية مع تبعات انتشار فيروس كورونا منذ مطلع العام 2020؛ ما أثَّر سلبيًا على الإنتاج وأنشطة السياحة والخدمات والتجارة الداخلية والخارجية، وتحوَّل الميزان الجاري لعجز بنسبة 1.8% ([33]) من إجمالي الناتج المحلِّي

ومع هذه الظروف الاقتصادية الطاحنة، هناك نموٌ سُكَّانيٌ إيجابي يبلغ 1.5% سنويًا، ويحتاج لنموٍ اقتصاديٍ موازٍ ليوفِّر له فُرَصَ العمل والحاجات الضرورية للحياة وبأسعارٍ مناسبة، لكن حتّى هذا النمو الإيجابي المتواضع ما زال غائبًا منذ عام 2019م.

وإجمالًا، فإنّ عدم استقرار نمو الناتج المحلِّي الإجمالي الحقيقي، واختلالات هياكل الإنتاج والتضخُّم المُزمن، هي ظواهر لازمت الاقتصاد الإيراني لعقود، وكانت ولا تزال تشكِّل عائقًا أمام سعادة ورفاهية المواطن الإيراني، وتحقيق التنمية الاقتصادية المنشودة؛ وأصبحت تلك الظواهر وعلى رأسها التضخُّم المُزمن، مصدرًا لاتّساع دائرة الفقر في البلاد وتقليص حجم الطبقة المتوسِّطة، مع تراجُع القُدرة الشرائية لعامّة الشعب من ذوي الدخول الثابتة والمحدودة؛ الأمر الذي عمَّق الفجوة بين الطبقات (أحد المحاور بالنسخة الورقية). 

رابعًا: اختلال هياكل الموازنات العامّة

يتّصف هيكل الموازنة الإيرانية بوجود اختلالاتٍ أساسية، من الممكن تركيزها في أمرين؛ الأوّل: غياب مصادر مستقرَّة ومستدامة للإيرادات العامّة، والاعتماد الزائد على النفط في دفع عجلة النمو، والثاني: التوجُّه المستمرّ نحو زيادة الإنفاق بالاعتماد على وسائل تمويلٍ لها تبعاتٌ اقتصاديةٌ سلبية، إمّا تقود إلى زيادة معدَّل التضخم عادةً، أو التأثير على الاستثمارات المحلِّية وحجم الإنتاج.. وسنُفصِّل ذلك فيما يلي:

1- الاعتماد الزائد على النفط في دفع النمو

اعتمدت إيران على النفط بشكلٍ رئيسي لتحقيق هدفين هما؛ دفع عجلة النمو الاقتصادي عامّةً، وتمويل الموزانة الحكومية خاصّةً، فكان هذا الاعتماد الزائد سببًا في اختلال نتائج كلا الهدفين؛ نظرًا لأنّ إيرادات النفط ليست فقط متغيِّرةً بتقلُّب أسعاره الدولية من وقتٍ لآخر، بل أيضًا قد تتوقَّف الإيرادات فجأةً بشكلٍ شبه كلِّي، حين تتوتَّر علاقاتُ إيران بالمجتمع الدولي، ويتمّ حظر صادراتها النفطية كما حدث في أعوام 2012 و2018 ومستمرٌّ إلى اليوم، ليتعرقل تنفيذ الخُطط التنموية الموضوعة بالموازنة السنوية.

وتراوح اعتماد إيرادات الموزانة الإيرانية على النفط خلال السنوات السبع الأخيرة، ما بين 33% إلى قرابة 50%([34]) من إجمالي إيرادات الموازنة حسب ظروف كُلّ عام، وأحيانًا كانت الحكومات تزيد الاعتماد على النفط عن تلك المعدَّلات، عندما تقلّ الإيرادات الأُخرى، ما يُعرِّض الموازنة العامّة لتزايد العجز في حال انخفاض أسعار النفط عن تلك التي توقَّعتها الحكومة. بينما كان الاعتماد على الضرائب ما بين 37% إلى 46%، خلال نفس الفترة الزمنية.

2- ضعف حصيلة الضرائب وتراكُم الديون

 حاصلات الضرائب هي أحد المصادر المهمَّة لتمويل الإيرادات العامّة لأيّ دولة، لكنّها تمثِّل قرابة 33% مما تحتاجُه الميزانية العامّة الإيرانية، هذا في حال ما تمّ تحصيلُها كاملةً، وهو ما لا يحدُث عادةً؛ نظرًا لانتشار التهرُّب الضريبي والإعفاءات الضريبية؛ ولذا لم تتعدَّ نسبة الضرائب إلى الناتج المحلِّي الإجمالي 7.4% في عام 2009، وفق أحدث بيانات البنك الدولي([35])، وهو معدَّلٌ متواضع مقارنةً بالمعدَّلات العالمية أو الإقليمية.

وفي موزانة عام 1399 هـ. ش. (مارس 2020-مارس 2021) كان نصيب الضرائب 198272 مليار تومان (حوالي 47 مليار دولار بسعر الصرف الرسمي)، أو ما يُعادل 33.2% من إجمالي إيرادات تلك الموازنة، وكان نصيبُها في الموازنة السابقة 32.7% ([36])

 ونظرًا لوجود التزاماتٍ أساسية يجبُ أن تدفعها الحكومة؛ كالرواتب والمعاشات وتكاليف تشغيل المرافق، كان لزامًا عليها توفير تمويلٍ لتلك النفقات المتزايدة كُلّ عام بسبب زيادة الأسعار، فتلجأ إلى أساليب تمويلية كالسّحب من صندوق الثروة السيادي، أو طبع النقود، أو الاستدانة من صناديق التقاعُد والبنوك المحلِّية، أو كُلّ ما سبق معًا.

 ومع ذلك، لم تكُن تلك الإجراءات تسدّ العجز، بل تراكِم الديون وأعباءها عامًا بعد عام، والأدهى أنّها كانت موجَّهةً لأغراضٍ استهلاكية وتشغيلية لا إنتاجية أو تنموية؛ وبهذه المعالجات وصل إجمالي ديون الحكومة للبنوك المحلِّية حتّى فبراير 2017 إلى 37 مليار دولار([37])، وقُدِّر عجز الموازنة الإيرانية في 2019 ما بين 24 مليار دولار إلى 36 مليار دولار([38]).

ورُبّما كان من الممكن أن تواجه الحكومة مشكلة نقص موارد الموازنة وتراكُم الديون، بالحدّ من التهرُّب الضريبي، الذي قدَّرته لجنة الخطَّة والموازنة بالبرلمان الإيراني بـ 9.5 مليار دولار سنويًا([39]) أو المتأخِّرات الضريبية للشركات العامّة المقدَّرة بما بين 7 – 17 مليار دولار([40])([41]). تلك المليارات المُهدَرة هي فُرصٌ تنموية ضائعة لم يستفِد منها عامّة الإيرانيين.

3. إجراءات مالية استثنائية في موازنتي عامي 2019م و2020م   

 نموذجٌ حيّ على اختلال هيكل الموازنة وآثاره المعرقلة للتنمية الاقتصادية، هو ما تعيشه الحكومة الإيرانية حاليًا من أزمةٍ ماليةٍ حادَّة، بدأت منذ الحظر الأمريكي على صادرات النفط الإيراني في أواخر عام 2018، وأدَّت إلى انهيار صادرات النفط مع تراجُع حاصلات الضرائب -الضعيفة في الأساس- ما وضع الحكومة في حرجٍ شديد، ودفع الرئيس روحاني إلى مطالبة الإيرانيين بالوقوف بجانب الدولة ودفع الضرائب، وإلّا فلن تستطيع الحكومة إعداد ميزانية عام 2021 ([42]).

 لذا اضطرَّت الحكومة بموافقة المرشد علي خامنئي إلى الإعلان في يوليو 2019 عن خطَّةٍ([43]) لإعادة تنظيم ميزانية عام 2019/2020 –رغم إقرارها بالفعل قبل أربعة أشهر- تهدُف الخطَّة إلى تقليل النفقات للحدّ الأقصى، وزيادة الإيرادات كُلّما أمكن لسدّ عجز الموازنة عبر بعض الوسائل والأساليب التي سبق وتحدّثنا عنها، وشملت الخطَّة الموضوعة التالي:

أ. خصخصة/نقل ملكية أُصول حكومية، تبلغ قيمتها نحو 10 ترليونات تومان (2.4 مليار دولار بسعر الصرف الرسمي 4200).

ب. سحب 50% من فائض العُملات الأجنبية بالحساب الجاري، يُقدَّر بـ4.5 ترليون تومان (مليار دولار)

جـ. بيع سندات حكومية أو ما يطلق عليه في إيران «صكوك إسلامية».

د. السحب من صندوق الثروة السيادي؛ وبلغ إجمالي قيمة البندين ت و ث مبلغ 62 تريلون تومان (14.7 مليار دولار).

واضطرَّت الحكومة الإيرانية إلى تنفيذ إجراءات استثنائية إضافية في نوفمبر من نفس العام، لمواجهة أزمتها المالية وشُحّ التمويل، كإلغاء دعم الوقود، الأمر الذي أشعل فتيل الاحتجاجات الشعبية في نفس الشهر.

ولاحقًا عقِب تفشِّي فيروس كورونا في البلاد منذ مارس 2020، قامت الحكومة ببيع أسهم شركاتٍ عامّة في البورصة بأسعارٍ مخفَّضة تحت شعار «أسهم العدالة» في مايو 2020، نظرًا لشُحّ السيولة لديها وتزايُد عجز الموزانة المُقدَّر وصوله لأكثر من 47 مليار دولار بنهاية العام المالي. ففي أغسطس 2020، حذَّر رئيس الغُرف التجارية في طهران مسعود خوانسارى([44]) من احتمال وصول عجز الموازنة للعام المالي الحالي المنتهي في مارس 2021، لـ 200 ألف مليار تومان (47.6 مليار دولار).

وإجمالًا، نستطيع القول إنّ اختلالات الموزانة في إيران، أسفرت عن مجموعةٍ من المخاطر المتراكمة، تمثَّلت فيما يلي:

أ. جعل الدولة الإيرانية عرضةً للعجز عن القيام بأدوارها الأساسية والتشغيلية في كثيرٍ من الأحيان، ناهيك عن القيام بالأدوار الاستثمارية والتنموية.

ب. ضياع أموالٍ طائلة على خزينة الدولة كان من الممكن ضخّها لصالح إعادة توزيع الدخل والثروة، وتقديم الخدمات الاجتماعية والصحِّية وتحسين الخدمات العامّة.

ج.  الاضطرار إلى مُراكمة المديونات، وسحب السيولة من البنوك، أو الصناديق العامّة، وتعريض تلك المؤسَّسات للأزمات المالية وتعطيل الاستثمار.

د. التأثير على الظروف المعيشية لعامّة الشعب، وضياع حقّ الأجيال المقبلة في الانتفاع بعائدات النفط والتنمية.

خاتمة

صحيحٌ أنّ إيران تمتلك واحدًا من بين أكبر الاقتصادات بالشرق الأوسط من حيث حجم الناتج المحلِّي، ولديها بالفعل مقدراتٌ اقتصاديةٌ متنوِّعة، لكنّها غير مُستغلَّةً الاستغلالَ الأمثل، إذ تتنوُّع مقدّراتها ما بين النفط والغاز والتُربة الزراعية الخصبة والموارد المائية وتنوُّع التضاريس والمناخ، وبعض الإرث الصناعي من النظام السابق، ليس هذا وحسب بل رُبّما الأهمّ مقوِّماتٌ بشرية وعقولٌ وعلماءٌ منتشرون في أوروبا والولايات المتحدة، بعضهم حاز على جوائز نوبل في علومٍ مختلفة، كُلّ هذه المقوِّمات كانت قادرةً على جعل الإيرانيين من بين أغنى شعوب المنطقة بعد 40 عامًا من قيام ثورةٍ أعلت من الطموحات والشعارات الشعبوية.  

واستطاعت الثورة الإيرانية تحقيقَ بعض الإنجازات، ظهر أبرزُها على المستوى الاجتماعي للطبقات المحرومة والريفية، والتوسُّع في إيصال الخدمات الأساسية كالكهرباء والماء والتعليم إلى الريف المُعدَم، وإن ارتبطت تلك الإنجازات بسنوات ارتفاع أسعار النفط في ثمانينات القرن الماضي. لكن في المقابل، لم يكُن هناك خُططٌ واضحة لتحقيق تنميةٍ شاملة للاقتصاد والبشر تُحقق الاستقرار واستدامةَ النمو الاقتصادي، وتحسُّن جودةَ حياة ودخل عامّة الإيرانيين مع تعاقُب الأجيال، بل أصبح الإيراني فريسةً للتزايُد المستمرّ في الأسعار والبطالة المرتفعة، خاصّةً بين الجامعيين والشباب، وانتشار الفقر داخل المجتمع ليزيد بالتبعيةِ من المشكلات الأمنية والنفسية والمجتمعية، كالطلاق والجريمة والإدمان.  

ورأينا كيف كان لمجموعةٍ من العقبات الجذرية دورٌ كبير في عرقلة تنمية الاقتصاد والمجتمع الإيراني على مدى أربعة عقود، ترسَّخت بعضٌ من تلك العقبات منذ وضع المرشد آية الله الخميني أُسُس الجمهورية الجديدة، بينما استجدّ البعض منها عندما وجد البيئةَ المناسبة للنمو؛ ولا تزال آثار بعض تلك العقبات والتشوُّهات مستمرَّةً إلى اليوم بدرجةٍ كبيرة، واتّضح أنّ وجود العقوبات الاقتصادية المفروضة على النظام الإيراني، ليست هي العائق الوحيد أمام تحقيق النهضة التي ينشُدها الشعب الإيراني، وبالتالي فإنّ رفع تلك العقوبات لن يغيِّر كثيرًا من التشوُّهات الاقتصادية التي تراكمت طويلًا، وتحتاج إلى اقتلاعٍ جذري.

يتوقَّف حلّ تلك التشوُّهات الهيكلية على الاعتراف بوجودها وتحديدها أوّلًا، ثمّ وضع خُططٍ إستراتيجية طويلةِ الأجل للمواجهة لا تتغيَّر إلا في حدودٍ ضيقة، مع ضرورة تحديد نموذجٍ اقتصاديٍ واضحٍ وواقعي يُخرج الاقتصاد الإيراني من عُزلته الطويلة؛ ويتطلَّب هذا إدراكَ أهمِّية الاندماج في المجتمع الدولي والتعايُش السلمي مع الجوار المحيط والانتفاع من فُرَصِ التجارة الدولية، وتجريد المصالح الاقتصادية للبلاد عن الأهداف السياسية أو الطموحات الأيديولوجية للنظام، والتركيز على تعبئة كافّة الموارد المالية للداخل لإصلاح تشوُّهات الاقتصاد، والقضاء على أهمّ مُنغِّصات حياه المواطن الإيراني؛ كالتضخُّم والبطالة، والعمل بالتوزاي على تقليص الفقر المتزايد، وتقليل الفجوة بين الطبقات.

وفي الوقت الحاضر، يدفع كلٌّ من الاقتصاد والمجتمع الإيراني، ثمنًا باهظًا لتراكُم الاختلالات الهيكلية والعُزلة الدولية، كما سبق وأوضحنا بمباحث الدراسة، ولا يكادان يخرُجان من أزمةٍ حتى يدخلا في أزمةٍ أُخرى، فلم يفيقا من آثار العقوبات الأمريكية السارية منذ عامين، حتى اُبتليا بأزمةٍ صحِّية كتفشِّي فيروس كورونا في البلاد، والذي ستمتدّ آثاره السلبية على النمو الاقتصادي حتّى نهاية العام الميلادي الجاري، ورُبّما تستمرّ حتّى منتصف العام المقبل، في حال استمرار العقوبات الأمريكية.

ستفرضُ هذه الأوضاع الصعبة مزيدًا من الخِناق مستقبلًا، على الوضع المالي لميزانية الدولة وكذلك على الأركان المساندة للنظام، والشاهد هُنا أنّه كُلّما استجدّت أزمة -سواء اقتصادية أو غير اقتصادية- زادت من معاناة الشعب الإيراني في المقام الأوّل، وكشفت جانبًا من الاختلالات القائمة، وطُرُق معالجتها، التي تكون بعيدةً في كثيرٍ من الأحيان عن واقع وتطلُّعات المجتمع ذو الغالبية العظمى من الشباب المطَّلع على تطوُّرات العالم، رغمًا عن القيود المفروضة.

لذا فإنّ إعادة التفكير في كثيرٍ من الثوابت الفكرية أو الأيديولوجية، التي عرقلت التنمية الاقتصادية على مدى أربعة عقود وفرضت عُزلةً على البلاد، وكذا في طبيعة السياسات والتوجُّهات الاقتصادية المتّبعة، لهو مطلبٌ ضروري ينبغي على صانعي القرار في إيران أخذه بجدِّيةٍ قبل خروجِ الوضع عن السيطرة، فلكُلِّ عصرٍ ظروفٌ مختلفة عن سابقه، تتطلَّب قدرًا كبيرًا من المرونة وحُسنَ إدارةٍ لمقدرات البلاد المتنوِّعة لخدمة عامّة الشعب، وإلّا فإنّ النهضة الاقتصادية التي ينتظرُها الإيرانيون سيطول أمدُها، حتّى ولو رُفعت كامل العقوبات عن اقتصاد بلادهم.

ملخَّص الدراسة

انطلق هذا البحث في محاولةٍ لتتبُّع مسيرةِ الاقتصاد السياسي لجمهورية إيران الإسلامية، خلال الأربعين عامًا المُنصرمة، وقياس نتائج هذه المسيرة على نهضةِ الإنسان الإيراني، والمرتبطة بنهضة هذا الاقتصاد، وذلك من واقع مؤشِّراتٍ وحقائقَ واضحة؛ ولاحظنا وجودَ مجموعةٍ من العقبات والاختلالات الهيكلية، التي حالت دون تطوُّر ونهضةِ الاقتصاد الإيراني بما يتناسب ومقدَّراته الطبيعية والبشرية، كما حالت تلك العقباتُ دون ما تمنَّاه كُلّ إيراني عند قيام الثورة قبل أربعة عقود، وحدّدناها في سبعة اختلالاتٍ هيكلية (ثلاثة منها في النسخة الورقية لسلسلة «قضايا إيرانية»)، أغلبُها لم يكُن مرتبطًا بالضرورة بالعقوبات الخارجية، التي تعرَّض لها النظامُ على مدى عمره.

بعض اختلالات النهضة الاقتصادية المنشودة كانت فكريةً وأيديولوجية، متعلِّقة بالشكّ والحذر في التعامُل مع الآخر أو غير الإيراني، بجانب طموحاتِ التوسُّع خارجَ الحدود وإعلاء المُعتقدات على المصالح الاقتصادية. بعضها كان إداريًا؛ كالفساد والبيرقراطية، والكثير منها متعلِّقٌ بعقباتٍ اقتصادية؛ إمّا ترسَّخت منذ التأسيس الأوّل للجمهورية وارتبطت بالفكر الاقتصادي للمرشد الخميني والنُّخب الحاكمة، وقامت بتسييس المصالح الاقتصادية. وإمّا اختلالاتٌ استجدَّت استجابةً لطبيعة السياسات المتّبعة، وخلَّفت مشكلاتٍ مُزمنة كالتضخُّم وتحدِّيات النمو الاقتصادي والفقر وتوزيع الثروة وإدارة موارد ومقدرات الدولة. تعمَّقت تلك الاختلالات مع الزمن ولا يزال تأثيرُها مستمرًّا إلى يومنا هذا، ما وقف وسيقِف، حجرَ عثرةٍ أمام النهضة التي ينشدُها الإيرانيُّون، حتّى لو غابت العقوبات الخارجية مستقبلًا، وإلى أن تتمّ مواجهة تلك العقبات واقتلاعها جذريًا.


([1])  Djavad Salehi-Isfahani, BROOKINGS, “Iran’s economy 40 years after the Islamic Revolution”, 14 Mars 2019, Accessed: 5 Nov. 2019. https://brook.gs/3b9dcLA  

([2])  جواد كاظم حميد، «التنمية الاقتتصادية في الرؤى الإسلامية مع إشارة إلى تجربة الجمهورية الإسلامية في إيران»، مجلة دراسات إيرانية، جامعة البصرة، العدد (10-11). ص: 109.

([3])  Data are in constant 2010 U.S. dollars. For More details, see: “Iran: GDP per capita, constant dollars”, the global economy.com. Accessed: 21 April 2020. https://bit.ly/2WGGnSl

([4]) Iran Population live 2020, World Meters.info, Accessed: 21 April 2020.   https://bit.ly/2PU290P

(*) بحث بعنوان: “الاختلالات الهيكلية في الاقتصاد الإيراني” لنبيل جعفر عبد الرضا، الصادر في عام 1990م عن جامعة البصرة العراقية، والذي ركّز على الاختلالات الاقتصادية فقط.

 ([5])  معجم المعاني، تاريخ الاطلاع: 12 نوفمبر 2019م،   .https://bit.ly/2WlQKte

 ([6])  معجم المعاني، تاريخ الاطلاع: 12 نوفمبر 2019م،  .https://bit.ly/2Wovfcr

 ([7])  نبيل جعفر عبد الرضا، «الاختلالات الهيكلية في الاقتصاد الإيراني» رسالة مقدمة إلى جامعة البصرة لنيل درجة الماجستير، مايو 1990. ص: 5-8.

 ([8])  للتوسُّع انظر: محمد بن صقر السلمي، «الآخر العربي في الفكر الإيراني الحديث، دراسة في ضوء الاستشراق الإيراني»، المعهد الدولي للدراسات الإيرانية، الطبعة الأولى، الرياض ، 1439هـ.  ص: 229.

 ([9])  مجيد محمدي، رادیو فردا، «دشمنی اسلامگرایانه با غرب چه نتایجی دارد؟»، 29 خرداد 1399 ه. ش، تاريخ الاطلاع 17 يونيو 2020م، https://bit.ly/3e8dYe0.

  ([10])بساران اواليلى، «الثورة الإسلامية والاقتصاد صراع النخب حول استقلال الاقتصاد الإيراني»، ترجمة: صبحي مجدي، دار التنوير للنشر، 2011م، ص 50.

 ([11]) المرجع السابق، ص 64.

  ([12])للمزيد حول تاريخ وتطوُّرات صناعة النفط في إيران، انظر: يحيى داود عباس، البينة، «مختارات إيرانية- العدد 81- أبريل 2007». تاريخ الاطلاع: 10 ديسمبر 2019م، https://bit.ly/2WrkcxQ.

([13])  دستور جمهورية إيران الإسلامية، إصدار وزارة الإرشاد الإسلامي، بمساعدة اللجنة التحضيرية للمؤتمر العالمي لأئمة الجمعة والجماعة، طهران، الطبعة الأولى، 1403 هـ (1982م)، ص: 42 – 60 – 97.

([14])  دستور إيران الصادر عام 1979م شاملًا تعديلاته لغاية عام 1989م، ترجمة: المؤسَّسة الدولية للديمقراطية والانتخابات؛ تحديث مشروع الدساتير المقارنة لصالح constituteproject.org، ص: 14.

  ([15])بساران اواليلى، ص: 180-181. مرجع سابق.

  ([16])  المرجع نفسه، ص: 219.

([17]) Iran Foreign Direct Investment: % of GDP (1997 – 2017 ), CEIC Data, Accessed :16 February 2020. https://bit.ly/3bNgvsb

  ([18]) مرجع سابق، ص: 195- 196.

 ([19])   Revise: Iran data portal, “THE GENERAL POLICIES PERTAINING TO PRINCIPLE 44 OF THE CONSTITUTION OF THE ISLAMIC REPUBLIC OF IRAN”, accessed: 8/8/2020.  https://bit.ly/31DCD5i .

 ([20])  راجع وصية الخميني في: بساران اواليلى، ص: 103. مرجع سابق.

([21])  حسابات الباحث بالاعتماد على بيانات تقرير صندوق النقد الدولي، World Economic Outlook (October 2019)، https://www.imf.org/ .

(*) منذ قيام الثورة الإيرانية في عام 1979م وإيران تُواجه سلاسل متتالية من العقوبات الاقتصادية، سواء أكانت عقوبات من قِبل الولايات المتحدة الأمريكية بدأت منذ عام 1979م ومستمرّة حتى الآن، أو عقوبات أممية منذ عام 2006م على خلفية الملفّ النووي الإيراني، أو عقوبات أوروبية شُدِّدت في عام 2012م وكانت الأكثر تأثيرًا على الاقتصاد والمجتمع الإيراني.

([22]) Financial Tribune, ” Iran’s Consumer Inflation at 42%” 25 Oct. 2019, Accessed: 20 Mar 2020. https://bit.ly/3bbFdlB   

 ([23]) اقتصاد نيوز، “نقدینگی کشور در سال ۹۷ زیر ذره‌بین/رشد ۴۶/۵ درصدی حجم پول+جدول ونمودار”، 17/04/1398ه.ش.، تاريخ الاطلاع: 04 أبريل 2020، https://bit.ly/2yEKJMW.

([24])  حسابات الباحث بالاعتماد على بيانات صندوق النقد الدولي تقرير صندوق النقد الدولي، World Economic Outlook (October 2019)، تاريخ الاطلاع: 03يونيو2020م، https://www.imf.org/.

([25]) اقتصاد نيوز، “مسعود نیلی در همایش سیاست‌های پولی و چالش‌‌های بانکداری: عملکرد بلندمدت اقتصاد ایران قابل دفاع نیست” 9فبراير1398ه.ش.، تاريخ الاطلاع: 05 ديسمبر 2020م، https://bit.ly/2zaMJA8

([26])   حسين موسوي، «الاقتصاد الإيراني: ضرورة التصحيح البنيوي»، مجلة شؤون الأوسط، (العدد 104، خريف 2001م)، مركز الدراسات الإستراتيجية للبحوث والتوثيق، بيروت، ص: 177.

([27]) Central Bank of the Islamic Republic of Iran, Economic Trend Report No. 92, First Quarter 1397 (18/2019). P: 2               

([28])  للمزيد حول هيكل الزراعة في إيران، راجع أحمد السيد النجار، «مصر وإيران وتركيا.. الواقع الاقتصادي والعلاقات الأوروبية»، مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام، القاهرة 2003م، ص: 130-126.

([29])  حسابات الباحث بالاعتماد على بيانات تقرير صندوق النقد الدولي، World Economic Outlook (April 2020)، دختاريخ الاطلاع: 04يونيو2020م، https://www.imf.org/ .

([30])  حسابات الباحث بالاعتماد على بيانات تقرير صندوق النقد الدولي، World Economic Outlook (October 2019)، دخول: 04يونيو2020م، https://www.imf.org/ .

([31]) ShayerahIlias , “Iran’s Economic Conditions: U.S. Policy Issues” , June 2010. Congressional research service.P3.

([32])  Data are in constant 2010 U.S. dollars. IBID.

([33])  Economist Intelegence Unit (EIU). Counrty Report (Iran), “Poltical and economic outlook”, July 2020.P: 2.

([34])  حسابات الباحث بالاعتماد على تحليل هياكل الموازنة العامّة الصادرة عن البنك المركزي الإيراني، لأعوام 1391ه.ش./ 2012 م. إلى 1397 ه. ش. /2018 م .

([35]) See: The World Bank, “Tax revenue (% of GDP)”, accessed: 19/8/2020. https://bit.ly/3iXsBDc

([36])  حسابات الباحث بالاعتماد على بيانات الموازنة الإيرانية، وللمزيد راجع: iranbudget.org..

([37]) راهبرد معاصر، “10  شکاف فعال بحران زا در اقتصاد ایران”، 16 آبان 1398. ه.ش.. تاريخ الاطلاع: 05 أبريل 2020م، https://bit.ly/36TWPlg.

([38])   Financial Tribune, “Iran’s H1 Budget Deficit Tops $5.5b”, 20 Oct. 2019. Accessed: 1 Mars 2020. https://bit.ly/2yhjtaR .

([39])  Financial Tribune, IBID

([40])  ما يُعادل سعر الصرف الرسمي للدولار مقابل التومان والبالغ 4200 تومان للدولار الواحد.

 ([41]) عزت الله اليوسفي الملا، تجارت أونلاين، “رهایی از اقتصاد نفتی در گرو وصول مطالبات مالیاتی”، 24 آبان 1398 ه.ش.، تاريخ الاطلاع: 27 فبراير 2020م،  .https://bit.ly/32LPBwg

 ([42]) صحيفة “ثروت”، 22 ابان 1398 ه.ش.، العدد 709، https://bit.ly/2L3QJEY.

([43]) المعهد الدولي للدراسات الإيرانية «رصانة»، «ما وراء إعادة إقرار الميزانية الإيرانية»، 31 يوليو 2019م، تاريخ الاطلاع: 16 يونيو 2020م، https://bit.ly/2YDUKGK.  

([44])  اقتصاد آنلاين، “چهار پیشنهاد خوانساری برای حل مشکلات اقتصادی/ کسری بودجه امسال به ۲۰۰هزار میلیارد خواهد رسید” ، 08/04/1399ه.ش. تاريخ الدخول الاطلاع 20 أغسطس 2020م، https://bit.ly/3heWKNL.  

أحمد شمس الدين ليلة
أحمد شمس الدين ليلة
باحث اقتصادي بالمعهد الدولي للدراسات الإيرانية