نهج بايدن تجاه الشرق الأوسط.. المآلات المحتملة لوكلاء إيران بالمنطقة

https://rasanah-iiis.org/?p=22898

مقدِّمة

يأتي فوز المرشَّح الديمقراطي جو بايدن في الانتخابات الأمريكية في وقتٍ عصيب، يشهد فيه الشرق الأوسط تغيراتٍ في الديناميكيات الإقليمية؛ وفوزه بلا شكّ يُشير إلى أنَّ هناك تغيُّراتٍ معيَّنةٍ ستجري في نهج واشنطن تجاه الصراعات والنزاعات الإقليمية. أمَّا التحدِّيات التي تنتظر إدارة بايدن فيما يخُصّ الشرق الأوسط، ستتمحور حول العدوان الإيراني في شرق المتوسِّط والخليج العربي والأزمة السورية واليمنية، وتخفيض عددِ القوّات الأمريكية في المنطقة.

أوّلًا: نهجٌ مختلف

تُشير تصريحات بايدن الأخيرة إلى احتمالية تبنِّيه نهجًا مختلفًا بعض الشيء تجاه الشرق الأوسط؛ بناءً على تحليله لنتائج سياسة «الضغوط القصوى»، التي انتهجتها إدارة دونالد ترامب مع إيران، لعلّه سيكون حذِرًا نوعًا ما للدخول في مفاوضاتٍ جديدةٍ مع طهران؛ ولأنَّ الكفَّة مرجَّحة وبقوّةٍ لهيمنة الأُصوليين في الحكومة الإيرانية المقبلة.

تعهَّد بايدن أنَّ الولايات المتحدة ستعود مجدَّدًا إلى «الاتفاق النووي»، في حال امتثلت طهران امتثالًا كاملًا لبنود الاتفاق. حزمة العقوبات الجديدة التي فرضتها إدارة ترامب، تجعل من الصعب على الرئيس المُنتخَب العودة مباشرةً لـ«الاتفاق النووي»، وقد استبق بايدن الأحداث بتصريحه أنَّ أيَّ تعامُل مع إيران، سيكون بناءً على التزامات واشنطن مع حلفائها في المنطقة، وتبقى إيران في نظر كلا الحزبين، الجمهوري والديمقراطي، دولةً راعيةً للإرهاب؛ وعليه فإنَّ تخفيف أيٍّ من العقوبات المفروضة لن يتمّ إلّا بتجاوبٍ إيجابيٍ وسريع من الطرف الإيراني للسياسة الأمريكية.

لذلك ستكون سياسة واشنطن تجاه إيران مبنيةً على الإستراتيجية الأمريكية الهادفة لإرساء استقرارٍ طويل الأمد في المنطقة، يحفظ لها مصالحها، ويرجِّح كفَّة توازُن القُوى الإقليمية لصالحها؛ وفي ظلّ الجدل المُثار في الداخل الأمريكي، الذي حاز على تأييدٍ شعبي لانسحاب القوّات الأمريكية من المنطقة وخروج البلاد من «الحروب اللانهائية»، سيُشكِّل هذا مصدر قلقٍ لبايدن، لا سيما في تعامُله مع شُركاء أمريكا في المنطقة. دفعت المناشدة الشعبية لانسحاب القوّات الأمريكية من الحروب الخارجية، بايدن لتقديم إستراتيجية جديدة لمحاربة الإرهاب، تشدِّدُ على أهمِّية محاربة الجماعات الإرهابية بشنّ حملات قصف مكثَّفة، بدلًا من الاعتماد على نشر القوّات أرضًا؛ ومن شأن هذه الإستراتيجية أن تساعد الديمقراطيين للانخراط بشكلٍ بنّاء مع الدول في المنطقة؛ للحيلولة دون نشوب صراعاتٍ وحروبٍ جديدة. 

ثانيًا: تغيُّراتٌ مُحتمَلة في السياسات

ستتمحور سياسة بايدن حول تقييد برنامج إيران النووي وكبح انتهاكاتها العدائية في المنطقة؛ ويبقى اختلاف بايدن عن سياسة ترامب إلى حدٍّ كبير في الأدوات والأساليب، التي قد تتّبعها واشنطن لتطبيق سياستها، لا سيما بعدما أشار عددٌ من مستشاري بايدن إلى أنَّ الإدارة الأمريكية المقبلة ستنتهج أساليب معيَّنة.

وانتقد أنتوني بلينكن المستشار الأوّل للعلاقات الخارجية لحملة جو بايدن، نهجَ ترامب تجاه إيران قائلًا إنَّ «الولايات المتحدة الآن في وضع أسوأ ممّا كانت عليه في علاقتها مع إيران، مقارنةً بالماضي». وفي إجابته عن ماهية النهج المحتمل لبايدن تجاه إيران، قال إنَّ «بايدن سيرتكز في نهجه على الدبلوماسية والتنسيق مع حُلفاء واشنطن، وفي نفس الوقت العمل بشكلٍ فعّال على احتواء أنشطة إيران المزعزعة للاستقرار في المنطقة»، مشدِّدًا على «توحيد شُركاء الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة بدلًا من عزلهم».

وفي هذا السياق، يرى جيك سلفيان -الذي شغل منصب مستشار الأمن القومي السابق لنائب الرئيس جو بايدن إبان فترة الرئيس باراك أوباما وأسهم في المفاوضات مع إيران- أنَّ مستقبل السياسة الخارجية الأمريكية في الخليج العربي سيكون أكثر شموليةً عبر التفاوُض مع شُركاء واشنطن في المنطقة. وأضاف قائلًا: على الولايات المتحدة الأمريكية أن تركِّز على التفاوُض حول الملفّ النووي، وتسهيل عملية المفاوضات على الصعيد الإقليمي حيث يكون بها اللاعبون الإقليميون محاورين رئيسين؛ وبتبنِّي إدارة بايدن هذا النهج، ستتمكَّن من أن توازِن بين اعتبارات الولايات المتحدة من الناحية الإستراتيجية والتكتيكية، بغرض خفض حِدَّة التوتُّرات الإقليمية، وحماية مصالح واشنطن الاقتصادية والعسكرية، لا سيما في المضائق البحرية الرئيسية بالمنطقة.  ومؤخَّرًا، قال المرشد الإيراني علي خامنئي في تصريحٍ له إنَّ «سياسة إيران مع الولايات المتحدة ستبقى كما هي، بغضّ النظر من سيفوز بالانتخابات». ومن جانبه، صرَّح وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف بعد إعلان فوز بايدن أنَّ «طهران تتوقَّع من الولايات المتحدة المبادرة بالتواصُل معها»، وبلا شكّ يتوقَّف مسار نهج دبلوماسية واشنطن تجاه طهران في الأشهر المقبلة على تجاوُب الحكومة الإيرانية الحالية.  

ثالثًا: المآلات المترتِّبة على حُلفاء إيران ووكلائها في المنطقة

  1. سوريا

تُعَدّ سوريا من أهمّ حُلفاء إيران في المنطقة، وقد انتقد جو بايدن الحكومة السورية، وعلانيةً وفي عدَّةٍ مناسبات، انتقد الرئيس السوي بشار الأسد.

تنامى في السنوات الأخيرة، النفوذ الإيراني في سوريا، حيث استنزفت الحكومة الإيرانية الكثير من مواردها في تسليح الميليشيات هناك، ودرَّب الحرس الثوري الإيراني، حزب الله والميليشيات ونقلهم إلى سوريا؛ ما مكَّنهم من بسط سيطرتهم على مواقع إستراتيجية في الأراضي السورية، وقد ذكر مستشارٌ لبايدن أنَّ الرئيس المُنتخَب يرى أنَّ العقوبات أداةٌ مهمَّةٌ في السياسة الخارجية الأمريكية تجاه سوريا، مضيفًا أنَّ عقوباتٍ مثل «قانون قيصر» يجب أن تكون ضمن إستراتيجيةٍ شاملةٍ تحرِّكها الدبلوماسية. وقد يستمرّ بايدن في العقوبات المفروضة كأداةٍ غير عسكرية؛ لوقف جرائم الحرب التي يرتكبها نظام بشار الأسد، مع وضع استثناءاتٍ لاعتباراتٍ إنسانية للحالة السورية.

وعلى الرغم من انتقاداته اللاذعة لبشار الأسد، إلّا أنّ بايدن لم يُشِر إلى أنّه يدعم أيَّ خطَّة لإزالة الأسد بالقوّة. كما أنَّ بايدن انتقد انسحاب ترامب من سوريا، الذي أفسح المجال لتركيا للهجوم على الأكراد، الذين حاربوا بجانب الولايات المتحدة تنظيم «داعش»، وعلى الرغم من كُلّ هذا، لا نعلم كيف ستتعامل إدارة بايدن مع القُوى الإقليمية، في ظلّ التوتُّرات المتصاعدة مع تركيا لضمان أمن أكراد سوريا.   

2. العراق

تبقى العراق مصدر قلقٍ آخر لبايدن، الذي عانى ولوقتٍ طويل مع الحالة العراقية، في ظل تلقِّيه لانتقاداتٍ من كلا الحزبين الجمهوري والديمقراطي إزاء آرائه تجاه العراق. وفي الوضع الراهن، سيكون خيار بايدن الأوَّل والأهمّ التعامُل مع حكومةٍ عراقيةٍ مستقرَّة، وسيركِّز على تخفيض أعداد القوّات العسكرية في العراق، مع استبعاد خيار الانسحاب الكُلِّي، لا سيما أنَّ الديمقراطيين متوجِّسون من تهديدات «داعش» المستمرَّة، وكما أكَّد بايدن على أهمِّية الحكومات الفعّالة وبناء الدول؛ لإنهاء الصراعات والحروب في المنطقة. ومن المرجَّح أن تعمل الولايات المتحدة تحت قيادة بايدن مع حكومة مصطفى الكاظمي في بغداد، بينما يبقى نفوذ إيران المتغلغِل في العراق مصدر قلقٍ كبيرٍ لها.  فالمظاهرات التي اندلعت في العراق ضدّ التدخُّل الأجنبي في البلاد، تزيدُ من التحدِّيات أمام بايدن، الذي سيعمل لمجابهة النفوذ الإيراني ودعم حكومةٍ عراقيةٍ مستقرَّة قد تُحارب الجماعات الإرهابية العاملة في الأراضي العراقية.

3. حزب الله

قد يواجه وجود حزب الله في المنطقة منعطفًا، اعتمادًا على ما ستُفضيه تفاعُلات السياسات الإيرانية الأمريكية في المستقبل. يشهد لبنان استمرارًا لحالة عدم الاستقرار السياسي والتدهُور الاقتصادي؛ ما زاد من تردِّي الأوضاع في البلاد. وفي أعقاب التفجير الهائل الذي حاق بمرفأ بيروت، أعرب بايدن عن تضامُنه ودعمه للشعب اللبناني في محنته، ومن المرجَّح أن يضغط بايدن على رئيس الوزراء سعد الحريري وعلى حكومته الجديدة، لدراسة إصلاحاتٍ ملائمة للبلاد؛ ومن المبكر التنبُّؤ بنهج إدارة بايدن تجاه لبنان على المدى البعيد، لا سيما أنَّ لبنان ليست ذات أهمِّيةٍ عاجلة لواشنطن، لذلك قد تنتظر إدارة بايدن بعض الوقت لتقييم كيف ستسري خطَّة عمل الإدارة اللبنانية الجديدة.

وفي ظلّ أزمة لبنان السياسية والاقتصادية، خصَّ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، حزبَ الله بالنقد، إذ صرَّح خلال مؤتمرٍ صحافي حول التطوُّرات في لبنان، قائلًا: «هناك سؤالٌ يجب طرحُه على حزب الله وأنفسنا، هل هو حقًّا حزبٌ سياسيٌ أم أنَّه يعمل فقط بمنطقٍ تمُلِيه إيران وقوّاتها الإرهابية؟».

وبما أنَّ بايدن أشار سابقًا إلى أنَّه سيسعى للعمل مع حُلفاء واشنطن الأوروبيين، من المرجَّح أنّه سيسعى أيضًا لتقريب المصالح الأمريكية والأوروبية في المنطقة. التطوُّرات الفرنسية في ملفّ برنامج الإصلاحات اللبناني سيلعب دورًا مهمًّا في هذا الصدد، وسيبقى دعم واشنطن حجرًا أساسيًا لأيّ برنامجِ إصلاحاتٍ في البلاد.

4. الحوثيون

 أشار بايدن إلى أنَّه سيعيد تقييم دور واشنطن في اليمن؛ لإنهاء الحرب هناك، وعلى الرغم من أنَّ بايدن قد صرَّح سابقًا بأهمِّية إعادة تقييم دعم الولايات المتحدة للسعودية وحلفائها فيما يخُصّ الحرب في اليمن، إلّا أنَّه من المرجَّح جدًا ألّا يقدم بايدن للعمل على معالجة الأزمة اليمنية دون مشاورة الرياض وحلفائها بالمنطقة.

ومن المتوقَّع أيضًا استمرار إدارة بايدن بالنهج التقليدي للولايات المتحدة مع حُلفائها/شرُكائها في المنطقة، بمن فيهم القُوى الأوروبية لوقف تدفُّق الأسلحة من إيران لوكلائها الحوثيين، لا سيما أنَّ احتواء الانتهاكات العدائية الإيرانية تبقى نقطة تلتقي حولها المصالح السعودية والأمريكية والأوروبية.

خاتمة

نهجُ بايدن تجاهَ المنطقة سيتمحورُ بصورةٍ رئيسية حولَ حماية المصالح الإستراتيجية الأمريكية، والدفاع عن حُلفائها القدامى في المنطقة؛ وكما أشرنا آنفًا، سيصُبّ بايدن جُلَّ جهوده لتخفيض أعداد القوّات الأمريكية في المنطقة، والعمل على تقريب مصالحها مع حُلفائها. وستبقى التطوُّرات في سوريا واليمن والعراق مصادرَ قلقٍ لواشنطن؛ لأنَّها أوراق ضغطٍ تؤثِّر على سير العلاقات الأمريكية-الإيرانية في الوقت الراهن؛ وسيؤثِّر نهج بايدن بشكلٍ مستمرّ على دورِ إيران الإقليمي، وسيسعى لجلبِ القُوى الإقليمية والدولية لطاولة المفاوضات، وهذه ستكون سِمةً أساسية في نهج بايدن تجاهَ الشرق الأوسط.   

المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
إدارة التحرير