كيف رفع كوفيد-19 مستوى الفقر في إيران؟

https://rasanah-iiis.org/?p=26368

تواجه إيران مستويات فقر متنامية، تفاقمت منذ أن بدأت جائحة فيروس كورونا في 2020م، وكانت إيران -بسبب سوء إدارة الوباء- إحدى أكثر الدول المتضرِّرة في العالم من حيث معدَّلات الإصابة والوفيات من جرَّاء الفيروس، ولم يكتمل التحصين سوى 4% من إجمالي الشعب الإيراني.

وفي ظِل هذه الظروف، فليس من المُستغرَب أن يواجه الاقتصاد الإيراني مزيدًا من العقبات، لا سيّما ارتفاع معدَّل الفقر. ففي عام 2020م، أدَّى الانخفاض في مستويات الدخل، وارتفاع معدَّل التضخُّم إلى زيادة حادَّة بنسبة 11% في معدَّل الفقر، إذ يتحمَّل الفقراء في إيران عواقب هذه الأزمة. وبحسب ما تفيد التقارير، فإنَّ حوالي 6 ملايين إيراني يعملون في القطاع غير الرسمي في البلاد ويعتمدون على الأُجور اليومية، كما انخفض نصيب الفرد من نفقات الأُسرة المعيشية في المتوسِّط ​​بمقدار الثلث، خلال الشهر الأوَّل من تفشِّي وباء كورونا في 2020م.

وفي نفس العام، عانى ثلاثة إلى أربعة ملايين إيراني تقريبًا من البطالة، بعد أن تقلَّص الناتج المحلِّي الإجمالي بنسبة 5%، وبسبب الجائحة، وصل معدَّل البطالة الحقيقي إلى ما بين 20 إلى 35%. وبحسب ما أفاد مركز أبحاث البرلمان الإيراني، فإنَّ 35% من الإيرانيين -بحلول أكتوبر 2020م- يعيشون تحت خطّ الفقر. وبحسب ما أفاد البنك الدولي، فقد وصل «مؤشِّر تضخُّم أسعار المستهلكين» إلى 46.6% بحلول نوفمبر 2020؛ ما تسبَّب في ارتفاع حاد في أسعار المواد الغذائية والإسكان. وعلى الرغم من أنَّ البرلمان الإيراني خصَّص مبلغًا قيمته 7 مليار دولار تقريبًا لتخفيف أثار الفيروس، إلا أنَّ البنك الدولي توقَّع محدودية تأثير الخطوة، في حال استمرَّت تكاليف المعيشة في الارتفاع.

وفي ظِل عجز الحكومة الإيرانية عن إغلاق الاقتصاد لخفض منحنى الوفيات الناتجة عن الوباء، ضربت عدَّة موجات للفيروس إيران بشدَّة. ففي الفترة 2020-2021م -على سبيل المثال- كان من المتوقَّع أن يكون تعافي الناتج المحلِّي الإجمالي بطيئًا، على الرغم من انتعاش الاقتصاد الإيراني بنسبة 1.7%. وفي أبريل 2021م، توقَّع البنك الدولي أنَّ السبب في بطء مسار الانتعاش الاقتصادي يعود إلى الجائحة؛ نظرًا لإعادة ظهور «كوفيد-19»، وزيادة معدَّل التضخُّم عن 20%. وبحلول يونيو، أفادت تقارير أنَّ الوباء تسبَّب في تقلُّص أو إغلاق عديد من الشركات الإيرانية؛ وبالتالي فقد عصفت الجائحة بـ 1.4 مليون وظيفة، وبلغ عدد من خسروا وظائفهم في سوق العمل مليوني شخص، بحلول ربيع 2021م، مقارنةً بعام 2020م.

وبحسب ما تفيد التقارير الرسمية، فقد خسرت إيران ما يزيد عن مليون وظيفة خلال عام بسبب الجائحة؛ ما رفع مستويات الفقر في البلاد. وتشير الإحصاءات الأخيرة إلى خسارة 1.5 مليون وظيفة، وفي ظِل ارتفاع معدَّل التضخُّم -البالغ 36% حاليًا- فإنَّ هذه الظروف تسمح لواحد فقط من كُلّ أربعة إيرانيين بكسب الأجر، ومعظم الوظائف التي عصفت بها الجائحة في إيران كانت تؤدِّيها نساء عملن في قطاعات اقتصادية غير مُستدامة في الغالب. وبحلول أغسطس 2021م أصبح 26.7 مليون إيراني -أي أكثر من 31% من الشعب  الإيراني- يعيشون تحت خطّ الفقر، وتصل معدَّلات الفقر المُدقَع في إيران إلى 25 إيرانيًا على الأقلّ لا يجدون أساسيات الحياة، من المأكل والمشرب والمأوى والتعليم، ويرى برلمانيون إيرانيون أنَّ 60% من الشعب الإيراني يعيشون تحت خطّ الفقر.

وقد خلَّفت جائحة كورونا أثرًا اجتماعيًا مدمِّرًا في إيران، إذ ارتفعت معدَّلات الهجرة والانتحار ارتفاعًا كبيرًا في شتَّى أرجاء إيران، ويقدِّر عدد الأطفال الإيرانيين الذين فقدوا أحد والديهم بسبب الفيروس بحوالي 51,000 طفل إيراني على الأقلَّ. وبحسب ما تفيد التقارير الرسمية، فإنَّ حوالي 60 مليون إيراني حاليًّا بحاجة إلى الإعانات.

ومن أوجه تأثير الجائحة في إيران أيضًا تضرُّر المؤشِّرات الصحِّية؛ فوفقًا للتقارير الرسمية، يؤدِّي سوء التغذية في جميع أنحاء إيران إلى زيادة المخاطر الصحِّية على كبار السن، ونقص وزن الأطفال حديثي الولادة، وقصر قامة الأطفال عن الطول المتوسط. كما أنَّ الانخفاض- المقدَّر بنسبة 35%- في القوَّة الشرائية للأغذية عند الأُسرة الإيرانية المتوسِّطة زاد المشكلات الصحِّية في جميع أنحاء البلاد.

وأدَّت هذه الظروف أيضًا إلى زيادة عدد الطلاب المنقطعين عن المدارس في محاولة لدخول سوق العمل غير الرسمية؛ ما يجعل الأطفال الإيرانيين عُرضة للإصابة بالفيروس، إذ يعمل عديد منهم في القطاع غير الرسمي، ويقومون بجمع القمامة وغسيل السيارات والتسوُّل في الشوارع؛ ما ساهم في ارتفاع معدَّلات العدوى والوفيات. ويؤدِّي انعدام الأمن الغذائي في المناطق الحضرية إلى ارتفاع معدَّلات الإصابة بالفيروس، إذ يبحث الفقراء عن الغذاء في بيئات غير صحِّية، وغالبًا ما يقتاتون على بقايا الأطعمة، مثل الخبز والفواكه والأرز والخضروات.

وتقف الحكومة الإيرانية حائرةً أمام حلّ مسألة مستويات الفقر، التي تتفاقم بسبب الوباء، إذ تشير تقارير جديدة إلى أنَّه على الرغم من تقديم الإعانات، فإنَّ ما يقرب من 40% من الإيرانيين يعيشون حاليًّا تحت خطّ الفقر، في ظِل ارتفاع أسعار المواد الغذائية بنسبة 60%. كما أدَّى انخفاض معدَّلات الاستهلاك إلى إغلاق مئات الشركات؛ ما ساهم أيضًا في زيادة معدَّلات البطالة والفقر في البلاد. 

المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
إدارة التحرير