العودة لسياسة «الضغوطات القصوى» هي الحل

https://rasanah-iiis.org/?p=28359

بواسطةد.محمد بن صقر السلمي

جربتْ الإدارة الأمريكية الراهنة الكثير من الحلول بل والإغراءات مع الجانب الإيراني للعودة إلى التطبيق الكامل للاتفاق النووي الذي عُقد بين إيران ومجموعة 5+1 في عام 2015م بعد انسحاب إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب من الاتفاق في عام 2018م، مقابل العودة للاتفاق ورفع العقوبات ذات الصلة.

يبدو أنّ إيران كان لديها توصية وربما وعودٌ من فريق إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما بالصبر على عقوبات ترامب إلى حين عودة الديموقراطيين إلى السلطة وهذا ما حصل بالفعل. الحقيقة التي لم تدركها إيران أنّ الرئيس الجديد لا يستطيع تطبيق وعود تمّ تقديمها من أشخاص خارج السلطة، كما أنّ عامل الوقت وضغط الانتخابات والفشل في التحكم في أسعار الوقود، علاوةً على اندلاع الأزمة بين روسيا وأوكرانيا ليست جميعها مبررات كافية للإدارة الراهنة للعودة للاتفاق النووي قبل عودة إيران لتطبيقِ كامل البنود والتراجُع عن الخطوات التي اتخذتها طيلة السنوات الثلاث الماضية وتسريع عملية إنتاج اليورانيوم المخصب بنسبٍ عالية وتركيب أجهزة طرد مركزي متقدمة.

ولعل قيام الإدارة الأمريكية الراهنة بغضّ الطرف عن تطبيق ومتابعة العقوبات التي فرضتها إدارة جو بايدن والسماح لإيران بمساحة كبيرة في التعامل التجاري مع العالم، ورفع بعض العقوبات عن طهران، قد قاد إيران إلى رفع سقف توقعاتها بأملِ تقديم الإدارة الأمريكية لمزيدٍ من التنازلات وتحقيق إيران مكاسبَ أكبر مِمّا حققته في عام 2015م، ومن ذلك المطالبة بتعويضات عن الخسائر التي لحقت بإيران جرَّاء الانسحاب الأمريكي،  قد باءت جميعها  بالفشل، ومِن ثَمَّ، بدأ واضحًا تراجُع إيران خلال الأسابيع الماضية عن بعض شروطها، ومِن أهمها: رفع اسم الحرس الثوري الإيراني من القائمة الأمريكية للتنظيمات الإرهابية الأجنبية. ولعل ما زاد الطين بِلة بالنسبة لإيران هو قرار مجلس الحكام في الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن عدم تقديم إيران إجاباتٍ كافية ومقنعة لأسئلة الوكالة حول بعض الأنشطة في مواقع غير مُعلن عنها من قِبل طهران. 

هذا الانسداد السياسي والفنّي بين إيران من جانب، وأوروبا وأمريكا من جانبٍ آخر، وفي ظل انشغال العالم الغربي بالأزمة بين روسيا وأوكرانيا، يجعل فريق بايدن يفكر مجدّدًا في تبنّي نسخة مطورة من سياسة الإدارة الأمريكية السابقة رغم الخلاف الكبير بينهُما والاتهامات المتبادلة بالوقوف خلف هذه الأزمة سواءً اعتبار إدارة ترامب الاتفاق سيئًا؛ وبالتالي الانسحاب منه أو لوم إدارة بايدن لسلفه بارتكاب خطأ الانسحاب من الاتفاق النووي. 

وبغضّ النظر عن من تسبب في فشل الاتفاق النووي، فالخِيار الأول حاليًا يكمُن من وجهة نظري في إعادة تطبيق سياسة الضغوطات القصوى بشكل أكثر ذكاءً ومرونة. قد يقول قائل إنّ هذه السياسة قد فشلت في عهد إدارة ترامب ولم تُعِد إيران إلى طاولة المفاوضات، وهذا صحيح ولكنه نصف الحقيقة. النصف الآخر من الحقيقة وهو الأهم يكمُن في معرفة سبب فشل تلك السياسة. أوّلًا، من المهم تذكر أنّ قرار سياسة الضغوطات القصوى وإعادة كافة العقوبات التي تمّ رفعها عن إيران في عام 2015م، كان بنهاية عام 2018م، وتطبيقه من قِبل الإدارة الأمريكية ذاتها احتاج إلى عدّة أشهر وهذه نقطة في غاية الأهمية عند الحديث عن الأثر الذي لا يمكنُ أن يظهر بشكل سريع.

 ثانيًا، أنّ ترامب قد غادر البيت الأبيض بسبب خسارته في الانتخابات الرئاسية بعد أقل من عامين من تطبيق هذه السياسة على إيران، وهذا يعني أنّ فترة تفعيل السياسة كانت قصيرة والوعود لإيران من قِبل مهندسي الاتفاق النووي في واشنطن باتباع إستراتيجية «الصبر الإستراتيجي» لم تكُن كافية نهائيًا لنجاح هذه السياسة.

ثالثًا، وهو الأهم، أنّ الخلاف الكبير والتوتر غير المسبوق بين الولايات المتحدة الأمريكية في عهد ترامب ودول الاتحاد الأوروبي وبخاصة مع الثلاثي الأوروبي المشارك في الاتفاق النووي (المملكة المتحدة – ألمانيا- فرنسا)، وبالتالي عدم الالتزام فعليًا بهذا القرار الأمريكي، إضافةً إلى عدم التزام بعض دول الإقليم والجوار الإيراني بتطبيق تلك السياسة في التعامل التجاري مع إيران، أودت جميعها إلى عدم تحقّق الغاية المنشودة.  مع ذلك، تؤكد التصريحات والإحصائيات القادمة من الداخل الإيراني أنّ تلك الفترة كانت الأصعب على الإطلاق على الأوضاع الاقتصادية والسياسية في إيران، وأنّ أثرها الاقتصادي كان أكبر من أثر الحرب العراقية-الإيرانية وَفقًا لتصريحات وزير النفط الإيراني السابق بيجن زنغنه. فعلى سبيل المثال، شهدت تلك الفترة موجةَ الاحتجاجات الأوسع في البلاد وشملت أكثر من 80 مدينة وبلدة في إيران، وتمّ رفع شعارات مُعادية للنظام ورموزه وتمّ حرق صور خامنئي في عدّة مدن، وتراجعت صادرات النفط الإيرانية إلى 200 ألف برميل يوميًا فقط.

حاليًا، يمكنُ أن يكون قرار إعادة فرض سياسة الضغوطات القصوى على إيران هو الخِيار الأمثل مع مشاركةٍ أوروبية وإقليمية واسعة، والأهم هو إيجاد آلية لمتابعة تطبيق تلك العقوبات وسد الثغرات التي يتهرب من خلالها النظام الإيراني ويخادع المجتمع الدولي، إضافةً إلى العمل على قائمةٍ تُحدَّث بشكل دوري تضمُ الشركات التابعة للحرس الثوري الإيراني حول العالم وإضافتها إلى قائمة العقوبات، وإيقاف الاستثناءات التي منحتها إدارة ترامب لبعض الدول مثل الهند والعراق وغيرها. وأخيرًا، فهناك من يقول إنّ العالم في حاجةٍ للنفط الإيراني في ظل الأزمة الأوكرانية وسياسة العقوبات المفروضة على روسيا ومقاطعتها اقتصاديًا من قِبل الدول الأوروبية وأمريكا. الواقعُ أنّ صادرات النفط الإيراني لا تشكل ثقلًا كبيرًا في سوق الطاقة العالمي ومعدلات التصدير ضعيفة جدًا وبإمكان بعض الدول الإقليمية وبخاصة دول الخليج العربي تعويض ذلك وزيادة، إذا ما تمّ الأخذ بالحسبان القضايا التي تهمُ تلك الدول في التعامل مع إيران وسلوكها التخريبي في المنطقة.

إنّ خِيار العقوبات الصارمة ضد إيران لإجبارها على الالتزام بالاتفاق النووي والقبول بالتفاوض حول ملف الصواريخ الباليستية لتغيير سلوكها الإقليمي هو الِخيار الأقل كلفة وخطرًا في ظل عدم وجود رغبة دولية وإقليمية في اندلاع حرب إقليمية جديدة.

وفي الختام، أقول: إنّ الوقت قد حان للإدارة الأمريكية لتنفيذ إستراتيجية «الضغوط القصوى» على إيران تزامنًا مع جولة الرئيس الأمريكي جو بايدن المرتقبة للشرق الأوسط التي سيزور فيها إسرائيل والضفة الغربية والسعودية وستتضمّنُ أيضًا قمة مجلس التعاون الخليجي+3 في جدة (دول مجلس التعاون الخليجي والعراق والأردن ومصر).

المصدر: Arab News

د.محمد بن صقر السلمي
د.محمد بن صقر السلمي
رئيس المعهد الدولي للدراسات الإيرانية