أهمية المناورات البحرية بين إيران وروسيا والصين

https://rasanah-iiis.org/?p=27495

كثَّفت إيران من مناوراتها البحرية المشتركة مع روسيا والصين في السنوات الأخيرة، واستعرضت هذه الدول الثلاث مدى تعاونها الوثيق في خضم التوترات المتصاعدة مع الولايات المتحدة، من خلال مناورات «حزام الأمن البحري- 2022م» في منطقة المحيط الهندي، التي  استعرضت أيضًا الوحدة بين هذه الدول الثلاث في وجهة الغرب. وتُعّدّ طموحات إيران في منطقة المحيط الهندي مهمةً جدًا لاقتصادها وجيشها، وتتمحور شراكاتها الإستراتيجية مع روسيا والصين بصورة كبيرة حول التعاون الأمني. وتعكس المناورات البحرية الجارية المصالح الروسية والصينية بمنطقة المحيط الهندي، والاعتبارات الجيوسياسية والإستراتيجية بشراكاتها مع إيران.

بدأت الدول الثلاث بالمناورات البحرية المشتركة منذ عام 2019م، واستمرت بتعزيز تعاونها البحري منذ ذلك الحين، وازداد عدد زيارات ممثلي البحرية بين الدول الثلاث في السنوات الأخير، واتسع نطاق وطبيعة التعاون البحري. غطت المناورات البحرية الأخيرة في شمال منطقة المحيط الهندي مساحةً تُقدَّر بــــــ   17,000 كيلومتر مربع، وتضمَّنت عمليات إنقاذ، ومهمات إنقاذ المختطفين، وتدريبات إطلاق نار أرض-جو، ومناورات تكتيكية مشتركة. ومن الجانب الصيني، شاركت المدمرة «أورومتشي» وسفينة الإمداد الشاملة «تايهو»، إلى جانب المروحيات المحمولة على متن السفن في التدريبات. وشملت مشاركة الجانب الروسي فرقة العمل التابعة لـــــ «أسطول المحيط الهادئ»، التي تضم طراد الصواريخ «فارياج»، والسفينة الكبيرة المضادة للغواصات «أدميرال تريبوتس»، وناقلة البحر «بوريس بوتوما». وأشارت تقارير إلى مشاركة 11 سفينةً إيرانية في التدريبات، ووفقًا للمعلومات الصادرة عن السلطات الإيرانية، شاركت أيضًا بعض السفن والمروحيات التابعة للحرس الثوري في التدريبات المشتركة، وهذا ما يؤكده تصريح المتحدث باسم المناورات الأدميرال مصطفى تاج الديني، إذ قال: «إن الهدف من هذه المناورات ترسيخ الأمن وركائزه في المنطقة، وتوسيع التعاون المتعدد الأطراف بين الدول الثلاث؛ لتعمل معًا لدعم السلام العالمي والأمن البحري، وبناء مجتمع بحري ذي مستقبل مشترك». وأوضح أن المناطق الشمالية من منطقة المحيط الهندي لا تزال تحمل أهميةً إستراتيجيةً قصوى، مؤكدًا حرص إيران وروسيا والصين الشديد للحفاظ على الأمن في الممرات المائية الهامة، بما في ذلك مضيق باب المندب ومالقا وهرمز؛ من أجل حماية مصالحهما الوطنية.

وتعكس التدريبات البحرية الجارية أربعة جوانب مهمة، عن مدى تطور الجغرافيا السياسية الإقليمية والاعتبارات الإستراتيجية. أولًا: غيَّرت إيران مع مرور الوقت تكتيكاتها على الجبهة البحرية، واعتمدت أساليب حرب العصابات البحرية، مثل الأعمال التخريبية، والاستيلاء على السفن وأخذها للرهائن. وتعمل طهران على إبراز العلاقات المتينة؛ للرد على الانتقادات التي وجهتها إليها الولايات المتحدة وحلفاؤها الإقليميون، وذلك وسط مخاوف متزايدة تحوم حول أنشطتها في الخليج العربي.  ولتتمكن السفن من عبور مضيق هرمز، تحتاج بالضرورة إلى المرور عبر المياه الإقليمية الإيرانية، وهذا ما استغلَّته طهران لفترة طويلة، كذريعة لتعطيل مرور السفن بحرية عبر المضيق. ثانيًا: وسط التوترات المتزايدة مع الولايات المتحدة، غالبًا ما تعتمد طهران على تصعيد ضغوطها بإغلاق السفن، وتعطيل مرورها عبر المضائق الإستراتيجية، مثل مضيق هرمز. وبلا شك، هذا يعكس مدى عزم إيران لزعزعة الهيمنة البحرية الأمريكية، إذ أكد قائد البحرية في الحرس الثوري الإيراني العميد علي رضا تنكسيري السيطرة الكاملة لقواته على تحركات السفن في مضيق هرمز، مصرحًا: «اليوم، في المنطقة الإستراتيجية لمضيق هرمز، يسود نظام تحكُّم يراقب أي سفينة تدخل وتخرج من المضيق مراقبةً كاملة وبذكاء متفوق». ثالثًا: تعكس المناورات البحرية المشتركة الصدام الأمريكي-الروسي-الصيني في منطقة المحيط الهندي وهذا ما يثير قلق الإدارة الأمريكية، لا سيما مع تصاعد التوترات في الأشهر الأخيرة بين روسيا والصين والولايات المتحدة، بشأن القضايا المتعلقة بأوكرانيا وبحر الصين الجنوبي. رابعًا: تظهر اتفاقيات إيران مع روسيا والصين أهمية التعاون الدفاعي، وتعكس التدريبات العسكرية المشتركة نهج السياسة الخارجية للرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، المتمثلة في «التوجُّه شرقًا»، والمعتمدة على تعزيز التعاون الدفاعي مع روسيا والصين. علاوةً على ذلك، تسعى إيران وروسيا والصين لتعزيز التعاون الأمني غير التقليدي؛ لأن هذه الدول تعتمد اعتمادًا كبيرًا على الشحن البحري. وأفادت تقارير بأن تعميق العلاقات بين طهران وبكين سيساعد إيران على توسيع صادراتها من الطاقة، ويمكِّن الصين من الاستفادة من الشراكة النفطية مع طهران؛ لضمان أمن الطاقة الذي يُعَدّ ركيزةً أساسية لتوسُّعها البحري. ونظرًا لإدراك روسيا والصين أهمية إيران الجيوإستراتيجية، من المرجح أن تعزِّزا تعاونهما البحري مع طهران؛ من أجل تقوية نفوذهما الجماعي في المنطقة. واستنادًا على استنتاجات السيناريوهات السابقة، وفي ظل استمرار المحادثات النووية في فيينا، من المرجح أن تستمر إيران في خلق توترات عبر الجبهات البحرية المهمة ومسارح الصراع الحالية؛ لتأمين أكبر عدد ممكن من أوراق المساومة، سعيًا منها لتعزيز موقفها على طاولة المفاوضات.

المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
إدارة التحرير