السياسة الأوروبية تجاه التصعيد العسكري الإقليمي بين إيران وإسرائيل

https://rasanah-iiis.org/?p=34799

تحاول بروكسل تجنُّب التصعيد العسكري بعد الهجوم الانتقامي الإسرائيلي المُرتقَب ردًّا على الهجوم الإيراني على الأراضي الإسرائيلية. وحسب ما أفاد مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، فإنَّ الشرق الأوسط «على حافة الهاوية، وعلينا الابتعاد عنها».

وقال بوريل إنَّه يتوقَّع ردًّا من إسرائيل على الهجوم الجوِّي غير المسبوق، الذي شنَّته إيران، لكنه يأمل ألّا يؤدِّي ذلك إلى مزيدٍ من التصعيد.

وحسب وجهة النظر الأوروبية، كان الاتحاد الأوروبي في حاجة إلى إقامة أفضل علاقات ممكنة مع إيران، على الرغم من العقوبات، التي فرضها الاتحاد على الجمهورية الإيرانية بسبب برنامجها النووي المُتنازَع عليه، وقضايا أخرى. ومن جانبها، تحاول الدول الأوروبية ممارسة الضغط على إسرائيل لاتّخاذ قرار يؤيِّد ردًّا عسكريًّا مدروسًا على الهجوم العسكري الإيراني على أراضيها.

وتتضافر جهود الدول الأوروبية، بما في ذلك القُوى العسكرية الرئيسية، مثل المملكة المتحدة وفرنسا، لدعوة إسرائيل إلى ضبْط النفس، إذ صرَّح رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك، قائلًا: «سعت إيران إلى جرِّ الشرق الأوسط إلى أزمة جديدة»، مشيرًا إلى أنه «كان ذلك تصعيدًا متهوِّرًا وخطيرًا. ولو نجح، لكانت تداعياته على أمن المنطقة وعدد الإصابات بين المواطنين الإسرائيليين كارثية، لكنَّه لم ينجح».

وأضاف سوناك: «ودعمًا للإجراء الدفاعي الذي اتّخذته إسرائيل، انضمَّت المملكة المتحدة إلى جهود دولية بقيادة الولايات المتحدة، إلى جانب فرنسا وشُركاء في المنطقة، اعترضت جميع الصواريخ تقريبًا، وأنقذت حياة الناس في إسرائيل، وفي الدول المجاورة لها».

ودعمت وجهة النظر البريطانية هذه، الموقف الفرنسي إزاء خطر التصعيد العسكري الإقليمي، إذ دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إسرائيل إلى محاولة عزْل إيران، بدلًا من شنِّ هجوم انتقامي ضدّها. وقال ماكرون في التليفزيون الفرنسي: «نحن جميعًا قلِقون بشأن تصعيد محتمل.. سنبذُل كل ما في وسعنا لتجنُّب انفجار الأوضاع وتصعيدها».

وما يشغل بال فرنسا على وجه التحديد المخاطر الاقتصادية، في حالة استمرار تصاعُد التوتُّرات العسكرية في الشرق الأوسط، إذ يمكن أن يؤدِّي هذا التصعيد إلى ارتفاع جديد في أسعار النفط، وتعطيل المسارات الاقتصادية، في حال كثَّف الحوثيون أعمالهم العدائية ضدّ السفن التجارية، وقد يُفضي إلى طفرة جديدة من التضخم للمستهلكين الأوروبيين.

ومع ذلك، فإنَّ سياسة أوروبا الاستباقية في الدفاع عن الأراضي الإسرائيلية ضدّ الطائرات دون طيّار والصواريخ الإيرانية تُثير جدلًا حسب المعايير الأوروبية المزعومة، إذ يوجد بالفعل تناقضٌ واضحٌ بين الدفاع عن الأراضي الإسرائيلية وترْك أوكرانيا. ويحتوي هذا النقاش حول أوكرانيا على بعض التناقضات، من وجهة نظر عسكرية، فهل من السهل بالفعل (بالنظر إلى المسافة الجغرافية بين إيران وإسرائيل)، حماية إسرائيل بدلًا من أوكرانيا، وهي جارة روسيا؟

يملك قادة الاتحاد الأوروبي نفوذًا أكبر تجاه أوكرانيا، وهي الدولة الأوروبية، وليس كما هو الحال في غزة، إذ تُعَدُّ الولايات المتحدة الفاعِل الخارجي الرئيسي هناك. لذلك، من المُحتمَل جدًّا أن تواجه أوروبا تحدِّياتٍ في تنفيذ إستراتيجيتها المتعلِّقة بخفض التصعيد.

وعلى الرغم من هذه المعضلات، سيسعى قادة الاتحاد الأوروبي السبعة والعشرون إلى إقناع إسرائيل بعدم إشعال حرب شرق أوسطية شاملة من خلال مهاجمة إيران، وسيوجِّهون نداءً لتجنُّب اشتعال الأوضاع في لبنان، وستضغط دول أوروبية لفرْض مزيد من العقوبات على إيران. ودعا الاتحاد الأوروبي في المسوَّدة الصادرة من اجتماع المجلس الأوروبي، «جميع الأطراف إلى ممارسة أقصى درجات ضبط النفس، والامتناع عن أيّ عملٍ قد يفاقم التوتُّرات في المنطقة».

كما اتّخذت عدَّة دولٍ أوروبية إجراءات أمنية؛ من أجل تجنُّب تعرُّض مواطنيها للاستهداف داخل إيران. على سبيل المثال، حثَّت فرنسا وألمانيا وسفارة هولندا في طهران مواطنيها على مغادرة إيران، في خِضَمِّ الخطر المُتزايِد من التصعيد العسكري في الشرق الأوسط. علاوةً على ذلك، علَّقت شركات الطيران الأوروبية، مثل «لوفتهانزا»، رحلاتها من أوروبا إلى إيران؛ خوفًا من تصعيد عسكري قد يسبِّبه سوء التقدير العسكري، الأمر الذي قد يؤثِّر على سلامة شركات الطيران.

الخطر الحقيقي لتدهورٍ أوسع نطاقًا للعلاقات، ليس فقط بين إيران وإسرائيل، لكنه بين إيران والغرب أيضًا، فقد أدَّى تصاعُد التوتُّرات هذا إلى تأثير دبلوماسي في العلاقات الثنائية بين فرنسا وإيران، لدرجة استدعاء السفير الإيراني في فرنسا إلى وزارة الخارجية الفرنسية.

وصدر بيانٌ من «الكي دورسيه»، أُبلغ به السفير الإيراني محمد أمين نجاد، يوم الاثنين الماضي، «بأشدِّ العبارات» الإدانة الفرنسية ضدّ الهجوم، الذي شنَّته إيران ليلة السبت-الأحد. كما استدعت عديدًا من الدول الأوروبية، بما في ذلك ألمانيا وجمهورية التشيك وبلجيكا، السفير الإيراني لديها، يوم الاثنين، للتعبير عن إدانتها الهجوم غير المسبوق في نهاية هذا الأسبوع.

إنَّ هذا التدهور الجديد في العلاقات بين أوروبا وإيران سوف يمهِّد الطريق نحو توسيع جديد للعقوبات ضدّ إيران، خصوصًا ضدّ إمداداتها من الأسلحة -بما في ذلك الطائرات دون طيّار- إلى روسيا والجماعات بالوكالة، في جميع أنحاء الشرق الأوسط. وبشكل عام، قد لا تترك الجهود الدبلوماسية الأوروبية أثرًا كبيرًا في عملية صُنع القرارات الإيرانية أو الإسرائيلية. وفي نهاية المطاف، يُوجَد غياب للنفوذ الأوروبي على طرفي الصراع، ما يحدُّ القُدرة الأوروبية على تشكيل مستقبل الديناميات العسكرية بين إيران وإسرائيل.

المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
إدارة التحرير