إبرام الصين وإيران صفقة إستراتيجية مثيرة للجدل

https://rasanah-iiis.org/?p=21739

كشفت الصين وإيران النقاب عن مسوَّدة اتفاقية تعاون شاملة لمدَّة 25 عامًا، وسوف يُتفاوَض على تفاصيلها قبل التوقيع عليها. ومن المتوقَّع أن تُعزِّز الاتفاقية التعاون في مجالات الطاقة والبنية التحتية والصناعة والتقنية، وفي المجالات العسكرية والأمنية. لكن هذه الخطَّة الطموحة، التي تدافع عنها الحكومة الإيرانية بقوّة، واجهت موجة نقد واسعة من داخل إيران وخارجها.

وجرى الإعداد للاتفاقية خلال زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى إيران عام 2016، وجرت الموافقة عليها في الاجتماع الأخير للرئيس حسن روحاني مع غرفة التجارة الإيرانية-الصينية، إلّا أنّ الاتفاقية لم يُنجَز إلا نصفها فقط. الجدير بالذكر هُنا أنّ الطبيعة السرِّية للاتفاقية أثارت انتقادات، إذ كُلِّفت وزارة الخارجية الإيرانية وضع اللمسات الأخيرة على الاتفاقية، وتقول إنّها ستكشِف عن تفاصيلها في وقتٍ لاحق. وقد أرسلت إيران المسوَّدة الأولى للاتفاقية إلى الصين، وبعدما أجرت بكين تعديلات عليها أعادتها إلى إيران للخروج بالمسوَّدة النهائية.

ويرى المتشدِّدون في إيران أنّ الصفقة مع الصين مفيدة لبلادهم. وكانت إيران قد أبرمت صفقة نووية مع القوى العالمية في عام 2015، لكن الولايات المتحدة انسحبت من الاتفاق النووي في 2018، وأُجبِرت الشركات الغربية على الامتثال لعقوباتها الأحادية ضد إيران. وبسبب هذا الواقع، دافع المرشد علي خامنئي عن الصفقة ووصفها بالخيار «الحكيم». ويقول مستشاره للشؤون الاقتصادية، علي آغا محمدي، إنّ من الصعب أن يدعم أيّ شخص في إيران فكرة التفاوُض مع الغرب عندما تكون الصين «مشتريًا إستراتيجيًّا لإيران».

لقد أثار الاتفاق مع الصين كثيرًا من الانتقادات داخل إيران، إذ قال الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد إنّ الاتفاق السرِّي مع دولة أجنبية غير قانونيّ، لأنّ المادَّة 77 من الدستور الإيراني تتطلَّب موافقة برلمانية على جميع الاتفاقيات الدولية، بينما لجأ إيرانيون آخرون إلى وسائل التواصل الاجتماعي، ليصِفوا الاتفاق بأنّه شكل من أشكال الإمبريالية الصينية، تحت وسْم «#إيران_ليست_للبيع_أو_للإيجار» (#IranNot4SELLnot4RENT).

يمكن أن يؤدِّي الاستثمار الصيني، الذي من المُرجَّح أن يكون على شكل قروض، إلى تكبيد إيران أعباء الديون، الأمر الذي قد يؤدِّي إلى إفلاس الاقتصاد الإيراني. ومع ذلك، قد تحصل الصين على عقود حصرية للنفط واحتياطات الغاز الإيراني. والأسوأ من ذلك هو حقيقة أنّ الإيرانيين يعتبرون البنية التحتية والشركات الصناعية الصينية ذات تقنية منخفضة، والتعامل معها يمكن أن يمنع نموّ الصناعات الإيرانية. علاوة على ذلك، فإنّ إصرار الصين على استخدام مواردها المادية والبشرية قد يدمِّر طموح إيران لبناء صناعات محلِّية خاصّة بها، وخفض معدَّل البطالة المتزايد.

من المُحتمّل ألّا تتحمَّل شركات الطاقة الصينية ضغط العقوبات الأمريكية عليها إذا ما عملت في إيران، أو وافقت على إنشاء مصافي نفط، هذا على الرغم من حقيقة أنّ تطوير حقول النفط والغاز الإيرانية يُعتبر جزءًا من الصفقة الصينية-الإيرانية. وعلى الرغم من إبرامها عقودًا مع إيران، فقد غادرت شركات الطاقة الصينية إيران -جرّاء العقوبات الأمريكية- مخلِّفة خسائر بمليارات الدولارات في استثمارات الصناعات الإيرانية.

ومن المتوقَّع أن تجعل حاجة إيران إلى الاستثمارات وحاجة الصين إلى الطاقة الاتفاقية مربحة لكلا الجانبين في الوقت الحاليّ، لا سيّما أنّ قُدرة إيران على إنتاج وتصدير النفط وصلت إلى أدنى مستوياتها بسبب العقوبات الأمريكية. ووفقًا لما ورد على لسان آغا محمدي، فإنّ إيران بحاجة إلى شريك إستراتيجيّ مثل الصين لإنتاج 10 ملايين برميل من النفط يوميًّا، لتجنُّب «استثنائها» من أسواق الطاقة العالمية. ومن خلال الصفقة سوف تتيح إيران للصين تعويض اعتمادها على الطاقة من صادرات الطاقة الأمريكية، التي يُقدَّر أن تصل إلى أكثر من 30 مليار دولار في عام 2021، لكن طهران تنفي منح الصين خصمًا بنسبة 32% على مبيعات النفط لتحقيق هذه الغاية.

وتعتقد طهران أنّها تدافع عن مصالحها الوطنية من خلال العمل مع الصين، حتّى إنّ البعض في إيران يرى أنّ الصفقة لا تشير إلى تمحوُر إيرانيّ تجاه الشرق، ولكن يُنظَر إلى الصفقة على أنّها تمحوُر ناعم تجاه الصين. ومن خلال العمل مع الصين في منظَّمة شنغهاي للتعاون، شهدت إيران بالفعل زيادة بنسبة 17% في صادراتها إلى الدول الأوراسية بقيمة إجمالية تبلغ 681 مليون دولار، وزيادة بنسبة 13% في وارداتها من المنطقة بإجماليّ 1.736 مليون دولار، منذ إبرام صفقة بين منظَّمة تنمية التجارة الإيرانية والاتحاد الاقتصادي الأوراسي العام الماضي.

لكن هناك مؤشِّرات على أنّ الولايات المتحدة ستحاول عرقلة الصفقة بين الصين وإيران. وتقول واشنطن إنّ عقوباتها ضدّ إيران وضدّ الشركات الصينية العاملة في إيران تعني أنّ الصفقة بين الصين وإيران ليس لديها فرصة للنجاح. ويقول مبعوث الإدارة الأمريكية لإيران، برايان هوك، إنّ الاتفاقية خطَّة طموحة، لكنّ ظلالًا من الشكّ تَحومُ حول جدواها. لقد استثمرت الصين خلال السنوات الـ15 الماضية ما قيمته 27 مليار دولار في إيران، وهو بعيد كلّ البُعد عن الـ400 مليار دولار الموعودة، التي جرى التباحُث بشأنها بين البلدين في الصفقة الجديدة.

وقد أعرب وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو عن قلقه من الجهود الإيرانية لشراء أسلحة صينية، إذ إن ّمن المتوقَّع استئناف مبيعات الأسلحة لإيران بمجرَّد رفع حظر الأسلحة المفروض على طهران في أكتوبر المقبل، ويمكن للصين وروسيا أيضًا استخدام حقّ النقض (فيتو) ضدّ طلب واشنطن لتمديد حظر بيع الأسلحة لإيران في مجلس الأمن الدولي.

من السابق لأوانه القول ما إذا كانت الصفقة بين الصين وإيران سوف تنجح، لكن الأدلَّة تشير إلى أنّها قد تصمُد بالنظر إلى تصميم الجانبين على تجاهل الولايات المتحدة، ورفض الشركاء الآسيويين الآخرين لإيران -على رأسهم الهند وروسيا- التزام تطوير الاقتصاد الإيراني، الأمر الذي سيعزِّز الاتفاق بين الصين وإيران.

وتعتبر الصفقة بين الصين وإيران في الوقت الحالي تكتيكية، لكن لديها القُدرة على التحوُّل إلى تحالُف اقتصاديّ وأمنيّ متعدِّد الأبعاد بين البلدين. وإذا نجحت الصفقة فمن المُرجَّح أن تكون التداعيات على إيران والمنطقة كبيرة، خصوصًا إذا ما واصلت الصين مبادرة الحزام والطريق الواحد، التي من خلالها سيزداد تفاعل إيران مع الأسواق الأوروبية الآسيوية، كما ستزداد فرص وصولها إلى المواني الإقليمية.

المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
إدارة التحرير