اتجاهات وتحديات التطورات المؤسسية في المسألة الأفغانية

https://rasanah-iiis.org/?p=25674

بينما لم يمرّ سوى أسبوع واحد على سيطرتها على كامل البلاد ومقاليد السلطة في كابل، تتوالى التحديات الداخلية (السياسية والاقتصادية والأمنية) والخارجية (أزمة الاعتراف الدولي أو الاعتراف الدولي المشروط) أمام حركة طالبان، إذ لا يزال المشهد الفوضوي يعمّ البلاد عامّةً، والعاصمة كابل خاصّةً، بتدفُّق الآلاف من المواطنين الأفغان والأجانب نحو مطار كابل الدولي لمغادرة البلاد نحو أمريكا وأوروبا، هربًا من أوضاع ضبابية ومأساوية تنتظرهم، وخوفًا على مصائرهم وأُسَرِهم في دولة باتت في قبضة طالبان، أو بتشكُّل معارضة مسلَّحة بزعامة نجل أحمد مسعود في وادي بنجشير شمال شرقي أفغانستان ضد حكم طالبان. وفي ما يلي آخر تطورات الأوضاع في أفغانستان.

أولًا: تطورات الوضع الداخلي في أفغانستان

1. مشاورات طالبان لتشكيل الحكومة

بدأت حركة طالبان اجتماعات تشاورية من أجل تشكيل حكومة جديدة، وإيجاد أرضية مشتركة مع المكونات الأفغانية، وقالت إنها ستعرض على بعض أفراد النظام السابق تولي مناصب في الحكومة الجديدة، وقالت إنّ النساء سيكون لهنّ دور فيها، وذلك ضمن تعهدات بتشكيل حكومة تضمّ كل الأطياف في أفغانستان، سوف تُعلَن قريبًا.

وتوسعت طالبان في مشاوراتها الداخلية، وفي هذا الصدد أجرت مشاورات سياسية مع الرئيس الأفغاني الأسبق حامد كرزاي، ورئيس مجلس المصالحة عبد الله عبد الله، والقيادي البارز في شبكة «حقاني» أنس حقاني، وعدد من الأحزاب الأفغانية ومسؤولين من الحكومة السابقة، كما توسعت المشاورات لتشمل المستوى الاجتماعي، بفتح حوار مع المجتمع المدني والعشائر والنشطاء حول ترتيبات نقل السلطة وتطورات الوضع في البلاد.

وقد رحّب بهذه المفاوضات الرئيس السابق أشرف غني، الذي فرّ إلى الإمارات، وقال في رسالة عبر الفيديو نشرها على «فيسبوك»: «أرجو أن تنجح هذه العملية»، مؤكدًا أنه يُجري محادثات للعودة إلى أفغانستان.

2. تشكيل جبهة مقاوِمة لطالبان

بدأ في وادي بنجشير شمال شرقي أفغانستان الإعلان عن نواة لمقاومة سيطرة حركة طالبان على السلطة، إذ تعهّد أحمد مسعود، نجل أحمد شاه مسعود الذي كان أحد القادة الأساسيين لمقاومة الاحتلال السوفييتي لأفغانستان في حقبة ثمانينيات القرن الماضي، بالصمود في مواجهة طالبان من معقله في وادي بنجشير حيث يتجمع المعارضون المسلحون لحكم طالبان. كما تفيد تقارير بانتقال أمر الله صالح نائب الرئيس السابق إلى وادي بنجشير. والطرفان يؤسسان جبهة مقاومة ضد النظام الجديد، تضم عناصر من النظام السابق ومن الجيش الأفغاني المنحلّ. وقد خاطب مسعود الغرب من أجل مساعدته بالأسلحة والذخيرة والمعدّات لمواجهة حكم طالبان، معتبرًا أن أفغانستان تحت حكم طالبان سوف تكون قاعدة للإرهاب الراديكالي، وستُحاك مؤامرات ضد الديمقراطيات.

3. العقوبات الاقتصادية

جمدت الحكومة الأمريكية والاحتياط الاتحادي مليارات الدولارات من الاحتياطيات الأفغانية، وذلك ضمن محاولة لمنع طالبان من الحصول على مليارات الدولارات بعد أن سيطرت الحركة المسلحة على البلاد. وقال رئيس البنك المركزي الأفغاني أجمل أحمدي، الذي فرّ بعد وصول طالبان إلى السلطة، إن نحو 7 مليارات دولار من الاحتياطيات محتجزة في البنك المركزي الأمريكي. وأضاف أحمدي، على «تويتر»، أن مليارَي دولار تُستثمران في أماكن أخرى على الصعيد الدولي. وتابع: «نظرًا إلى أن طالبان لا تزال على قوائم العقوبات الدولية، فمن المتوقع أن تجمَّد هذه الأصول ولن تكون في متناول الحركة». وأكد مسؤول في الإدارة الأمريكية التقارير التي تتحدث عن تجميد الاموال الأفغانية بالقول إنّ الولايات المتحدة جمدت ما يقرب من 9.5 مليار دولار من الأصول المملوكة للبنك المركزي الأفغاني. أما صحيفة «وول ستريت جورنال» فقد ذكرت أن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن ألغت شحنات كبيرة من الدولارات المتجهة إلى أفغانستان الأسبوع الماضي، في الوقت الذي كان مسلحو طالبان يستعدون فيه للسيطرة على كابل. ونقلت الصحيفة عن أشخاص مطلعين على الأمر أن الولايات المتحدة تمنع طالبان أيضًا من الوصول إلى الحسابات الحكومية التي يديرها مجلس الاحتياط الاتحادي والبنوك الأمريكية الأخرى، وتعمل على منع الحركة من الحصول على احتياطيات قيمتها نحو 500 مليون دولار في صندوق النقد الدولي، لكن الطريقة الرئيسية التي تتبعها وزارة الخزانة الأمريكية لتطبيق هذه القيود هي النظام المالي العالمي، ولا تزال أفغانستان في الغالب خارج هذا النظام، وتعتمد بدلًا من ذلك على الدولارات الأمريكية ونظام الحوالة.

4. الجمعة الأُولى بعد سيطرة طالبان

في تحوُّل في الخطاب الديني بالتزامن مع سيطرة طالبان على السلطة، دعت الحركة الأئمة في أفغانستان إلى أن يحثُّوا في خطبة الجمعة على الوحدة وعدم مغادرة البلاد، وتحوّلت خُطَب الجمعة إلى خُطَب سياسية مشحونة بمشاعر دينية واسعة تأييدًا طالبان.

5. ضمان عملية الإجلاء وملاحقة المتعاونين

بينما اندفع كثير من الأفغانيين إلى مطار كابل للهجرة خارج البلاد، دعت طالبان المواطنين إلى عدم المغادرة، وفي الوقت نفسه قدمت وعودًا للدول الأجنبية بتوفير ممرات آمنة لخروج الأجانب. ويتمركز مقاتلو طالبان في محيط مطار كابل، وتتهم الولايات المتحدة طالبان بإعاقة وصول الأفغان الراغبين في المغادرة إليها، وقد حذّرت وثيقة للأمم المتحدة من أن حركة طالبان كثفت بحثها عن الأشخاص الذين عملوا مع قوات حلف شمال الأطلسي (ناتو) أو الحكومة الأفغانية السابقة.

6. الاحتجاجات ضد طالبان

جاب عديد من المظاهرات أنحاء البلاد بمناسبة ذكرى «يوم الاستقلال»، وقد رفع المواطنون علم البلاد في ما بدا تحدّيًا شعبيًّا لسلطة حركة طالبان الجديدة، لا سيما في المدن الكبرى بولايات شرق البلاد والعاصمة كابل. وقد تزامن مع هذه المظاهرات احتجاجات ضد حكم طالبان في عدد من المدن، منها: أسد آباد (كونار) وجلال آباد (ننغرهار) وخوست (خوست)، وأيضًا في ولاية بكتيا ووزير أكبر خان، إذ رفع مواطنون العلم الأفغاني بألوانه ووضعوه في ميادين مكان علم طالبان. وتحدثت تقارير عن سقوط قتلى وجرحى في مواجهات على هامش المسيرات التي خرجت ضد طالبان.

7. الظهور اللافت لطالبان على وسائل التواصل الاجتماعي

تستخدم حركة طالبان وسائل التواصل الاجتماعي بكثافة، في محاولة لتحسين صورتها داخليًّا وخارجيًّا، إذ تبحث الحركة عن شرعية واعتراف دولي، ونظرًا إلى افتقار الحركة إلى بنية تحتية إعلامية محترفة، فإنّ وسائل التواصل تقدم لهم فرصة من أجل التعبير عن مواقفهم وبث رسالة إعلامية هادفة. وهناك تحذيرات من المخاطر المحتملة لـ«التضليل الإعلامي» في منطقة لا يتوفر فيها كثير من وسائل الإعلام والتثقيف الإعلامي.

ثانيًا: أزمة الاعتراف الدولي بطالبان

ما زالت طالبان تبثّ رسائل طمأنة للعالم أجمع بإعلانها مجددًا، على لسان المتحدث الإعلامي باسم الحركة ذبيح الله مجاهد، السعي لمنع أي حروب أهلية في أفغانستان، وفتحها ممرات آمنة للمواطنين والأجانب الراغبين في مغادرة البلاد، وتأكيدها الرغبة في إقامة علاقات مع كل دول العالم، من بينها الولايات المتحدة.

وفي المقابل، ما زالت دول العالم قلقة من التعامل مع طالبان التي سيطرت على كامل البلاد بعد تهاوي الحكومة السابقة المدعومة غربيًّا وأمريكيًّا، ولذلك لا تزال عمليات إجلاء الرعايا والدبلوماسيين مستمرة من أفغانستان، باستثناء بعض الدول التي أعلنت صراحة بشكل رسميّ عن تعاملها مع حكومة أفغانية بقيادة طالبان، مثل الصين وروسيا وتركيا، لإدراكها على ما يبدو رغبة أمريكية في إشعال فتيل الانفجار في آسيا الوسطى بما يهدد المصالح الروسية والصينية والتركية بوسط آسيا، فيما لا تزال المفاوضات جارية في قطر للخروج بتفاهمات حول الخطوة التالية وترتيبات المشهد الأفغاني تحت حكم طالبان.

1. الولايات المتحدة

في الوقت الذي تتعرض فيه إدارة بايدن لهجوم وانتقادات داخلية وخارجية حادّة نتيجة سياساتها في أفغانستان، دافع الرئيس بايدن عن سياسات إدارته التي تُعَدّ استكمالا لتوجهات ترامب بالانسحاب، وقال إن الفوضى عقب الانسحاب أمر طبيعي، واعتبر الانسحاب مبررًا نظرًا إلى الأخطار التي تواجهها الولايات المتحدة من مناطق أخرى في العالم، منها سوريا وشرق إفريقيا، حيث يوجد تنظيم داعش ويعيد تنظيم صفوفه، وأكد أن خطر الإرهاب في أفغانستان تراجع مقارنة بما كان عليه قبل هجمات 11 سبتمبر 2001م. وقال بايدن إنّ في العالم الآن تهديدات أخطر بالنسبة إلى الولايات المتحدة. لكن بايدن اعترف بتضارب توقعات الأجهزة الاستخبارية، وأنها كانت تتوقع سيطرة طالبان بنهاية العام الجاري، واعتبر بايدن أن أولوية الولايات المتحدة حاليًّا هي عملية الإجلاء التي تجري بالتنسيق مع حركة طالبان.

لكن الطريقة التي انسحبت بها إدارة بايدن لا تتسم بأي كفاءة، كما أن سيطرة طالبان بهذه السرعة على البلاد تؤكد المبالغة والادّعاء بقدرة الجيش الأفغاني، والإخفاق الأمريكي. ومن الواضح أن إدارة بايدن لم يكن لديها أي خطة لإجلاء الأمريكيين أو الأفغان الذين ساعدوا التحالف الدولي.

من جهة ثانية، تتجه إدارة بايدن إلى الضغط على طالبان اقتصاديًّا ودبلوماسيًّا ودوليًّا من أجل دفعها إلى تغيير سلوكها، وبالفعل جمدت الولايات المتحدة أصولًا أفغانية لديها، لحرمان طالبان من الاستفادة منها، وتسعى الإدارة الأمريكية إلى الاحتفاظ بالقدرة على مواجهة التهديدات دون حضور عسكري على الأرض، من خلال تجميد الأصول ووقف المساعدات عن أفغانستان.

2. الصين

تبدو الصين من بين الدول المؤيدة للاعتراف بطالبان وفتح قنوات تواصل معها، وقد دعا وزير الخارجية الصيني وانغ يي المجتمع الدولي يوم 19 أغسطس 2021م إلى عدم السماح باستخدام أفغانستان ميدانًا لمعركة جيوسياسية، في إشارة إلى ما تخطط له القوى الدولية لخلق ساحة فوضى قرب الصين لضرب الأمن الصيني وتهديد الاستثمارات الصينية واستكمال طريق الحرير، بإشعال فتيل الانفجار في آسيا الوسطى. وردّ المتحدث باسم حركة طالبان سهيل شاهين أنه بإمكان الصين المشاركة في جهود التنمية في أفغانستان في المستقبل، ما يعكس الإدراك بطبيعة المؤامرات الدولية لتحويل أفغانستان إلى منطقة فوضى.

وأوضح وزير الخارجية الصيني أن الوضع في أفغانستان يشكّل مثالًا سلبيًّا أمريكيًّا جديدًا على عدم تعلُّم الولايات المتحدة من الدروس المؤلمة بخروجها على هذا النحو، موضحًا أن الصين مستعدة لمواصلة لعب دور بنّاء في القضية الأفغانية دون التدخل في شؤونها الداخلية، داعيًا إلى التركيز على النقاط التالية:

  1. ما إذا كان بإمكان طالبان توحيد الشعب الأفغاني وإنشاء هيكل سياسي مفتوح وشامل يتماشى مع ظروف البلاد، واتباع سياسات معتدلة، وتجنب إثارة صراعات جديدة أو حتى حرب أهلية.
  2. ما إذا كان بإمكان أفغانستان أن ترسم خطًّا فاصلًا واضحًا عن الإرهاب، وأن تتخذ بتصميم وقوة إجراءات صارمة ضد جميع أنواع المنظمات الإرهابية، وأن تتجنب أن تصبح مكانًا جامعًا للإرهابيين مرة أخرى.
  3. ما إذا كان بإمكان المجتمع الدولي أن يلعب دورًا بنّاءً باحترام استقلال وسيادة أفغانستان وإرادة شعبها بشكل كامل، والامتناع عن التدخل في شؤون الآخرين، وعدم تحويل أفغانستان إلى ساحة للتلاعب الجيوسياسي.

3. روسيا

تؤيد روسيا الانفتاح على طالبان وفتح حوار معها، إذ أوضحت الخارجية الروسية أن وصول طالبان إلى سدّة الحكم واقع يجب على المجتمع الدولي أخذه في الاعتبار، وأعلنت أن رفع طالبان من قائمة الإرهاب لديها يتوقف على أفعال وخطوات محددة من قِبل الحركة، في إشارة إلى منع تحوّل البلاد إلى تربة جديدة للتنظيمات الإرهابية التي يمكنها خلق بيئة حاضنة للجماعات الخطرة، التي من شأنها التمدد إلى آسيا الوسطى، مما يؤثر في الأمن الروسي، وهو ما تدركه طالبان وتؤكد عدم تحويل أفغانستان إلى ملاذ آمن للجماعات الإرهابية.

4. تركيا

حسمت تركيا موقفها مبكرًا من طالبان بإعلانها التعامل معها، وكشف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن استعداد تركيا للجلوس مع الحكومة التي ستؤسسها طالبان، مرحّبًا بالتحوّل في خطابها وتصريحاتها المعتدلة، موضحًا الوقوف بجانب أفغانستان كأحد متطلبات الوفاء بالعهد أيًّا كانت الجهة الحاكمة في أفغانستان. وتشارك تركيا الولايات المتحدة بقوات عسكرية لتأمين مطار كابل. وقد يقف وراء الموقف التركي اعتبارات عديدة، أمنية وجيوسياسية وإستراتيجية واقتصادية، تتعلق بمخاوف تركيا من تحويل أفغانستان إلى قنبلة موقوتة تهدد المصالح التركية في آسيا الوسطى.

5. فرنسا

فرنسا من بين الدول الرافضة للاعتراف المطلق بحكومة طالبان دون تحقيقها شروطًا مسبقة، وتؤيد الاعتراف المشروط، إذ أعلنت خمسة شروط مسبقة للمجتمع الدولي للاعتراف بنظام طالبان في أفغانستان، هي: عدم إعاقة خروج اللاجئين الأفغان، منع عودة الإرهاب، السماح بوصول المساعدات الإنسانية إلى الأراضي الأفغانية، احترام حقوق الإنسان لا سيما حقوق المرأة، تشكيل حكومة انتقالية.

6. ألمانيا

بدا واضحًا أنّ داخل الحكومة الألمانية اتجاهًا يدعم التواصل مع طالبان رغم عدم الاعتراف بها، إذ اعتبر وزير الداخلية الألماني أن إجراء بلاده اتصالات مع طالبان أمر صائب للغاية ينبغي تنفيذه، مؤكدًا أنّ المحادثات وحدها مع طالبان يمكنها معالجة الموقف وحماية الشعب الأفغاني.

7. دول مجموعة السبع

عقب اجتماع لوزراء خارجية دول مجموعة السبع (الولايات المتحدة وإيطاليا وفرنسا وألمانيا واليابان وكندا وبريطانيا) بشأن تطورات الأوضاع في أفغانستان، أكد وزير الخارجية البريطاني دومينيك راب، الذي تتولى بلاده الرئاسة الدورية الحالية، دعوة وزراء خارجية دول مجموعة السبع المجتمع الدولي إلى العمل معًا في مهمة مشتركة لمنع تصعيد الأزمة في أفغانستان.

8. حلف الناتو

عقد وزراء خارجية دول حلف شمال الأطلسي (الناتو) يوم 20 أغسطس 2021م اجتماعًا لاستعراض موقف دول الحلف من التطورات في أفغانستان، وأكد الأمين العام للحلف ينس ستولتنبرغ ضرورة عدم سماح السلطة المقبلة في أفغانستان بعودة التنظيمات الإرهابية وكسب موطئ قدم لها مجددًا في البلاد.

9. برنامج الأغذية العالمي

كشفت ممثلة برنامج الأغذية العالمي في أفغانستان، ماري إيلين ماكغرورتي، أن شخصًا من كل ثلاثة أشخاص يعاني من انعدام الأمن الغذائي في أفغانستان بسبب عوامل مرتبطة بالحرب في البلاد، وأضافت أن الوضع تفاقم بطبيعة الحال جرّاء النزاع في البلاد، مع عجز مزارعين عن الحصاد وفرارهم من منازلهم، فيما تعرضت حقول وبساتين للتدمير، مشيرة إلى أن تدمير بنى تحتية مثل الجسور والسدود والطرقات يعرقل وصول المواد الغذائية.

الاستنتاجات:

1. لا تزال حركة طالبان في طور المفاوضات من أجل إعادة تشكيل المشهد الداخلي، ويبدو أنها بصدد محاولة بناء أكبر إجماع ممكن حول تصورها لمستقبل البلاد ونظامها السياسي، وذلك لتهدئة المخاوف الداخلية والخارجية، ولكسب شرعية تجنبها الدخول في مواجهة قد تقوّض مكتسباتها.

2. قد تكون مفاوضات طالبان مع عناصر من الحكومات الأفغانية السابقة في إطار عدم تكتل عناصر هذه الحكومات ضد طالبان، ومناورة سياسية.

3. الإعلان عن جبهة لمقاومة طالبان يتزعمها أحمد مسعود، ونائب الرئيس السابق، وتتضمن عناصر من الجيش والشرطة الأفغانية السابقة، يمثل أوّل تحدٍّ داخلي حقيقي لحكومة طالبان، وقد يكون بداية لحرب أهلية داخلية، كما أنه قد يكون مجالًا لاستقطاب دعم خارجي من أجل تقويض حكم طالبان أو إضعافه.

4. تمثل العقوبات الاقتصادية أداة ضغط مهمة على حكومة طالبان بجانب العقوبات السياسية التي تطال عديدًا من قياداتها المصنّفين على قوائم الأمم المتحدة للإرهاب.

5. تثير الأحداث في أفغانستان مخاوف حلفاء الولايات المتحدة وتساؤلاتهم، إذ قد تتخلى الولايات المتحدة عن أصدقائها بين عشية وضحاها لحسابات أمريكية سياسية بحتة.

6. سيطرة طالبان على السلطة تعطى دفعة قوية للحركات المسلحة والميليشيات والجماعات المتطرفة في المنطقة، وقد يشهد عديد من المناطق نشاطًا للحركات المسلحة، ويمكن أن تكون أفغانستان مركزًا جاذبًا ومحركًا لهذه الجماعات.

7. تواجه طالبان أزمة اعتراف دولي من قِبل الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وغيرها من الدول المؤثرة في الشؤون الإقليمية والدولية، ما سيُلقي بظلاله على مستقبل المرحلة الجديدة وشكلها ونظام الحكم في أفغانستان.

8. خلقت تطورات الأوضاع في أفغانستان وسيطرة طالبان على المشهد في البلاد حالة من الانقسام الدولي تجاه قضية الاعتراف الدولي والتعامل مع طالبان، ما بين مؤيد لطالبان والاعتراف بها مثل الصين وروسيا وتركيا، ومعارض مثل الولايات المتحدة وفرنسا، باستثناء ألمانيا التي بدأت تأخذ اتجاهًا نحو الاعتراف بالأمر الواقع، وهو ما يعني استمرارية التحالفات الدولية الكبرى تجاه القضايا الإقليمية والدولية.

9. سيتيح الانسحاب الأمريكي من الساحة الأفغانية فراغًا، تحاول أطراف دولية وإقليمية أخرى أن تملأه، مثل روسيا والصين وتركيا وإيران، إما لإفشال المخططات الأمريكية التي تدركها والمتعلقة بتحويل أفغانستان إلى ساحة فوضى تؤثر في أمن دول الجوار، وإما للدفع نحو تحقيق الأمن والاستقرار بأفغانستان بما يتيح لهذه الدول المضيّ قُدمًا في مخططاتها في أفغانستان وآسيا الوسطى والحفاظ على مصالحها.

10. الدول المؤيدة للاعتراف بالأمر الواقع والداعية إلى تحقيق الأمن والاستقرار في أفغانستان بالتعامل مع طالبان، كروسيا والصين وتركيا، تخشى من تحوّل أفغانستان إلى ساحة فوضى تهدد الأمن والاستقرار في آسيا الوسطى بما يهدد مصالحها هناك نتيجة عزلها دوليًّا، فيما تخشى الدول الرافضة من تحوّل أفغانستان إلى ساحة لتصفية الحسابات وخلق الفوضى وانتشار الإرهاب وهروب المواطنين الأفغان نحو الدول الأوروبية في موجات نزوح غير منظم، تؤثر مستقبلًا في أوضاع الدول الأوروبية.

المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
إدارة التحرير