العلاقات الإيرانية-العراقية وتصحيح المسار

https://rasanah-iiis.org/?p=21540

بواسطةد.محمد بن صقر السلمي

   مع الخطوات الجريئة التي تتّخذها الحكومة العراقية المؤقتة برئاسة مصطفى الكاظمي بهدف إعادة هيبة الدولة العراقية، طفت على السطح مؤشراتٌ واضحة للرغبة في الانتقال من مرحلة الفوضى الأمنيَّة إلى مرحلة ترسيخ مفهوم الدولة وبسط السيادة رغم العوائق والتحديَّات، وهو أمرٌ ليس بالسهل وسيُواجه الكثير من التحديات بلا شكّ ولا سيما من الجار الإيراني الذي استغل الفوضى الداخليَّة لتعظيم مكاسبه منذ سبعة عشر عاما عقب سقوط نظام صدام حسين.
  عمليًّا، حققت إيران الكثير من المكاسب المختلفة في العراق على مدى ما يقرب من عقدين من الزمان، سياسيًّا وأمنيًّا وعسكريًّا واقتصاديًّا، فأصبح لها وجود مسلح على الأرض العراقية وجماعاتٌ موالية في البرلمان والحكومة وبعض أجهزة الدولة، كما عزَّزت علاقاتها الاقتصادية خلال السنوات الماضية إلى أن أصبح العراق ضمن أكبر الوجهات الخارجية للصادرات الإيرانية من غير النِّفط على مدى العاميْن الماضيَيْن، وهيمنت البضائع الإيرانية على حوالي 25% من احتياجات السوق العراقي من المنتجات المستوردة خاصة الغذائية، كما صدَّرت إيران للعراق الكهرباء والغاز إلى أنْ أصبحت العراق مديونةً لإيران وتتراكم عليها المتأخرات حاليًّا؛ لتكتمل بذلك حلقة إحكام القبضة على مفاصل الدولة العراقية من جهات مختلفة.
   مؤخرًا، اتّخذ رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي خطواتٍ جريئة في مسار الانتقال إلى مرحلة الدولة المستقرة من خلال عدَّة إجراءات يتقدمها مقترحات بضرورة حصر السلاح بيد الدولة، وإصداره الأوامر بدخول الإيرانيين للبلاد بتأشيرة دخول، وامتناعه عن مقابلة إسماعيل قآاني وغيره من قادة فيلق القدس دون الالتزام بتأشيرة الدخول، ثُمَّ اعتقال قوات مكافحة الإرهاب العراقية لعناصر تابعة لحزب الله العراقي بعد مداهمة مقراتهم في 26 يونيو 2020م، ثُم إقالته لمستشار الأمن الوطني المقرب من إيران فالح الفياض من منصبه.
  لكنّ طهران لن تقبل بسهولة بفقدان مكاسبها في العراق، خاصة في الوقت الراهن الذي تمرُّ فيه بأزماتٍ اقتصادية خانقة؛ بسبب العقوبات الاقتصادية الأمريكية وآثار تفشِّي فيروس كورونا؛ ما أسفر عن انكماشٍ اقتصاديﱟ حادّ لن يقِل عن 6% خلال العام الجاري وَفق تقديرات صندوق النقد الدولي، وتحقيق انهيارٍ قياسيﱟ في قيمة عملتها المحلية أمام الدولار واليورو، وتزايد عجز الموازنة والميزان التجاري، ناهيك عن تضخم مزمن فاق 40% خلال العام الماضي، وتفاقم أزمة البطالة مع انتشار كورونا وتوقّف السياحة وتعطل التجارة الحدودية.
ولذا فهي تتطلّع إلى البحث عن منافذَ لتخفيف معاناتها الاقتصادية والشعبية،  والالتفاف على الحصار المصرفي والنِّفطي والتجاري المفروض عليها، وتضع العراق على رأس هذه المنافذ، كما تهدفُ إلى تصدير بضائعها واستيراد حوائجها المسموحة وربما حتى المحظورة أمريكيا، بشكلٍ آمن عبر البوابة أو الممر العراقي تحت غطاء التقيد بالتجارة الإنسانية التي تشمل الغذاء والدواء، حتى لا تتورط العراق بالعقوبات الأمريكية وتفقد إيران المنفذ الحيوي.
  ولتعزيز هذا الهدف؛ سافر رئيس البنك المركزي الإيراني عبد الناصر همتي في السابع عشر من يونيو الماضي إلى العراق لمقابلة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، وأسفر هذا اللقاء عن الاتفاق على الاستفادة من موارد البنك المركزي الإيراني لدى البنك المركزي العراقي، والمُقدرة بمليارات الدولارات، منها: ديون عراقية تُقدر ب8 مليار دولار؛  نتيجةً لتراكم مستحقات استيراد الغاز والكهرباء من إيران خلال العاميْن الماضيَيْن، علاوةً على ودائع لصالح البنك المركزي الإيراني لدى البنك المركزي العراقي.
  علمًا بأنَّ إجمالي واردات إيران خلال العام 2019م كانت قرابة 49 مليار دولار وَفق مجلة «الإيكونوميست»، ما يعني أنَّ استخدامها لمستحقاتها لدى العراق في استيراد ما تحتاجه –خاصة السلع غير المشمولة بالتجارة الإنسانية بشكلٍ سريﱟ- قد يُوفر لها جزءًا كبيرًا من احتياجاتها الخارجية، وهو أمر لن تفرط فيه إيران بسهولة، وربما تقوم بتصدير منتجات إيرانية واقعة تحت العقوبات موسومة بشعار «صُنع في العراق» للتهرب من العقوبات الأمريكية، الأمر الذي يضع حكومة الكاظمي أمام اختباراتٍ وتحديَّات حقيقية.
  خلاصة القول، طريق طهران المُعبد إلى العراق، ربما ما عاد سالكًا من العقبات كما كان، مع استمرار حكومة رئيس الوزراء الكاظمي بخطواتها الرامية لاستعادة سيادة الدولة العراقية وفرض الأمن الداخلي. ومع ذلك، لا يزال هناك ضبابية في المشهد المستقبلي؛ نظرًا لامتلاك إيران لأوراق ضغطٍ قوية على الأرض في الساحة العراقية، مثل قوة السلاح، والانتشار واسع النطاق في ربوع الدولة العراقية والمحافظات الجنوبية الغنية بالنِّفط، وورقة الديون والمتأخرات المالية، وامتلاكها لأذرع سياسية مُمَثلة في البرلمان قادرةٌ على التأثير في مهام الحكومة العراقية، والتجارة المتنامية بين البلدين مع الرغبة القوية في استخدام العراق كمنفذٍ للالتفاف على العقوبات؛ ولذا فالتحديات ستكون صعبة أمام رئيس الوزراء العراقي الحالي.

المصدر: Arab News


الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر كاتبها، ولاتعكس بالضرورة رأي المعهد
د.محمد بن صقر السلمي
د.محمد بن صقر السلمي
مؤسس ورئيس المعهد الدولي للدراسات الإيرانية