بعد سليماني.. إيران تتصادم مع الولايات المتحدة وتواجه انتكاساتٍ في العراق

https://rasanah-iiis.org/?p=21621

واجهت العمليات السرّية الإيرانية داخل العراق (التي نفذتها الميليشيات الموالية لإيران) انتكاساتٍ هذا العام في أعقاب الاحتجاجات العراقية أواخر الخريف الماضي التي اندلعت بسبب مطالب اجتماعية واقتصادية، ووفقًا لتقارير استخباراتية فقد كشفت تلك الاحتجاجات عن ضجرٍ شديدٍ من إيران التي قمعت المحتجّين وطالبت بانسحاب القوّات الأمريكية من العراق وشنّت هجومًا استهدف السفارة الأمريكية في العاصمة العراقية بغداد.

وكانت عمليات إيران مدعومة من الميليشيات العراقية مثل كتائب حزب الله العراقي، وقوّات الحشد الشعبي الموالية لقائد فيلق القدس الإيراني التابع للحرس الثوري السابق قاسم سليماني الذي أقام عَلاقاتٍ مع الميليشيات الشيعية والعملاء المحليين والسياسيين العراقيين وكان صاحب كلمة في قرارات التعيين في المناصب الوزارية المهمة في بغداد.

وقد أدى اغتيال الولايات المتحدة لسليماني في بغداد في أوائل يناير 2020م إلى إضعاف موقف إيران في العراق، ويتّضح ذلك في محدودية رد إيران على مقتله بإطلاق الصواريخ، بينما جاهد الرئيس العراقي برهم صالح للحفاظ على عَلاقات متوازنة مع واشنطن وطهران سعيًا منه إلى منع البلدين من الدخول في الحرب داخل العراق، إذ استهدفت الولايات المتحدة الأحزاب السياسية الشيعية الموالية لإيران داخل العراق، وفرضت عقوبات مشددة على إيران ممّا قيّد تدفّق الأموال من طهران إلى الميليشيات الشيعية العراقية، وزاد اعتماد العراق على واشنطن ودول الخليج العربي في الحصول على الدعم المالي، ووافقت واشنطن في أبريل على إعفاء العراق من العقوبات المتعلّقة باستيراد الكهرباء من إيران لمدة شهر.

وبسبب تصعيد الولايات المتحدة الضربات على المعاقل العسكرية المدعومة من إيران في العراق فقد وقف رجال الدين الشيعة في العراق دعمهم لرئيس الوزراء المؤقت عادل عبد المهدي الذي كان حليفًا مقربًا لإيران، ممّا يجعلهم على خلاف مع طهران. أمّا أتباع مقتدى الصدر فيريدون انسحاب جميع القوّات الأجنبية من العراق، ممّا سبب شرخًا في وحدة الأحزاب الشيعية العراقية التي لطالما اعتمدت عليها إيران لإطالة أمد نفوذها داخل العراق.

وعلى الرغم من أنّ الصدر يطالب من حين إلى آخر بالانسحاب الكامل للقوّات الأمريكية، فإنه ومعظم رجال الدين الشيعة الآخرين يُجمِعون عمومًا على أن الانسحاب الأمريكي التدريجي هو الأفضل، وهذا هو السبب وراء التقليص المتواضع لعدد القوّات الأمريكية في العراق.

وقد فشلت زيارة أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني في مارس الماضي الدبلوماسية إلى العراق، وكذلك زيارة قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني إسماعيل قاآني في مايو التي تلتها، في توحيد صف القيادة السياسية الشيعية العراقية بشأن مسألة انسحاب القوّات الأمريكية، بينما أصرّت واشنطن على ضرورة بذل العراقيين مزيدًا من الجهود لمواجهة نفوذ إيران في بلادهم، فردّوا بتشكيل حكومة وطنية في بغداد، بعد أن انتظر مصطفى الكاظمي (الذي يُعَدّ مقرّبًا من واشنطن) ستة أشهر حتى ينال ثقة البرلمان العراقي.

ومنذ تولي الكاظمي منصبه في مايو اغتيل قادة عسكريون مدعومون من إيران أو اعتُقلوا في العراق، واستُهدفت معاقلهم العسكرية بضربات أمريكية، كما يُعتقل عناصر الميليشيات العراقية المقرّبة من إيران حاليًّا على خلفية شن هجماتٍ على السفارة الأمريكية في بغداد.

وبالتالي فإنّ إيران تَعُدّ الكاظمي شخصيةً استقطابية أظهر بالفعل تبنّيه لسياسة حافة الهاوية، وقد ترغب طهران في إعادة بناء عَلاقة إستراتيجية متوازنة بين مختلف الجماعات العراقية بغرض احتواء رئيس الوزراء العراقي، إذ أدّى اغتيال الصحفي العراقي هشام الهاشمي والخبير في الجماعات المسلحة المدعومة من إيران إلى زيادة التوترات بين طهران وبغداد في يوليو الجاري، ومن المتوقع أن يردّ الكاظمي على مقتل الهاشمي، وقد أدانت طهران الاغتيال، لكنها قلقة من أن يؤدي مقتل الهاشمي إلى الانتقام من حلفائها في العراق.

إنّ عودة القومية العراقية في الأشهر الأخيرة -ولا سيّما بعد اغتيال الهاشمي- ستحدّ من نفوذ إيران هناك، وبالتالي فإنّ أفضل فرصة أمام إيران هي الانسحاب السريع للقوّات الأمريكية من العراق. وتواصل الميليشيات المقربة من إيران تخريب معاقل الولايات المتحدة في العراق لإجبار القوّات الأمريكية على الانسحاب، إذ شنّت الأسبوع الماضي هجومًا على قوافل كانت تحمل إمدادات عسكرية أمريكية في محافظة الديوانية، كما أعلنت جماعة حزب الله العراقية استعدادها لإجبار القوّات الأمريكية على الانسحاب من العراق.

وقد يؤدي الانسحاب الأمريكي السريع من العراق إلى خلافات مستقبلية بين طهران وبغداد، فعلى الرغم من مطالبة بعض أعضاء البرلمان العراقي بالانسحاب الأمريكي الكامل، فإنّ عديدًا من السياسيين الآخرين في بغداد -بمن فيهم الكاظمي- يريدون نزع سلاح الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران أولًا.

وقد تسببت خطط الانسحاب الأمريكي في خلق حالة من الشك بشأن مستقبل العراق، بينما تسبب نفوذ إيران على الميليشيات الشيعية في تصاعد استياء العراقيين منها وسط تجاهل طهران المستمرّ للمطالبات بوقف تدخلها في الشأن العراقي، ويزداد غضب الشارع العراقي من إيران رغم الحملات الدعائية الإيرانية المستمرة التي تحاول إثبات أنها لا تزال تحظى بالدعم في الداخل العراقي.

المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
إدارة التحرير