تداعيات استخدام روسيا للمسيَّرات الإيرانية في أوكرانيا

https://rasanah-iiis.org/?p=29150

خفَّضت كييف مستوى علاقاتها الدبلوماسية مع طهران، بعد صدور تقارير مؤكدة تفيد بأن إيران زوَّدت روسيا بطائرات مسيَّرة. وألغت كييف اعتماد السفير الإيراني لدى أوكرانيا، ووصف الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الخطوة الإيرانية بأنها «تعاون مع الشر». وعلى الرغم من أن إيران نفت كالعادة هذه التقارير، إلَّا أن إسقاط القوات الأوكرانية لثماني طائرات مسيَّرة إيرانية الصُنع مؤخرًا، قد أحرج الحكومة الإيرانية، وسلَّط الضوء مرةً أخرى على أكاذيبها «السافرة»، وتوجيه دعمها للطرف السيء.

وشمِلت الطائرات المسيَّرة الإيرانية الصُنع التي أُسِقطت: «شاهد-136»، و«مهاجر-6»، لكن كان معظمها من «شاهد-136»، وهذا ما أكدته عدة تقارير استخباراتية، بأن إيران أرسلت هذا الطراز من المسيّرات إلى روسيا منذ أبريل من هذا العام. وتستطيع الطائرات المسيَّرة «شاهد-136» استهداف أنظمة الرادار والمدفعية في وقتٍ واحد، ويمكن أن تكون أكثر فاعلية عند استخدامها مع أنظمة مضادة للتشويش.  وعلاوةً على ذلك، ونظرًا لأن هذه المسيَّرات صغيرة الحجم نسبيًا وتحلق على ارتفاعاتٍ منخفضة جدًا؛ ما يجعل من الصعب على أنظمة الدفاع الجوي الأوكرانية اكتشاف حركتها. وصُمِّمت هذه الطائرات المسيَّرة «الانتحارية» في المقام الأول لضرب الأهداف الأرضية، بطريقة التدمير الذاتي. وحسب ما أفادت به التقارير، فإن طول جناحي الطائرة المسيَّرة يبلغ 2.5 متر، وطول الطائرة 3.5 متر، ووزن الإقلاع الأقصى 200 كيلوجرام، ويمكن أن تحلِّق لمسافة 2500 كيلومتر، بسرعة 185 كيلومترًا في الساعة. أما الطائرة المسيَّرة «مهاجر–6»، يبلغ طولها 5.5 متر، وطول جناحيها 10 أمتار، وتستطيع التحليق بسرعة تصل إلى 200 كيلومتر في الساعة، ولمدة 12 ساعة تقريبًا. ويبلغ وزن هذه الطائرة المسيَّرة متعدِّدة الأغراض 600 كيلوجرام، ويمكنها إطلاق القنابل والصواريخ قصيرة المدى.

أسقطت القوات الأوكرانية هذه الطائرات المسيَّرة في مدينة كوبيانسك بمنطقة خاركيف، ونشر الجيش الأوكراني عدة صور لحُطام الطائرات المسيَّرة، التي أظهرت بأنّ الطائرة المسيَّرة من طراز «شاهد-136»، أُعيد طلاؤها بالألوان الروسية، وأُعيدت تسميتها باسم «جيرانيوم-2»؛ (اسم طائرة مسيَّرة روسية). وصرَّح القادة العسكريون الأوكرانيون بأنّ روسيا ألحقت الضرر بالقوات الأوكرانية، بنشرها الطائرات المسيَّرة الإيرانية.  وقال قائد مدفعية اللواء الآلي 92 الأوكراني العقيد روديون كولاجين: إن الطائرات المسيَّرة الإيرانية تحلِّق على شكل أزواج، وتصطدم بأهدافها. وقد دمَّرت هذه الهجمات حتى الآن مدافع الهاوتزر ذاتية الدفع من عيار 152 ملم، ودمَّرت مركبات المشاة في منطقة عمليات اللواء الأوكراني.

في السياق الحالي، يعكس استخدام روسيا للمسيَّرات الإيرانية والعلاقات العسكرية المتنامية بين البلدين، ثلاثة تطورات رئيسية. أولًا: يواجه البلدان إداناتٍ وعقوباتٍ دولية،  أدت إلى تضيق الخناق على آفاقهما  الاقتصادية ومعاملاتهما المالية؛ لذلك لجأت إيران في السنوات الأخيرة إلى رفع حجم صادراتها من  المسيَّرات، أملًا بجني أرباح ضخمة من هذه الصناعة. وعلاوةً على ذلك، دشَّنت إيران أول مصنع للمسيَّرات خارج البلاد في طاجيكستان، في وقت سابق من هذا العام. وعلى مدى العقود الماضية، أنتجت إيران أسلحة ومعدات عسكرية مختلفة محليًا، وذلك في سبيل تعزيز صادراتها الدفاعية؛ وهي خطة تتّبعها الحكومة الإيرانية لتغطية الإنفاق الدفاعي المتزايد للبلاد. وتفيد تقارير بأن إيران تسعى لتصبح مورِّدًا رئيسيًا للأسلحة، وهو الأمر الذي يفسِّر سرعة استغلالها للحرب في أوكرانيا لزيادة صادراتها من المسيَّرات إلى روسيا، خصوصًا بعد صدور تقارير استخباراتية مختلفة، تفيد بأن موسكو تكبَّدت خسائر جمّة في المعدات العسكرية. ثانيًا: اعتمدت إيران في كثير من الأحيان على استخدام الطائرات المسيَّرة في حروبها بالوكالة. وحسب ما أفادت به عدة تقارير، لدى الحرس الثوري تاريخ حافل في تزويد الحلفاء الإقليميين لطهران، والميليشيات التي تعمل بالوكالة في دول مثل سوريا واليمن والعراق، بطائراتها المسيَّرة. وبسبب أهمية الطائرات المسيَّرة في خطط إيران الإقليمية، فقد طوَّرت إيران مع مرور الوقت آليات لتجميع وتصنيع الطائرات المسيَّرة بسرعة، من خلال سلاسل التوريد السرِّية في خِضَم العقوبات. وتُعَدّ أنظمة الأسلحة المسيَّرة الرخيصة والموجَّهة ميزة، ليس فقط لإيران نفسها ووكلائها، لكن لروسيا أيضًا. وما يميِّز المسيَّرات الإيرانية أنها رخيصة الثمن، ولن تتكبَّد روسيا باستخدامها خسائر بشرية؛ لأنها ذاتية التشغيل. ثالثًا: يثبت توريد إيران للطائرات المسيَّرة واستخدامها في المسرح الأوكراني، أن محاولتها في لعب دور دبلوماسي لحل النزاع الأوكراني-الروسي، ما هي سوى كذبة، وأن ما يُسمَّى بـ «الحياد» إزاء الصراع، كان أيضًا عبارة عن ستار تقوِّي من خلفه طهران علاقاتها العسكرية مع موسكو.

وعليه، فإن من الصواب أن نستنتج بأن توطيد العلاقات العسكرية الإيرانية مع روسيا، يعكس المخاوف والمصالح المشتركة بين البلدين. فمن جانبها تسعى إيران إلى توسيع نطاق صادراتها الدفاعية، التي من المرجَّح أن تنمو في السنوات المقبلة. والجدير بالذكر هُنا، أن إمداد إيران روسيا بالمسيَّرات وسلوكها في الشرق الأوسط في هذا التوقيت، يتزامن مع محاولات لإحياء الاتفاق النووي في فيينا. وبكل غطرسة، لا تزال إيران ترى أن بإمكانها الحصول على المزيد من التنازلات من الولايات المتحدة، من خلال تصعيد النزاعات المسلَّحة، وزيادة أعمالها القتالية، سواءً بصورةٍ مباشرة أو غير مباشرة.

المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
إدارة التحرير